الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث ابن عصام المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم: «إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا» وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب (1) .
[عمارة المساجد المعنوية]
عمارة المساجد المعنوية عمارة المساجد المعنوية تشمل أمورا من الأعمال الصالحة أبرزها الصلاة وتلاوة القرآن والذكر وتعلم العلم وتعليمه.
وإنني في هذا البحث سأعرض لهذه الموضوعات باختصار إلا إذا رأيت أن الموضوع يحتاج إلى شيء من البسط.
[صلاة الجماعة]
صلاة الجماعة إن أهم الأعمال الصالحة التي تؤدَّى في المساجد صلاة الجماعة، وقد رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة تأمر بصلاة الجماعة وتبين فضلها، ولن أستوعب ذكر هذه الأحاديث لأنها مبيَّنة في مواضعها من كتب السنة والفقه، وإنما سأقتصر على ذكر بعض الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع.
فمن الأحاديث التي تبين وجوب صلاة الجماعة ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (2) .
فهذا التهديد بالتحريق يدل على أن من ترك صلاة الجماعة فهو آثم، وهذا يدل على الوجوب لأن المستحب لا يعاقب تاركه.
وكذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال:" هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال:
(1) سنن الترمذي رقم 1589، كتاب السير (تحفة الأحوذي 5 / 155) سنن أبي داود رقم 2635، الجهاد (3 / 98) .
(2)
صحيح مسلم، رقم 651 / 251، المساجد، (ص 451) ، صحيح البخاري، رقم 644، الأذان، (2 / 125) .
نعم، قال: " فأجب» (1) .
فهذا يفيد بأن من سمع الأذان لا يعذر بترك الصلاة مع الجماعة في المسجد، وهذا دليل على الوجوب لأن المستحب لا يُلزم المسلم بفعله.
ومن الأحاديث التي تبين فضيلة صلاة الجماعة في المسجد ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة» وفي رواية أخرى لهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (2) .
(1) صحيح مسلم، رقم653، المساجد (ص 452) .
(2)
صحيح البخاري، رقم 647، و 645، الأذان (2 / 131) ، صحيح مسلم رقم 649، المساجد (ص 449) .
وكذلك ما أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» (1) .
والتهجير هو التبكير إلى الصلاة، والعتمة هي صلاة العشاء.
أما الصحابة رضي الله عنهم فمن الأقوال المأثورة عنهم التي تبين اعتقادهم بوجوب صلاة الجماعة في المساجد ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «من سرَّه أن يلقى الله غداً مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُّهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة
(1) صحيح البخاري، رقم 615، الأذان (2 / 96) ، صحيح مسلم رقم 437، الصلاة (ص 325) .
ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف» (1) .
ولقد كان تأثر المسلمين بهذه الأحاديث والآثار وأمثالها شديداً واستقامتهم على حضور الجماعات في المساجد مستمرة على مدى الزمان، ومن أخبار العلماء المؤثرة في ذلك ما ذكره الحافظ الذهبي عن العالم العابد عبيد الله بن عمر القواريري أنه قال: لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة. فنزل بي ضيف فشغلت به فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلوا، فقلت في نفسي: يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة» ورُوي خمسا وعشرين وروي سبعا وعشرين فانقلبت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة، ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إليَّ آخرهم فقال: لا تُجْهِدْ فرسك فلست بلاحقنا قال: فقلت: ولِمَ؟
(1) صحيح مسلم، 654 / 257، المساجد (ص 453) .
قال: لأنا صلينا العَتَمة في جماعة (1) .
فهذا اجتهاد بالغ من هذا الإمام في تدارك صلاة العشاء التي فاتته، فقد دار على مساجد البصرة ليدركها فلم يحصل له ذلك، ثم اجتهد فصلى سبعا وعشرين مرة ليحصل على فضيلة الجماعة، فما أعظم هذا الحرص على درجات الثواب من هذا الإمام! وكم قضى من الوقت والجهد في هذه الصلوات من أجل تدارك ما فاته من مضاعفة الأجر بصلاة الجماعة!
ولكنه مع ذلك رأى تلك الرؤيا العجيبة المباركة التي تدل على أن المسلم وإن كرَّر الصلاة سبعا وعشرين مرة في بيته فلن يلحق بالثواب من حضروا صلاة الجماعة، وهذا دليل على أهمية الصلاة مع الجماعة في المساجد وعِظَم منزلتها في الدين.
فكم يخسر الذين يصلون الصلوات الخمس أو بعضها في بيوتهم! وكم أضاعوا من درجات من الثواب عالية تُعَدُّ بالألوف والملايين!
إن في هذا الخبر لتذكرة للغافلين واستنهاضاً لِهِمَم المتكاسلين، وقُرَّة عين للفائزين السابقين.
(1) سير أعلام النبلاء 11 / 444.