الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُن إلَاّ وأَنتُم مُسْلِمُون)(1).
(يَا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْس واحِدَةِ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَث مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيراً ونِسَاءً، واتَّقُوا الله الَّذي تَسَاءَلُونَ بهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(2).
(يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَقُوا الله وقُولُوا قَوْلاً سَديداً، يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبكُمْ، وَمَن يُطعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظيماً)(3).
أما بعد (4):
(1) سورة آل عمران، آية:102.
(2)
سورة النساء، آية:1.
(3)
سورة الأحزاب، آية: 70 - 71.
(4)
هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه أخرج حديثها: أبو داود 6 - النكاح، 33 - باب في خطبة النكاح، 2/ 591 ح 2118.
والترمذي 9 - النكاح، 17 - باب ما جاء في خطبة النكاح 3/ 413 ح 1105.
والنسائي، الجمعة، باب كيف الخطبة 3/ 105.
وابن ماجه 9 - النكاح 19 - باب خطبة النكاح 1/ 609 ح 1892.
وأحمد في المسند 1/ 392، 393، 432 وغيرهم.
وانظر في ذلك/ رسالة خطبة الحاجة للشيخ ناصر الدين الألباني.
فإن الله سبحانه وتعالى قد تولّى حفظ كتابه الكريم بنفسه، ولم يكل ذلك إلى أحد من خلقه، فقال سبحانه:(إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)(1) فكان القرآن الكريم محفوظاً بحفظ الله تعالى على امتداد الأيام والسنين.
وأمّا السنة وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله تعالى، فقد سخّر الله سبحانه لها رجالاً جهابذة، وحفّاظاً عارفين، وصيارفة ناقدين على مر العصور، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فحرصوا على حفظها وحياطتها بسياجٍ منيعٍ من الأصول والقواعد والضوابط وأنواع التصنيفات وفنون التدوين، وعُنُوا بتمييز مقبولها من مردودها، وناسخها من منسوخها، وكل ما يتعلق بها وساعد في حفظها وصيانتها، فرحمهم الله ورضي عنهم.
وقد تنوعت اهتمامات العلماء وجهودهم في خدمة السنة وتدوينها فكثرت مجالات التصنيف فيها وتعددت فنونها، فشملت ميادين واسعة، منها ما كان متعلقاً بالتصنيف في الحديث رواية، ومنها ما كان متعلقاً بالتصنيف فيه دراية.
وقد كانت فنون التصنيف في جمع السنة رواية تعتني بعدة جوانب من حيث التقسيم والتبويب وطريقة الجمع، والتأليف.
فمنها ما كان التصنيف فيه خاصاً بالعقيدة، ومنها ما كان خاصاً بباب معين من أبواب العلم، كالزهد، والبعث والنشور وغيرها.
ومنها ما كان متعلقاً بجمع أحاديث الرقائق أو الترغيب والترهيب في تصانيف مستقلة، جمع فيها مصنفوها النصوص التي فيها إيقاظ للقلوب وتحريك للمشاعر لتندفع نحو الإخلاص لله والاتباع لشرعه، وذلك بالترغيب في فضائل الأعمال وثوابها في الجنة والنعيم المقيم، وبالترهيب من مساوئ الأعمال، وعقابها في الدار الآخرة، في النار -والعياذ بالله منها-.
وقد كان من أبرز من صنف في هذا الفن واشتهر تصنيفه بين الخلائق في
(1) سورة الحجر ، آية:91.
الآفاق الإمام الحافظ زكي الدين، أبو محمد، عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري، المتوفى سنة (656 هـ) فجمع كتابه (الترغيب والترهيب من الحديث الشريف) وهذا الكتاب من أفضل وأشهر وأجمع ما صنّف في هذا الفن، حيث حاول أن يستوعب فيه عدداً كبيراً من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف فنون الشريعة السمحة من عددٍ من كتب السنة المشهورة، وخاصة الكتب الستة.
ولا شك أن كتاباً حافلاً كهذا الكتاب، مع ما كان عليه مصنفه من الحفظ والإمامة، لا يخلو من شيءٍ من الخلل والقصور، وما من كتاب سوى كتاب الله تعالى كتبه مصنفه إلا وإذا نظر فيه من غدٍ عَدَّل فيه وبَدَّل. فكيف إذا كان الحافظ المنذري قد أملى كتابه هذا من حفظه، وفي ظروف حرجة، وحالة قلقة، وقد ذكر ذلك معتذراً لنفسه في آخر الكتاب فقال رحمه الله تعالى:
(وقد تمّ ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك ونستغفر الله سبحانه مما زلّ به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان، فان كل مصنِّف مع التؤدة والتأني، وإمعان النظر وطول الفكر، قلّ أن ينفك عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه، وقد اتفق إملاء عدة من الأبواب في أماكن كان الأليق بها أن تذكر في غيرها، وسبب ذلك عدم استحضارها في تلك الأماكن، ونذكرها في غيرها، فأمليناه حسب ما اتفق (1)).
ولهذا تخلل مصنفه هذا حال إملائه شيء من القصور والأوهام والزلل، التي هي من صفة البشر، فكان لا بد للمطالع المدقق في هذا الكتاب أن يقف على شيء من هذه الأوهام، فكان للإمام الحافظ أبي إسحاق، إبراهيم بن محمد بن محمود الدمشقي الشافعي، الملقب بالناجي، شرفُ التعرُّض لكشف شيءٍ من هذه الأوهام وتبيينها للأمة، فتتبع الكتاب واستدرك ما تيسر له في كتابٍ سماه:
(1) الترغيب والترهيب 4/ 565 - 566.