الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي لِبَاسِ الرِّجَالِ الْخِفَافَ فِي الْإِحْرَامِ، أَمُبَاحٌ ذَلِكَ لَهُمْ، كَمَا يُبَاحُ فِي الْإِحْلَالِ؟ أَوْ مُبَاحٌ لَهُمْ فِي حَالِ الْإِعْوَازِ مِنَ النِّعَالِ بَعْدَ قَطْعِهَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ
؟
5429 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ، مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْحُدَاءَ، فَأَتَاهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، رَأَى عَلَيْهِ خُفَّيْنِ قَالَ: وَالْخُفَّانِ مَعَ الْغِنَاءِ؟ قَالَ: " لَقَدْ لَبِسْتُهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ - يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
⦗ص: 44⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْبَارُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ - يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ - مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، يُرِيدُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَدْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ، فَأَمْضَاهُ لَهُ. قَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ رضي الله عنه فِي الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُجَامِعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَا يَغْتَسِلُونَ إِذَا لَمْ يُنْزِلُوا، وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ بِهِ عِنْدَ ذَلِكَ: أَفَذَكَرْتُمْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّكُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ، وَلَكِنَّا قَدْ وَجَدْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوفِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ، وَتَرْكِهِ النَّكِيرَ عَلَيْهِ فِيهِ
5430 -
كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الْأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَى مَكَّةَ وَرَجُلٌ مَعَنَا يَرْتَجِزُ، فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ لَهُ: مَهْ، اذْكُرِ اللهَ ، قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَرَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خُفَّيْنِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: وَخُفٌّ أَيْضًا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: " فَعَلْتُهُ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَعِبْهُ عَلَيَّ "
⦗ص: 45⦘
فَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي زَادَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ قَدْ دَلَّ أَنَّ اللِّبَاسَ كَانَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ
5431 -
كَمَا: قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَةَ يَقُولُ:" مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ "، قُلْتُ: وَلَمْ يَقُلْ: يَقْطَعُهُمَا؟ قَالَ: لَا
⦗ص: 46⦘
5432 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ
5433 -
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ يَقُولُ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، لَبِسَ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، لَبِسَ خُفَّيْنِ "
5434 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
⦗ص: 47⦘
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَرَفَةَ
5435 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
5436 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
⦗ص: 48⦘
5437 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَهُوَ يَخْطُبُ
5438 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحِبَرِيُّ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ " فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ إِبَاحَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِبَاسَ الْخِفَافِ لِلرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ إِذَا لَمْ يَجِدُوا النِّعَالَ.
⦗ص: 49⦘
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ
5439 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟، فَقَالَ:" لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا خُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ "
5440 -
وَحَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا، سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟، فَقَالَ:" لَا تَلْبَسُوا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ "
⦗ص: 50⦘
5441 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
⦗ص: 51⦘
5442 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ.
5443 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ
5444 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ
⦗ص: 52⦘
نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا مِنْ عِنْدِ الْكَعْبَيْنِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ أَنْ يَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. فَقَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ مَعَانٍ مُتَضَادَّةٌ، قَدْ رَوَيْتُمْ كُلَّ مَعْنًى مِنْهَا بِالْآثَارِ الَّتِي رَوَيْتُمُوهُ بِهَا، فَهَلْ تَجِدُونَ وَجْهًا تَحْمِلُونَهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهَا هَذَا التَّضَادُّ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي وَجَدْنَاهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى الْوُجُوهِ بِهَا عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ كَانَ حُكْمُ لِبَاسِ الْخِفَافِ فِي الْإِحْرَامِ لِلرِّجَالِ مُبَاحًا عِنْدَ وُجُودِ النِّعَالِ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا فِي الْإِحْرَامِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ ، فَمُنِعُوا مِنْ لِبْسِهَا فِي حَالِ وُجُودِ النِّعَالِ ، وَأُبِيحَ لَهُمْ لُبْسُهَا فِي حَالِ عَدَمِ النِّعَالِ عَلَى مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهِمَا فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَأُبِيحَ لُبْسُهُمَا فِي الْإِحْرَامِ فِي حَالِ عَدَمِ النِّعَالِ بَعْدَ أَنْ تُقْطَعَ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ثَلَّثْنَا بِرِوَايَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ.
⦗ص: 53⦘
وَهَذَا بَابٌ مِنَ الْفِقْهِ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُهُ فِيهِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَسْخِ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ اللَّذَيْنِ ثَنَّيْنَا بِذِكْرِهِمَا. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمُ: الشَّافِعِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ثَلَّثْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَكَانَ وَجْهَ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ: أَنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا لِبَاسَ الْخِفَافِ لِوَاجِدِي النِّعَالِ فِي الْإِحْرَامِ مَمْنُوعًا مِنْهُ، نُظِرَ كَيْفَ حُكْمُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّعَالِ، فَوُجِدَتِ الْأَشْيَاءُ الْمَمْنُوعُ مِنْهَا فِي الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، مِنْهَا: لِبَاسُ الْقَمِيصِ، وَحَلْقُ الشَّعْرِ، وَكَانَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ، فَحَلَقَ شَعْرَهُ مِنْ أَذًى، أَوْ لَبِسَ قَمِيصَهُ مِنْ أَذًى، لَمْ تُسْقِطِ الضَّرُورَةُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ، فَعَقَلُوا بِذَلِكَ: أَنَّ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُوجِبُ الْإِبَاحَاتِ لِلْأَشْيَاءِ الْمَحْظُورَاتِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَاتِ، إِنَّمَا تَرْفَعُ الْآثَامَ لَا مَا سِوَاهَا، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا الضَّرُورَةُ إِلَى لِبَاسِ الْخِفَافِ إِذَا عَدِمَتِ النِّعَالُ، وَأُبِيحَ بِذَلِكَ لُبْسُهَا فِي الْإِحْرَامِ أَنْ تَرْفَعَ الْآثَامَ، وَلَا تَرْفَعَ الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ فِيهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَاتِ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ عِنْدَنَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ،
⦗ص: 54⦘
فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ "، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟
5445 -
كَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ،
5446 -
وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا ،
5447 -
وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ،
⦗ص: 55⦘
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَيْضًا فَكَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم جَوَابًا لَهُ مَا فِي حَدِيثِهِ هَذَا، وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، كَانَ مِنْهُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِهَا، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم مُطْلَقًا بِلَا وَصْفٍ مِنْهُ لِلْخِفَافِ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْخِفَافَ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْخِفَافَ الَّتِي أُطْلِقَ لُبْسُهَا فِي الْإِحْرَامِ، أَيُّ خِفَافٍ هِيَ؟ فَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ وَصْفِهَا لَهُمْ فِي خُطْبَتِهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ عز وجل فِي آيَةِ الدَّيْنِ، فِي وَصْفِ الشُّهُودِ بِالرِّضَا فِي الشَّهَادَةِ، بِقَوْلِهِ:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، ثُمَّ ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ فِي آيٍ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي كِتَابِهِ، مِنْهَا قَوْلُهُ عز وجل:{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ، فَلَمْ يَصِفْهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِمِثْلِهِ فِي آيَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ فِي آيَةِ الدَّيْنِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ، وَيَعْقِلُونَ بِهِ أَنَّ الشُّهُودَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الشُّهُودُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ ، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ الْخِفَافُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ بِلَا وَصْفٍ، هِيَ الْخِفَافُ الْمَوْصُوفَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمَا وُصِفَ بِهِ فِيهِ، وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ وَصْفِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ إِنْ كَانَ
⦗ص: 56⦘
عَنْ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ، كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ ، لِيُوَافِقَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُخَالِفَهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ