الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - رحلاته
لقد كان الحافظ عبد الغني- رحمه الله شأنه شأن الحفاظ الكبار من قبله، فقلما تجد حافظًا من الحفاظ، أو عالِمًا من العلماء، إلا وقد رحل في طلب العلم.
والرحلة في طلب العلم أمر معروف في الإِسلام منذ الصدر الأول وقد ألف الخطيب البغدادي كتابه المعروف "الرحلة في طلب الحديث".
ومالهم لا يرحلون، وقد أوصئ بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن ماجة (247) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم، فقولوا لهم: مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقنوهم" قلت للحكم: ما "اقنوهم"؟ قال: علموهم. وفي نسخة: "وأفتوهم".
ولقد رحل الحافظ وهو في العشرين من عمره تقريبًا فرحل إلي بغداد مرتين، أولاهما كانت سنة (561 هـ)، فرحل هو وابن خاله الشيخ الموفَّق، فكانا يخرجان معًا، ويذهب أحدهما في صحبة رفيقه إلي درسه وسماعه، كانا شابين مُخْتَطين، وخوفهما الناس من أهل بغداد، وكان الحافظ ميله إلي الحديث، والموفق يريد الفقه، فتفقه الحافظ، وسمع الموفق، فلما رآهما العقلاء علي التصون وقلة المخالطة أحبوهما، وأحسنوا إليهما، وحصَّلا علمًا جمًّا، فأقاما ببغداد نحو أربع سنين، ونزلا أولًا عند الشيخ عبد القادر، فأحسن إليهما، ثم مات بعد قدومهما بخمسين ليلة، ثم اشتغلا بالفقه والخلاف علي ابن الْمَني.
ثم رحل إلي الحافظ أبي طاهر السِّلَفي بالإِسْكَنْدَريِّة مرتين، الأولي سنة (566 هـ).
قال الحافظ عبد الغني: لما قدمت علي السلفي سألني عن أشياء، وقال: من هو محمد بن عبد الرحمن الذهبي؟ فقلت: المخلّص (1).
ومكث عنده في هذه المرة مدة.
ثم رحل إليه المرة الثانية سنة (570 هـ)، وسمع منه الكثير، فقد كتب عنه نحوًا من ألف جزء بها.
وفي هذه المرة سافر إلي مصر، فسمع من أبي محمد بن بري النحوي، وجماعة.
ثم سافر إلي أصبهان بعد السبعين، وكان خرج إليها، ولم يكن معه من المال إلا القليل، فسهل الله أمره، وسخر له من حمله، وأنفق عليه، حتى دخل أصبهان، فنزل عند أبي الثناء؛ محمود بن سلامة الحراني التاجر، فكان يقول: كان الحافظ نازلًا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا القليل، بل يصلي، ويقرأ، ويبكي، حتي ربما منعنا النوم إلي السحر.
(1) قلت: له ترجمة في "سير أعلام البلاء"(16/ 478)، وسؤال السلفي لعبد الغني لير سؤال تعلم، وإنما هو سؤال اختبار، ومثل هذا معروف لدى الشيوخ، ومن ذلك ما وقع للذهبي مع شيخه ابن دقيق العيد. قال تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعة الكبرى" (9/ 102):
"لما دخل- يعني الذهبي- إلى شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وكان المذكور شديد التحري في الإسماع، قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام؟ قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المُخَلِّص. فقال: أحسنت. فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال: سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ. ومكنه من القرآءة عليه حينئذ؛ إذ رآه عارفًا بالأسماء".