الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومخالفته حاصلة والتهاون بها عظيم ولذلك يقال لا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى عظمة من واجهته بها
…
فإذا تحصلت هذه الشروط فإذا ذاك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة أو خيف أن تصير كبيرة كما أن المعاصي كذلك والله أعلم] (1)
وجلّ هذه الشروط لا تنفك عن البدعة فصاحبها يُصِّر عليها لأنه يظن أنه يحسن صنعاً، ولذلك قالوا أنها أحب إلى إبليس من المعصية، وكذلك صاحبها يدعوا إليها كما ذكر الشاطبي نفسه ذلك، ويفعلها في المجتمعات، وهكذا فيعود الأمر إلى أن كل البدع كبائر. هذا وجه، ووجه آخر وهو أننا إن فرضنا انفكاك هذه الشروط أو بعضها عن بدعة القول بخلق القرآن أو الكلام في القدر فهل يعدها من الصغائر.
(وبقيت كلمة وهي أنني لا أميل إلى هذا التقسيم للبدع رأساً وإنما ذكرته لما رأيت من متابعة القوم للإمام الشاطبي في هذا التقسيم. والذي أراه أن جنس البدع أشد من جنس المعاصي من جهة الاستدراك على الشرع بالزيادة أو النقص، ولكن هذا لا يمنع أن بعض المعاصي تكون أشد من بعض البدع كترك الصلاة وقتل النفس المعصومة ونحو ذلك، إلا أن البدع لم يرد فيها إلا النص العام بعموم الذم، وأنها في النار، فلنتوقف إلى هذا الحد ولنسكت عما سكت عنه الشرع من تقسيمها إلى كبائر صغائر، وخاصة أنه لا ينضبط، وأن قياسها على المعاصي قياس مع الفارق كما سبق. والله أعلم.
المبحث الرابع: إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة:
قال الشاطبي ما مختصره: [إذا ثبت أن المبتدع آثم فليس الإثم الواقع عليه على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة، من جهة كون صاحبها مستتراً
(1) الاعتصام (2/ 65: 72).
بها أو معلناً، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، ومن جهة كونها كفراً أو غير كفر، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه - إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه أو يغلب على الظن.
أما الاختلاف من جهة الإسرار والإعلان، فظاهر أن المسر بها ضرره مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره، فعلى أي صورة فرضت البدعة من كونها كبيرة أو صغيرة أو مكروهة. هي باقية على أصل حكمها، فإذا أعلن بها ـ وإن لم يدْعُ إليها ـ فإعلانه بها ذريعة إلى الاقتداء به
…
وأما الاختلاف من جهة الدعوة إليها وعدمها فظاهر أيضاً، لأن غير الداعي وإن كان عرضة بالاقتداء فقد لا يقتدي به، ويختلف الناس في توفر دواعيهم على الاقتداء به، إذ قد يكون خامل الذكر، وقد يكون مشتهراً ولا يقتدي به، لشهرة من هو أعظم عند الناس منزلة منه.
وأما الداعي إذا دعا إليها فمظنة الاقتداء أقوى وأظهر، ولا سيما المبتدع اللسن الفصيح الآخذ بمجامع القلوب، إذا أخذ في الترغيب والترهيب، وأدلى بشبهته التي تداخل القلب بزخرفها
…
وأما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، فإن الحقيقية أعظم وزراً، لأنها التي باشرها المنتهى بغير واسطة، ولأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهراً
…
وأما الاختلاف من جهة كونها ظاهرة المأْخذ أو مشكلة؛ فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة، فإن كانت مشكلة فليست بمحض مخالفة، لإمكان أن لا تكون بدعة، والإقدام على المحتمل، أخفض رتبة من الإقدام على الظاهر
…
وأما الاختلاف بحسب الإصرار عليها أو عدمه فلأن الذنب قد يكون صغيراً فيعظم بالإصرار عليه، كذلك البدعة تكون صغيرة فتعظم بالإصرار عليها، فإذا كانت فلتة فهي أهون منها إذا داوم عليها، ويلحق بهذا المعنى إذا تهاون بها المبتدع وسهل أمرها، نظير الذنب إذا تهاون به، فالمتهاون أعظم وزراً من غيره.