المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع التاسع: معرفة المكي والمدني - البرهان في علوم القرآن - جـ ١

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌1 - بَدْر الدِّينِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن بهادر الزركشي

- ‌2 - مؤلفاته

- ‌3 - كتاب البرهان

- ‌4 - نسخ الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ:مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ الْآيَاتِ

- ‌النوع الثالث: معرفة الفواصل ورؤوس الآي

- ‌النوع الرابع: في جَمْعُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ

- ‌النوع الخامس: علم المتشابه

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ: عَلَمُ الْمُبْهَمَاتِ

- ‌النَّوْعُ السَّابِعُ: فِي أَسْرَارِ الْفَوَاتِحِ وَالسُّوَرِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: فِي خَوَاتِمِ السُّوَرِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: مَعْرِفَةُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ عَلَى كَمْ لُغَةٍ نَزَلَ

- ‌النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: فِي كَيْفِيَّةِ إِنْزَالِهِ

- ‌النوع الثاث عَشَرَ: فِي بَيَانِ جَمْعِهِ وَمَنْ حَفِظَهُ مِنَ الصحابة رضي الله عنهم

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ تَقْسِيمِهِ بِحَسَبِ سُوَرِهِ وترتيب السور والآيات وعددها

- ‌النوع الخامس عشر: معرفة أسمائه واشتقاقاتها

- ‌النوع السَّادِسَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ

- ‌النوع السَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ غَرِيبِهِ

- ‌النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ التَّصْرِيفِ

- ‌النوع العشرون: معرفة الْأَحْكَامِ مِنْ جِهَةِ إِفْرَادِهَا وَتَرْكِيبِهَا

- ‌النوع الحادي والعشرون: مَعْرِفَةُ كَوْنِ اللَّفْظِ وَالتَّرْكِيبِ أَحْسَنَ وَأَفْصَحَ

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ وَتَبْيِينُ وَجْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كُلُّ قَارِئٍ

- ‌النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ

- ‌النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: عِلْمُ مَرْسُومِ الْخَطِّ

- ‌النَّوْعُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ فَضَائِلِهِ

- ‌النوع السابع والعشرون: معرفة خواصيه

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ شَيْءٍ

- ‌النوع التاسع والعشرون: في آداب تلاوتها وكيفيتها

- ‌النَّوْعُ الثَّلَاثُونَ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ فِي التَّصَانِيفِ وَالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ اسْتِعْمَالُ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ

- ‌النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْأَمْثَالِ الْكَائِنَةِ فِيهِ

الفصل: ‌النوع التاسع: معرفة المكي والمدني

‌النَّوْعُ التَّاسِعُ: مَعْرِفَةُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ

وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَتَرْتِيبِ ذَلِكَ

وَمِنْ فَوَائِدِهِ مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمَكِّيُّ أَكْثَرُ مِنَ الْمَدَنِيِّ

اعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ اصْطِلَاحَاتٍ

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ

وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَدَنِيَّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَكِّيَّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدَنِيَّ مَا وَقَعَ خِطَابًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ الْكُفْرُ فَخُوطِبُوا يأيها النَّاسُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ دَاخِلًا فِيهَا وَكَانَ الغالب على أهل المدينة الإيمان فخوطبوا يأيها الَّذِينَ آمَنُوا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ دَاخِلًا فِيهِمْ

وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ إِلَّا آيَةً وَهِيَ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فيه إلى الله} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بمنى انتهى

ص: 187

ونزولها هناك لا يخرجها عن المدني بالاصطلاح الثَّانِي أَنَّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَدَنِيٌّ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً واحدة نزلت في مكة في عثمان ابن طَلْحَةَ حِينَ أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ وَيُسَلِّمَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهلها} وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ

وَمِنْ جُمْلَةِ عَلَامَاتِهِ أن كل سورة فيها يأيها الناس وليس فيها يأيها الَّذِينَ آمَنُوا فَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَفِي الْحَجِّ اخْتِلَافٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا كَلَّا فَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا حُرُوفُ الْمُعْجَمِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا البقرة وآل عِمْرَانَ وَفِي الرَّعْدِ خِلَافٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ سِوَى الْبَقَرَةِ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ فَمَدَنِيَّةٌ سِوَى الْعَنْكَبُوتِ

وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ كُلُّ سُورَةٍ ذُكِرَتْ فِيهَا الْحُدُودُ وَالْفَرَائِضُ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ

وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ قَالَ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَمَا نَزَلَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَكِّيِّ

ص: 188

وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَسْفَارِهِ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ مِنَ الْمَدَنِيِّ وَمَا كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ يأيها الذين آمنوا فهو مدني وما كان يأيها النَّاسُ فَهُوَ مَكِّيٌّ

وَذَكَرَ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ مَا كَانَ مِنْ حَدٍّ أَوْ فَرِيضَةٍ فَإِنَّهُ أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْأُمَمِ وَالْعَذَابِ فَإِنَّهُ أُنْزِلَ بِمَكَّةَ

وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ لِمَعْرِفَةِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ طَرِيقَانِ سَمَاعِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ فَالسَّمَاعِيُّ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا نُزُولُهُ بِأَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسِيُّ قَالَ عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كل سورة فيها يأيها النَّاسُ فَقَطْ أَوْ كَلَّا أَوْ أَوَّلُهَا حُرُوفُ تهج سوى الزهراوين والرعد فِي وَجْهٍ أَوْ فِيهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ سِوَى الطُّولَى فَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مَكِّيَّةٌ وَكُلُّ سُورَةٍ فِيهَا فَرِيضَةٌ أَوْ حَدٌّ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ انْتَهَى

وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ نزل فيه يأيها النَّاسُ فَهُوَ بِمَكَّةَ وَكُلُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيهِ يأيها الَّذِينَ آمَنُوا فَهُوَ بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا مُرْسَلٌ قَدْ أُسْنِدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

ص: 189

وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِجْرَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِهِ

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَوَاخِرَ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يَرْوِيهِ غَيْرُ قَيْسٍ عَنْ عَلْقَمَةَ مُرْسَلًا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إِلَّا قَيْسٌ انْتَهَى

وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَهَذَا الْقَوْلُ إِنْ أَخَذَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} وفيها {يا أيها النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} وسورة النساء مدنية وفيها: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} وفيها: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس} وسورة الحج مكية وفيها: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} فَإِنْ أَرَادَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْغَالِبَ ذَلِكَ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلِذَا قَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا

ص: 190

إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وَفِي كثير من السور المكية {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا} انْتَهَى

وَالْأَقْرَبُ تَنْزِيلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَكِّيٌّ وَمَدَّنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ الْمَقْصُودُ بِهِ أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ

وَفِي تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْحَسَنِ أَنَّ ما في القرآن يأيها الناس مكي وما كان يأيها الَّذِينَ آمَنُوا فَبِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ إِنْ كَانَ الرُّجُوعُ فِي هَذَا إِلَى النَّقْلِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِ حُصُولَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ دُونَ مَكَّةَ فَضَعِيفٌ إِذْ يَجُوزُ خِطَابُ الْمُؤْمِنِينَ بِصِفَتِهِمْ وَاسْمِهِمْ وَجِنْسِهِمْ وَيُؤْمَرُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا والازدياد منها انتهى

فصل

ويقع السؤال أَنَّهُ هَلْ نَصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: فِي الِانْتِصَارِ إِنَّمَا هَذَا يَرْجِعُ لِحِفْظِ الصَّحَابَةِ وَتَابِعِيهِمْ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَادَةِ مِنْ مَعْرِفَةِ مُعَظِّمِي الْعَالِمِ وَالْخَطِيبِ وَأَهْلِ الْحِرْصِ عَلَى حِفْظِ كَلَامِهِ وَمَعْرِفَةِ كُتُبِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ مِنْ أَنْ يَعْرِفُوا مَا صَنَّفَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَحَالُ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ أَمْثَلُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ أَشَدُّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ قَوْلٌ وَلَا وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اعْلَمُوا أَنَّ قدر ما نزل بِمَكَّةَ كَذَا وَبِالْمَدِينَةِ كَذَا وَفَصَّلَهُ لَهُمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لَظَهَرَ وَانْتَشَرَ وَإِنَّمَا لَمْ يفعله أنه لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الْأُمَّةِ وَإِنْ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ تَارِيخِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِيُعْرَفَ الْحُكْمُ الَّذِي تَضَمَّنَهُمَا فَقَدْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصِّ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ

ص: 191

هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ الْمَكِّيُّ وَهَذَا هُوَ الْآخِرُ الْمَدَنِيُّ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَمَّا لَمْ يَعْتَبِرُوا أَنَّ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ تَفْصِيلَ جَمِيعِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ مِمَّا لَا يَسُوغُ الْجَهْلُ بِهِ لَمْ تَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى إِخْبَارِهِمْ بِهِ وَمُوَاصَلَةِ ذِكْرِهِ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَخْذِهِمْ بِمَعْرِفَتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَاغَ أَنْ يَخْتَلِفَ فِي بَعْضِ الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مَكِّيٌّ أَوْ مَدَنِيٌّ وَأَنْ يعلموا فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَلْزَمِ النَّقْلَ عَنْهُمْ ذِكْرُ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ آيَةٍ أُنْزِلَتْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ مَكِّيَّةً أَوْ مَدَنِيَّةً فَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ وُجُوبِ نَقْلِ هَذَا أَوْ شُهْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَلُزُومِ الْعِلْمِ بِهِ لَهُمْ وَوُجُوبِ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فِيهِ

فَصْلٌ

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى فَضْلِ عُلُومِ الْقُرْآنِ مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْقُرْآنِ عِلْمُ نُزُولِهِ وَجِهَاتِهِ وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ابْتِدَاءً وَوَسَطًا وَانْتِهَاءً وَتَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ وَمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ مَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَدَنِيِّ وَمَا يُشْبِهُ نُزُولَ الْمَدَنِيِّ فِي الْمَكِّيِّ ثُمَّ مَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ وَمَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ وَمَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ مَا نَزَلَ لَيْلًا وَمَا نَزَلَ نَهَارًا وَمَا نَزَلَ مُشَيَّعًا وَمَا نَزَلَ مُفْرَدًا ثُمَّ الْآيَاتِ الْمُدْنِيَاتِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ثُمَّ مَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ مَا نَزَلَ مُجْمَلًا وَمَا نَزَلَ مُفَسَّرًا وَمَا نَزَلَ مَرْمُوزًا ثُمَّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَدَنِيٌّ هَذِهِ خَمْسَةُ وَعِشْرُونَ وَجْهًا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيُمَيِّزْ بَيْنَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى

ص: 192

ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ تَرْتِيبُهُ

أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ثُمَّ {ن وَالْقَلَمِ} ثُمَّ {يا أيها المزمل} ثم {يا أيها الْمُدَّثِّرُ} ثُمَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ثُمَّ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ثُمَّ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ثُمَّ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ثُمَّ {وَالْفَجْرِ} ثُمَّ {وَالضُّحَى} ثُمَّ {أَلَمْ نَشْرَحْ} ثُمَّ {وَالْعَصْرِ} ثُمَّ {وَالْعَادِيَاتِ} ثُمَّ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ثُمَّ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ثُمَّ {أَرَأَيْتَ الَّذِي} ثُمَّ {قُلْ يا أيها الْكَافِرُونَ} ثُمَّ سُورَةُ الْفِيلِ ثُمَّ الْفَلَقِ ثُمَّ النَّاسِ ثُمَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} ثُمَّ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} ثُمَّ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} ثُمَّ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ثُمَّ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ثُمَّ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ثُمَّ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ثُمَّ {الْقَارِعَةِ} ثُمَّ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ثُمَّ الْهُمَزَةِ ثُمَّ الْمُرْسَلَاتِ ثُمَّ {ق وَالْقُرْآنِ} ثُمَّ {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} ثُمَّ الطَّارِقِ ثُمَّ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ثُمَّ {ص وَالْقُرْآنِ} ثُمَّ الْأَعْرَافِ ثُمَّ الْجِنِّ ثُمَّ {يس} ثُمَّ الْفُرْقَانِ ثُمَّ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ مَرْيَمَ ثُمَّ طه ثُمَّ الْوَاقِعَةِ ثُمَّ الشُّعَرَاءِ ثُمَّ النَّمْلِ ثُمَّ الْقَصَصِ ثُمَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ يُونُسَ ثُمَّ هُودٍ ثُمَّ يُوسُفَ ثُمَّ الْحِجْرِ ثُمَّ الْأَنْعَامِ ثُمَّ الصَّافَّاتِ ثُمَّ لُقْمَانَ ثُمَّ سَبَأٍ ثُمَّ الزُّمَرِ ثُمَّ حم الْمُؤْمِنِ ثُمَّ حم السَّجْدَةِ ثُمَّ حم عسق ثُمَّ حم الزُّخْرُفِ ثُمَّ حم الدُّخَانِ ثُمَّ حم الْجَاثِيَةِ ثُمَّ حم الْأَحْقَافِ ثُمَّ وَالذَّارِيَاتِ ثُمَّ الْغَاشِيَةِ ثُمَّ الْكَهْفِ ثُمَّ النَّحْلِ ثُمَّ نُوحٍ ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ {الم تَنْزِيلُ} ثُمَّ {وَالطُّورِ} ثُمَّ الْمُلْكِ ثُمَّ {الْحَاقَّةُ} ثُمَّ {سَأَلَ سَائِلٌ} ثُمَّ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ثُمَّ {وَالنَّازِعَاتِ} ثُمَّ {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ثُمَّ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ثم الروم

ص: 193

وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَقَالَ ابن عباس الْعَنْكَبُوتِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَكَّةَ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ مِنَ الثِّقَاتِ وَهِيَ

خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً

ذِكْرُ تَرْتِيبِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ

وَهُوَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً

فَأَوَّلُ مَا نَزَلَ فِيهَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ ثُمَّ الْأَنْفَالِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُمْتَحِنَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ثُمَّ {إِذَا زُلْزِلَتْ} ثُمَّ الْحَدِيدِ ثُمَّ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الرَّعْدِ ثُمَّ الرَّحْمَنِ ثُمَّ {هَلْ أَتَى} ثُمَّ الطَّلَاقِ ثُمَّ {لَمْ يَكُنْ} ثُمَّ الْحَشْرِ ثُمَّ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ثُمَّ النُّورِ ثُمَّ الْحَجِّ ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ المجادلة ثم الحجرات ثم {يا أيها النبي لم تحرم} ثُمَّ الصَّفِّ ثُمَّ الْجُمُعَةِ ثُمَّ التَّغَابُنِ ثُمَّ الْفَتْحِ ثُمَّ التَّوْبَةِ ثُمَّ الْمَائِدَةِ

وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْمَائِدَةِ عَلَى التَّوْبَةِ: "وَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المائدة في خطبة حجة الوداع وقال يأيها النَّاسُ إِنَّ آخِرَ الْقُرْآنِ نُزُولًا سُورَةُ الْمَائِدَةِ فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا"

فَهَذَا تَرْتِيبُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَعَطَاءٌ إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَدَنِيَّةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَدَنِيَّةٌ وَقَالَ عَطَاءٌ هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فَجَمِيعُ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً وَجَمِيعُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً عَلَى اختلاف الروايات

ص: 194

ذكر مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَدَنِيٌّ

مِنْهَا قَوْلُهُ تعالى {يا أيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شعوبا وقبائل} الْآيَةَ وَلَهَا قِصَّةٌ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ وَنُزُولُهَا بِمَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِهَا وَهِيَ

مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ

وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي الْمَائِدَةِ {الْيَوْمَ أكملت لكم دينكم} إلى قوله {الخاسرين} نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ وَالنَّاسُ وُقُوفٌ بِعَرَفَاتٍ فَبَرَكَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَيْبَةِ الْقُرْآنِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ لِنُزُولِهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ عِدَّةُ آيَاتٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا

ذِكْرُ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَحِكَمُهُ مَكِّيٌّ

مِنْهُ الْمُمْتَحِنَةِ إِلَى آخِرِهَا وَهِيَ قِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَسَارَةَ وَالْكِتَابِ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهَا وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ فَخَاطَبَ بِهَا أَهْلَ مَكَّةَ

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ من بعد ما ظلموا} إِلَى آخَرَ السُّورَةِ مَدَنِيَّاتٌ يُخَاطِبُ بِهَا أَهْلَ مكة

ومنها سورة الرعد يخاطب أَهْلَ مَكَّةَ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ

ص: 195

ومن أول براءة إلى قوله: {إنما المشركون نجس} خِطَابٌ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ

فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وحكمه مدني وما أنزل فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَحُكْمُهُ مَكِّيٌّ

مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ الْمَدِينَةِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ

مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي النَّجْمِ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأثم} يعني كل ذنب عاقبته النار {والفواحش} يَعْنِي كُلَّ ذَنْبٍ فِيهِ حَدٌّ {إِلَّا اللَّمَمَ} وَهُوَ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ مِنَ الذُّنُوبِ نَزَلَتْ فِي نَبْهَانَ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَاسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَةُ بِمَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ حَدٌّ وَلَا غَزْوٌ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هُودٍ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أبي مقبل الحسين بْنِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي اشْتَرَتْ مِنْهُ التَّمْرَ فَرَاوَدَهَا

مَا يُشْبِهُ تَنْزِيلَ مَكَّةَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ

مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاءِ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لدنا} نزلت في نصارى نجران ومنهم السيد والعاقب

ص: 196

ومنها سورة {والعاديات ضبحا} فِي رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَنْفَالِ {وَإِذْ قَالُوا اللهم إن كان هذا هو الحق} الْآيَةَ

مَا نَزَلَ بِالْجُحْفَةِ

قَوْلُهُ عز وجل فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لرادك إلى معاد} نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرٌ

مَا نَزَلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الزُّخْرُفِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يعبدون} نَزَلَتْ عَلَيْهِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ

مَا نَزَلَ بِالطَّائِفِ

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْفُرْقَانِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الْآيَةَ وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ

وَقَوْلُهُ فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يوعون فبشرهم بعذاب أليم} يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ

مَا نَزَلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الرَّعْدِ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: " اكْتُبْ

ص: 197

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَتَابَعْنَاكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وهم يكفرون بالرحمن} إلى قوله {متاب}

مَا نَزَلَ لَيْلًا

قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي أَوَّلِ سورة الحج {يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم} نَزَلَتْ لَيْلًا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ وَالنَّاسُ يَسِيرُونَ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى في المائدة: {والله يعصمك من الناس} نَزَلَتْ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحْرَسُ كُلَّ لَيْلَةٍ

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ فَأَتَاهُ حُذَيْفَةُ وَسَعْدٌ فِي آخَرِينَ مَعَهُمُ الْحَجَفُ وَالسُّيُوفُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْمَةٍ مَنْ أَدَمٍ فَبَاتُوا عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ بَعْدَ هَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْآيَةَ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأسه من الخيمة فقال: "يأيها النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدَ عَصَمَنِي اللَّهُ"

وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ فِي اللِّحَافِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ نَهَارًا

ص: 198

مَا نَزَلَ مُشَيَّعًا

سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ طَبَّقُوا مَا بين السموات وَالْأَرْضِ لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ اللَّهِ وَخَرَّ سَاجِدًا

قُلْتُ ذَكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ جَاءَ مِنْ حديث أبي ابن كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ فَرُوِيَ أَنَّهَا لم ينزل جُمْلَةً وَاحِدَةً بَلْ نَزَلَ مِنْهَا آيَاتٌ بِالْمَدِينَةِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ ثَلَاثٌ هِيَ قَوْلُهُ تعالى قل تعالوا إِلَخِ الْآيَاتِ وَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَسَائِرُهَا نَزَلَ بِمَكَّةَ

وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَمَانُونَ أَلْفَ مَلَكٍ

وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ

وَسُورَةُ يُونُسَ نَزَلَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ مَلَكٍ

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا نَزَلَتْ وَمَعَهَا عِشْرُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَسَائِرُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ بِلَا تَشْيِيعٍ

الْآيَاتُ الْمَدَنِيَّاتُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ

مِنْهَا سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَهِيَ كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ خَلَا سِتِّ آيَاتٍ وَاسْتَقَرَّتْ بِذَلِكَ الروايات

{وما قدروا الله حق قدره} نَزَلَتْ هَذِهِ فِي مَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ

ص: 199

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} نزلت في عبد الله بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَخِي عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ حِينَ قَالَ: {سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} فَأَمْلَاهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخر} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اكتب: {فتبارك الله} إلخ الْآيَةَ فَقَالَ إِنْ كُنْتُ نَبِيًّا فَأَنَا نَبِيٌّ لِأَنَّهُ خَطَرَ بِبَالِي مَا أَمْلَيْتَ عَلَيَّ فَلَحِقَ كافرا

وأما قوله: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شيء} فَإِنَّهُ نَزَلَ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ حِينَ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ وَثَلَاثُ آيَاتٍ من آخرها: {قل تعالوا} إلى قوله: {تتقون}

سورة الأعراف مكية إلا ثلاث آيات: {واسألهم عن القرية التي كانت} إلى قوله: {وإذ نتقنا الجبل}

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ آيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي قَتْلَى بَدْرٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نعمت الله كفرا} إلخ الآيتين

سُورَةُ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا في الله من بعد ما ظلموا} والباقي مدني

ص: 200

سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ قَوْلِهِ: {وَإِنْ كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} يَعْنِي ثَقِيفًا وَلَهُ قِصَّةٌ

سُورَةُ الْكَهْفِ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ قَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} نَزَلَتْ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَلَهُ قِصَّةٌ

سُورَةُ الْقَصَصِ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ آية: {الذين آتيناهم الكتاب} يَعْنِي الْإِنْجِيلَ: {مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} يَعْنِي الْفُرْقَانِ نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ

ص: 201

قَدِمُوا مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَسْلَمُوا وَلَهُمْ قِصَّةٌ

سُورَةُ الزُّمَرِ مَكِّيَّةٌ غير قوله: {قل يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ

الْحَوَامِيمُ كُلُّهَا مَكِّيَّاتٌ غَيْرَ آيَةٍ فِي الْأَحْقَافِ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ}

الْآيَاتُ الْمَكِّيَّةُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ

مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْأَنْفَالِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأنت فيهم} الآية يعني أهل مكة حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ

سُورَةُ التَّوْبَةِ مَدَنِيَّةٌ غَيْرَ آيَتَيْنِ: {لَقَدْ جاءكم} إِلَخْ السُّورَةِ

سُورَةُ الرَّعْدِ مَدَنِيَّةٌ غَيْرَ قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} إِلَى قوله: {جميعا}

سُورَةُ الْحَجِّ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٌ قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ

ص: 202

مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} إلى قوله: {عقيم} وَلَهُ قِصَّةٌ

سُورَةُ: {أَرَأَيْتَ} مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: {فويل للمصلين} إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ كَذَا قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ

مَا حُمِلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

أَوَّلُ سُورَةٍ حُمِلَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ سُورَةُ يُوسُفَ انْطَلَقَ بِهَا عَوْفُ بْنُ عَفْرَاءَ فِي الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فَعَرَضَ عليهم الإسلام فأسلموا وهم أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرَأَهَا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي بَنِي زُرَيْقٍ فَأَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ بُيُوتٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَوَى ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ رومان عن عطاء عن ابن يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ حُمِلَ بَعْدَهَا: {قل هو الله أحد} إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ حُمِلَ بَعْدَهَا الْآيَةَ الَّتِي في الأعراف

{قل يا أيها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} إِلَى قوله: {تهتدون} فَأَسْلَمَ عَلَيْهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَهُ قِصَّةٌ

مَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ

مِنْ ذَلِكَ الْأَنْفَالُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} الْآيَةَ وَذَلِكَ حِينَ أَوْرَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ كِتَابَ مُسْلِمِي مَكَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَيَّرُونَا قَتْلَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَأَخْذَ الْأَمْوَالِ وَالْأَسَارَى فِي الشَّهْرِ

ص: 203

الْحَرَامِ فَكَتَبَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ إِلَى مُسْلِمِي مَكَّةَ إِنْ عَيَّرُوكُمْ فَعَيِّرُوهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِكُمْ

ثُمَّ حُمِلَتْ آيَةُ الرِّبَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي حُضُورِ ثَقِيفٍ وَبَنِي الْمُغِيرَةِ إِلَى عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَكَّةَ فقرأ عتاب عليهم: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} فَأَقَرُّوا بِتَحْرِيمِهِ وَتَابُوا وَأَخَذُوا رُءُوسَ الْأَمْوَالِ

ثُمَّ حُمِلَتْ مَعَ الْآيَاتِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ قَرَأَهُنَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى النَّاسِ وَفِي تَرْتِيبِهَا قِصَّةٌ

ثُمَّ حُمِلَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ الْآيَةَ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} إلى قوله: {عفوا غفورا} فَلَا تُعَاقِبُهُمْ عَلَى تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْهِجْرَةِ فَلَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا إِلَى مُسْلِمِي مَكَّةَ قَالَ جُنْدَعُ بْنُ ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ لِبَنِيهِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَلَسْتُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنِّي لَا أَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ فَحَمَلَهُ بَنُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِالتَّنْعِيمِ فَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْتُهُ فَقَالُوا لَوْ لَحِقَ بِنَا لَكَانَ أَكْمَلَ لِأَجْرِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله ورسوله} إلى قوله {غفورا رحيما}

ص: 204

مَا حُمِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ

هِيَ سِتُّ آيَاتٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ في خصومة الرهبان والقسيسين: {قل يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فَقَرَأَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يهوديا ولا نصرانيا} قَالَ النَّجَاشِيُّ صَدَقُوا مَا كَانَتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ قَرَأَ جَعْفَرٌ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} الْآيَةَ قَالَ النَّجَاشِيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي وَلِيٌّ لِأَوْلِيَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ: صَدَقُوا وَالْمَسِيحِ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّجَاشِيُّ وَأَسْلَمُوا

ص: 205

النَّوْعُ الْعَاشِرُ: مَعْرِفَةُ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَآخِرِ مَا نَزَلَ

فَأَمَّا أَوَّلُهُ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم: {اقرأ باسم ربك} ثُمَّ الْمُدَّثِّرِ

وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها صَرِيحًا وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}

وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} وَهُوَ مُخْتَصَرٌ وَفِي الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ

وَقَدْ جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ

وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ جَابِرًا سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ قِصَّةَ بَدْءِ الْوَحْيِ فَسَمِعَ آخِرَهَا وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهَا فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ هِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ: {اقْرَأْ} وَفَتْرَةِ الْوَحْيِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ

ص: 206

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: "بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بين السماء والأرض فجثثت منه فرقا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى {يا أيها المدثر قم فأنذر} فَقَدْ أَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءٍ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ وَأَخْبَرَ في حديث عائشة أن نُزُولَ: {اقْرَأْ} كَانَ فِي غَارِ حِرَاءٍ وَهُوَ أَوَّلُ وَحْيٍ ثُمَّ فَتَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الْوَحْيَ تَتَابَعَ بَعْدَ نزول {يا أيها الْمُدَّثِّرُ} فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ: {اقْرَأْ} أَوَّلُ مَا نَزَلَ مُطْلَقًا وَأَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَا تَضَادَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلْ أَوَّلُ مَا نَزَلِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

بِغَارِ حِرَاءٍ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَصَبَّتْ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي بيت خديجة {يا أيها الْمُدَّثِّرُ} فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ: {اقْرَأْ} رجع فتدثر فأنزل عليه {يا أيها الْمُدَّثِّرُ}

وَقِيلَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ انْطَلَقَ هَارِبًا وَذَكَرَ نُزُولَ الْمَلَكِ عَلَيْهِ وَقَوْلَهُ قُلْ {الحمد لله رب العالمين} إِلَى آخِرِهَا

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: فِي الِانْتِصَارِ وَهَذَا الْخَبَرُ مُنْقَطِعٌ وَأَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ {اقْرَأْ باسم ربك} ويليه في القوة {يا أيها الْمُدَّثِّرُ} وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وأول ما نزل من أوامر التبليغ {يا أيها الْمُدَّثِّرُ} وَأَوَّلَ مَا نَزَلَ

ص: 207

مِنَ السُّوَرِ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ""وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ الدِّمَاءُ" وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَا يُحْكَمُ فِيهِ مِنَ الْمَظَالِمِ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ الدِّمَاءُ وَأَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ الْفَرَائِضِ الْبَدَنِيَّةِ الصَّلَاةُ

وقيل أول ما نزل للرسالة {يا أيها المدثر} وللنبوة {اقرأ باسم ربك} فإن العلماء قالوا قَوْلِهِ تَعَالَى

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} دَالٌّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَحْيِ إِلَى الشَّخْصِ عَلَى لسان الملك بتكليف خاص وقوله تعالى {يا أيها المدثر قم فأنذر} دَلِيلٌ عَلَى رِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْوَحْيِ إِلَى الشَّخْصِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ بِتَكْلِيفٍ عَامٍّ

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ سُورَةِ: {اقْرَأْ} ثَلَاثَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ نُوحٍ وَثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّثِّرِ

وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ أَوَّلُ سورة أنزلت اقرأ ثم نوح

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لهم الجنة} وَرَوَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهِ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ

ص: 208

وَأَمَّا آخِرُهُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} وَعَنْ عَائِشَةَ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَقِيلَ {وَاتَّقُوا يَوْمًا ترجعون فيه إلى الله}

وَقَالَ السُّدِّيُّ آخِرُ مَا نَزَلَ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ

وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ كَامِلَةً سُورَةُ بَرَاءَةٌ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ النِّسَاءِ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}

ثُمَّ قَالَ وَأَخْطَأَ أَبُو إِسْحَاقَ ثُمَّ سَاقَ سَنَدَهُ مِنْ طُرُقٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِهَا وَوَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا وَقِيلَ تِسْعُ لَيَالٍ انْتَهَى

وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} ثُمَّ قَرَأَهَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ثُمَّ قَرَأَ إلى: {وهو رب العرش العظيم}

قَالَ هَذَا آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَخَتَمَ بِمَا فَتَحَ بِهِ بِالَّذِي

ص: 209

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أنا فاعبدون}

وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَوَى الْبُخَارِيُّ آخِرُ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا

وَرَوَى مُسْلِمٌ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ جَمِيعًا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا رُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ قَائِلُهُ بِضَرْبٍ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَتَغْلِيبِ الظَّنِّ وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا طَعَنَ بِهِ الطَّاعِنُونَ مِنْ عَدَمِ الضَّبْطِ

وَيُحْتَمَلُ أَنًّ كُلًّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ عَنْ آخِرِ مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْ قَبْلَ مَرَضِهِ بِقَلِيلٍ وَغَيْرُهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ هُوَ لِمُفَارَقَتِهِ لَهُ وَنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ بِقُرْآنٍ بَعْدَهُ

وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَنْزِلَ الْآيَةُ الَّتِي هِيَ آخِرُ آيَةٍ تَلَاهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَعَ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَعَهَا فَيُؤْمَرُ بِرَسْمِ ما نزل معها وَتِلَاوَتِهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ رَسْمِ مَا نَزَلَ آخِرًا وَتِلَاوَتِهِ فَيَظُنُّ سَامِعُ ذَلِكَ أَنَّهُ آخِرُ مَا نَزَلَ فِي التَّرْتِيبِ

ص: 210