المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الأولى - عودة الحجاب - جـ ٣

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الأولى

‌مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده! ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

[آل عمران: 102] .

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) [الأحزاب: 75- 71] .

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

من نافلة القول أن نربط بين "عودة الحجاب " إلى وجوه المسلمات وبين الصحوة الإسلامية الناهضة التي أشرق بنورها كثير من البلاد الإسلامية ومنها "مصر"، فقد فرضت قضية "حكم النقاب " نفسها في واقعنا الفكري المعاصر بعد أن خُيِّل إلى الجميع أن مثل هذه المفاهيم، بل "التقاليد"(1) -

(1) راجع "معركة الحجاب والسفور" للمؤلف (96 1-197) هامش رقم (396) .

ص: 5

في زعمهم - قد ولَّت إلى غير رجعة.

أجل! حدث هذا في أعقاب الصحوة الإسلامية القائمة على الأصالة، والاقتباس من منابع ديننا الحنيف الذي حملت رسالته، وحفظت أمانتَه هذه الأمةُ طيلة اثنى عشر قرنا من الزمان- قبل طروء الغزو الفكري- فكان أن امتزجت به مشاعرها، وجرت في سبيله دماؤها، وأصبح هو حياتها وفكرها، ومبدأها ومعادها، ونبض قلوبها.

لقد تتابعت الحملات العسكرية ثم الفكرية للقضاء على هذا الدين وأهله، وخُيل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم، وأزمعت أن تُوَدعِّ الإسلام نهائيُّا إلى غير رجعة.

وإذا بالطائفة الظاهرة المنصورة من علماء الأمة الربانيين يتصدَّوْنَ عن وَعي واقتدار في كل عصر ومِصر لأعداء الإسلام، ويبشرون الذين تسرب اليأس إلى قلوبهم بقوله تعالى:(وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] )

وتوله عز وجل (سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7] وقوله سبحانهْ: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28]، وقوله جل وعلا:(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21] .

ويوبخون أعداء الله بقوله جل وعز: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا)[الكهف: 102] . وإذا بشباب في ريعان الصبا، وفتياتٍ في عمر الورود ينسابون من كل حدب وصوب، ينضمون إلى ركب الإيمان، ينادون بالعودة إلى كتاب الله وتحكيم شرعه، حاملين أنفسَهم وأنفاسَهم وأموالهم وأوقاتهم وزهرات شبابهم على أكفهم، باذلين ذلك كله في سبيل إعلاء كلمة الله، متحملين العذاب، والاضطهاد، والتشريد، والتنكيل، واثقين بوعد الله

موقنين أن الشهداء والأسرى والمعذبين معالم على طريق النصر والتمكين.

ص: 6

لقد تجاوبت الآفاق بأصداء دعائهم: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)[آل عمران: 193] ، حين رددها شباب تركيا، والباكستان، وأفغانستان، ومصر، وجزيرة العرب، والشام، والمغرب، والسودان، وسائر الديار الإسلامية، بل في أعماق أوربة وأمريكا، وراحوا ينهلون من كتاب الله سبحانه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجهوا قلوبهم ووجوههم من جديد- بعد حيرة واغتراب- شطر البيت العتيق،

وولوْا ظهورَهم (لِلْقُلَّيْس)(1) قبلةِ الضرار التي أقامها "أبرهة"(2) روسيا، و"أبرهة، أمريكا في "موسكو" و "واشنطن "، والتي قام على سدانتها، وتسيير الوفود نحوها " آباءُ رِغال " (3) عصرنا.

لقد وَلَّوْها ظهورهم عملًا بقوله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[البقرة: 150] .

لقد أذهلت الصحوة الإسلامية أعداء الإسلام، فأخذوا يرقصون رقصة الموت التي يحاول فيها الذبيح باستماتة كأنه يحارب معركته الأخيرة، وما هي إلا "صحوة الموت " الزؤام أمام "صحوة البعث "

(1) القُلَّيْس: اسم كنيسة بناها بصنعاء "أبرهة الأشرم" لم يُرَ مثلُها بشيء من الأرض، وأراد أن يصرف إليها حَجّ العرب. (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير (170/ 2) ، والإشارة هنا إلى "الكرملين " و "الكونجرس " وغيرهما. "

(2)

أبرهة الحبشي ملك اليمن، وهو الذي قاد أصحاب الفيل لهدم الكعبة.

(3)

أبو رغال: هو الرجل الذي بعثته ثقيف مع أبرهة ليدله على طريق مكة كي يهدم البيت الحرام، فلما أنزله بالمغمس- موضع قرب مكة في طريق الطائف- مات أبو رِغال هنالك، فرجمت قبره العربُ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمُغَمس، وفيه قال جرير:

إذا مات الفرزدق فارجموه

كرجمكم لقبر أبي رغال

انظر "البداية والنهاية " للحافظ ابن كثير (2/ 171) ، و "الأعلام" للزركلي (5/ 198) .

ص: 7

الإسلامي المرتقب (1) .

(1) ومن مظاهر ذلك تصريحات لساستهم تعكس هذا الرعب والفزع من "عودة الإسلام " من جديد! يقول "حاييم هبرتزوج" السفير اليهودي السابق لدى "الأمم المتحدة":

(إن ظهور حركة اليقظة الإسلامية بهذه الصورة المفاجئة المذهلة قد أظهر بوضوح

أن جميع البعثات الدبلوماسية، وقبل هؤلاء جميعًا وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت تغط في سبات عميق) اهـ. من صحيفة الـ "جيروزالم بوست " الصهيونية- بتاريخ (25/ 9/ 1978 م) - نقلًا عن "الاتجاهات الفكرية المعاصرة" للدكتور على جريشة هامش ص (11) .

وهذا راديو إسرائيل يبث في تعليق سياسي: (إن عودة الروح الدينية للظهور

من جديد في المنطقة يشكل تهديدا مباشرا لمستقبل إسرائيل، ولمستقبل الحضارة

الغربية بأسرها) اهـ. بصوت معلق إذاعة إسرائيل للشئون السياسية الساعة العاشرة والربع مساء يوم (5/9/1978 م) نقلًا عن "الاتجاهات الفكرية المعاصرة" هامش ص (12) .

وهذا "ابن جوريون " يرتجف قائلاً:

(نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الدِيمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نحشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلا، وبدأ يتململ من جديد اهـ. - نقلا عن "أجنحة المكر الثلاثة" للأستاذ عبد الرحمن حبنكة ص (131) .

وقال أيضا في "الكنيست ": اصبروا، فلن يكون هناك سلام لإسرائيل ما دام العرب تحت قيادة الرجعيين، إن الشرط الأساسي للسلام هو أن يقوم في البلدان العربية حكومات ديمقراطية تقدمية متحررة من التقاليد الإسلامية اهـ.

انظر "القسم الأول" ص (82) .

وهذا "شعيا بومان "- كاتب يهودي - يصيح في هَلَع وفَزَع:

إن على أوربة أن تظل خائفة من الإسلام، ذلك الدينً الذي ظهر في مكة لم يضعف من الناحية العددية، بل هو في ازدياد واتساع، ثم إن الإسلام ليس دينًا فحسب، بل إن من أهم أركانه الجهاد، وهذا ما يجب أن تتنبه له أوربا جيدا)

اهـ. من "أجنحة المكر الثلاثة" ص (131) .

ومن الجدير بالذكر أن أحد أعضاء الكنيست اليهودي علق على أحداث الانتفاضة الإسلامية في فلسطين مؤخرَا بقوله: =

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إننا نواجه نوعًا جديدا من البشر لم يكن موجودًا من قبل، رجال يقبلون على الموت بقدر ما نريد نحن الحياة اهـ.

انظر "الاعتصام" عدد جمادى الآخرة 1408 هـ - فبراير 1988 م ص (12) .

ويقول المنصِّر "لورنس براون ": (لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد

الاختبار نجد مبررًا لمثل هذه المخاوف، لقد كنا نُخَوَّف من قبل بالخطر اليهودي، وبالخطر الأصفر، وبالخطر البلشفي، إلا أن هذا التخوف كله لم يتفق كما تخيلناه، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا فكل مضطهد لهم عدونا

الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أما الشعوب الصفر فهنالك دول ديمقراطية

كبرى تقاومها، ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي) اهـ. من "أجنحة المكر الثلاثة" ص (67) .

وجاء في صحيفة (أحرونوت) الإسرائيلية:

(إن على وسائل إعلامنا أن لا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي أننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاما، ويجب أن يبقى

الإسلام بعيدَا عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل، وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية قي المنطقة المحيطة بنا) اهـ.

من صحيفة (أحرنوت) اليهودية بتاريخ (18/3/ 1978م) نقلًا عن "الاتجاهات الفكرية المعاصرة" هامش ص (12) .

ويقول المستشرق شاتلي "

إذا أردتم أن تغزوا الإسلام، وتخضدوا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم، وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، عليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح

الاعتزاز بماضيهم وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى =

ص: 9

وما أكثر الإرهاصات التي تبشر باقتراب الوعد الحق الذي وعد الله عباده المؤمنين في قوله تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 9] ) .

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا

يذهبُ الليلُ والنهار حتى تُعْبَد اللات والعزى"، قالت: قلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 9] ) أن ذلك تام، قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله " (1) الحديث "

ومما يوضح هذه البشارة:

ما رواه شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن الله زَوَىَ (2) لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ

مُلْكها ما زويَ لي منها" (3) الحديث.

= لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج البسطاء لكفانا ذلك؛ لأن الشجرة يجب

أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها اهـ.

من "غزو العالم الإسلامي " للمستشرق "شاتلي " ص 264) - نقلا عن "أجنحة المكر الثلاثة".

(1)

رواه مسلم رقم (2907) في "الفتن" باب "لا تقوم الساعة حتى تعبد دَوْس ذا الخلصة"(8/ 182) ، والحاكم (4/ 446، 447، 549)، وفال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه اهـ.

قال الألباني رحمه الله: (في هذا الحديث بيان أن الظهور المذكور قي الآية لم يتحقق بتمامه، وإنما يتحقق في المستقبل، ومما لا شك فيه أن دائرة الظهور اتسعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ولا يكون التمام إلا بسيطرة

والإسلام على جميع الكرة الأرضية، وسيتحقق - هذا قطعا لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) اهـ. من "تحذير الساجد" ص (173) .

(2)

أي: جمع وضم.

(3)

رواه مسلم (8/ 171) ، رقم (2889) في الفتن، باب "هلاك هذه الأمة =

ص: 10

وما رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَه قال: "لَيَبلُغَن هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا ترك الله بيتَ مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدينَ، بِعِز عزيز، أو بِذلِّ ذليل، عِزّا يعز الله به الإسلام، وذلّا يذل به الكفر"(1) .

إن واقع الصحوة الإسلامية العالمية اليوم يبشر بأنها أخذت تقترب شيئًا فشيئًا من الموعد المرتقب الذي بَشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة "(2) .

= بعضهم ببعض، وأبو داود رقم (4252) في الفتن "باب ذكر الفتن ودلائلها. والترمذي رقم (2176) في الفتن، باب "ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته "، وابن ماجه في الفتن باب (ما يكون من الفتن، رقم (4016) .

والأمام أحمد (5/ 278، 284) من حديث ثوبان رضي الله عنه.

والإمام أحمد أيضا من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه (4/ 123) .

(1)

رواه من حديث تميم الداري رضي الله عنه مرفوعا الإمام اْحمد (4/ 103)، ورواه أيضا عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه مرفوعًا (6/ 4) ولفظه:"لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل، إما يعزهم الله عز وجل فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم فيدينون لها"، والحاكم (4/ 430- 431)، قال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) ، ووافقه الذهبي، وهو على شرط مسلم وحده.

و (المَدَرُ) : المدن والحَضَر، و (الوَبَرُ) : صوف الإبل والأرانب ونحوها

(2)

جزء من حديث رواه الإمام أحمد (4/273) .

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 189) : (رواه أحمد والبزار أتم منه،

والطبراني ببعضه في "الأوسط " ورجاله ثقات) اهـ.

عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون،

ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت ".

ص: 11

وآية ذلك أنك ترى الشباب يترقى رويدا رويدا ليصل إلى "منهاج النبوة" فها هم يقيمون دعوتهم على أصل الأصول في دعوة الأنبياء والمرسلين ألا وهو توحيد الله سبحانه، والبراءة من الشرك، وتحرير ولائهم لله ورسوله والمؤمنين، ومنابذة أعداء "لا إله إلا الله " والبراءة منهم، والدعوة إلى التوحيد، ونشر عقيدة "أهل السنة والجماعة"، كل ذلك يحتل مساحة شاسعة من خريطة دعوتهم، أليس هذا هو جوهر "منهاج النبوة" ولبه وقطب رحاه؟

وها هم يحيون الدعوة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة في كل ما يعرض لهم من قضايا ومشكلات.

وها هم يجددون الدعوة إلى نبذ الفرقة والاختلاف، والاعتصام بحبل الله والائتلاف بالتمسك بالسنة، والبراءة من البدعة.

وها هم ينفضون الغبار عن تراثهم، ويُحْيُونَ مفاهيم السلف الصالح رضي الله عنهم، ويجتهدون في أن يترقَوْا، إلى منهج السلف الصالح، وأن "يَتَسَامَوْا"، إلى أخلاقهم وعبادتهم! وجهادهم، وأن "يتقدموا " إلى تصوراتهم التي تلقوها من مشكاة النبوة الخاتمة دونما كدر ولا دَخَن.

أليست هذه أهم خصائص "منهاج النبوة"؟!

لقد أوْلى الإسلام المرأة اهتماما بليغا، وَبَوَّأها مكانة سامقة، وكرَّمها أعظم تكريم، وكيف تفاعلت بهذا كُلّه، فمارست دَوْرَها العظيم، وخلَّفت لنا تاريخًا حافلًا بسيرتها العطرة كأم وزوجة وابنة، وكمؤمنة مجاهدة صابرة، وكعالمة فقيهة محدثة، وكعابدة خاشعة قانتة، حتى بان للجميع ما الذي كان يخفيه الحجاب، وماذا كان يدور خلف الخدور؟

إنها الثمرات المباركات التي جنتها الأمة من وراء الحجاب، إنه الشرف العزيز الذي صانه الحجاب، وإن هؤلاء هُنَّ خريجات "مدرسة الحجاب" قبل أن تعرف الدنيا مدرسة، وقبل أن يطرق سمعها "حقوق المرأة وتكريمها".

ص: 12

لقد كان من القضايا التي واجهت الصحوة الإسلامية "قضية المرأة" تلك القضية ذات الارتباط الوثيق بالنظام الاجتماعي في الإسلام، والتي يتفرع عنها مسائل تعليمها، وعملها، وحجابها..

وحول هذا الأخير نشأ الجدل، وثارت التساؤلات ما بين مخلص حائر يبحث عن الحق، وبين مغرض مجادل في الحق بعد ما تبين.

من هنا احتدم الجدال حول "حكم تغطية المرأة وجهها وكفيها عن الرجال الأجانب عنها. وهل ذلك فرض أم فضل؟ ".

فمن قائل: إن النقاب بدعة تركية، أو مملوكية، أو فارسية إيرانية.

ومن قائل: إنه رجعية جاهلية.

ومن قائل إنه بدعة وتنطع يأباه دين الإسلام

إلخ.

بل ذهب بعض المضلين إلى الإفتاء بأن العلماء مجمعون على بدعيته، و"براءة" الإسلام منه!!

لقد راجت هذه القضية في توقيت لافت للنظر، من حيث اقترانه بأحداث سياسية جذرية، وتحركات فكرية عَلمانية، وحملات قمع محمومة، وإجراءات تعسفية (1) حاول الساسة من خلالها إخفاء هزيمتهم النفسية أمام الصحوة الإسلامية الجارفة، وخنق هذه الدعوة الناشئة، ووأدها في مهدها.

(1) ووصل الأمر في تركيا- مثلًا- إلى حَدِّ أن الحكومة هناك لم تكتف بمطاردة المحجبات داخل تركيا، حتى (تقدم السفير التركي في ألمانيا الغربية بطلب إلى الحكومة الألمانية يطلب فيه منع الطالبات التركيات الدارسات في ألمانيا من ارتداء الحجاب، غير أن رد وزارة الخارجية الألمانية كان بمثابة صفعة قوية إذ أجابت بأن ألمانيا دولة علمانية، ولذا فهي لا تتدخل في الشئون الدينية للطلاب) اهـ.

من (المختار الإسلامي) - العدد (58) - السنة الثامنة- ربيع أول 1408 اهـ، نوفمبر 1987 م.

ص: 13

وكانت كل هذه الأحداث والتحركات والحملات والإجراءات تصب في مجرى العداء والخصومة للإسلام وللعاملين من أجله، ذلك المجرى الخبيث الذي أصبح من السمات الثابتة لخارطة الوقائع على طول القرن الحالي، والذي ازداد اندفاعه النكِد في العهود القريبة.

إذ طفت على السطح "فقاقيع " المتغربين، واعتلت المنابرَ الإعلامية وجوه مشبوهة، وألسنة مسعورة سبق اختيارها بدقة وعناية، ثم دُفع بها إلى حلبة الإعلام لتؤدي دورها المرسوم سلفا خدمة للعديد من تيارات التدخل الدولي، أو التبعية المحلية، ولتسعى سعيا حثيثا دائبا لتقليص مساحة هيمنة الإسلام على الحياة وتخطيطه لها، وتفريغه من مضمونه الرباني الشمولي.

من هنا كان لزاما أن تُواجَهَ هذه الحملاتُ الخبيثة، وأن تُفْضَحَ هذه المؤمرات، وَتكشَفَ أبعادُ قضية "تحرير المرأة، وخلفياتها لوضعها تحت منظار الفحص، وتعرية جذور وفروع هذا النبت الخبيث.

وقد تقدم بيان ذلك في كتاب "معركة الحجاب والسفور".

والآن: جاء دور التفنيد والرد وبيان الأدلة وكشف الشبهات:

لقد حرَّر لفيف من الكُتَّاب كثيرَا من المصنفات المطوَّلة، والرسائل المختصرة، حول "حكم كشفَ الوجه والكفين من المرأة"، وركز بعضهم على جانب من جوانب أدلته دون سائرها، فكان كلا منها على حدة، لا يَشفي من القارئ المعاصر غُلةَ الصدى (1) ، فتجاسر المقصر المذنب، المتعرض لما لا يطيق، وتطفَّل على مائدة أولئك الأفاضل، وحاول جهده أن يجمع من كتبهم ورسائلهم مجموعا يؤلف بينها، ويلم شعثها، ويجمع شتاتها، - ويستوعب ذكر أدلتها، ويدفع شُبَه المخالفين لها، في صحيفة

(1) الصدى: العطش.

ص: 14

كاملة، ورقيمة حافلة.

فشرعت منذ سنوات طوال أحاول الإنجاز والإتمام، لكن يعوقني القصور والتقصير، فظللت بين إقدام وإحجام، حتى مَن الكريم المتعال بإخراج كتابين، الأول:"معركة الحجاب والسفور"، والثاني:"المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية"، وهما كالتوطئة والتمهيد، لهذا الثالث المقصود.

ثم جمعت- حسبما تمكنت، وقدر ما تَحَصَّلتُ- آيات بينات، وأحاديثَ شريفات، وأخبارَا نيرات في موضوع البحث، مع تفسيرها الذي حرَّره العلماء الفحول، وشرحِها الذي حبَّره أئمة المنقول، وأذعن له جمهورهم بالتلقي والقبول، ضاما إلى ذلكّ من مقالات أهل العلم المتقدمين منهم والمتأخرين ما وقفت عليه، جامعا لأشتات هذه الأبواب المتفرقة في الدواوين.

غير أن هذا المجموع مع كونه شَذَرَمَذَرَ، لفقده الترتيبَ المتقن والتهذيبَ المستحسن، لم يُوفّ بالمقصود، لكنني حاولت من باب "سَددوا، وقاربوا"، فا لا يُدْرَكُ كُلُّه لا يُتْرَك جلّه.

ولم أرَ في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمامِ

ص: 15

هذا، وقد رتبتُ الكتاب على مقدمة، وستة أبواب، وخاتمة:

الباب الأول:

الفصل الأول: فتنة المرأة.

الفصل الثاني: احتياطات الإسلام لسد ذرائع الفتنة بالمرأة.

الباب الثاني:

الفصل الأول: معنى الحجاب ودرجاته.

الفصل الثاني: تاريخ الحجاب.

الباب الثالث:

الفصل الأول: فضائل الحجاب.

الفصل الثاني: مثالب التبرج.

الباب الرابع:

الفصل الأول: شروط الحجاب الشرعي.

الفصل الثاني: أين نحن من الحجاب الشرعي.

الباب الخامس: أدلة وجوب ستر الوجه والكفين:

الفصل الأول: أدله القرآن الكريم.

الفصل الثاني: الأحاديث النبوية المتعلقة بحكم الحجاب.

الباب السادس:

الفصل الأول: شبهات وجوابها.

الفصل الثاني: نصوص علماء المذاهب الأربعة في حكم الحجاب

ص: 16

والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعله نورا لإخواني المسلمين، ونارا على أعداء الدين، وصلى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الإسكندرية في/ الأحد 15 جمادى الآخرة 1409 هـ

الموافق 22 يناير 1989 م.

ص: 17