المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة] - عمارة المساجد المعنوية وفضلها

[عبد العزيز الحميدي]

الفصل: ‌[قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة]

[قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة]

4 -

قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة: فأما قبولها فقد اتفق العلماء على أن الصلاة لا يثاب عليها فاعلها إلا بمقدار ما يحضر قلبه فيها، وإنما اختلفوا في إجزائها وحكم إعادتها لمن يحضر قلبه مع الصلاة.

يقول الإمام ابن القيم في ذلك:

وقد اختلف الفقهاء في حكم إعادة الصلاة لمن غلب عليه الوسواس فلم يحضر قلبه مع الصلاة فأوجبها ابن حامد من الحنابلة وأبو حامد الغزالي كما ذكر ذلك في الإحياء، ولم يوجبها أكثر الفقهاء واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله «إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا - لما لم يكن يذكر - حتى يضل أن يدري كم صلى» ، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله ثم قال: ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ثلثها

ص: 21

ربعها - حتى بلغ عشرها» (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ".

فليست صحيحة باعتبار ترتب كمال مقصودها وإن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة، ولا ينبغي أن يعلق لفظ الصحة عليها فيقال:" صلاة صحيحة " مع أنه لا يثاب عليها فاعلها " (2) .

وقول ابن عباس رضي الله عنهما الذي نقله ابن القيم يشبه قول عمار بن ياسر رضي الله عنهما «لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه» (3) .

فالأمر واضح في عدم ترتب الثواب على الصلاة التي يحدث الإنسان بها نفسه بأمور دنيوية، كما أنه واضح في إجزاء تلك الصلاة وعدم وجوب إعادتها لظهور الدليل في الأمرين، ولكن هل يأثم من حدَّث نفسه في صلاته بأمور دنيوية؟

(1) أخرجه أبو داود من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها " سنن أبي داود، رقم 796، الصلاة (11 / 503) ، وأخرجه أيضا الإمام أحمد بالمسند 4 / 319، محمد بن نصر - تعظيم الصلاة رقم 152.

(2)

مدارج السالكين 1 / 112.

(3)

تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي 1 / 166.

ص: 22

الواقع أن من غلب عليه حديث النفس ذلك ولم يتعمده فإنه يكون داخلا في النسيان، وبالتالي يكون صاحبه معفوا عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (1) وذكره الحافظ ابن حجر وقال: ورجاله ثقات (2) .

لكن من تذكَّر ذلك واستمر في حديث النفس عمدًا فإن هذا معرَّض للإثم لأن هذا العمل فيه استهانة بالصلاة.

والمقصود بانصراف الفكر الذي يؤثر في قبول الصلاة أن ينصرف الفكر إلى الأمور الدنيوية، أما انصرافه إلى أمور الآخرة فالظاهر أنه انتقال من عبادة إلى عبادة، فلا يؤثر ذلك في ترتب الثواب على فعل الصلاة، لكن لا يجوز تعمد ذلك.

ومما يدل على عدم تأثير ذلك على الصلاة ما أخرجه الإمام البخاري من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فلما قام سريعًا،

(1) سنن ابن ماجه رقم 2045، الطلاق (1 / 659) .

(2)

فتح الباري 5 / 161.

ص: 23

دخل على بعض نسائه، ثم خرج ورأى في وجوه القوم تعجبهم لسرعته فقال: " ذكرت - وأنا في الصلاة - تبرا عندنا فكرهت أن يمسي - أو يبيت - عندنا فأمرت بقسمته» (1) .

وهذا ليس المقصود منه الاستغراق في التفكير، وإنما هو مجرد خاطر خطر على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن ورد ما يدل على شيء من الاستغراق في التفكير في أمور الدين من عمر رضي الله عنه كما جاء في قول الإمام البخاري: وقال عمر إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة.

قال الحافظ ابن حجر: وصله ابن أبي شيبه بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي عنه بهذا سواء.

قال: وروى صالح بن أحمد بن حنبل في كتاب " المسائل " عن أبيه من طريق همام بن الحارث أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ، فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعيرٍ جهزتها

(1) صحيح البخاري، كتاب العمل في الصلاة رقم 1221، والتبر الذهب.

ص: 24

من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة، قال: ومن طريق عياض الأشعري قال: صلى عمر المغرب فلم يقرأ فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: صدق، فأعاد، فلما فرغ قال: لا صلاة ليست فيها قراءة، إنما شغلني عير جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها " قال: وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه مستغرقًا في الفكرة " (1) .

وأما أثر الصلاة في رفع الدرجات في الجنة فمن أدلة ذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: «لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل يدخلني الله به الجنة - أو قال قلت: بأحب الأعمال إلى الله فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» .

(1) فتح الباري 3 / 90.

ص: 25

قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال ثوبان (1) .

وكذلك ما أخرجه الإمام مسلم أيضًا من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال: «كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» (2) .

وإذا كان كثرة السجود يُبلغ صاحبه مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة فإن ذلك دليل على أن الصلاة ترفع صاحبها في درجات الجنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجات العليا من الجنة.

ومعلوم أن المقصود بهذه الصلاة الصلاة الكاملة التي تشتمل على الخشوع، لأنها هي الصلاة المقبولة عند الله تعالى.

ومما جاء في التصريح بذكر الخشوع وأثر ذلك في الحصول على الثواب في الجنة ما أخرجه الإمامان أبو داود

(1) صحيح مسلم رقم 488، كتاب الصلاة (ص 353) .

(2)

صحيح مسلم رقم 489، كتاب الصلاة (ص 353) .

ص: 26