المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اللغَة: ‌ ‌{الحشر} الجمع، وسمي يوم القيامة يوم الحشر لأنه يوم - صفوة التفاسير - جـ ٣

[محمد علي الصابوني]

الفصل: اللغَة: ‌ ‌{الحشر} الجمع، وسمي يوم القيامة يوم الحشر لأنه يوم

اللغَة: ‌

{الحشر}

الجمع، وسمي يوم القيامة يوم الحشر لأنه يوم اجتماع الناس للحساب والجزاء ومنه {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ} [النمل:

‌ 1

7] أي جمع له الجنود {قَذَفَ} ألقى وأنزل بشدة {الجلاء}

ص: 328

الخروج من الوطن مع الأهل والولد {شَآقُّواْ} عادوا وخالفوا {لِّينَةٍ} بكسر اللام النخلة القريبة من الأرض، الكريمة الطيبة، سميت لينة لجودة ثمرها وأنشد الأخفش:

قد شجاني الحمامُ حين تغنَّى

بفراق الأحباب من فوقِ لينة

{أَوْجَفْتُمْ} الوجيف: سرعة السير يقال: أوجف البعير إِذا حثَّه وحمله على السير السريع {دُولَةً} بضم الدال الشيء الذي يتداول من الأموال، وينتقل من يد إلى يد {خَصَاصَةٌ} فقر واحتياج {غِلاًّ} حِقداً وضغينة.

سَبَبُ النّزول: لما نقض اليهود «بنو النضير» العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم َ حاصرهم صلى الله عليه وسلم َ وأمر بقطع نخيلهم وإِحراقه إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم، فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنك نبيٌ؟ وأنك تنهى عن الفساد؟ فما بالك تأمر بقطع الأشجار وتحريقها؟ فأنزل الله تعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله. .} الآية.

التفسِير: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} أي نزَّه الله تعالى ومجَّده وقدَّسه جميع ما في السموات والأرض من ملك، وإِنسان، وجماد، وشجر كقوله تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإِسراء: 44] قال ابن كثير: يخبر تعالى أن جميع ما في السموات والأرض يبسح له ويُمجده ويقدِّسه ويُوحِّده {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي وهو العزيز في ملكه، الحكيمُ في صنعه {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ} بيانٌ لبعض أثار قدرته تعالى الباهرة وعزته الظاهرة أي هو جلَّ وعلا الذي أخرج يهود بني النضير من مساكنهم بالمدينة المنورة {لأَوَّلِ الحشر} أي في أول مرة حُشروا وأخرجوا فيها من جزيرة العرب، إِذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك قال البيضاوي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم َ المدينة صالح «بني النضير» على ألَاّ يكونوا معه ولا عليه، فلما ظهر يوم بدر قالوا: إنه النبي المنعوتُ في التوراة بالنصرة لا تُردُّ له راية، فلما هُزم المسلمون يوم أُحد ارتابوا ونكثوا، وخرج «كعب بن الأشرف» في أربعين راكباً إِلى مكة وحالفوا «أبا سفيان» فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم َ «محمد بن مسلمة» أخا كعبٍ من الرضاعة فقتله غيلةً، ثم صبَّحهم بالكتائب وحاصرهم، حتى صالحوه على الجلاء، فجلا أكثرهم إلى الشام، ولحقت طائفة بخيبر، فذلك قوله {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحشر} قال الألوسي: ومعنى {لأَوَّلِ الحشر} أن هذا أول حشرهم إلى الشام أي اول ما حُشروا وأُخرجوا، ونبَّه بلفظ {أول} على أنهم لم يصبهم جلاءٌ قبله {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من أوطانهم وديارهم بهذا الذل والهوان، لعزتهم ومنعتهم، وشدة بأسهم، حيث كانوا أصحاب حصون وعقار، ونخيلٍ وثمار {وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله} أي وظنوا أن حصونهم الحصينة تمنعهم من بأس الله، وتدفع عنهم عذابه وانتقامه قال البيضاوي: والأصل أن يُقال: وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم

ص: 329

من بأس الله، وتغييرُ النظم بتقديم الخبر وإٍسناد الجملة إِلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بكونها حصينة، بحيث ظنوا أنه لا يخرجهم منها أحد لأنهم في عزة ومنعة {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} أي فجاءهم بأسُ الله وعذابه من حيث لم يكن في حسابهم، ولم يخطر ببالهم {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} أي وألقى في قلوب بني النظير الخوف الشديد، مما أضعف قوتهم، وسلبهم الأمن والطمأنينة، حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وفي الحديث

«نُصرت بالرعب من مسيرة شهر» {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين} أي يهدمون بيوتهم بأيديهم من الداخل، وأيدي المؤمنين من الخارج قال المفسرون: كانوا بنو النضير قبل إِجلائهم عن ديارهم يخربون بيوتهم فيقلعون العُمد، وينقضون السقوف، وينقبون الجدران، لئلا يسكنها المؤمنون حسداً منهم وبغضاً، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب من ظاهرها ليقتحموا حصونهم {فاعتبروا ياأولي الأبصار} أي فاتعظوا بما جرى عليهم يا ذوي العقول والألباب {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء} أي ولولا أن الله تعالى قضى عليهم بالخروج من أوطانهم مع الأهل والأولاد {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا} أي لعذبهم في الدنيا بالسيف كما فعل بإِخوانهم بني قريظة {وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابُ النار} أي ولهم مع عذاب الدنيا عذاب جهنم المؤبد {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} أي ذلك الجلاء والعذاب بسبب أنهم خالفوا الله وعادوه وعصوا أمره، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم، ونقضٍ للعهود في حق رسوله {وَمَن يُشَآقِّ الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} أي ومن يخالف أمر الله، ويعادِ دينه فاللهُ ينتقم منه لأن عذابه شديد، وعقابه أليم {وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] . . ثم أخبر تعالى أن كل ما جرى من المؤمنين من قطع النخيل، وإِحراق بعض الأشجار المثمرة، فإنما كان بأمر الله وإِرادته فقال {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله} أي ما قطعتم أيها المؤمنون من شجرة نخيل، أو تركتموها كما كانت قائمة على سوقها فبأمر الله وإِرادته ورضاه {وَلِيُخْزِيَ الفاسقين} أي وليغيظ اليهود ويذلهم، بقطع أشجارهم ونخيلهم قال الرازي: المعنى إِنما أذن تعالى في ذلك حتى يزداد غيظ الكفار، وتتضاعف حسرتهم، بسبب نفاذ حكم أعدائهم في أعزَّ أموالهم قال المفسرون: لما حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم َ بني النضير، كان بعض الصحابة قد شرع يقطع ويحرق في نخيلهم، إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم، فقالوا: ما هذا الإِفساد يا محمد؟ إِنك كنت تنهى عن الفساد، فما بالك تأمر بقطع الأشجار؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة {وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي وما أعاد الله وردَّه غنيمة على رسوله من أموال يهود بني النضير {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} أي لم تسيِّروا إِليه خيلكم ولا ركابكم، ولا تعبتم في تحصيله قال القرطبي: يقال: وجف البعير وجيفاً إِذا أسرع السير، وأوجفه صاحبه إِذا حمله على السير السريع، والركاب، ما يُركبُ من الإِبل، والمعنى: لم تقطعوا إِليها شُقةً، ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة، وإِنما كانت من المدينة على ميلين، فافتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم َ صلحاً، وأجلاهم عنها وأخذ أموالهم، فجعلها الله

ص: 330

لرسوله صلى الله عليه وسلم َ خاصة يضعها حيث شاء {ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَآءُ} أي ولكنه تعالى من سنته أن ينصر رسله بقذف الرعب في قلوب أعدائه، من غير أن يقاسوا شدائد الحروب {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي هو تعالى قادر على كل شيءٍ، لا يُغالب ولا يُمانع ولا يعجزه شيء.

. ثم بيَّن تعالى حكم الفيء عامةً وهو ما يغنمه المسلمون بدون حرب فقال {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} أي ما جعله الله غنيمةً لرسوله بدون قتال من أموال الكفار قال ابن عباس: هي قريظة، والنضير، وفدك، وخيبر {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} أي فحكمها أنها لله تعالى بضعها حيث يشاء، ولرسوله يصرفها على نفسه وعلى مصالح المسلمين {وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين} أي ولأقرباء الرسول من بني هاشم وعبد المطلب، ولليتامى الذين مات آباؤهم، وللمساكين ذوي الحاجة والفقر {وابن السبيل} أي وللغريب المنقطع في سفره قال في التسهيل: لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال، فإِن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإِيجاف الخيل والركاب، فتلك يؤخذ منها الخمس ويقسم الباقي على الغانمين، وأما هذه ففي «حكم الفيء» وهو ما يؤخذ من الكفار من غير قتال فلا تعارض بينهما ولا نسخ، وقد قرر الفقهاء الفرق بين الغنيمة والفيء، وأنَّ حكمهما مختلف، فالغنيمة ما أُخذت بالقتال، والفيءُ ما أُخذ صلحاً، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} وذكر في الأنفال لفظ الغنيمة {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} [الأنفال: 41] ! { {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ} أي لئلا ينتفع بهذا المال ويستأثر به الأغنياء دون الفقراء، مع شدة حاجة الفقراء للمال قال القرطبي: أي فعلنا ذلك كيلا يتقاسمه الرؤساء والأغنياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إِذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرياعُ ثم يصطفي منها أيضاً ما يشاء قال المفسرون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإِنهمه كانوا حنيئذٍ فقراء، ولم يُعط الأنصار منها شيئاً فإِنهم كانوا أغنياء، فقال بعض الأنصار: لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} أي ما أمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم َ فافعلوه، وما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإِنه إِنما يأمر بكل خير وصلاح، وينهى عن كل شرٍّ وفساد قال المفسرون: والآية وإِن نزلت في أموال الفيء، إِلا أنها عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم َ أو نهى عنه من واجبٍ، أو مندوب، أو مستحب، أو محرم، فيدخل فيها الفيء وغيره، عن ابن مسعود أنه قال:«لعن اللهُ الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيِّرات خلق الله» فبلغ ذل امرأةً من بني أسد يُقال لها «أم يعقوب» وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا} {وذكرته له، فقال ابن مسعود: وما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وهو في كتاب الله تعالى؟ فقالت المرأةُ: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته} فقال: إن كنتِ قرأتيه

ص: 331

لقد وجدتيه، أما قرأتِ قول الله عز وجل {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} ؟ {واتقوا الله} أي خافوا ربكم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} أي فإِن عقابه أليم وعذابه شديد، لمن عصاه وخالف ما أمره به {إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} هذا متعلقٌ بما سبق من حكم الفيء كأنه يقول: الفيءُ والغنائم لهؤلاء الفقراء المهاجرين الذين ألجأهم كفار مكة إِلى الهجرة من أوطانهم، فتركوا الديار والأموال، ابتغاء مرضاة الله ورضوانه {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} أي قاصدين بالهجرة إِعلاء كلمة الله ونصرة دينه {أولئك هُمُ الصادقون} أي هؤلاء الموصوفون بالصفات الحميدة هم الصادقون في إِيمانهم قال قتادة: هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال، والأهلين والأوطان، حباً لله ورسوله، حتى إِن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليُقيم به صُلبه من الجوع.

. ثم مدح تعال الأنصار وبيَّن فضلهم وشرفهم فقال {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ} أي والذين اتخذوا المدينة منزلاً وسكناً وآمنوا قبل كثيرٍ من المهاجرين وهم الأنصار قال القرطبي: أي تبوءوا الدار من قبل المهاجرين، واعتقدوا الإِيمان وأخلصوه، والتبوء: التمكن والاستقرار، وليس يريد أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين، بل أراد آمنوا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم َ إِليهم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} أي يحبون إِخوانهم المهاجرين ويواسونهم بأموالهم قال الخازن: وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم، وأشركوهم في أموالهم {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ} أي ولا يجد الأنصار حزازةً وغظياً وحسداً مما أعطي المهاجرون من الغنيمة دونهم قال المفسرون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ قسم أماول بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إِلا ثلاثة منهم، فطبت أنفس الأنصار بتلك القسمة {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي يفضلون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الحاجة الفاقة إِليه، فإِيثارهم ليس عن غنى عن المال، ولكنه عن حاجة وفقر، وذلك غاية الإِيثار {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون} أي ومن حماه الله وسلم من البخل فقد أفلح ونجح، والشُحُّ هو البخل الشديد مع الجشع والطمع، وهو غريزة في النفس ولذلك أضيف إِليها، قال ابن عمر: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إِنما الشحُّ أن تطمع عنيه فيما ليس له وفي الحديث

«واتقوا الشُحَّ فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم علىأن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم» {والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ} هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين المستحقين للإِحسان والفضل، وهم التابعون لهم بإِحسان إلى يوم القيامة {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذين سَبَقُونَا

ص: 332

بالإيمان} أي يدعون لهم قائلين: يا ربنا اغفر لنا ولإِخواننا المؤمنين الذين سبقونا بالإِيمان قال أبو السعود: وصفهم بالسبق بالإِيمان اعترافاً بفضلهم، لأن أخوة الدين عندهم أعزُّ وأشرف من النسب {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} أي ولا تجعل في قلوبنا بغضاً وحسداً لأحدٍ من المؤمنين {رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغٌ في الرأفة والرحمة فاستجب دعاءنا، قال ابن كثير: وما أحسن ما استنبط الإِمام مالك من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الغنيمة شيء لعدم اتصافه بأوصاف المؤمنين، وقال شيخ زادة: بيَّن تعالى أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار أن يذكر السابقين بالرحمة والدعاء، فمن لم يكن كذلك بل ذكرهم بسوء فقد كان خارجاً عن جملة أقسام المؤمنين بمقتضى هذه الآيات، وقد روي عن الشعبي أنه قال: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى فقالوا: أصحاب عيسى، وسئلت الرافضة من شرُّ أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم َ أُمروا بالاستغفار لهم فسبُّوهم، فالسيف عليهم مسلول إِلى يوم القيامة. . اللهم ارزقنا محبة أصاحب نبيك الكريم.

ص: 333

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أوصاف المؤمنين الصادقين، أعقبه بذكر أوصاف المنافقين المخادعين، الذين تركوا نصرة المؤمنين وصادقوا اليهود وحالفوهم على حرب المسلمين، ثم ذكر البون الشاسع بين أصحاب النار وأصحاب الجنة، وأنهم لا يستوون في الحال ولا المآل، وختم السورة الكريمة بذكر بعض أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا.

اللغَة: {شتى} متفرقة تشتَّت جمعهم أي تفرق {خَاشِعاً} ذليلاً خاضعاً {مُّتَصَدِّعاً} مشتققاً تصدَّع البنيان أي تشقق {القدوس} المنزَّه عن كل نقص وعيب {المؤمن} المصدّق لرسله بالمعجزات {المهيمن} الرقيب على كل شيء {العزيز} القويُ الغالب {الجبار} العظيم القاهر، صاحب العظمة والجبروت {المتكبر} المبالغ في الكبرياء والعظمة {البارىء} المبدع المخترع {المصور} خالق الصور.

التفسِير: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ} تعجيبٌ من الله تعالى لرسوله من حال المنافقين أي ألا تعجب يا محمد من شأن هؤلاء المنافقين الذين أظهروا خلاف ما أضمروا؟ {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} أي يقولون ليهود بني قريظة والنضير الذين كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم َ {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} أي لئن أخرجتم من المدينة لنخرجنَّ معكم منها قال في التسهيل: نزلت في عبد الله بن أُبي بن سلول وقوم من المنافقين، بعثوا إِلى بني النضير وقالوا لهم: اثبتوا في حصونكم فإِنا معكم كيف ما تقلبت حالكم، وإِنما جعل المنافقين إِخوانهم لأنهم كفار مثلهم {وَلَا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} أي ولا نطيع أمر محمد في قتالكم، ولا نسمع من أحدٍ إِذا أمرنا بخذلانكم {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} أي ولئن قاتلكم أحد لنعاوننكم على عدوكم ونكون بجانبكم {والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما قالوه ووعدوهم به. . ثم أخبر الله عن حال المنافقين بالتفصيل فقال {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} أي لئن أخرج اليهود لا يخرج المنافقون معهم {وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمْ} أي ولئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون ولا يقاتلون معهم قال القرطبي: وفي هذات دليل على صحة نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم َ من جهة أمر الغيب، لأنه أُخرجوا فلم يخرجوا معهم، وقوتلوا فلم ينصروهم كما أخبر عنه القرآن {وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} أي ولئن جاءوا لنصرتهم وقاتلوا معهم على سبيل الفرض والتقدير فسوف ينهزمون، ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين قال الإِمام الفخر: أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا فإِن المنافقين لا يخرجون معهم وقد كان الامر كذلك، فإِن بن النضير لما أُخرجوا لم يخرج معهم المنافقون وقُوتلوا كذلك فما نصروهم وأما قوله تعالى {وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ} لهذا على سبيل الفرض والتقدير أي بتقدير أنهم أرادوا نصرتهم لا بدَّ وأ، يتركوا تلك النصرة وينهزموا {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي

ص: 334

صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} أي لأنتم يا معشر المسلمين أشدُّ خوفاً وخشيةً في قلوب المنافقين من الله، فإِنهم يرهبون ويخافون منكم أشدَّ من رهبتهم من الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} أي ذلك الخوف منكم بسبب أنهم لا يعلمون عظمة الله تعالى حتى يخشوه حقَّ خيشته قال القرطبيك أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.

. ثم أخبر تعالى عن اليهود والمنافقين بأنهم جبناء من شدة الهلع، وأنهم لا يقدرون على قتال المسلمين إِلا إِذا كانوا متحصنِّين في قلاعهم وحصونهم فقال {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَاّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} أي لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إِلا إِذا كانوا في قرى محصَّنة بالأسوار والخنادق {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} أي أو يكونوا من وراء الحيطان ليتستروا بها، لفرط جبنهم وهلعهم {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي عداوتهم فيما بينهم شديدة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} أي تظنهم مجتمعين على أمرٍ ورأي في الصورة ذوي ألفةٍ واتحاد، وهم مختلفون غاية الاختلاف لأن أراءهم مختلفة، وقلوبهم متفرقة قال قتادة: أهل الباطل مختلفةٌ آراؤهم، مختلمفة أهواءهم، مختلفةٌ شهادتهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْقِلُونَ} أي ذلك التفرق والشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً} أي صفةُ بني النضير فيما وقع لهم من الجلاء والذل، كصفةِ كفار مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسرار قال البيضاوي: أي مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو المهلكين من الأمم الماضية في زمان قريب {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي ذاقوا سوء عاقبة إِجرامهم في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي ولهم عذاب شديد موجعٌ في الآخرة {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر} أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال، كمثل الشيطان الذي أغرى الإِنسان بالكفر ثم تخلى عنه وخذله {فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ} أي فلما كفر الإِنسان تبرأ منه الشيطان وقال {إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} أي أخاف عذاب الله وانتقامه إن كفرتُ به قال في التسهيل: هذا مثلُ، مثَّل، مثَّل اللهُ للمنافقين الذين أغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان الذي يُغوي ابن آدم ثم يتبرأ منهن والمراد بالشيطان والإِنسان هنا الجنس، وقولُ الشيطان {إني أَخَافُ الله} كذبٌ منه ورياءٌ لأنه لو خاف الله لامتثل أمره وما عصاه {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا} أي فكان عاقبة المنافقين واليهود، مثل عاقبة الشيطان والإِنسان، حيث صارا إِلى المؤبدة {وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين} أي وذلك عقاب كل ظالم فاجر، منتهكٍ لحرمات الله والدين. . ولمَّا ذكر صفات كلٍ من المنافقين واليهود وضرب لهم الأمثال، وعظ المؤمنين بموعظةٍ حسنة، تحذيراً من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم فقال {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ

ص: 335

مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي ولتنظر كلُّ نفسٍ ما قدَّمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة قال ابن كثير: انظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادم وعرضكم على ربكم، وسُمي يوم القيامة غداً لقرب مجيئه

{وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلَاّ كَلَمْحِ البصر} [النحل: 77] والتنكير فيه للتفخيم والتهويل {واتقوا} كرَّره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى التي هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله} [النساء: 131]{الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها {وَلَا تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أي ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تركوا ذكر الله ومراقبته وطاعته، فأنساهم حقوق أنفسهم والنظر لها بما يصلحها قال أبو حيان: وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب، تركوا عبادة الله وامتثال أوامره، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظَّ أنفسهم، حتى لم يقدموا له خيراً ينفعها {أولئك هُمُ الفاسقون} أي أولئك هم الفجرة الخارجون عن طاعة الله {لَا يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة} أي لا يتساوى يوم القيامة الأشقياء والسعداء، أهل النار وأهل الجنة في الفضل والرتبة {أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون} أي أصحاب الجنة هم الفائزون بالسعادة الأبدية في دار النعيم، وذلك هو الفوز العظيم. . ثم ذكر تعالى روعة القرآن، وتأثيره على الصمِّ الراسيات من الجبال فقال {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله} أي لو خلقنا في الجبل عقلاً وتمييزاً كما خلقنا للإِنسان، وأنزلنا عليه هذا القرآن، بوعده ووعيده، لخشع وخضع وتشقق، خوفاً من الله تعالى، ومهابةً له وهذا تصويرٌ لعظمة قدر القرآن، وقوة تأثيره، وأنه بحيث لو خوطب به جبلٌ على شدته وصلابته لرأيته ذليلاً متصدعاً من خشية الله، والمراد منه توبيخ الإِنسان بأنه لا يتخشع عند تلاوة القرآن، بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم، فهذه الآية في بيان عظمة القرآن، ودناءة حال الإِنسان وقال في البحر: والغرضُ توبيخ الإِنسان على قوسة قلبه، وعدم تأثره بهذا الذي لو أُنزل على الجبلُ لتخشَّع وتصدَّع، وإِذا كان الجبل على عظمته وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع، فابن آدم كان أولى بذلك، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي وتلك الأمثال نفصّلها ونوضحها للناس لعلهم يتفكرون في آثار قدرة الله ووحدانتيه فيؤمنون. . ثم لما وصف القرآن بالرفعة والعظمة، أتبعه بشرح عظمة الله وجلاله فقال {هُوَ الله الذي لَا إله إِلَاّ هُوَ} أي هو جلَّ وعلا الإِله المعبود بحقٍ لا إِله ولا رب سواه {عَالِمُ الغيب والشهادة} أي عالم السر والعلن، يعلم ما غاب عن العباد مما لم يبصروه، وما شاهدوه وعلموه {هُوَ الرحمن الرحيم} أي هو تعالى ذو الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة {هُوَ الله الذي لَا إله إِلَاّ هُوَ} كرر اللفظ اعتناءً بأمر التوحيد أي لا معبود ولا رب سواه {الملك} أي المالك لجميع المخلوقات، المتصرف في خلقه بالأمر والنهي، والإِيجاد والإِعلام {القدوس} أي المنزَّه عن القبائح وصفات الحوادث قال في التسهيل: القُدُّوسُ مشتقٌ من التقديس وهو التنزه عن صفات المخلوقين، وعن كل نقص وعيب، والصيغة

ص: 336

للمبالغة كالسبُّوح، وقد ورد أن الملائكة تقول في تسبيحها:«سبُّوح قُدُّوس، ربُّ الملائكة والروح» {السلام} أي الذي سلم الخلق من عقابه، وأمنوا من جوره

{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] وقال البيضاوي: أي ذو السلامة من كل نقص وآفة، وهو مصدر وصف به للمبالغة {المؤمن} أي المصدِّق لرسله بإِظهار المعجزات على أيديهم {المهيمن} أي الرقيبُ الحافظ لكل شيء وقال ابن عباس: الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء {العزيز} أي القادر القاهر الذي لا يُغلب ولا يناله ذل {الجبار} أي القهار العالي الجناب الذي يذل له من دونه قال ابن عباس: هو العظيم الذي إِذا أراد أمراً فعله، وجبروتُ الله عظمته {المتكبر} أي الذي له الكبرياء حقاً ولا تليق إِلا به وفي الحديث القدسي {العظمة إِزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي} قال الإِمام الفخر: واعلم أن المتكبر في وصفة الناس صفة ذم، لأن المتكبر هو الذي يُظهر من نفسه الكِبْر، وذلك نقصٌ في حق الخلق، لأنه ليس له كبر ولا علوٍ، بل ليس له إِلا الذلة والمسكنة، فإِذا أظهر العلو كان كاذباً فكان مذموماً في حق الناس، وأما الحقُّ سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء، فإِذا أظهر فقد أرشد العباد إِلى تعريف جلاله وعظمته وعلوه، فكان ذلك في غاية المدح في حقه جل وعلا، ولهذا قال في آخر الآية {سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزَّه الله وتقدَّس في جلاله وعظمته، عمَّا يلحقون به من الشركاء والأنداد {هُوَ الله الخالق البارىء} أي هو جل وعلا الإِله الخالق لجميع الأشياء، الموجد لها من العدم، المنشىء لها بطريق الاختراع {المصور} أي المبدع للأشكال على حسب إرادته {هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَآءُ} [آل عمران: 6] قال الخازن: أي الذي يخلق صورة الخلق على ما يريده {لَهُ الأسمآء الحسنى} أي له الأسماء الرفعية الدالة على محاسن المعاني {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} أي ينزهه تعالى عن صفات العجز والنقص جميع ما في الكون بلسان الحال أو المقال قال الصاوي: ختم السورة بالتسبيح كما ابتدأها به إشارة إلى أنها المقصود الأعظم، والمبدأ والنهاية، وأن غاية المعرفة بالله تنزيه عظمته عما صورته العقول {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي العزيز في ملكه، الحكيم في خلقه وصنعه.

البَلَاغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1 -

طباق السلب {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله} [الحشر: 2] .

2 -

المقابلة اللطيفة بين {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ} وبين {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] .

3 -

وضع الضمير بين المبتدأ والخبر لإِفادة الحصر {أولئك هُمُ الصادقون} [الحشر: 8] .

4 -

الاستعارة اللطيفة {تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} [الحشر: 9] شبَّه الإِيمان المتمكن في نفوسهم، بمنزلٍ ومستقريٍ للإِنسان نل فيه وتمكَّن منه حتى صار منزلاً له، وهو ومن لطيف الاستعارة.

ص: 337

5 -

الاستفهام الذي يراد به الإِنكار والتعجيب {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ. .} الآية.

6 -

الطباق بين جميعاً وشتى في قولهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} .

7 -

التشبيه التمثيلي {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر. .} وجه الشبه منتزع من متعدد.

8 -

الكناية اللطيفة {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} كنَّى عن القيامة بالغد لقربها.

9 -

الطباق بين {الغيب. . والشهادة} وبين {الجنة. . والنار} الخ.

لطيفَة: أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجلٌ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فقال يا رسول الله: إني مجهود أي اشتد بي الجوع والفاقة فأرسل إِلى بعض نسائه يسألها هل عند شيء؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إِلا الماء، ثم أرسل إِلى أُخرى فقال مثل ذلك، وقلن كلهن مثل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: من يضيفه هذه الليلة ي رحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار يقال له» أبو طلحة «فقال أنا يا رسول الله!! فانطلق به إِلى رحله أي إلى منزله فقا لها: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم َ لا تدخري عنه شيئاً وأكرميه، فقالت: ما عندي إلا قوتُ الصبيان، فقال علّليهم بشيء ونوِّميهم، فإِذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل ثم قومي إِلى السراج كي تصلحيه فأطفئيه، فقعلت فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فلما نظر إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم َ تبسم، ثم قال: لقد عجب الله من صنيعكما الليلة بصاحبكما وأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. .} » [الحشر: 9] الآية.

ص: 338

اللغَة: {أَوْلِيَآءَ} أصدقاء وأحباء جمع وليّ وهو الصديق والناصر والمعين {يَثْقَفُوكُمْ} يظفروا بكم ويتمكنوا منكم، وأصل الثقف الحذقُ في إِدراك الشيء وفعله، ومنه قولهم «رجلٌ ثقِف لقف» ثم استعمل في الظفر والإِدراك مطلقاً {أُسْوَةٌ} قدوة يقتدى به {أَرْحَامُكُمْ} جمع رحم وهو في الأصل رحم المرأة، واشتهر في القرابة حتى صار كالحقيقة فيها {ظَاهَرُواْ} أعانوا {عِصَمِ} جمع عِصْمة وهي ما يعتصم ويتمسك به الإِنسان من حبلٍ أو عقد والمراد به هنا عقد النكاح {الكوافر} جمع كافرة وهي التي لا تؤمن بالله.

سَبَبُ النّزول: «لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم َ لفتح مكة، كتب» حاطب بن أبي بلتعة «إِلى أهل مكة يخبرهم بذلك وقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يريد أن يغزوكم فخذوا حذركم، ثم أرسل الكتاب مع ظعينةٍ إي امرأةٍ مسافرة فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يخبره بذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم َ علياً، والزبير، والمقداد وقال:» انطلقوا حتى تأتوا «روحة خاخ» فإِن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به «فخرجنا حتى أتينا الروضة فإِذا نحن بالظعينة، فقلنا لها أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقال لها: لتخرجنَّ الكتاب أو لنلقينَّ الثياب فأخرجته من عِقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم َ فإِذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إِلى أناسٍ من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فقال النبي صلى الله عليه وسلم َ: ما هذا يا حاطب؟ فقال يا رسول الله: لا تعجل عليَّ إِني كنت أمرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يجمون بها أهلهم وأموالهم بمكة، فأحببت إِذ فاتني ذلك في النسب فيهم أن اتخذ يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلتُ ذلك كفراً وارتداداً عن ديني، فقال عمر، عني يا رسول الله أضربُ عنق هذا المنافق! {فقال عليه الصلاة والسلام ُ: إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} فنزلت {ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ. .} » الآية.

التفسِير: {ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} أي يا معشر المؤمنين، يا من صدقتم بالله ورسوله، لا تتخذوا الكفار الذين هم أعدائي وأعداؤكم أصدقاء وأحباء، فإنَّ من علامة الإِيمان بغض أعداء الله لا مودتهم وصداقتهم قال في التسهيل: نزلت عتاباً لحاطب وزجراً عن أن يفعل أحد مثل فعله، وفيها مع ذلك تشريفٌ له لأن الله شهد له بالإِيمان في قوله {ياأيها الذين آمَنُواْ} {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أي تحبونهم وتودونهم وتصادقونهم مع أنهم أعداء ألداء لكم قال القرطبي: أي تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق} أي والحال أنهم كافرون بدينكم وبقرآنكم الذي أنزله الله عليكم بالحق الواضح {يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ} أي يخرجون محمداً مكة ظلماً وعدواناً كما يخرجون أيضاً منها المؤمنين قال في البحر:

ص: 341

وقدَّم الرسول تشريفاً له ولأنه الأصلُ للمؤمنين، ومعنى إِخراجهم أنهم ضيقوا عليهم وآذوهم حتى خرجوا منها مهاجرين إِلى المدينة {أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ} أي من أجل أنكم آمنتم بالله الواحد الأحد كقوله

{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَاّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد} [البروج: 8]{إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغآء مَرْضَاتِي} شرطٌ حذف جوابه أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيل الله طلباً لرضوانه فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء قال الألوسي: وجوابُ الشرط محذوف دلَّ عليه ما تقدم كأنه قيل: لا تتخذوا أعدائي إِن كنتم أوليائي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} أي تسرون إِليهم بالنصيحة وأنا العالم بسريرتكم وعلانيتكم، لا يخفى عليَّ شيءٌ من أحوالكم؟ والغرض منه التوبيخُ والعتاب {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} أي ومن يصادق أعداء الله، ويفش أسرار الرسول، فقد حاد عن طريق الحق والصواب. . ثم أخبر تعالى المؤمنين بعداوة الكفار الشديدة لهم، المستحكمة في قلوبهم فقال {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً} أي إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم، يُظهروا ما في قلوبهم من العداوة الشديدة لكم {ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسواء} أي يمدوا إِليكم أيديهم بالضرب والقتل، وألسنتهم بالشتم والسب {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} أي وقد تمنوا أن تكفروا لتكونوا مثلهم قال الزمخشري: وإِنما أورده بذكر الماضي {وَوَدُّواْ} بعد أن ذكر جواب الشرط بلفظ المضارع {لَوْ تَكْفُرُونَ} لأنهم أرادوا كفرهم قبل كل شيء كقوله تعالى {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89]{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ} أي لن تفيدكم قراباتكم ولا أولادكم الذين توالون الكفار من أجلهم يوم القيامة شيئاً، فلن يجلبوا لكم نفعاً، ولن يدفعوا عنكم ضُرّاً قال الصاوي: هذه تخطئةٌ لحاطب في رأيه كأنه قال: لا تحملكم قراباتكم وأولادكم الذين بمكة، على خيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم َ والمؤمنين، ونقل أخبارهم وموالاة أعدائهم، فإِنه لا تنفعكم الأرحام ولا الأولاد الذين عصيتم الله من أجهلم {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} أي في ذلك اليوم العصيب، يحكم الله بين المؤمنين والكافرين، فيدخل المؤمنين جنات النعيم، ويدخل المجرمين دركات الجحيم {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي مطلَّع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ والذين مَعَهُ} أي قد كان لكم يا معشر المؤمنين قُدوة حسنةٌ في الخليل إِبراهيم ومن معه من المؤمنين {إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي حين قالوا للكفار إِننا متبرءون منكم ومن الأصنام التي تعبدونها من دون الله {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي كفرنا بدينكم وطريقتكم {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء أَبَداً} أي وظهرت بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء إِلى الأَبد ما دمتم على هذه الحالة {حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ} أي إِلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده، وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك والأوثان قال المفسرون: أمر الله المؤمنين أن يقتدوا بإِبراهيم الخليل عليه السلام وبالذين معه في عداوة المشركين والتبرؤ منهم، لأن الإِيمان يقتضي مقاطعة أعداء الله وبغضهم {إِلَاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} أي إِلا في استغفار إِبراهيم لأبيه فلا تقتدوا

ص: 342

به، فإِنه إنما استغفر لأبيه المشرك رجاء السلامة

{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]{وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ} هذا من تتمة كلام إبراهيم لأبيه أي ما أدفع عنك من عذاب الله شيئاً إن أشركت به، ولا أملك لك شيئاً غير الاستغفار {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} أي علك اعتمدنا في جميع أمورنا {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أي وإِليك رجعنا وتبنا {وَإِلَيْكَ المصير} إي وإِليك المرجع والمعاد في الدار الآخرة قال المفسرون: إن إبراهيم وعد أباه بالاستغفار كما في سورة مريم قال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم: 47] واستغفر له بالقول فعلاً كما في سورة الشعراء {واغفر لأبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين} [الشعراء: 86] وكلُّ هذا كان رجاء إسلامه، ثم رجع عن ذلك لمَّا تيقَّن كفره ما في سورة التوبة {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلَاّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا بعذاب لا نطيقه وقال مجاهد: أي لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذابٍ من عندك فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ذلك {واغفر لَنَا} أي اغفر لنا ما فرط من الذنوب {رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي أنت يا الله الغالب الذي لا يذل من التجأ إِليه، الحكيم الذي لا يفعل إِلا ما فيه الخير والمصلحة، وتكرار النداء للمبالغة في التضرع والجؤار. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي لقد كان لكم في إِبراهيم ومن معه من المؤمنين قدوةٌ حسنة في التبرؤ من الكفار قال أبو مسعود: والتكريرُ للمبالغة في الحثِّ على الاقتداء به عليه السلام ولذلك صُدِّر بالقسم {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي لمن كان يرجو ثواب الله تعالى، ويخاف عقابه في الآخرة {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد} أي ومن يُعرض عن الإِيمان وطاعة الرحمن، فإِن الله مستغنٍ عن أمثاله وعن الخلق أجمعين، وهو المحمود في ذاته وصفاته {عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} أي لعلَّ الله جل وعلا يجعل بينكم وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم المشركين محبةً ومودة، محبةً بعد البغضاء، وألفة بد الشحناء قال في التسهيل: لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار ومقاطعتهم، على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة والمودة، وعلم الله صدقهم آنسهم بهذه الآية، ووعدهم بأن يجعل بينهم مودة أي محبة، وهذه المودة كملت في فتح مكة فإِنه أسلم حينئذٍ سائر قريش، وجمع الله الشمل بعد التفرق وقال الرازي: وعسى وعدٌ من الله تعالى وقد تحقق تعالى ما وعدهم به من اجتماع كفار مكة بالمسلمين، ومخالطتهم لهم حين فتح مكة {والله قَدِيرٌ} أي قادر لا يعجزه شيء، يقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغ في المغفرةُ والرحمة، لمن تاب إِليه وأناب {لَاّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} أي لا ينهاكم عن البر بهؤلاء الذين لم يحاربوكم لأجل دينكم، ولم يخرجوكم من أوطانكم كالنساء والصبيان، ولفظة {أَن تَبَرُّوهُمْ} في موضع جر ب «عن» أي

ص: 343

لا ينهاكم جلَّ وعلا عن البر والإِحسان لهؤلاء {وتقسطوا إِلَيْهِمْ} أي تعدلوا معهم {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} أي يحب العادلين في جميع أمورهم وأحكامهم قال ابن عباس: نزلت في خزاعة، وذلك أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم َ على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحداً، فرخًّص الله في برهم والإِحسان إِليهم.

. وروي «عن أسماء بن أبي بكر أنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش حين عاهدا رسول الله صلى الله عليه وسلم َ تعني في صلح الحيبية فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فقلت يا رسول الله: إن أمي قدمتْ هي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم صِلي أمك» فأنزل الله {لَاّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين} الآية {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ على إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ} أي إِنما ينهاكم الله عن صداقة ومودة الذين ناصبوكم العداوة، وقاتلوكم لأجل دينكم، وأعانوا أعداءكم على إِخراجكم من دياريكم، أن تتولَّوهم فتتخذوهم أولياء وأنصاراً وأحباباً {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون} أي ومن يصادق أعداء الله ويجعلهم أنصاراً وأحباباً، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب {ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ فامتحنوهن} أي اختبروهنَّ لتعلموا صدق إِيمانهنَّ قال المفسرن:«كان صلح الحديبية الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وكفار مكة قد تضمن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لم يُردَّ إِليهم، ومن أتى المسلمين من أهل مكة يعني المشركين رُدَّ إِليهم، فجاءت» أم كلثوم «بنت عقبة بن أبي مُعيط مهاجرة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ، فخرج في أثرها أخواها» عُمارمة «و» الوليد «فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم َ: رُدَّها عليان بالشرط، فقال صلى الله عليه وسلم َ: كان الشرطُ في الرجال لا في النساء»

فأنزل الله الآية، قال ابن عباس: كانت المرأة تُستخلف أنها ما هاجرت بغضاً لزوجها، ولا طمعاً في الدنيا، وأنها ما خرجت إِلا حسباً لله ورسوله، ورغبةً في دين الإِسلام {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} أي الله أعلم بصدقهن في دعوى الإِيمان، لأنه تعالى المطّلع على قلوبهن، والجملة اعتراضية لبيان أن هذا الامتحان بالنسبة للمؤمنين، وإِلا فالله عالمٌ بالسرائر لا تخفى عليه خافية {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار} أي فإِن تحققتم بإِيمانهن بعد امتحانهن فلا تردوهنَّ إِلى أزواجهن الكفار {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لا تحل المؤمنية للمشرك، ولا يحل للمؤمن نكاح المشركة قال الألوسي: والتكرير للتأكيد والمبالغة في الحرمة وقطع العلاقة بين المؤمنة والمشرك {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أي أعطوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهور قال في البحر: أمر أن يُعطى الزوج الكافر ما أنفق على زوجته إِذا أسملت، فلا يجمع عليه خُسران الزوجة والمالية {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي ولا حرج ولا إِثم عليكم أن تتزوجوا هؤلاء المهاجرات إِذا دفعتم لهن مهورهنَّ قال الخازن: أباح الله للمسلمين نكاح المهاجرات من دار الحرب إِلى دار الإِسلام وِإِن كان لهن أزواج كفار لأن الإِسلام فرَّق بينهن وبين أزواجهنَّ الكفار، وتقع الفرقة بانقضاء عدتها {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} أي ولا تتمسكوا بعقود زوجاتكم الكافرات، فليس بينكم وبينهن عصمة ولا علاقة

ص: 344

زوجية قال القرطبي: المراد بالعصمة هنا النكاحُ، يقول: من كانت له امرأةٌ كافرة بمكة فلا يعتد بها فليس امرأته، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدراين، {وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ} أي اطلبوا يا أيها المنون ما أنفقتم من المهر إِذا لحقتْ أزواجكم بالكفار، وليطلبوا هم أي المشركون ما أنفقوا على أزواجهم المهاجرات قال ابن العربي: كان من ذهب من المسلمات مرتداتٍ إِلى الكفار يقال للكفار: هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إِذا جاءت أحدى الكافرات مسلمةً مهاجرة: ردُّوا إِلى الكفار مهرها، وكان ذلك نَصَفاً وعدلاً بين الحالتين {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أي ذلك هو شرعُ الله وحكمه العادل بينكم وبين أعدائكم {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بمصالح العباد، حكيم في تشريعه لهم، يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار} أي وإن فرَّت زوجة أحدٍ من المسلمين ولحقت بالكفار {فَعَاقَبْتُمْ} أي فغزوتم وعنمتم وأصبتم من الكفار غنيمة {فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} أي فأعطوا لم فرَّت زوجته، مثل ما أنفق عليها من المهر، من الغنيمة التي بايديكم قال ابن عباس: يعني إن لحقت امرأة رجلٍ من المهاجرين بالكفار، أمر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َ أن يُعطى مثل ما أنفق من الغنيمة قال القرطبي: لما نزلت الآية السابقة {وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ} قال المسلمون: رضينا بما حكم اللهُ، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت هذه الآية {واتقوا الله} أي وراقبوا اللهَ في أقوالكم وأفعالكم، واحذروا عذاب وانتقامه إن خالفتم أوامره {الذي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي الذي آمنتم وصدقتم بوجوده، فإن من مستلزمات الإِيمان تقوى الرحمن.

. ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم َ مكة جداء نساء أهل مكمة يُبايعنه على الإِسلام، كما بايعه الرجال فنزلت {ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لَاّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً} أي إِذا جحاء إلِيك النساء المؤمنات للبيعة فبايعْهُنَّ على هذه الأمور الستة الهامة، وفي مقدمتها عدم الإِشراك الله جلَّ وعلا {وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} أي ولا يرتكبن جريمة السرقة ولا جريمة الزنى، التي هي من أفحش الفواحش {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} أي ولا يئدن البنات كما كان يفعله أهل الجاهلية خوف العار أو خشية الفقر، قال ابن كثير: وهذا يشمل قتله بعد وجوده، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإِملاق أو العار، ويعمُّ قتله وهو جنينٌ كما يفعله بعض النساء الجاهلات، تُطرح نفسها لئلا تحبل، إمّا لغرضٍ فاسد أو ما أشبهه {وَلَا يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} أي لا تنسب إِلى زوجها ولداً لقيطاً ليس منه تقول له: هذا ولدي منك قال المفسرون: كانت المرأة إِذا خافت مفارقة زوجها لها لعدم الحمل، التقطت ولداً ونسبته له ليبقيها عنده، فالمراد بالآية اللقيط، وليس المراد الزنى لتقدمه في النهي صرحياً قال ابن عباس: لا تُلحق بزوجها ولداً ليس منه، وقال الفراء: كانت المرأة تلتقطُ المولود فتقول لزوجها: هذا ولدي منك،

ص: 345

وإنما قال {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} لأن الولد إِذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي ولا يخالفن أمرك فيما أمرتهنَّ به من معروف، أو نهيتهن عن منكر، بل يسمعن ويطعن {فَبَايِعْهُنَّ واستغفر لَهُنَّ} أي فبايعهن يا محمد على ما تقدم من الشروط، واطلب لهنَّ من الله الصفح والغفران لما سلف من الذنوب {الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي واسع المغفرة وعظيم الرحمة قال أبو حيان:«كانت» بيعة النساء «في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا، بعدما فرغ من بيعة الرجال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم َ على الصفا وعمر أسفل منه، يبايعهنَّ بأمره ويبلغهنَّ عنه، وما مست يده عليه السلام يد امرأةٍ أجنبيةٍ قطٌّ، وقالت» أسماء بنتُ السكن «: كنتُ في النسوة المبايعات، فقلت يا رسول الله: أُبسط يدك نبايعك، فقال لي عليه الصلاة والسلام ُ:» إني لا أصافح النساء، لكنْ أخذُ عليهنَّ ما أخذ اللهُ عليهنَّ «وكانت» هند بنت عُتبة «وهي التي شقت بطن حمزة يوم أحد متنكرة في النساء، فلما قرأ عليهن الآية {على أَن لَاّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ} قالت وهي متنكرة يا رسول الله: إِن أبا سفيان رجل شحيح، وإِين لأصيب الهنة أي القليل وبعض الشيء من ماله، لا أدري أيحل لي ذلك أملا؟ فقال أبو سفيا: ما أصبتٍ من شيءٍ فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وعرفها فقال لها: وإِنك لهنٌ بنتُ عتبة؟ قالت نعم فاعفُ عما سلف يا نبي َّ الله، عفا الله عنك، فلما قرأ {وَلَا يَزْنِينَ} قالت: أو تزني الحُرة؟ فلما قرأ {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} قالت: ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فلأنتم وهم أعلم وكان بانها حنظلة قد قُتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فلما قرأ {وَلَا يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قالت هند: والله إِن البهتان لأمرٌ قبيح، ولا يأمر اللهُ إِلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فلما قرأ {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت: واللهِ ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء»

وأخرج الإِمام أحمد «عن» أميمة بنت رقيقة «أخت السيدة خديجة وخالة فاطمة الزهراء قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ في نساءٍ لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن (ألَاّ نشرك بالله شيئاً) الآية وقال:» فيما استطعتنَّ وأطقتُنَّ «فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال:» إني لا أصافح النساء، إِنما قولي لامرأةٍ واحدة قولي لمائة امرأة « {ياأيها الذين آمَنُواْ لَا تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} أي لا تصادقوا يا معشر المؤمنين الكفرة أعداء الدين، ولا تتخذوهم أحباء وأصدقاء توالونهم وتأخذون بآرائهم، فإِنهم قوم غضب الله عليهم ولعنهم قال الحسن البصري: هم اليهود لقوله تعالى {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم} [الفاتحة: 7] وقال أبن عباس: هم كفار قريش لأن كلكافر عليه غضبٌ من الله، والظاهر أن الآية عامة كما قال ابن كثير: يعني اليهود والنصارى وسائر الكفار، ممن غضب الله عليه ولعنه {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة} أي أولئك الفجار الذيبن يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} أي كما يئس

ص: 346

الكفار المكذبون بالبعث والنشور، من أمواتهم أن يعودوا إِلى الحياة مرة ثانية بعد أن يموتوا، فقد كانوا يقولون إِذا مات لهم قريب أو صديق: هذا آخر العهد به، ولن يبعث أبداً.

. ختم تعالى السورة الكريمة بمثل ما فتحها به وهو النهي عن موالاة الكفار أعداء الله، وهو بمثابة التأكيد للكلام، وتناسق الآيات في البدء والختام، وهو من البلاغة في مكان.

البَلَاغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:

1 -

الطباق في قوله {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} لأن الإِخفاء يطابق الإِعلان.

2 -

العتاب والتوبيخ {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ} الآية.

3 -

تقديم ما حقه التأخير لإِفادة الصيغة للحصر {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير} ، والأصل توكلنا عليك، وانبنا إِليك. . الخ.

4 -

صيغة المبالغة {قَدِيرٌ، غَفُورٌ، رَّحِيمٌ} وهو كثير في القرآن ومثله {عليم حكيم} .

5 -

طباق السلب {لَاّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} ثم قال: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله} الآية.

6 -

الجملة الاعتراضية {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} للإِشارة إِلى أن للإِنسان الظاهر والله يتولى السرائر.

7 -

العكسُ والتبديلُ {لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وهو من أنواع البديع.

8 -

الكناية اللطيفة {وَلَا يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} كنَّى بذلك عن اللقيط، وهي من لطائف الكنايات.

9 -

التشبيه المرسل المجمل {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور} كما أنه فيه من المحسنات البديعية ما يسمى رد العجز عل الصدر، حيث ختم السورة بمثل ما ابتدأها ليتناسق البدء مع الختام.

ص: 347