الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُبْقِ عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"، وهذا من أشراط الساعة قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر" قال ابن المبارك رحمه الله: "الأصاغر: أهل البدع".
9 -
عادات وخرافات لا يدل عليها شرع ولا يقرها عقل، مثل المآَتم وبدعة الزار قال الشاعر:
ثلاثة تشقى بهن الدار
…
العرس والمآتم ثم الزار
10 -
حكاية إجماعات لم تقع، وجعلها أصولا يعتمد عليها، وعدم قبول الحق إلا من طائفتهم:
أما حكاية الإجماعات فمثل حكاية الرازي أن المعتبرين أجمعوا على إمكان وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه.
مع أن المنقول عن الأنبياء والصحابة والتابعين مناقض لهذه الدعوى.
ومثل ذلك ما نقله أبو المعالي الجويني من اتفاق المسلمين على أن الأجسام تتناهى في تجزئها وانقسامها حتى تصير أفرادا، فكل جزء لا يتجزأ وليس له طرف واحد ومقصده بذلك نفي الصفات عن الله سبحانه؛ لأن الصفات - في زعمه - لا تكون إلا في جسم مبعض، مع أن قوله هذا لم يقله سوى طائفة من أهل الكلام، ولم يقله بقيتهم، ولم يقله أحد من السلف مطلقا.
ومثل ذلك قول النبهاني: إن جمهور الأمة على تنزيه الله سبحانه عن جميع الجهات وجميع الأمكنة والأزمنة والعلويات والنقليات ..
أما عدم قبول الحق إلا من طائفتهم، فهذا من ديدن أصحاب الابتداع ولأجل ذلك تراهم يعتمدون على أقوال أصحابهم ومشايخهم، أكثر من اعتمادهم على النصوص الشرعية، ويزعمون فوق ذلك أنهم أصحاب الحق وحدهم، وأن من عداهم فهم أصحاب الضلال، ويدعون أنهم هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية دون من سواهم، وأنهم هم أهل السنة والجماعة، وأن غيرهم أهل البدعة.
وعدم قبول الحق إلا من الطائفة التي يهواها الإنسان ويحبها وينتمي إليها، سبب للابتداع وترك الإتباع، وسبب للضلال ورد الحق، وقد وصف الله اليهود بهذا الوصف، ولعنهم لأجل تلبسهم به، فقال سبحانه:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
قال شيخ الإسلام بعد ذكره لهذه الآية: (فوصف اليهود: أهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به والدعي إليه، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة لم يهوونها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها إلى أن قال - وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم لا يقبلون من الدين رأيا ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم
…
).
فهذا هو حال أهل الابتداع، وهذه أظهر الأسباب التي حملتهم على الوقوع في البدع، ولا يخلو مبتدع من سبب من هذه الأسباب إن لم تكن كلها أو معظمها فيه، فهو يتبع دينا مبدلا أو منسوخا.
الفصل الثاني - هجر المبتدع
(1):
مقاصد الإسلام في الهجر:
1 -
أن (الزجر بالهجر) عقوبة شرعية للمهجور، وأداء لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقربًا إلى الله تعالى بواجب الحب والبغض فيه سبحانه وتعالى.
2 -
بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في هذه البدعة وتحذيرهم.
3 -
تحجيم انتشار البدعة.
4 -
قمع المبتدع وزجره، ليضعف عن نشر بدعته، فإنه إذا حصلت مقاطعته والنفرة منه بات كالثعلب في جحره. أما معاشرته ومخالطته، وترك تحسيسه ببدعته: فهذا تزكية له، وتنشيط وتغرير بالعامة.
5 -
إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع ومداخلتها لصفاء السنن.
المقصود بالهجر:
والمقصود بالهجر هنا هو الهجر ديانة، وهو هجر التعزير: ويدخل في باب العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على الفجار كالمبتدع، على وجه التأديب، في دائرة
الضوابط الشرعية للهجر، حتى يتوب المبتدع ويفيء.
(1) وقد لخصت هذا الفصل من رسالة الشيخ بكر أبي زيد رحمه الله "هجر المبتدع" مع بعض التصرف البسيط.
شروط الهجر:
الهجر الشرعي للفجار من المبتدعين والفساق عبادة، والعبادة لابد من توفر ركنيها:
1 -
الإخلاص، وهو ميزان الأعمال في باطنها.
2 -
والمتابعة، وهو ميزان الأعمال في ظاهرها.
فلابد من أن يكون الهجر: خالصًا صوابًا، فالهجر لهوى النفس: ينقض الإخلاص، والهجر على خلاف الأمر: ينقض المتابعة.
منزلة الهجر من الاعتقاد:
يؤصل علماء الإسلام (هجر المبتدع ديانة) تحت القاعدة العقدية الكبرى (قاعدة الولاء والبراء) فهم يوالون أولياء الرحمن، ويعادون أولياء الشيطان، وكلٍ بحسب ما فيه من الخير والشر.
قال الصابوني: (ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان قَرّت بالآذان وقرت بالقلوب ضرّت وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله:{وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ} .
ثم ذكر علامات أهل البدع، وعلامات أهل السنة، ثم قال: (واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم
…
) اهـ (1).
الأدلة من الكتاب والسنة على هجر المبتدع ديانة:
أولًا - الكتاب العزيز:
1 -
قال الله تعالى: {وإذَا رَأَيْتَ الَذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأنعام: 68) وفي هذه الآية دلالة على تحريم مجالسة أهل البدع والأهواء وأهل الكبائر والمعاصي.
قال ابن العربي: وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل.
(1) رسالته في العقيدة /100، 112.
قال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمنا كان أو كافرا.
2 -
قال الضحاك: (دخل في هذه الآية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة)(1).
ثانيًا - السنة النبوية:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال البغوي رحمه الله تعالى بعده: (قد أخبر النبي لهم عن افتراق هذه الأمة، وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته، وسنة أصحابه رضي الله عنهم، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلًا يتعاطى شيئًا من الأهواء والبدع معتقدًا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيًا وميتا، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته، ويراجع الحق)(2).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم). رواه أحمد، والطبراني والحاكم.
3 -
الأحاديث المتكاثرة في: هجر النبي لأهل المعاصي حتى يتوبوا:
* فهجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزاة تبوك، واستمر هجرهم خمسين ليلة، حتى آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليهم (رواه الشيخان وغيرهما).
* وهجر صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله عنه بتركه صلى الله عليه وسلم رد السلام عليه لملابسته الخلوق حتى غسله. رواه أبو داود في سننه والطيالسي كلاهما من حديث عمار رضي الله عنه.
(1) تفسير القرطبي 5/ 418.
(2)
شرح السنة 1/ 224
فهذه الأحاديث وما في معناها نص في مشروعية هجر العاصي المجاهر بمعصيته حتى يتوب ويفيء، وعليه: فإن الاستدلال بها على هجر المبتدع هو من باب الأولى في الدلالة على: مشروعية هجره ديانة لاسيما وهو المخصوص بأوصاف: البدعة في الدين، والإحداث والضلال، دون العاصي.
ثالثًا - الإجماع:
- قال القاضي أبو يعلى رحمه الله تعالى: (أجمع الصحابة والتابعون على مقاطعة المبتدعين).
- وقال البغوي رحمه الله تعالى بعد حديث كعب بن مالك رضي الله عنه (1): (قد مضت الصحابة والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم).
الضوابط الشرعية للهجر:
الشرع يزن الواقعات والأحوال الداخلة تحت قاعدته العامة (الولاء والبراء) بميزان قسط، وقسطاس مستقيم، وسطًا عدلًا بين جانبي الإفراط والتفريط، فلا تزيد عن حدها ولا تنقص عنه، فتلتقي العقوبة للمبتدع بالهجر مع مقدار بدعته باعتبارات مختلفة، وما يحف بذلك من أحوال تنزل على قاعدة رعاية المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، فنقول إذًا:
الأصل في الشرع هو: هجر المبتدع لكن ليس عامًا في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع. وترك الهجر والإعراض عنه بالكلية، تفريط على أي حال، وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص، والإجماع، وأن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها واختلاف مبتدعها واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة، وهكذا من وجوه الاختلاف والاعتبار التي يرعاها الشرع وميزانها للمسلم الذي به تنضبط المشروعية هو: مدى تحقق المقاصد الشرعية من الهجر: من الزجر، والتأديب، ورجوع العامة، وتحجيم المبتدع وبدعته وضمان السنة من شائبة البدعة ..
هذا محصل الضوابط الشرعية للهجر (2) لكن ليحذر كل مسلم من توظيف (هوى نفسه) وتأمير (حظوظها) على نفسه، فإن هذا هلكة في الحق، وهو شر ممن يترك الهجر
(1) شرح السنة، 1/ 226 - 227
(2)
وهذا طرد لقاعدة الشريعة في العقوبة على قدر الجرم كما في تنوع عقوبات المحاربين لتنوع أحوالهم، والفرق بين عقوبة السارق والمغتصب، والفرق بين عقوبة الزاني المحصن وغير المحصن، وهكذا في سائر العقوبات الشرعية يقدر الجرم وما يحف به من أحوال.
عصيانًا؛ لأنه يعصي الله تعالى بترك الهجر الشرعي للمبتدع، وإظهاره ترك الهجر باسم الشرع تحت غطاء وهمي باسم (المصلحة) و (تأليف القلوب) وهكذا، فالتزام الهجر الشرعي للمبتدع بضوابطه الشرعية لا غير. وعلى هذا التأصيل تتنزل كلمات الأئمة كالإمام أحمد وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المسلك الحق في الهجر: (فإن أقوامًا جعلوا ذلك عامًا، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات. وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية، بل تركوها ترك المعرض لا ترك المنتهي الكاره، أو وقعوا فيها، وقد يتركونها ترك المنتهي الكاره، ولا ينهون عنها غيرهم، ولا يعاقبون بالهجرة ونحوها من يستحق العقوبة عليها، فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابًا أو استحبابًا، فهم بين فعل المنكر أو ترك المنهي عنه، وذلك فعل ما نهوا عنه وترك ما أمروا به، فهذا هذا، ودين الله وسط بين المغالي فيه والجافي عنه، والله سبحانه أعلم)(1).
فباعتبار اختلاف مرتبة البدعة من الإثم هو من عدة جهات (2):
* من جهة كونها كفرًا أو غير كفر:
- فالمكفرة مثل: البابية، والبهائية، والقاديانية، وغلاة البريلوية.
- وغير المكفرة مثل: عامة البدع في العبادات حقيقية كانت أو إضافية.
* ومن جهة كون صاحبها مستترًا بها أو معلنًا لها، ففرق بين المعلن لبدعته الداعي لها، وبين الكاتم لها لأن الداعية، والمعلن لها، أظهرها فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرًا من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، هذا وهم في الدرك الأسفل من النار (3).
(1) الفتاوى 28/ 213، وانظر منه: ص / 6 0 2.
(2)
انظر بسط هذه الجهات الست في: الاعتصام للشاطبي رحمه الله تعالى 1/ 167 174.
(3)
الفتاوى 24/ 175، 28، / 205.
* ومن جهة كونها حقيقية أو إضافية فالبدعة الحقيقية هي: البدعة التعبدية المحدثة استقلالًا كصلاة الرغائب، وليست بدعة إضافية، ومثل القول بالقدر، وصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان، وبدعة الموالد، والأعياد الحكومية، وعيد غدير خم لدى الشيعة، وهكذا.
- والبدعة الإضافية: هي الأمر المبتدع مضافاُ إلى ما هو مشروع أصلًا بزيادة أو نقص، مثاله: الدعاء الجماعي بعد الصلاة، فالدعاء مشروع وجعله جماعيًا بدعة مضافة لم يرد بها النص، وبناء العبادات على التوقيف، وسجود الشكر جماعة، واتخاذ التبليغ خلف الإمام سنة راتبة مع عدم الحاجة إليه، وهكذا.
* ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، أي كونها ظاهرة المأخذ فهي بدعة متمحضة كبدع المآتم والموالد، وصلاة الرغائب
…
* ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه: أما الإصرار عليها فيجعلها من باب: الدعوة إليها فيكون داعية معلنًا لها، وأما عدم الإصرار فهو من باب كونها: فلتة، وزلة عالم، إذا كانت منه ثم لم يعاودها (1).
* ويختلف باختلاف حال المبتدع وما فيه من خير وشر: (وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة
…
) (2).
* وفرق بين عالم تشربت نفسه بالبدع، لكنه لم يختلط بعلماء أهل السنة ولم يتلق عنهم، وبين عالم تلقى عن المبتدعة فنالت منه منالًا، ثم خالط أهل السنة وعلماءهم وجاورهم مدة بمثلها يحصل برد اليقين بل يكون عاشرهم عشرات السنين، ثم هو يبقى على مشاربه البدعية يعملها، ويدعو إليها، ويصر عليها، فهذا قامت عليه الحجة أكثر، واستبانت له المحجة فما أبصر. فهو من أعظم خلق الله فجورًا، وغيضًا على أهل السنة.
(1) وانظر الاعتصام 1/ 174.
(2)
الفتاوى 28/ 209، وانظر ص / 228، بأبسط من هذا.
فالأول في تأليف قلبه وتودده للرجوع إلى السنة مجال، أما الثاني: فلا والله، بل يتعين هجره، ومنابذته وإبعاده، وإنزال العقوبات الشرعية للمبتدعة عليه، وأن يُهجر ميتًا كما هُجر حيًا فلا يصلي أهل الخير عليه، ولا يشيعون جنازته.
* وفرق في حال المهجور: بين القوي في الدين وبين الضعيف فيه، فإن القوي يؤاخذ
بأشد مما يؤاخذ به الضعيف في الدين كما في قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم (1).
* وكذلك بالنسبة للأماكن: ففرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر بالبصرة، والتنجيم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك.
وهذا على ما أفتى به الأئمة أحمد وغيره بناء على هذا الأصل: رعاية المصالح الشرعية (2).
* (ويختلف باختلاف الهاجرين أنفسهم في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم)(3) فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة كانت مشروعية هجر المبتدع قائمة على أصلها، وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله فلا المبتدع ولا غيره يرتدع بالهجر ولا يحصل المقصود الشرعي، لم يشرع الهجر وكان مسلك التأليف، خشية زيادة الشر. وهذا كحال المشروع مع العدو (القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح)(4).
ومن أهم المهمات هنا: إذا كانت الواجبات لدى أهل السنة مثل: التعليم، والجهاد، والطب، والهندسة، ونحوها متعذر إقامتها إلا بواسطتهم، فإنه يعمل على تحصيل مصلحة الجهاد، ومصلحة التعليم وهكذا، مع الحذر من بدعته، واتقاء الفتنة به وبها ما أمكن، وبقدر الضرورة، فإذا زالت عاد أهل السنة إلى الأصل في الهجر، وأبعد لمبتدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في جوابه المحرر في الهجر المشروع: ( .. فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون
(1) الفتاوى 28/ 217 - 218.
(2)
انظر: فتح الباري 8/ 123، كتاب المغازي.
(3)
الفتاوى 28/ 206 - 207، وانظر ص / 212 - 213 فهو مهم.
(4)
الفتاوى 28/ 206.