الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وإن قرروا في أصولهم أنها غير حجة كما أوضحه القرافي في التنقيح
…
).
وعرف البوطي في رسالته "ضوابط المصلحة"(ص/330) المصالح المرسلة بقوله: (كل منفعة داخلة في مقاصد الشارع دون أن يكون لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء).
شروط اعتبار المصالح المرسلة
(1):
1 -
لا تصادم نصا من الكتاب، أو السنة، ولا إجماعا، وإلا كانت مصلحة ملغاة؛ لأن معنى إرسالها أن الشارع لم يلغها ولم يعتبرها.
2 -
لا تعارض القياس، فبين مطلق المصلحة والقياس أوجه اتفاق، وأوجه افتراق، إذ القياس إنما هو مراعاة مصلحة في فرع بناء على مساواته في علة حكمه المنصوص عليها ففي القياس مراعاة لمطلق المصلحة بعلة اعتبرها الشارع
…
فكل قياس مراعاة للمصلحة وليس كل مراعاة للمصلحة قياسا، إذ تنفرد المصلحة بأن أحد أقسامها وهي المصلحة المرسلة، هي المصالح التي يراها المجتهد مما لا شاهد يؤيده من أصل يقاس عليه ولا دليل يلغيه من الوحي، وإن كانت مستندة إلى دليل ما اعتبره الشارع، غير أنه دليل لا يتناول أعيان هذه المصلحة بخصوصها، وإنما يتناوب الجنس البعيد لها، كجنس حفظ العقل والنسب والروح.
وإنما يقال ذلك في دليل المصلحة المرسلة؛ لأن هذا هو حالها حقيقة ولأن تجريدها من الدليل الشرعي الذي تستند عليه من قبيل التشهي النفسي والهوى.
لكن دليل المصلحة أقل من دليل القياس إذ دليل المصلحة يتناول الجنس البعيد للمصلحة وتنضوي ضمن مقاصد الشريعة وكلياتها العامة، أما دليل القياس فإنه يتناول عين الوصف المناسب، ويدل عليه صراحة كما في الوصف المؤثر، أو بواسطة جريان الشارع على وفقه كما في الوصف الملائم.
ومن أجل هذا الاختلاف في مرتبة كل من القياس والمصالح المرسلة وجب تقديم القياس على المصالح المرسلة، وعدم اعتبارها إذا تعارضت مع القياس، مع ملاحظة أنه
(1) وهذه الشروط في حقيقتها مستمدة من طبيعة المصلحة، ومن كونها دليلا شرعيا. وانظر: الاعتصام (2/ 627)، بحث المصالح المرسلة لعلي جريشة (ص/44)،"أصول الفقه" للشيخ عياض السلمي (ص/209)، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، حقيقة البدعة للشيخ الغامدي (2/ 179) وغيرها.
لا يوجد تعارض حقيقي بين ذات كل من المصالح المرسلة والقياس، وإنما يوجد تعارض في نظر المجتهد، كما تخيله وبدا لرأيه من كون هذا الأمر مصلحة مرسلة أو قياس، إذ لا يطلق على أي منهما كونه مصلحة مرسلة أو قياسا في حقيقة الأمر إلا إذا سَلِمَ كل منهما من عوارض الإبطال والإلغاء.
والحاصل أن المصلحة المرسلة لا عبرة بها إذا عارضها قياس صحيح.
3 -
أن تكون فيما يعقل معناه من الوسائل والعادات والمعاملات ونحو ذلك ولا تكون في المواضع التي يتعين فيها التوقيف، كأسماء الله وصفاته، والبعث والجزاء، والعبادات المحضة، والمقدرات كالمواريث وأنصبة الزكاة، فإن المصلحة المرسلة لا يمكن أن يستدل بها على ثبوت عبادة أو زيادة فيها أو نقص شيء منها.
فحقيقة التعبديات المحضة ونحوها أنها لا يعقل معناها على التفصيل، وهذا هو السر في اعتبار المصالح المرسلة في العادات والمعاملات ونحوها دون العبادات المحضة ونحوها، بالإضافة إلى أن العبادات حق خاص للشارع، ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا وهيئة إلا من جهته، فيأتي به العبد على ما رسم له، ولهذا لم يكل شيئا من العبادات إلى آراء العباد فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده، بينما تهتدي العقول البشرية في الجملة إلى معرفة حكم وعلل ومعاني العادات والمعاملات، ولذلك جاز دخول المصالح في هذا دون ذاك.
4 -
أن ترجع إلى حفظ أمر ضروري فتكون من باب ما لا يتم الواجب إلا به، أو ترجع إلى رفع الحرج فتكون من باب التخفيف فمثلا جمع القرآن حفظ للشريعة بحفظ أصلها، وكتابته سد لباب الاختلاف فيه، وتضمين الصناع لحفظ الصنعة والمال، وجواز الحبس والضرب في التهم للاحتيال لحفظ المال وهكذا
…
5 -
أن تكون المصلحة حقيقية لا متوهمة، فالمصلحة المتوهمة لا ينظر إليها، ومثالها: ما يتوهمه بعض الناس من أن التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث فيه مصلحة، وهي ترغيب الكفار في الإسلام، ومن ذلك: ما يتوهمه البعض من أن العمل بالقوانين الوضعية المستوردة فيه مصلحة وهي التسوية بين الناس في الحقوق والواجبات.
وهؤلاء وأولئك غفلوا عن أن خالق الناس أعلم بما يصلحهم وما يناسبهم، وأن ترغيب الكفار في الإسلام بترك فرض من فرائضه مفاسده أعظم مما يتوخى فيه من مصلحة، وما في القوانين الوضعية من المصالح يمكن تحصيلها من الشريعة على وجه أكمل.