المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اللغَة: {أَلْهَاكُمُ} الإِلهاء: الشغل والانصراف عن الشيء الهام إِلى ما - صفوة التفاسير - جـ ٣

[محمد علي الصابوني]

الفصل: اللغَة: {أَلْهَاكُمُ} الإِلهاء: الشغل والانصراف عن الشيء الهام إِلى ما

اللغَة: {أَلْهَاكُمُ} الإِلهاء: الشغل والانصراف عن الشيء الهام إِلى ما يدعو إِليه الهوى، وأصل اللهو الغفلةُ ثم شاع في كل شاغلٍ قال الراغب: اللهو ما يشغلك عما يعني ويهمُّ ‌

{التكاثر}

التباهي بكثرة المال والجاه وهو بمعنى المكاثرة {المقابر} القبور جمع مقبرة، والقبور جمع القبر قال الشاعر:

أبى أهل القُصور إِذا أُميتوا

بَنَوْا فوق المقابر بالصخور

أبو إِلاّ مباهاةً وفخراً

على الفقراء حتى في القبور

التفسِير: {أَلْهَاكُمُ التكاثر} أي شغلكم أيها الناسُ التفاخر بالأموال والأولاد والرجال عن طاعة الله، وعن الاستعداد للآخرة {حتى زُرْتُمُ المقابر} أي حتى أدرككم الموت، ودفنتم في المقابر، والجملةُ خيرٌ يراد به الوعظ والتوبيخ قال القرطبي: المعنى شغلكم المباهاة بكثرة المال والأولاد عن طاعة الله، حتى مُتُّم ودفنتم في المقابر {كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} زجرٌ وتهديدٌ أي ارتدعوا أيها الناس وانزجروا عن الاشتغال بما لا ينفع ولا يفيد، فسوف تعلمون عاقبة جهلكم وتفريطكم في جنب الله، وانشغالكم بالفاني عن الباقي {ثُمَّ كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيدٌ إِثر وعيد، زيادة في الزجر والتهديد أي سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إِذا نزل بكم الموت وعاينتم أهواله وشدائده قال ابن عباس:{كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما ينزل بكم من العذاب في القبر {ثُمَّ كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي في الآخرة إِذا حلَّ بكم العذاب {كَلَاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} أي ارتدعوا

ص: 571

وانزجروا فلو علمتم العلم الحقيقي الذي لا شك فيه ولا امتراء، وجواب {لَوْ} محذوفٌ لقصد التهويل أي لو عرفتم ذلك لما ألهاكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله، ولما خُدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها كما قال صلى الله عليه وسلم َ:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» الحديث قال في التسهيل: وجوابُ {لَوْ} محذوفٌ تقديره: لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة، وإِنما حذف لقصد التهويل، فيقدر السامع، أعظم ما يخطر بباله كقوله تعالى {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} [الأنعام: 27] {لَتَرَوُنَّ الجحيم} أي أُقسم وأؤكد بأنكم ستشاهدون الجحيم عياناً ويقيناً قال الألوسي: هذا جواب قسم مضمر، أكد به الوعيد، وشدَّد به التهديد، وأوضح به ما أنذره وبعد إِبهامه تفخيماً أي والله لترون الجحيم {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} أي ثم لترونها رؤية حقيقية بالمشاهدة العينية قال في البحر: زاد التوكيد بقوله {عَيْنَ اليقين} نفياً لتوهم المجاز في الرؤية الأولى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} أي ثم لتسألنَّ في الآخرة عن نعيم الدنيا من الأمن والصحة، وسائر ما يُتلذذ به من مطعم، ومشرب، ومركب، ومفرش.

البَلَاغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:

1 -

الوعد والتوبيخ {أَلْهَاكُمُ التكاثر} فقد خرج الخبر عن حقيقته إِلى التذكير والتوبيخ.

2 -

التكرار للتهديد والإِنذار {كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعطفه ب {ثُمَّ} للتنبيه على الثاني أبلغ من الأول، كما يقول العظيم لعبده: أقول لك ثم أقول لك لا تفعل، ولكونه أبلغ نُزّل منزلة المغايرة فعطف بثم.

3 -

حذف جواب {لَوْ} للتهويل {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين} أي لرأيتم ما تشيب له الرءوس، وتفزع له النفوس من الشدائد والأهوال.

4 -

الإِطناب بتكرار الفعل {لَتَرَوُنَّ} {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} لبيان شدة الهول.

5 -

الكناية {حتى زُرْتُمُ المقابر} كنَّى عن الموت بزيارة القبور والمراد حتى مُتُّم.

6 -

المطابقة بين {النعيم. . الجحيم} .

7 -

توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات وهو من المحسنات البديعية.

تنبيه: روى الترمذي عن عبد الله بن الشخِّير قال: «انتيهت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وهو يقرأ هذه الآية {أَلْهَاكُمُ التكاثر} فقال:» يقول ابن آدم مالي، مالي، وهل لك من مالك إِلا ما أكلت فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدقتَ فأمضيت «

لطيفَة: روى مسلم عن أبي هريرة قال:» خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َ ذات يوم أو ليلة، فإِذا هو بأبي بكر وعمر، فقال صلى الله عليه وسلم َ ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قال: الجوعُ يا رسول الله، قال: زوأنا

ص: 572

والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما {فقوموا فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار فإِذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: أين فلان} قالت: ذهب يستغذب لنا الماء، إِذ جاء الأنصاري فنظر إِلى رسول الله وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني، فانطلق فجاءهم بعذق عنقود فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا، وأخذ المدية السكين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: إِياك والحلوب! فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذْق وشربوا، فملا شبعوا ورَووْا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ لأبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده لتسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم «.

ص: 573