المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى الحجاب ودرجاته - عودة الحجاب - جـ ٣

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌معنى الحجاب ودرجاته

‌الفصل الأول:

‌معنى الحجاب ودرجاته

* معنى الحجاب:

أولًا- في اللغة (1) :

الحَجْب والحِجاب: المنع من الوصول، يقال: حَجَبَهُ أي: مَنَعَه حَجْبًا وحجابًا، ومنه قيل للستر الذي يحول بين شيئين: حجاب؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما، وسمي حجاب المرأة حجابا؟ لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب: حاجب؛ لأنه يمنع من الدخول عليه إلا بإذنه خشية الأذى يصيبه، وفي الحديث:"قال بنو قصي: فينا الحجابة" يعنون حجابة الكعبة، وهي سدانتها، وتولي حفظها، أو هم الذين بأيديهم مفاتيحها، وكل شيء منع شيئًا فقد حجبه كما تحجب الإخوة الأمَّ عن فريضتها، فإنهم يحجبون الأم عن الثلُثِ إلى السُّدُسِ.

والحاجبان من الرأس لكونهما كالحاجبين للعينين في الذَبِّ عنهما، واحتجب الملِكُ عن الناس، وتحجَّب: إذا اكتن من وراء حجاب، ومادة الحجاب وردت في ثمانية مواضع من القرآن الكريم، ومعناها فيها جميعا يدور بين الستر والمنع:

ومنه قوله تعالى: (حَتَى تَوَارَتْ بِاَلحجَابِ)[ص: 32]، أي: احتجبت، وتوارت بالجبل أو الأفق، ومنه قوله عز وجل:(وَبَيْنَهُمَا جِجَابٌ)

(1) انظر "المصباح المنير" ص (131) ، "لسان العرب"(1/ 289) ، "تاج اللغة"(1/ 41) ، "إصلاح الوجوه والنظائر" ص (117) ، "المفردات " للراغب الأصبهاني ص (155) .

ص: 75

[الأعراف: 46]، أي: سور، ومنه قوله تعالى:(وَمَا كاَنَ لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وحيا أَؤ مِن وَرَاء جِجَاب)[الشورى: 51] ، أي من حيث لا يراه، وكذا في قوله سبحانه:(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)[المطففين: 15] ) ، أي: مستورون، فلا يَرَوْنَهُ.

ولم يذكر لفظ الحجاب في موضوع بحثنا- وهو ستر النساء عن الرجال- إلا في موضعين، أحدهما: قوله عز وجل: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا [مريم: 17] )، وثانيهما في قوله جل وعلا:(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب: 53] )، أي: ساتر يحول بينكم وبين رؤيتهن.

ومن استعمال الحجاب في المعاني قولهم: العجز حجاب بين الإنسان ومراده، والمعصية حجاب بين العبد وربه، وجمع حجاب حجُب، مثل كتاب كتب.

ثانياَ - في الشرع:

وردت عدة تعريفات شرعية للحجاب، يدور أغلبها حول جانب معين منه، غير جامع لكل أركانه ومقوماته، مثل قول بعضهم:

(هو ساتر يستر الجسم فلا يشف، ولا يصف)(1) .

وقول البعض الآخر:

(هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها)(2) .

والذي يساعد على وضع تعريف جامع للحجاب هو معرفة الغرض منه، وكما أسلفنا القول فإن الحجاب أحد التدابير الوقائية التيَ شرعت من أجل منع وقوع الفتنة بين الرجال والنساء من جهة الشهوة.

(1)" إعداد المرأة المسلمة" ص (106) .

(2)

فصل الخطاب " للشيخ أبي بكر الجزائري ص (26) ، وقال حفظه الله: (بعض العوام يطلقون لفظ "الحجاب" على الحرز يكتب للمنع من العين أو الجان، وهو ادعاء باطل، وعمل لا يجوز) اهـ.

ص: 76

ْإذن فالحجاب لفظ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحل لها أن تظهر زينتها أمامهم.

وقد بَيَّنا جملة صالحة من هذه الأحكام في الفصل السابق بحيث نستطيع الآن أن ندرك موقع الحجاب بالنسبة لمقاصد الشريعة العليا خاصة ما يتعلق بحفظ العرض.

* معنى السفور (1) :

يقال: سفرت الريحُ الغيمَ عن وجه السماء سَفْرًا، فانسفر، فرَّقته فتفرق، وسُمىَ السفَرُ سَفَرًا لأنه يُسفِرُ عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيًا منها. . .

وإذا ألقت المرأة نقابها قيل: سفرت فهي سافرٌ بغير هاء، قال أبو منصور: وسفرت المرأة وجهها إذا كشفت النقاب عن وجهها، تَسْفِرُ سُفورًا فهي سافرة.

وبهذا يعرف أن السفور لغة هو كشف الوجه، وقد خرج السفور اليوم عن معناه في أصل اللغة، وتحول إلى التبرج الفاحش والاختلاط المزري بالأجانب.

من صور الحجاب:

للحجاب صور متعددة يمكن أن تحتجب بها المرأة عن الأجنبي، فقد يكون الحائط مثلًا، أو الستارة السميكة، أو الباب حجابَا بينهما، وقد تغطي المرأة وجهها:

* بالنقاب: وهو القناع الذي تضعه المرأة على مارن أنفها بحيث يُظْهِرُ

(1)"لسان العرب"(6/ 33- 37) باختصار.

ص: 77

عينيها ومحاجرهما (1) ، وهو ما يسمى باللفام، فإن كان لا يظهر منه إلا عيناها فقط سمي برقعا أو سمي بالوصوصة.

وسمي النقاب نقابا لوجود نقبين في مواجهة العينين لمعرفة الطريق، قال الشاعر وهو يصور النقاب، وقد صنع من وجه المرأة هلالا به العينان؟

سفرن بدورًا وانتقبن أهلة

* أو بالخمار، ويسمى أيضا: النَّصِيف، وهو ثوب تتجلل به المرأة فوق ثيابها كُلِّها، وير نصيفًا؟ لأنه نَصَف بين الناس وبينها فحجز أبصارهم عنها، وقيل: نصيف المرأة معجرها، والمعجر: ثوب تلفه المرأة فوق رأسها، ثم تتجلبب فوقه بجلبابها، والاعتجار: أن يلف المعجر على الرأس، ويرد طرفه على الوجه، وقال ابن حجر في تعريف الخمر: ومنه خمار المرأة؟ لأنه يستر وجهها) اهـ (2) .

درجات الحجاب

للحجاب الشرعي المأمور به ثلاث درجات بعضها فوق بعض في الاحتجاب والاستتار، دل عليها الكتابُ والسنة:

الأولى: حجاب الأشخاص في البيوت بالجدر والخدر، وأمثالها، بحيث

لا يرى الرجال شيئا من أشخاصهن ولا لباسهن ولا زينتهن الظاهرة ولا الباطنة ولا شيئا من جسدهن من الوجه والكفين وسائر البدن، وقد أمر

(1) محجر العين: هو ما دار بالعين من العظم الذي هو أسفل الجفن، وهو يظهر من نقاب المرأة، فكل ما بدا من النقاب محجر. "لسان العرب "(2/295)

(2)

وبهذا يعلم أن الحجاب والنقاب ليسا شيئين مختلفين، بل الأول أعم من الثاني، وبهذا أيضا يتبين خطأ السؤال الشائع في هذا الزمان متعلقا بحكم كشف الوجه، وهو: أيهما الفرض الواجب: الحجاب أم النقاب، ويعنون بالحجاب كشف الوجه، فالأصح أن يقال: الحجاب أم السفور، أو: النقاب أم السفور؟ والله أعلم.

ص: 78

الله عز وجل بهذه الدرجة (1) من الحجاب فقال (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب: 53] ) وِقال سبحانه وتعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] ) ،. ويرشح هذه الدرجة أحاديث تحبب إلى المرأة القرار في البيت، وعدمَ الخروج حتى إلى صلاة الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قرارها في بيتها أرجى لها في الأجر عند الله تعالى.

الثانية: خروجهن من البيوت مستورات، ومن أدلتها قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) الآية [الأحزاب: 59] ،.

الثالثة: خروجهن مستورات الأبدان من الرأس إلى القدم، مع كشف الوجه واليدين عند أمن الفتنة عند بعض الأئمة (2) .

واتفق جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة سدُّا لذرائع الفساد، وعوارض الفتن، فلم يبق يشرع إلا الدرجتان الأولى والثانية.

* * *

(1) انظر "جواهر القرآن " لمفتي عموم باكستان العلامة محمد شفيع، و "أحكام الحجاب في القرآن " للشيخ المفسر الأستاذ أمين أحسن الإصلاحي.

(2)

ويعد بعض العلماء الدرجة الثالثة من الحجاب هي "الحجاب الداخلي " الذي يحدد ما تظهره المرأة داخل البيت لمن يدخل عليها- بعد الاستئناس والاستئذان بشروطه وآدابه- من المحارم وغيرهم الذين ورد استثناؤهم في سورة النور، وانظر "أحكام الحجاب في القرآن" ص (9- 20)

ص: 79