الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلالها الوارف فيجد فيها علاجًا لمشكلاته النفسية ويتخلى بها عن هموم الحياة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر الصلاة راحة النفس وقرة للعين، كما أخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجُعل قرة عيني في الصلاة» (1) .
وكان يعتبر الصلاة راحة للنفس كما أخرج الإمام أحمد من حديث سالم بن أبي الجعد عن رجل من أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بلال أرحنا بالصلاة» (2) .
[الأسباب الجالبة للخشوع]
الأسباب الجالبة للخشوع من الأسباب الجالبة للخشوع وحضور القلب مع الله تعالى شعور العبد بأنه يناجى ربه جل وعلا، ومن التوجيهات النبوية في ذلك ما أخرجه الإمام محمد بن نصر بإسناده عن أبي حازم من هذيل قال: «جاورت في مسجد المدينة مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني
(1) المسند 3 / 128. وأخرجه الإمام محمد بن نصر في كتابه تعظيم الصلاة - رقم 322.
(2)
المسند 5 / 364.
بياضة فبينما نحن في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له، فأشار إلى من في المسجد: أن اجتمعوا، فاجتمعنا فوعظنا موعظة لم أسمع بمثلها، فقال: " إن أحدكم إذا قام يصلى فإنه مناج ربه فلينظر بم يناجيه» وأخرجه الإمام أحمد بنحوه (1) .
ومن أسباب الخشوع إخلاص النية في التقرب إلى الله تعالى بالعبادة فيجدد المسلم نية التقرب إليه سبحانه في كل صلاة ليكون قلبه حاضرًا معه وليثاب على هذه النية الخالصة.
إن الإنسان إذا خرج إلى أي عمل من الأعمال وقد استحضر له نية فإنه يُعمل فكره في ذلك العمل حتى يكون مستعدًا لإتقانه ولدرء العوارض التي تحول دون نجاحه، فليستحضر المصلي أنه ذاهب لمناجاة الله تعالى وليعمل فكره في محاولة إنجاح هذا اللقاء العظيم.
ومن أسبابه تدبر معاني الآيات والأذكار الواردة في الصلاة، فإذا أراد الشروع في الصلاة بالتكبير فليفهم معنى ما يقول، فإذا كان الله جل وعلا أكبر من كل شيء فلا
(1) تعظيم الصلاة رقم 132، مسند أحمد 2 / 36.
يلتفت العبد إلى غيره، ولعل هذا من حكمة تكرر هذه الصيغة في الانتقال بين أركان الصلاة، فإذا كبر المصلي بلسانه فليكبر أيضًا بقلبه، وذلك بحضور القلب وتذكر معنى هذه الصيغة، وإذا استعاذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم فليتذكر عظمة الله جل وعلا في مقابل ضعف الشيطان وحقارته، وإذا قال سبحان ربي العظيم، فليتذكر أنه يعظم الله عز وجل بقوله وفعله حيث إن الركوع هيئة تعظيم، فلا يقتصر في التعظيم على القول والفعل دون اعتقاد القلب، وإذا سجد فليتذكر وهو في أخفض حال علوَّ الله سبحانه على كل شيء فيكون قد جمع في الإقرار بعلو الله تعالى بين القول والعمل والاعتقاد، وهكذا في بقية أذكار الصلاة، وليتذكر معاني الآيات التي يتلوها ويشتغل بتدبرها، وبهذا يكون قلبه ولسانه وجوارحه متجهة نحو الله تعالى في كل الصلاة حيث إن الصلاة ليس فيها فراغ للتفكير في الدنيا وما فيها.
يقول الحسن البصري رحمه الله: إذا قمت إلى الصلاة فقم قانتًا كما أمرك الله، وإياك والسهو والالتفات أن ينظر الله إليك وتنظر إلى غيره، تسأل الله الجنة وتعوذ به من النار
وقلبك ساه ولا تدري ما تقول بلسانك (1) .
ومن أسباب الخشوع تحريك الشفتين بالتلاوة والذكر، حيث تشتغل حاسة السمع مع اللسان فيكون ذلك أعون على طرد الشيطان ووساوس النفس، وذلك من غير رفع الصوت بالنسبة للمأموم لأن ذلك يشغل من بجواره ويؤثر على خشوعه، وذلك يتنافى مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة في الصلاة» (2) .
أما تحريك الشفتين فمن أدلة ذلك ما أخرجه البخاري من حديث أبي معمر عبد الله بن سخبرة قال: «سألنا خبَّابًا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بأي شيء كنتم تعرفون؟ قال: باضطراب لحيته» (3) .
ومن أسباب الخشوع الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، وذلك أن الانصراف للدنيا على أنها غاية يعمل الإنسان لها يحتم عليه أن يصرف فكره واجتهاده لهذا الغرض، فإذا أيقظه ضميره بدافع من وازعه الإيماني وأراد
(1) كتاب تعظيم الصلاة رقم 140.
(2)
مسند أحمد 2 / 36، سنن أبي داود، رقم 1332، الصلاة (2 / 83) .
(3)
صحيح البخاري، رقم 760، الأذان، (2 / 244) .
أن يحضر قلبه في الصلاة فإن خواطر الدنيا التي تعلَّق قلبه بها تهجم وتسيطر على تفكيره فيخرج من الصلاة بأقوال وأفعال لا علاقة لها بقلبه، إلا بمقدار ما يغلب على قلبه من وازعه الإيماني.
أما إذا كان مقبلا على الآخرة، ومقدَّرًا للدنيا بقدرها كظرف للعمل الصالح وجواز مرور إلى الآخرة فإن ذلك يدفعه إلى الخشوع وحضور القلب مع الله تعالى، ويحمله على الشغف بالعبادة باعتبار أنها وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل والظفر برضوانه ونعيمه.
وبيان ذلك أن من غلب على تفكيره أمر الآخرة فإن هذا التفكير هو الذي يمكن أن يطرأ عليه في الصلاة وذلك منسجم مع مقاصدها، أما الذي يغلب على تفكيره أمر الدنيا فإن هذا التفكير هو الذي يطرأ عليه في صلاته وهذا مناقض لمقاصد الصلاة.
ومن أسباب الخشوع: الصلاة في المسجد جماعة لأن جو المسجد الروحاني وما فيه من الهدوء والسكينة لا يمكن أن يتوافر غالبًا في البيوت لكثرة ما فيها من الملهيات والمشغلات، وإن كان ينبغي للمسلم أن يهيئ بيته أو جزءًا منه للصلاة لأن أغلب النوافل تكون في البيوت.
ومن أسباب الخشوع أن لا يكون أمام المصلي أو عليه ما يشغله من ألوان وخطوط وكتابات ونحو ذلك، ومن أدلة كراهة ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها:«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بانبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي» (1) .
ومن أسباب الخشوع تذكر الموت عند الصلاة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لَحَريّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها، وإياك وكل أمر يُعتذر منه» (2) .
وكذلك ما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع» أخرجه الإمام أحمد (3) .
(1) صحيح البخاري، رقم 373، الصلاة (1 / 482) ، صحيح مسلم، رقم 556، المساجد (ص 391) . والخميصة نوع من الثياب له أعلام، والابنجانية نوع آخر له خمل وليس له أعلام.
(2)
السلسلة الصحيحة للألباني 1421 (3 / 408) .
(3)
مسند أحمد 5 / 412.
ومن أسبابه الطمأنينة، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ومن أدلة ذلك حديث المسيء صلاته، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام وقال: " ارجع فصلِّ فإنك لم تصلّ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ثم قال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، حتى فعل ذلك ثلاث مرار، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن (1) ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (2) .
(1) قال الخطابي رحمه الله تعالى: قوله " ثم اقر ما تيسير معك من القرآن " ظاهره التخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزيه غيرها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وهذا الإطلاق كقوله تعالى:(فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) الآية [169: البقرة] ثم كان أقل ما يجزئ من الهدي معينا معلوم المقدار ببيان السنة هو الشاة.
(2)
سنن أبي داود، رقم 856، الصلاة (1 / 534) .
ومن أسباب الخشوع النظر إلى موضع السجود، وهذا من سنن الصلاة الظاهرة، وهو من أبلغ الأمور التي تساعد على حصر فكر المصلي في صلاته، لأن رفع البصر أو الالتفات به يمينًا وشمالا يشغل المصلي بما يراه أمامه أو عن يمينه وشماله.
ومن أسباب الخشوع أن لا يصلي المسلم وهو بحضرة طعام يشتهيه، ولا هو يدافع قضاء حاجته، ومما جاء في النهي عن ذلك ما أخرجه أبو عبد الله البخاري رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا وضع العَشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعَشاء» .
وفي رواية له من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم» (1) .
وكذا ما أخرجه أبو داود السجستاني رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصلَّى بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان» (2) .
(1) صحيح البخاري، رقم 671 و 672، كتاب الأذان (2 / 159) .
(2)
سنن أبي داود، رقم 89، كتاب الطهارة، باب 43 (1 / 69) ، والأخبثان البول والغائط.
ومعلوم أن الإنسان يستطيع أن يؤدي أفعال الصلاة وأقوالها وهو كذلك، ولكنه سينشغل فكره بإشباع شهوته إلى الطعام أو إزالة الأذى عنه، وذلك يؤثر على خشوعه في الصلاة.
ومن ذلك وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في القيام، كما قال الحافظ ابن رجب: ومما يظهر فيه الخشوع والذل والانكسار من أفعال الصلاة وضع اليدين إحداهما على الأخرى في حال القيام، قال: وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه سئل عن المراد بذلك فقال: هو ذلٌّ بين يدي عزيز. قال: علي بن محمد المصري الواعظ رحمه الله: ما سمعت في العلم بأحسن من هذا.
قال وروُي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى قال: أشتهي منذ أربعين سنة أن أضع يدًا على يد في الصلاة ما يمنعني إلا أن يكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في القلب مثله (1) اهـ.
وما ذكره عن الإمام أحمد وعن بشر الحافي دليل على فقههما وعدم اقتصارهما على الأحكام الظاهرة التي
(1) الخشوع في الصلاة 36.