الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال".
وجاء نحو ذلك عن ابن المبارك أيضًا.
وهو وإن كان لا يعني قبولهم في فضائل الأعمال بالأحاديث الضعيفة؛ فإنه يبين بوضوح عناية أئمة الإسلام بأحاديث الأحكام.
وقد اعتنى بجمع هذه الأحاديث الحفاظ في كتبهم، وإفراد كتب مستقلة بهذا النوع من الأحاديث.
وقد كان الحافظ عبد الغني رحمه الله من أوائل مَن وضعوا لبنات هذا البناء وأحكمه، فلم يسبقه. بإفراد هذا النوع من الأحاديث -فيما أعلم- سوى عبد الحق الإِشبيلي رحمه الله (581 هـ) بأحكامه "الكبرى"، و"الوسطى"، و"الصغرى"(1).
ثم بعد الحافظ عبد الغني رحمه الله بكتابيه في الأحكام؛ "الكبرى" و"الصغرى" تتابع الناس.
5 - منهج الحافظ عبد الغني في الكتاب
نستطيع أن نقول: إن المؤلف بنى كتابه هذا على ملامح أساسية، وهي:
أولًا: افتتح كتابه بمقدمة موجزة جدًا، حدد فيها مصادره في هذا الكتاب، وهي - بصفة أساسية - الكتب الستة، واتخذ لكل مصدر من تلك المصادر رمزًا خاصًا به.
ثانيًا: رتب كتابه على أبواب الفقه، فبدأ بكتاب الطهارة ثم كتاب الصلاة
(1) انظر ص (16).
فكتاب الجنائز
…
وهكذا إلى آخر الكتاب، وهو كتاب العتق.
ثم قسم الكتاب الواحد أبوابًا، فمثلًا كتاب الطهارة جعله في ثلاثة وعشرين بابًا، مفتتحًا الأبواب بـ:"باب الدليل على وجوب الطهارة"، ثم:"باب وجوب النية في الطهارة، وسائر العبادات"، ثم:"باب من ترك لمعة لم يصبها الماء لم تصح طهارته"،
…
وهكذا.
ثم يفتح هذه الكتب والأبواب بأصح الأحايث، مبتدءًا بالأحاديث المتفق عليها قبل غيرها.
مصدرًا الحديث بذكر راويه من الصحابة رضي الله عنهم، فيقول: عن أبي هريرة وضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فيذكر الحديث ثم يقول: وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فيذكره، وهكذا. وغالبًا يقتصر على اسم الصحابي إلا إذا دعت الحاجة فقد يزيد اذكر التابعي، وقد يذكر أكثر من ذلك من الإِسناد حسب الحاجة.
ثالثًا: اختياره للأحاديث بعناية شديدة مما يدل على تبحره في حفظ السنة وبلوغه الغاية في فقهها.
رابعًا: لا يغفل الإِشارة إلى بعض الروايات والألفاظ حينما يسوق الأحاديث، وهو في هذه الروايات قد يعزوها مطلقًا دون بيان راويها، والغالب يبين ذلك.
خامسًا: تحريره لألفاظ الحديث، وحسن سياقته، وهو في هذا فارس لا يجارى ولا يبارى، وأعرفه في هذا الباب من قديم - عند تحقيقي للصغرى - وخاصةً في أحاديث "الصحيحين" ورواياتهما وألفاظهما، ومن أجل ذلك
كنت أثق ثقة تامة في ألفاظه وعزوه، ورجعت إلى أصول خطية صحيحة من أجل بيان صحة عزو الحافظ، ودقته في رواياته التي يسردها؛ لئلا يهجم جاهل فيخطئه اغترارًا ببعض المطبوعات (1).
سادسًا: ضم زيادات الحديث الواحد بعضها إلى بعض، وتنسيقها وسياقها مساق الحديث الواحد، وهو آية في ذلك، ومن أوضح الأمثلة على ما أقول في هذا الكتاب الحديث رقم (354) ص (197)، وهو حديث أنس في الصدقات.
فقد نظمه على نسقٍ واحدٍ، مع أن البخاري أورده في "صحيحه" في عشرة مواطن.
سابعًا: أتبع كل حديث بذكر من أخرجه من الأئمة.
ثامنًا: تعرض بعد ذلك لأمور أهمها:
1 -
نقل كلام بعض أهل العلم على الأحاديث، وقد أكثر من النقل عن الترمذي خاصة.
2 -
تعرض لذكر الشواهد - وإن كان في مواطن قليلة - كما عقب الحديث رقم (134)، وهو حديث النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس. ومع أن الحديث متفق
(1) ثم هجم جاهل على تحقيقي للعمدة الصغرى فادعاه لنفسه، وهو الذي كان لا يفرق بين ابن عمر وبين ابن عمرو في كتاب طبعه قبل العمدة! ثم أصبح في العمدة يدرك الفروق بين الروايات والألفاظ!! وعندما كشفته في إحدى مقدماتي قام بإعادة طبع العمدة مستفيدا مما ذكرته له! وأخشى ما أخشاه أن يهجم على الكتاب الآخر فيدعيه لنفسه أيضًا؛ إذ دلت التجربة على أنه صاحب وجه صفيق لا يجري ماء الحياء فيه.