الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما وقع له في رحلته إلى أصبهان قوله:
أضافني رجل بأصبهان، فلما تعشينا كان عنده رجل أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل! فقلت: ماله؟ قالوا: هذا رجل شمسي- يعني: يعبد الشمس- فضاق صدري.
وقلت للرجل: ما أضفتني إلا مع كافر؟
قال: إنه كاتب وله عندنا راحة، ثم قمت بالليل أصلي والشمسي يستمع فلما سمع القرآن تزفَّر، فلما كان بعد أيام جاء إليّ الذي أضافني، وقال: إن الشمسي يريد أن يُسْلِم، فمضيت إليه فأسلم، وقال: من تلك الليلة- لما سمعتك تقرأ القرآن- وقع الإسلام في قلبي.
وفي هذه الرحلة اجتمع بالحافظ أبي موسى المديني، وسمع منه.
ورحل أيضًا إلى الموصل، وحران، وهمدان، وغير ذلك، وهو في كل رحلاته يفيد، ويستفيد، وينشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
4 - أوقاته
أما حفاظه على الوقت فلا يعرف له نظير في زمانه في ذلك.
قال أخوه العماد: ما رأيت أحدًا أشد محافظة على وقته من أخي.
قال الضياء: كان شيخنا الحافظ- رحمه الله لا يكاد يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة؛ فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن الناس القرآن، وربما قرأ شيئًا من الحديث، فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقينًا، ثم يقوم ويتوضأ، فيصلي ما شاء الله له أن يصلي إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومة يسيرة إلى وقت الظهر، ويشتغل إما للتسميع بالحديث، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر
بعد المغرب، وإن كان مفطرًا صلى من المغرب إلى عشاء الآخرة، فإذا صلى العشاء الآخرة نام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنسانًا يوقظه، فيتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، وربما توضأ في الليل سبع مرات أو أكثر، فقيل له في ذلك؟ فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه.
وقال الضياء: سألت خالي الإِمام موفق الدين عن الحافظ؟ فكتب
بخطه، وقرأته عليه:
كان جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة، وعداوتهم إياه، وقيامهم عليه، ورزق العلم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلا أنه لم يعمر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها،رحمه الله.
وقال نصر بن رضوان المقرى: ما رأيت أحدًا على سيرة الحافظ، كان مشتغلًا طول زمانه.
وقال الضياء: وكان قد ضعف بصره من البكاء، والنسخ، والمطالعة، وكتب بخطه المتقن مالا يوصف كثرته، ولم يزل ينسخ ويصنف، ويحدث ويفيد المسلمين، ويعبد الله حتى توفاه الله على ذلك.
قلت: نسخ الكثير- خاصة مصنفاته- بخطه المليح، الشديد السرعة، الغير منقوط غالبًا، وكثير مما نسخه إلى اليوم في المكتبة الظاهرية بدمشق، والتي نقلت فيما بعد إلى مكتبة الأسد الوطنية.