الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعلم العلم وتعليمه]
تعلم العلم وتعليمه كان المسجد النبوي مدرسة عامرة بالتعليم الإسلامي، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه والوافدين على المدينة النبوية أمور دينهم.
وكان أحيانًا يعلمهم عن طريق الخطب المنبرية كما جاء فيما أخرجه مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد جاء فيه فقال أبو موسى:«أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلَّمنا صلاتنا ثم ذكر خطبته» (1) .
وأحيانًا كان يعلَّمهم بعد الصلوات كما جاء في حديث أخرجه أيضًا مسلم بن الحجاج رحمه الله من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله
(1) صحيح مسلم، رقم 404، كتاب الصلاة (ص 303) .
والصلوات والطيبات» الحديث (1) .
وقد استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة رضي الله عنهم في المسجد النبوي خلال إقامته في المدينة إلى أن لحق بالرفيق الأعلى.
ثم قام علماء الصحابة رضي الله عنهم بالتعليم في المسجد النبوي وفي مساجد الأمصار التي فتحوها، وكان من أبرز من لازموا التعليم في المساجد عبد الله بن مسعود، وأبو هريرة الدوسي، وأبو الدرداء عويمر بن زيد، ومعاذ بن جبل، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
ومن الأخبار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا المجال ما أخرجه أبو عبد الله الحاكم من حديث عاصم بن محمد عن أبيه قال: رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمَّانتي المنبر قائمًا، ويقول: حدثنا أبو القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فلا يزال يحدث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام جلس. وقال الحاكم: هذا
(1) صحيح مسلم، رقم 402، كتاس الصلاة (ص 301) .
حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (1) .
ومن ذلك ما ذكره الإمام الذهبي من حديث الإمام الزهري عن حميد بن عبد الرحمن: أن تميمًا - يعني تميم الداري رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في القصص سنين ويأبى عليه، فلما أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر، قال: عمر: ذاك الربح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج إلى الجمعة (2) .
وقد كثر عدد الطلاب في المساجد حتى بلغوا المئين كما جاء في رواية عن مسلم بن مشكم قال قال لي أبو الدرداء: اعْدُد من في مجلسنا، قال: فجاءوا ألفًا وستمائة ونيفا، فكانوا يقرءون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءاً فيحدقون به ويسمعون ألفاظه، وكان ابن عامر مقدَّمًا فيهم (3) .
وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد بعث أبا
(1) المستدرك 3 / 512.
(2)
سير أعلام النبلاء 2 / 447.
(3)
سير أعلام النبلاء 2 / 346، وابن عامر هو عبد الله بن عامر الذي كان أميرا على البصرة في عهد عثمان رضي الله عنه.
الدرداء إلى الشام لتعليم أهلها فاستقر بدمشق وعَمَر مسجدها بالتعليم.
أما في عهد التابعين ومن بعدهم فقد ازدهر التعليم في المساجد، وكانت هي دور العلم الأولى التي يقصدها طلاب العلم على مر العصور.
وإننا حينما نقارن بين النتائج التربوية التي كان المسجد يقدمها من خلال الدروس العلمية وبين ما تقدمه المدارس من خلال الدروس العلمية نفسها نجد الفرق واضحًا حيث نجد أن الدراسة في المسجد يقارنها غالبًا الجانب التربوي ويصاحبها الورع والتقوى.
فليست الدراسة في المسجد دراسة نظرية يُقصد منها مجرد العلم والمعرفة وإنما هي دراسة تربوية يقصد منها العمل أولا، فلا يكاد الدارس ينتظم في حلقات المسجد حتى يتبدل سلوكه وتسمو أخلاقه ويظهر بمظهر المتَّزن الحكيم ويتقوى إيمانه فينشر هذه الفضائل في أسرته ومن يتصل به من معارفه.
وإننا لا نقول إن هذه الفضائل تخلو منها المدارس فهي
لا تخلو من الخير ولكنها لا تصل في هذه الفضائل إلى مستوى المساجد.
لذلك فإنني بهذه المناسبة أذكَّر المسئولين عن المساجد بهذا الجانب المهم لعلهم يعيدون للمسجد مكانته العلمية حيث إن غير المتخصصين بالدراسات الدينية بأمس الحاجة إلى من يبصرهم بأمور دينهم، والمتخصصون بالدراسات الدينية بحاجة إلى تقوية معلوماتهم كما أن الجميع بحاجة إلى التربية القويمة من خلال الدراسة في المساجد.