الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْعُ الْأَوَّلُ:مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ النُّزُولِ
وَقَدِ اعْتَنَى بِذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَفْرَدُوا فِيهِ تَصَانِيفَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمِنْ أَشْهَرِهَا تَصْنِيفُ الْوَاحِدِيِّ فِي ذَلِكَ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ
وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ
وَمِنْهَا الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحَ الْقُشَيْرِيُّ بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمْرٌ تَحَصَّلَ لِلصَّحَابَةِ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْقَضَايَا
وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا وَيَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنَّ مَحَلَّ السَّبَبِ لا يجوز
إخراجه بالاجتهاد والإجماع كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ لِأَنَّ دُخُولَ السَّبَبِ قَطْعِيٌّ وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى وُرُودِ الْعُمُومِ أَثَرًا وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِ إِخْرَاجِ مَحَلِّ السَّبَبِ بِالتَّخْصِيصِ لِأَمْرَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يَجُوزُ
وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ عُدُولًا عَنْ مَحَلِّ السُّؤَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى السَّائِلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تُعْتَبَرُ النُّصُوصِيَّةُ فِي السَّبَبِ مِنْ جِهَةِ اسْتِحَالَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتُؤَثِّرُ أَيْضًا فِيمَا وَرَاءَ مَحَلِّ السَّبَبِ وَهُوَ إِبْطَالُ الدَّلَالَةِ عَلَى قَوْلٍ وَالضَّعْفُ عَلَى قَوْلٍ
وَمِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا دَفْعُ تَوَهُّمِ الْحَصْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي ما أوحي إلي محرما} الْآيَةَ إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَكَانُوا عَلَى المضادة والمحادة جاءت الْآيَةُ مُنَاقِضَةً لِغَرَضِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا حَلَالَ إِلَّا مَا حَرَّمْتُمُوهُ وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ مَنْ يَقُولُ لَا تَأْكُلِ الْيَوْمَ حَلَاوَةً فَتَقُولُ لَا آكُلُ الْيَوْمَ إِلَّا الْحَلَاوَةَ وَالْغَرَضُ الْمُضَادَّةُ لَا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَلَّلْتُمُوهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ ما وراءه إذا الْقَصْدُ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ لَا إِثْبَاتُ الْحِلِّ
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إِلَى ذَلِكَ لَمَا كُنَّا
نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ مَالِكٍ فِي حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَتْهُ الْآيَةُ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الشَّافِعِيِّ أَجْرَاهُ مَجْرَى التَّأْوِيلِ "وَمَنْ قَالَ بِمُرَاعَاةِ اللَّفْظِ دُونَ سَبَبِهِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّأْوِيلِ
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ فِي مَوَاضِعَ اتَّفَقُوا عَلَى تَعْدِيَتِهَا إِلَى غَيْرِ أَسْبَابِهَا كَنُزُولِ آيَةِ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَآيَةِ اللَّعَّانِ فِي شَأْنِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَنُزُولِ حَدِّ الْقَذْفِ فِي رُمَاةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها ثُمَّ تَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ {والذين يرمون المحصنات} فَجَمَعَهَا مَعَ غَيْرِهَا إِمَّا تَعْظِيمًا لَهَا إِذْ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ
وَمَنْ رَمَى أُمَّ قَوْمٍ فَقَدْ رَمَاهُمْ وَإِمَّا لِلْإِشَارَةِ إِلَى التَّعْمِيمِ وَلَكِنَّ الرُّمَاةَ لَهَا كَانُوا مَعْلُومِينَ فَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى مَنْ سِوَاهُمْ فَمَنْ يَقُولُ بِمُرَاعَاةِ حُكْمِ اللَّفْظِ كَانَ الِاتِّفَاقُ هَاهُنَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَصْلِ وَمَنْ قَالَ بِالْقَصْرِ عَلَى الْأَصْلِ خَرَجَ عَنِ الْأَصْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِدَلِيلٍ وَنَظِيرُ هَذَا تَخْصِيصُ الِاسْتِعَاذَةِ بِالْإِنَاثِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} لِخُرُوجِهِ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ أَنَّ بَنَاتِ لَبِيَدٍ سَحَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
كَذَا قَالَ أَبُو عَبِيدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هو لبيد ابن الْأَعْصَمِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ
وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَاتُ عَلَى الْأَسْبَابِ خَاصَّةً وَتُوضَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعَ مَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْآيِ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ السِّيَاقِ فَذَلِكَ الَّذِي وُضِعَتْ مَعَهُ الْآيَةُ نَازِلَةً عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ لِلْمُنَاسَبَةِ إِذْ كَانَ مَسُوقًا لَمَّا نَزَلَ فِي مَعْنًى يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ وَضْعًا تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ هَلْ هِيَ كَالسَّبَبِ فَلَا يَخْرُجُ وَيَكُونُ مُرَادًا مِنَ الْآيَاتِ قَطْعًا؟ أولا ينتهي في القوة إِلَى ذَلِكَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ غَيْرُهُ وَتَكُونُ الْمُنَاسَبَةُ مُشَبَّهَةً بِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ
وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رُتْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ دُونَ السَّبَبِ وفوق العموم الْمُجَرَّدِ وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهلها} فَإِنَّ مُنَاسَبَتَهَا لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَانَ قَدِمَ إِلَى مَكَّةَ وَشَاهَدَ قَتْلَى بَدْرٍ وَحَرَّضَ الْكُفَّارَ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ وَغَزْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ هُمْ فَقَالَ أَنْتُمْ كَذِبًا مِنْهُ وَضَلَالَةً لَعَنَهُ اللَّهُ فَتِلْكَ الْآيَةُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ شَارَكَهُ فِي تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يجدون عندهم في كتابهم بعث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَتَهُ وَقَدْ أُخِذَتْ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقُ أَلَّا يَكْتُمُوا ذَلِكَ وَأَنْ يَنْصُرُوهُ وَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ فَلَمْ يؤدوها وخانوا فيها وذلك مناسب لقوله {ن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ وَجْهُ النُّظُمِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلِهِمْ إِنِ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ انْتَهَى
وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا أَنْ قِصَّةَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَانَتْ عَقِبَ بَدْرٍ وَنُزُولُ {إِنَّ الله يأمركم} فِي الْفَتْحِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا وَبَيْنَهُمَا سِتُّ سِنِينَ لِأَنَّ الزَّمَانَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَضْعُ آيَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُنَاسِبُهَا وَالْآيَاتُ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى أَسْبَابِهَا وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَضْعِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَلِمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهَا مَوَاضِعُهَا
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْعِلْمِ إِزَالَةُ الْإِشْكَالِ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تَلَا {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} إِلَى قَوْلِهِ {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ بَعْضُهُمْ وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ سُؤَالِ مَرْوَانَ لَا يَكْفِي لِأَنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِنَ السَّبَبِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي
زُورٍ" وَإِنَّمَا الْجَوَابُ أَنَّ الْوَعِيدَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَثَرِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْفَرَحُ وَحُبُّ الْحَمْدِ لَا عَلَيْهِمَا أَنْفُسِهِمَا إِذْ هُمَا مِنَ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّكْلِيفُ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا
قُلْتُ: لَا يَخْفَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِنَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ خَاصٌّ وَنَظِيرُهُ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّلْمَ بِالشِّرْكِ فِيمَا سَبَقَ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية فحكي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ وَيَحْتَجَّانِ بهذه الآية وخفي عليهما سَبَبُ نُزُولِهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالُوا كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهَا رِجْسٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إن ارتبتم} الْآيَةَ قَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَهُ سَبَبُ النُّزُولِ رُوِيَ
أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا عِدَّةَ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَمَا عِدَّةُ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ مِنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ؟ فَنَزَلَتْ فَهَذَا يبين معنى {إن ارتبتم} أَيْ إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يَعْتَدِدْنَ فَهَذَا حُكْمُهُنَّ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله} فَإِنَّا لَوْ تَرَكْنَا مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُفْهَمُ مُرَادُ الْآيَةِ حَتَّى يُعْلَمَ سَبَبُهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا نزلت لما صلى النبي صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا} فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ قَوْمًا أَرَادُوا الْخُرُوجَ لِلْجِهَادِ فَمَنَعَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ أَنْزَلَ فِي بَقِيَّتِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمُؤَاخَذَةَ فَقَالَ {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فصل: فيما نزل مكررا
وَقَدْ يُنَزَّلُ الشَّيْءَ مَرَّتَيْنِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا بِهِ عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خَوْفَ نِسْيَانِهِ وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي الْفَاتِحَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَأُخْرَى بِالْمَدِينَةِ وَكَمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِي هَذَا؟ فَقَالَ بَلْ لِجَمِيعِ أُمَّتِي فَهَذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَالرَّجُلُ قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَبُو الْيُسْرِ
وَسُورَةُ هُودٍ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِهِمْ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ
وَمِثْلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قوله تعالى {ويسألونك عن الروح} أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنِ الرُّوحِ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ فِي سُورَةِ {سُبْحَانَ} وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَعَنْ أَهْلِ الكهف قيل ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَأَنَّ الْيَهُودَ أَمَرُوهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْجَوَابَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ
وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي {قل هو الله أحد} أَنَّهَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَأَنَّهَا جَوَابٌ لِأَهْلِ الكتاب بالمدينة
وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُسَيَّبِ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ وَتَلَكَّأَ عَنِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قربى} وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ {إِنَّكَ لَا تهدي من أحببت} وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَوْتُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ بِمَكَّةَ فَيُمْكِنُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَجُعِلَتْ أَخِيرًا فِي بَرَاءَةٌ
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ سَبَبٌ مِنْ سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ تَقْتَضِي نُزُولَ آيَةٍ وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَتَضَمَّنُهَا فَتُؤَدَّى تِلْكَ الْآيَةُ بِعَيْنِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَذْكِيرًا لَهُمْ بِهَا وَبِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ وَالْعَالِمُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ حَوَادِثُ فَيَتَذَكَّرُ أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خَطَرَتْ لَهُ تِلْكَ الْحَادِثَةُ قَبْلُ مَعَ حِفْظِهِ لِذَلِكَ النَّصِّ
ومما يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِنُزُولِ الْآيَةِ قد يكون من هذا الباب لاسيما وَقَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
فِي كَذَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَتَضَمَّنُ هَذَا الْحُكْمَ لَا أَنَّ هَذَا كان السبب في نزولها وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يَجْعَلُونَ هَذَا مِنَ الْمَرْفُوعِ الْمُسْنَدِ كَمَا فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي قوله تعالى {نساؤكم حرث لكم} . وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْمُسْنَدِ وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا هَذَا مِمَّا يُقَالُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَبِالتَّأْوِيلِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْآيَةِ لَا مِنْ جِنْسِ النَّقْلِ لِمَا وقع
فصل: خصوص السبب وعموم الصيغة
وَقَدْ يَكُونُ السَّبَبُ خَاصًّا وَالصِّيغَةُ عَامَّةً لِيُنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في نفس سُورَةِ الْهُمَزَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ خَاصًّا وَالْوَعِيدُ عَامًّا لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ وَلِيَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى التَّعْرِيضِ بِالْوَارِدِ فِيهِ فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه
تقدم نزول الآية على الحكم
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تزكى} فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَسْنَدَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ عِيدٌ وَلَا زَكَاةٌ
وَأَجَابَ البغوي في تفسيره انه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا قَالَ {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حل بهذا الْبَلَدِ} فَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَظُهُورُ أَثَرِ الْحِلِّ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى: قَالَ عليه السلام: "أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ" وَكَذَلِكَ نَزَلَ بِمَكَّةَ {سيهزم الجمع ويولون الدبر} قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنْتُ لَا أَدْرِي: أَيَّ الْجَمْعِ يُهْزَمُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: " {سيهزم الجمع ويولون الدبر}
فَائِدَةٌ
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل كَانَتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَلَّا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى أُفَارِقَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} وَالثَّانِيَةُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفًا فَأَعْجَبَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ لِي هَذَا
فنزلت {يسألونك عن الْأَنْفَالِ} وَالثَّالِثَةُ أَنِّي كُنْتُ مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقْسِمَ مَالِي أَفَأُوصِي بِالنِّصْفِ فَقَالَ لَا فَقُلْتُ الثُّلُثُ فَسَكَتَ فَكَانَ الثُّلُثُ بَعْدُ جَائِزًا وَالرَّابِعَةُ أَنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَ رَجُلٌ منهم أنفي بلحى جَمَلٍ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَحْرِيمَ الْخَمْرِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بذكر سبب النزول ووقع البحث أَيُّمَا أَوْلَى الْبَدَاءَةُ بِهِ بِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ أَوْ بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهَا الْمُصَحِّحَةُ لِنَظْمِ الْكَلَامِ وَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى النُّزُولِ؟
وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى سَبَبِ النُّزُولِ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ فِي {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهلها} فَهَذَا يَنْبَغِي فِيهِ تَقْدِيمُ ذِكْرِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ وجه المناسبة