الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا فُرِضَ التَّشَهُّدُ - يَعْنِي التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ
-
5614 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "
⦗ص: 271⦘
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فَيَذْكُرُ فِيهِ: فَلَمَّا فُرِضَ التَّشَهُّدُ، غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ مَنْ سِوَاهُ، وَكُلُّهُمْ لَا يَذْكُرُ فِيهِ هَذَا الْحَرْفَ. فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ مَعْنَى الْفَرْضِ فِي هَذَا، هَلْ هُوَ كَفَرْضِ الصَّلَاةِ الَّذِي مَنْ جَحَدَهُ كَانَ كَافِرًا؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ فَرْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَلْزَمُ، فَيُوجِبُ عَلَى الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجَ مِنْهَا، كَالصَّلَوَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] ، ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَهَا، مَنْ
⦗ص: 272⦘
هُمْ ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ إِعْلَامِ النَّاسِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ بِذَلِكَ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ:" {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] قَالَ: الْأَمْرُ بِالْحَلَالِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْحَرَامِ " وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَصَادِرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ:" {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] قَالَ: أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَأَشْيَاءَ فَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، قَالَ: وَالتَّشْدِيدُ - يَعْنِي فِي (فَرَّضْنَاهَا) - فِي هَذَا أَحْسَنُ "
⦗ص: 273⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ يَكُونُ الْفَرْضُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ فَرْضَ الِاخْتِيَارِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفَرْضُ كَفَرْضِ الطَّوَافِ وَلَا كَفَرْضِ الزَّكَوَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا كَمَا مَنْ جَحَدَ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ كَانَ كَافِرًا. وَمِثْلُ الْفَرْضِ الَّذِي ذَكَرْنَا الْوُجُوبُ ، فَقَدْ يُذْكَرُ الشَّيْءِ بِالْوُجوُبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ ، وَالَّذِي هُوَ إِذَا جَحَدَهُ كَانَ بِجَحْدِهِ إِيَّاهُ كَافِرًا ، وَمِثْلٌ الْفَرْضِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَقَدْ يُذْكَرُ عَلَى وُجُوبِ الِاخْتِيَارِ، وَمِنْهُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:" غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ يَكُونُ الْفَرْضُ عَلَى الْإِعْطَاءِ لَا عَلَى مَا سِوَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
⦗ص: 274⦘
لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] ، فَكَانَ الْفَرْضُ فِي هَذَا الْإِعْطَاءِ
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:" {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] قَالَ: إِنَّ الَّذِي أَعْطَاكَ - يَعْنِي الْقُرْآنَ - لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ، يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ " فَكَانَ مَعْنَى الْفَرْضِ فِي هَذَا هُوَ الْعَطِيَّةَ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ التَّشَهُّدِ هُوَ الْعَطِيَّةَ مِنَ اللهِ عز وجل إِيَّاهُمُ التَّشَهُّدَ الَّذِي فِيهِ شَهَادَتُهُمْ لَهُ عز وجل بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ لِيُثَبِّتَهُمْ مِمَّا شَاءَ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وُجُوبُ فَرْضٍ يَخْرُجُ عَمَّا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَوْ فِيهَا سِوَى الْقُرْآنِ كَالِاسْتِفْتَاحِ لَهَا، وَكَالتَّسْبِيحِ فِي رُكُوعِهَا، وَفِي سُجُودِهَا، وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ - وَإِنْ تَكامَلَتْ فِي أَنْفُسِهَا - لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ، كَانَ التَّشَهُّدُ مِثْلَهَا