الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
في اهتبال التصحيف أو الغلط الواقع في بعض الكتب إذا وافق غَرَضَه
*
المثال الأول
. «الطليعة» (ص 53 - 55)
(1)
.
موضوع هذا المثال: أنه وقع في ترجمة علي بن عاصم في الكتب حكاية في احتقاره للأئمة، وأنه قال في أبي عَوانة الوضَّاح بن عبد الله اليشكري:«وضّاح، ذاك العبد» ، وفي جرير:«ذاك الصَّبِي» ، وفي شعبة:«ذاك المسكين» .
[ص 43] هكذا وقع في «تاريخ بغداد»
(2)
: «وضّاح ذاك العبد» ، ووقع في «تهذيب التهذيب»
(3)
المطبوع: «وضاع ذاك العبد» . فاعتمد الأستاذ في «التأنيب» هذه الثانية عندما حاول الطعن في أبي عَوانة حتى قال: «بلغ به الأمر إلى أن كذَّبه عليُّ بن عاصم» .
فبينت في «الطليعة» أن ما وقع في «تهذيب التهذيب» المطبوع تصحيف لا يخفى على مثل الأستاذ، ولا من هو دونه، ورُحْتُ أوضِّح الواضح، فذكرت خمس قرائن تبين ذلك؛ فقال الأستاذ (ص 41):«والذي أراه أن قول الأستاذ [اليماني] في دائرة الاحتمال، لكن قول علي بن عاصم في جرير بن عبد الحميد: «ذاك الصبي» ، وفي شعبة:«ذاك المسكين» ، من غير ذكر
(1)
(ص 39 - 41).
(2)
(11/ 450).
(3)
(7/ 345) ووقع على الصواب في أصله «تهذيب الكمال» : (5/ 266).
اسميهما يبعد احتمال ذكر اسم أبي عوانة، على أن الغالب في اسمه «الوضاح» باللام، بل يكون علي بن عاصم أسرف في رميه أبا عوانة بالوضع والكذب».
أقول: ليس في هذا ما يدفع
(1)
الحق، فمن المعروف أن ذِكْر الرجل بكنيته إكرام له، وكان أبو عوانة مشهورًا بكنيته، لا يكاد يُذْكَر إلا بها، فنصَّ عليُّ بن عاصم على اسمه تأكيدًا لاحتقاره له، كأنه يقول: ليس بأهل أن يُذكر بكنيته. بخلاف شعبة وجرير، فإنهما كان مشهورَين باسميهما، فليس في ذكرهما باسميهما ما يشعر باحتقار.
وهكذا ترك اللام، فإنّ ذِكْره بقوله:«الوضاح» فيه تفخيم، بخلاف قوله:«وضاح» ــ إذا كان الغالب «الوضاح» ــ، فإن العدول عنه إلى «وضَّاح» يُشْعِر بزيادة الاحتقار، كأنه يقول: ليس بأهل أن أفخّم اسمه.
وبالجملة، فمن كان ممارسًا لكتب الرجال، عارفًا بعلوم الأدب، فإنه يعرف الصواب بذوقه لأول مرة، فكيف إذا رأى ما في «تاريخ بغداد» ؟ ومن لم يكن كذلك فيراجع ما ذكرته في «الطليعة» ، مع ما هنا.
هذا، والذي أوقع مصحح [ص 44]«تهذيب التهذيب» في التصحيف ــ فيما يظهر ــ أنه لم يكن من الممارسين للفن، وكانت النسخة واحدة، رأى الكلمة في الأصل مشتبهة
…
(2)
«وضاع» ، ولو على بُعد، ولم يكن مستحضرًا اسم أبي عوانة، لغرابته، ولأن أبا عونة لا يكاد يُذكر إلا بكنيته، وكانت كلمة «وضّاع» حاضرة في ذهنه لتكرُّر ذكر الوضع في التراجم.
(1)
تحتمل: «يدافع» .
(2)
كلمتان تفشّى المداد فوقهما فلم تتبيّنا.