الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
1 - بَدْر الدِّينِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن بهادر الزركشي
أحد العلماء الأثبات الذين نجموا بمصر في القرن الثامن، وجهبذ من جهابذة أهل النظر وأرباب الاجتهاد، وهو أيضا علم من أعلام الفقه والحديث والتفسير وأصول الدين.
ولد بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة حينما كانت معمورة بالمدارس، غاصة بالفضلاء وحملة العلم، زاخرة بدور الكتب الخاصة والعامة، والمساجد الحافلة بطلاب المعرفة، والوافدين من شتى الجهات، ولم يكد يجاوز سن الحداثة حتى انتظم في حلقات الدروس، وتفقه بمذهب الشافعي، وحفظ كتاب المنهاج في الفروع للإمام النووي، وصار يعرف بالمنهاجى نسبة إلى هذا الكتاب.
وكان الشيخ جمال الدين الإسنوي رئيس الشافعية بالديار المصرية بدر العلماء الزاهر، وكوكبهم المتألق، وإمام أهل الحديث بالمدرسة الكاملية غير مدافع، فلزمه وتلمذ له،
ونهل من علمه ما شاء الله له أن ينهل، فكان من أنجب تلاميذه وأوعاهم، وأفضلهم وأذكاهم، كما تخرج على الشيخ سراج الدين البلقيني، والحافظ مغلطاي، وغيرهم من شيوخ مصر وعلمائها.
ثم ترامت إليه شهرة الشيخ شهاب الدين الأذرعي بحلب، والحافظ بن كثير بدمشق فشد إليهما الرحال، قصد إلى حلب أولا حيث أخذ عن الأذرعي الفقه والأصول، ثم عمد إلى دمشق حيث تلقى على ابن كثير الحديث، ثم عاد إلى القاهرة وقد جمع أشتات العلوم، وأحاط بالأصول والفروع، وعرف الغامض والواضح، ووعى الغريب والنادر، واستقصى الشاذ والمقيس، إلى ذكاء وفطنة، وثقافة والمعية، فأهله كل ذلك للفتيا والتدريس، والتوفر على الجمع والتصنيف، واجتمع له من المؤلفات في عمره القصير ما لم يجتمع لغيره من أفذاذ الرجال، وإن كان هذا الفضل لم يعرفه الناس إلا بعد وفاته، وحين توارت شمس حياته.
وكان رضى الخلق، محمود الخصال، عذب الشمائل، متواضعا رقيقا، يلبس الخلق من الثياب، ويرضى بالقليل من الزاد، لا يشغله عن العلم شيء من مطالب الدنيا، أو شئون الحياة.
قال ابن حجر: (وكان مقطعا في منزله لا يتردد إلى احد الا إلى سوق الكتب، وإذا حضر إليها لا يشترى شيئا، وإنما يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه) وحكى تلميذه شمس الدين البرماوي أنه كان منقطعا إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه.
المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام العلامة وحيد الدهر وفريد العصر جامع شتات الْفَضَائِلِ وَنَاصِرُ الْحَقِّ بِالْبُرْهَانِ مِنَ الدَّلَائِلِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَدْر الدِّينِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الزَّرْكَشِيّ الشَّافِعِيُّ بَلَّغَهُ اللَّهُ مِنْهُ مَا يَرْجُوهُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَوَّرَ بِكِتَابِهِ الْقُلُوبَ وأنزل في أوجز لفظه وأعجز أسلوبه فَأَعْيَتْ بَلَاغَتُهُ الْبُلَغَاءَ وَأَعْجَزَتْ حِكْمَتُهُ الْحُكَمَاءَ وَأَبْكَمَتْ فصاحته الخطباء.
أحمده أن جعل فَاتِحَةَ أَسْرَارِهِ وَخَاتِمَةَ تَصَارِيفِهِ وَأَقْدَارِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى وَنَبِيُّهُ الْمُرْتَضَى الظَّافِرُ مِنَ الْمَحَامِدِ بِالْخَصْلِ الظَّاهِرُ بِفَضْلِهِ عَلَى ذَوِي الْفَضْلِ مُعَلِّمُ الْحِكْمَةِ وَهَادِي الْأُمَّةِ أَرْسَلَهُ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللَّامِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَبْرَارِ وَصَحْبِهِ الْأَخْيَارِ أَمَّا بعد:
فإن أول مَا أُعْمِلَتْ فِيهِ الْقَرَائِحُ وَعَلِقَتْ بِهِ الْأَفْكَارُ اللواقح فحص عَنْ أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ وَالْكَشْفُ عَنْ حَقَائِقِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْمَعَالِمُ وَتَثْبُتُ الدَّعَائِمُ فَهُوَ الْعِصْمَةُ الْوَاقِيَةُ وَالنِّعْمَةُ الْبَاقِيَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَالدَّلَالَةُ الدَّامِغَةُ وَهُوَ شِفَاءُ الصُّدُورِ وَالْحَكَمُ الْعَدْلُ عِنْدَ مشتبهات الأمور وهو الكلام الجزل والفصل الذي ليس بحزن سِرَاجٌ لَا يَخْبُو ضِيَاؤُهُ وَشِهَابٌ لَا يَخْمَدُ نوره وثناؤه وَبَحْرٌ لَا يُدْرَكُ غَوْرُهُ
بَهَرَتْ بَلَاغَتُهُ الْعُقُولَ وَظَهَرَتْ فَصَاحَتُهُ عَلَى كُلِّ مَقُولٍ وَتَظَافَرَ إِيجَازُهُ وَإِعْجَازُهُ وَتَظَاهَرَتْ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ وَتَقَارَنَ فِي الْحُسْنِ مَطَالِعُهُ وَمَقَاطِعُهُ وَحَوَتْ كُلَّ الْبَيَانِ جَوَامِعُهُ وَبَدَائِعُهُ قَدْ أَحْكَمَ الْحَكِيمُ صِيغَتَهُ ومعناه وَقَسَّمَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ إِلَى مَا يُنَشِّطُ السَّامِعَ وَيُقَرِّطُ الْمَسَامِعَ مِنْ تَجْنِيسٍ أَنِيسٍ وَتَطْبِيقٍ لَبِيقٍ وَتَشْبِيهٍ نَبِيهٍ وَتَقْسِيمٍ وَسِيمٍ وَتَفْصِيلٍ أَصِيلٍ وَتَبْلِيغٍ بليغ وتصدير بالحسن جدير وترديد ماله مزيد إلى غير ذلك مما أجرى الصِّيَاغَةِ الْبَدِيعَةِ، وَالصِّنَاعَةِ الرَّفِيعَةِ، فَالْآذَانُ بِأَقْرَاطِهِ حَالِيَةٌ، وَالْأَذْهَانُ مِنْ أَسْمَاطِهِ غَيْرُ خَالِيَةٍ فَهُوَ مِنْ تُنَاسُبِ أَلْفَاظِهِ وَتَنَاسُقِ أَغْرَاضِهِ قِلَادَةٌ ذَاتُ اتِّسَاقٍ، وَمِنْ تَبَسُّمِ زَهْرِهِ وَتَنَسُّمِ نَشْرِهِ، حَدِيقَةٌ مُبْهِجَةٌ لِلنُّفُوسِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَحْدَاقِ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهُ لَهَا مِنْ نَفْسِهَا طَرَبٌ، وَمِنْ ذَاتِهَا عَجَبٌ، وَمِنْ طَلْعَتِهَا غُرَّةٌ، وَمِنْ بَهْجَتِهَا دُرَّةٌ، لَاحَتْ عَلَيْهِ بَهْجَةُ الْقُدْرَةِ، وَنَزَلَ مِمَّنْ لَهُ الْأَمْرُ، فَلَهُ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ سُلْطَانٌ وَإِمْرَةٌ، بَهَرَ تَمَكُّنُ فواصله، وحسن ارتباط أواخره وأوائله وَبَدِيعُ إِشَارَاتِهِ وَعَجِيبُ انْتِقَالَاتِهِ مِنْ قِصَصٍ بَاهِرَةٍ إِلَى مَوَاعِظَ زَاجِرَةٍ وَأَمْثَالٍ سَائِرَةٍ وَحِكَمٍ زَاهِرَةٍ وَأَدِلَّةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ ظَاهِرَةٍ وَأَمْثَالٍ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ سائرة ومواقع تعجب واعتبار ومواطن تنزيل وَاسْتِغْفَارٍ إِنْ كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ تَرْجِيَةً بَسَطَ وَإِنْ كَانَ تَخْوِيفًا قَبَضَ وَإِنْ كَانَ وَعْدًا أَبْهَجَ وَإِنْ كَانَ وَعِيدًا أَزْعَجَ وَإِنْ كَانَ دَعْوَةً حَدَبَ وَإِنْ كَانَ زَجْرَةً أَرْعَبَ وَإِنْ كَانَ مَوْعِظَةً أَقْلَقَ وَإِنْ كَانَ تَرْغِيبًا شَوَّقَ.
هَذَا وَكَمْ فِيهِ مِنْ مَزَايَا
…
وَفِي زَوَايَاهُ مِنْ خَبَايَا
وَيُطْمِعُ الْحَبْرَ فِي التَّقَاضِي
…
فَيَكْشِفُ الْخَبَرَ عَنْ قَضَايَا
فَسُبْحَانَ مَنْ سَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْقُلُوبِ وَصَرَّفَهُ بِأَبْدَعِ مَعْنًى وَأَغْرَبِ أُسْلُوبٍ،