الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أين نحن من الحجاب الشرعي
أيها الأب الرحيم..
أيها الزوج الغيور..
أيتها الأم الرءوم..
أيتها الأخت المسلمة!
إن المسلم الغيور لو نظر إلى أحوال المسلمين والمسلمات اليوم، فسوف يندى جبينه خجلًا، ويقشعر بدنه أسفًا وحزنًا، وينخلع قلبه كمدا وغيظًا..
يكفيك أن تخرج من بيتك إلي أقرب طريق، أو متجر، أو وظيفة فترى بعينيك، وتسمع بأذنيك، إذًا.
لهالك الأمر، واستهوتك أحزان
…
فالعين باكية، والقلب حَرَّانُ
فتجري دماء الغيرة في عروقك، وتصرخ مع الصارخ:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
…
إن كان في القلب إسلام وإيمان
سوف ترى المرأة الكاسية العارية المتبرجة، هي وزوجها، وقد وضع ذراعه في ذراعها، ومشى إلى جوارها في الطريق فرحًا بفضيحتها، فخورا
بعريها، مسرورًا بزينتها، مبهورا بمساحيقها وألوانها.
وترى أباها قد أهمل تربيتها على - كتب ربها، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورأى حالها المزرية، فغض منها الطرف، وتركها سادرة في غيها، تمرح وتلعب مع شيطانها، فلا يزجرها ولا ينهاها، متوهما أن هذا من حقها وترى أمها- بئست القدوة- وقد تبرجت مثلها، وأغرتها بالسفور، وحرضتها على التبرج والفجور، وزجرتها عن التستر والتحجب حتى يأتيها (نصيبُها)
بفاسق مثلها.
تراهم جميعا، وقد نزعوا برقع الحياء نزعا، وأجابوا واعظ الإيمان في قلوبهم قائلين:(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ) .
وبينما كانت الصحابيات رضي الله عنهن يستزدن (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم في طول ثيابهن، ترى هؤلاء النسوة قد قَصَّرن ثيابهن، وقصرن، وزين لهن الشيطان سوء عملهن فزعمن التبرج تقدمَا وتحررًا، وكلما ازداد تقلص الثوب عن بدن المتبرجة كلما كانت أحرى بوصف التقدم والتحرر، وأبرأ من التخلف والرجعية.
يُقضى على المرء في أيام محنته
…
حتى يرى حَسَنًا ما ليس بالحسَنِ
فأين الفطرة الآدمية؟ أين الحياء والغيرة؟ أين الإحساس والشعور؟ توارت كلها عن العين، وصارت أثرا بعد عين:
لِحَد الركبتين تشمرينا
…
بربك: أي نهر تعبرينا
كأن الثوب ظل في صباح
…
يزبد تقلصا حينا فحينا
تظنين الرجال بلا شعور
…
لأنكِ ربما لا تشعرينا (2)
ولو أنك عَرَّجْتَ إلى البحر، واقتربت قليلا من الشاطئ لشاهدت الوحوش البشرية، والبهائم الآدمية في أوضاع مزرية يندى لها الجبين، كأنهم- في عريهم الفاضح- وحوش الغابات، وحيوانات الأدغال (3) !
(1) كما تقدم ص (109) .
(2)
"فقه النظر في الإسلام" ص (170) .
(3)
اعلم أنه لا يحل للمرأة أن تظهر شيئًا من بدنها أمام الرجال الأجانب؛ لأنها
كلها عورة، كذا لا يحل لها أن تظهر ما بين السرة والركبة ولو للنساء المسلمات،
ولهذا جاءت الأحاديث الصحيحة بمنع النساء من دخول الحمامات العامة مطلقا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام "
رواه النسائي، والترمذي، وَحَسنه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وفي حديث أبي أيوب رضي الله عنه بلفظ: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم =
ففي البحر سوءات وفي البر مثلها
…
فيا ضيعة الأخلاق في البر والبحر (1)
آخر:
هل رأيتَ الجموعَ محتشداتِ
…
فوق شَط الخِضَمِّ أو سابحاتِ
ورأيتَ الحِسانَ يَمشينَ زَهْوا
…
مُقبلات يَتهْنَ أو مُدْبِرات
ضَلَلَتْهنَّ قُدْوَةْ الوالداتِ
…
ومِنَ الوالدِين سوءُ أناِة
ومن الزوجِ غَضُّ طَرْفٍ لِضَعْف
…
أو طِباع في نفسِهِ فاسدات
وانغماس الشقيقِ في شَهَواتٍ لا يُبالًي بمنهجِ الأخَوات
فاطَرَحْن الحِشْمَةَ يَحْسَبَنْهَا مِنْ
…
بالياتِ الأمُورِ والعادات
حالةٌ تَجْرحُ الفضيلةَ حقا
…
ولها تَدْمَى نَفْسُ ذِي النَّخَوات
أيها البحرُ طهر القومَ واغسل
…
ما تراهُ منهم منَ المنكرات (2)
التبرج المقنع
لئن كنا عرضنا آنفًا لصور من التبرج الصريح، فإننا نعرض فيما يلي إن شاء الله - لصور محدثة من التبرج لم يتعرض لها المصنفون قبل هذا العصر، لا لانعدامها، ولكن لأن أحدًا لم يكن ليجرؤ على تسمية المعاصي بغير
= فلا يدخل الحمام" رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح
الإسناد".
وعن أبي المليح الهذَلي أن نساءً من أهل "حمص" أو من أهل "الشام" دخلن على عائشة رضي الله عنها، فقالت:" أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها، إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وقال: "صحيح علي شرطهما".
وعلى أساس هذه الأحاديث فلا ينبغي التردد في تحريم ارتياد شواطئ الاصطياف، والحمامات المنتشرة في النوادي، بقياس الأولى، وذلك لما يجري في هذه الأماكن الموبوءة من أحوال يَرْفَضُ جبين القلم عرقًا من الخجالة بتسطيرها.
(1)
، (2)"قولي في المرأة" ص (29- 30) بتصرف.
اسمها، فيسمى التبرج حجابا شرعيُّا! لقد كانت هذه الصور من التبرج تُدْرَج في مصنفات العلماء تحت اسم الفسوق، والعصيان، والتبرج الذي يضاهي تبرج الجاهلية الأولى، أما اليوم فقد انعكس الحال، واضطربت المفاهيم.
لقد جهد أعداء الصحوة الإسلامية لوأدها في مهدها بالبطش والتنكيل، وأبى الله سبحانه إلا أن يتم نوره، ويظهر كلمته، فصار كيدهم هباءَ منثورَا.
فرأوا أن يتعاملوا معها بطريقة خبيثة ترمي إلى الانحراف بها عن طريقها الرباني، فراحوا يروجون صورًا مبتدعة للحجاب على أنها (حل وسط) ترضي به المسلمةُ رَبها- زعموا-، وفي ذات الوقت تساير مجتمعها، وتحافظ على (أناقتها) ! وكان أن قذفت (بيوت الأزياء) التي أشفقت من بوار تجارتها المحرمة بنماذج ممسوخة من الأزياء تحت اسم (الحجاب العصري) الذي قوبل في البداية بتحفظ واستنكار.
وكانت ظاهرة (الحجاب الشرعي) قد بدأت تفرض نفسها على واقع المجتمع، حتى صارت تشكل قوة اجتماعية ضاغطة أحرجت طائفة من المتبرجات، اللائي هرولن نحو (الحل الوسط) تخلصا من ذلك الحرج الاجتماعي، وبمرور الوقت تفشت ظاهرة (التبرج المقنع) المسمى بـ (الحجاب العصري) أو (حجاب التبرج) بإزاء ظاهرة (الحجاب الشرعي) .
فما صفات حجاب التبرج؟ (1)
* الأولى: أنه يكشف عورات مجمعا على تحريم كشفها:
فبينما كان أول شروط الحجاب الشرعي أن يكون ساترا لبدن المرأة،
(1) انظر: "تبرج الحجاب" للشيخ محمد حسان وفقه الله.
رأينا حجاب التبرج يكشف الوجه المنمص الحاجبين، وقد اختفى تحت قناع من الألوان الزاهية، وتلطخ وجهها بمساحيق متنوعة كأنها الطيف في تعددها، أما الحلي بأنواعها فقد برزت من الأذنين، وربما ظهر العنق، وجزء من الشعر، والقدمان، وربما تجاوزتهما، وترى صاحبته وقد ارتدت (عَينة) ترمز إلى الخمار، وقد خرجت مزينة مزخرفة، وترى في الخمار ما شئت من الألوان الصارخة كالأحمر والأصفر، وربما زادت على هذا الخمار ما يزيده زينة علي زينة فتضع شريطًا ذهبيًّا أو فضيًّا أو مزركشا، وقد التف على أعلى الخمار كأنه تاج، ثم تزعم صاحبة هذه الزينة الصارخة أنها محجبة، أي حجاب هذا الذي تزعمين؟!
إن هذا خمار الخداع والتزييف، حجاب الزينة والفتنة، إنه حجاب عارِ متبرج فوق رأس فارغ خاوِ من العلم، والتقوى، والورع، والخوف، والاستحياء من الله تبارك وتعالى.
وكم ذا بمصر من المضحكات
…
ولكنه ضحك كالبكا!
* الثانية: أنه زينة في نفسه:
فترى هؤلاء الكاسيات العاريات صواحب (حجاب التبرج) يتفنن في فتنة الناس بألوان ثيابهن، ويضفن إلى ذلك ما شئن من الزوائد التي تزيدهن فتنة كالحلي وغيرها، وكأن القرآن الذي نزل فيه قول الله تعالى:(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) الآية وقوله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الآية وقوله عز وجل: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) الآية، إنما نزل علي قوم آخرين غير نساء المسلمين، وكأن الحق فيها على غيرنا وَجَبَ، وكأن هؤلاء الكاسيات العاريات يعاندن رب العزة، ويقلن بلسان الحال:"سمعنا وعصينا" تمامًا كما استقبلت أمة الغضب واللعنة أوامر الله عز وجل.
الثالثة: أنه شفاف، يظهر ما يجب ستره من العورات، فلا يحجب رؤية، ولا يمنع نظرا.
الرابعة: أنه ضيق يصف العورات:
فتراه التصق بها، حتى يتحققَ في صاحبته قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ونساء كاسيات عاريات، مائلات مملات" الحديث.
الخامسة: أنه يكون معطرًا:
فربما خرجت صاحبة هذا الحجاب المشئوم، فإذا بها ترسل سهام الشيطان إلى قلوب الرجال عبر تلك العطور الخبيثة فتلفت الأنظار، وتشيع الفاحشة في المؤمنين
السادسة والسابعة: أنه أحيانًا يشبه ملابس الرجال:
فتراهن يرتدين السروالات الضيقة، وأحيانَا يشبه ملابس الكافرات اللائي يتتبعن (الموضات) شبرًا بشبر، وذارعًا بذراع.
الثامنة: أنه لباس شهرة وتفاخر:
فترى صاحبته تتفنن في تطبيق قاعدة: (خالف تعرف) ، وكأن بين هؤلاء الكاسيات العاريات سباقًا حادا في عرض أزياء مستتر فهذه تلبس الحجاب الفاقع، وهذه تلبس الثوب الضيق الذي يكاد يشل حركتها، ثم تضع حول خصرها هذا (الحزام) الذهبي أو الفضي اللامع فإذا تلبست ببعض هذه الأفعال الشنيعة، أو كلها، تم توقيع العقد مع الشيطان للخروج إلى الشوارع بهذه الحال من التبرج والتهتك تحت ستار (الحجاب) المزعوم!
ويظن البعض أنهن متدينات، وهن يحسبن في أنفسهن أنهن خير البنات والزوجات، وما هن إلا كما وصفهن الشاعر محمد عبد المطلب، وصدق
في قوله:
إنْ يَنْتَسِبْنَ إلى الحِجَاب
…
فَإنه نَسَبُ الدَخيل
أهي التي فرض الحجا
…
ب لصونها شرع الرسول؟
جُعِلَ الحجابُ مُعاذَها
…
من ذلك الداءِ الوبيل (1)
تقول الداعية الفاضلة نعمت صدقي رحمها الله:
(ولو أن المتبرجة تأملت بعين بصيرتها، ولو كان لها قلب يعي، لوجدت أنها- باصطناعها هذا الجمال المزور، ومبالغتها في التزين- لن تكتسب في الحقيقة جمالا ولا محاسن، بل إنها تمسخ وجهها، وتخفي ما حباها الله به من الجمال الفطري، بقناع من الأصباغ الزاهية، التي تختلف وتشذ عن الطبيعة، ينبو عنها الذوق السليم، وهي لا تأبه لذلك، ولا تفطن لما صنعت لوجهها من التشويه والتقبيح، فإن الله تعالي لم يخلق جفونًا زرقاء لامعة، ولا سوداء قاتمة، إلا في القردة والكلاب، ولا شفاهًا حمراء قانية، كأنها ولغت في الدم المسفوح، ولا خدودًا مضطرمة متوهجة الاحمرار، ولا حواجب هلاليه لامعة تذكر بما يتخيلون ويصفون في الأساطير من حواجب الشيطان، وأظافر مدببة حمراء كأنها مخالب حيوان كاسر مخضبة بدماء فريسته، فبالله هل هذا جمال أم دمامة وبشاعة؟!
قل للجميلةِ أرسلَتْ أظفارَها
…
إني لخوفٍ كدتُ أمضي هاربا
إن المخالبَ للوحوشِ نخالُها
…
فمتى رأينا للظباءِ مخالبا
بالأمسِ أنتِ قصصتِ شعرَكِ غيلة
…
ونقلتِ عن وضع الطبيعة حاجبا
وغدًا نراك نقلتِ ثغرَكِ لِلقَفا
…
وأزحتِ أنفَكِ رغم أنفِكِ جانبا
(1) راجع القصيدة في "معركة الحجاب والسفور" ص (160- 161) .
من علَّمَ الحسناءَ أنَّ جمالَها
…
في أنْ تخالفَ خَلْقَهَا وَتُجانبا؟) (1)
وبعد
فيا صاحبة (حجاب التبرج) ! حذارِ أن تصدقي أن حجابك هو الذي أمر به القرآن السنة، وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا، ويكتمك النصيحة، ولا تغتري بأنك أحسن حالًا من صاحبات التبرج الصارخ فإنه لا أسوة في الشر، والنار دركات بعضها أسفل من بعض.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم في الدنيا، وفوقكم في الدين، فذلك أجدر أن لا تزدروا (2) نعمة الله عليكم "(3) .
وعن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلا هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)) [فصلت: 30]، قال:"استقاموا والله لله بطاعته، ولم يروغوا (4) روغان الثعالب "(5) .
(1)"التبرج" ص (30-31) .
(2)
الازدراء: الاحتقار، والعيب، والانتقاص.
(3)
هذه الروايج ذكرها رزين، وأصل الحديث رواه - بلفظ آخر - البخاري (11/330) في الرقاق، ومسلم رقم (2963) في الزهد، والترمذي رقم (2515) في القيامة، قال الحافظ في "الفتح": (وقد وقع في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: "خصلتان من كانت فيه كتبه الله صابرا شاكرا: من نظر في دنياه
إلي من هو دونه، فحمد الله على ما فضله به عليه، ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه، فاقتدى به") اهـ (11/ 330 - السلفية) ، والحديث ضعفه المناوي فى "الفيض" (3/ 244) ، والألباني في "الضعيفة" رقم (1924)(4/ 397 - 398) .
(4)
راغ الثعلب روغانًا: مال، وحاد عن الشيء، وذهب ها هنا، وها هنا.
(5)
أخرجه الإمام أحمد في "الزهد" ص (115) ، وابن المبارك فيه ص (110) رقم =
وَعن الحسن رحمه الله أنه قال: (إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما في طاعة الله فبغاك (1) ، وبغاك، فرآك مداوما، مَلَّكَ وَرَفضَكَ، وإذا كنت مرة هكذا، ومرة هكذا، طمع فيك (2) .
ومسك الختام ما ختم الله عز وجل به الآيات الآمرة بالحجاب في قوله جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31] ،.
الحجاب مسؤولية من؟
أولًا: المرأة المسلمة:
مادامت عاقلة مكلفة، وقد خاطبها القرآن بالحجاب، ونَوَّعَ أساليب الخطاب: فتارة يأمرها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى:(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) الآية.
وقوله عز وجل: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) الآية
وخاطبهن شخص أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فقال جل وعلا:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) .
فالمرأة مسئولة- أمام الله - عن الحجاب ليس لها أن تتخلى عنه، ولو رضي وليها بالتبرج أو أمرها به، وحثها عليه.
قال الله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14))
= (325) ، ومن طريقه أخرجه الطبري (24/ 66) .
(1)
فبغاك، وبغاك: أي طلبك مرة بعد مرة.
(2)
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص (7) رقم (20) .
[الإسراء: 13، 14]، وقال تعالى:(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور: 21] .
وعن علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لبشر في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف"(1) .
* ثانيًا: ولي المرأة:
سواء أكان أبًا أو ابنا أو أخا، أو زوجًا، أو غيره.
قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34]
وليس المقصود بالقوامة - كما يظن بعض الجهلة - ظلم المرأة، والاستبداد بها، والاستعلاء عليها، وإنما هي المبالغة بالقيام على رعاية المرأة والإنفاق عليها، وإعطائها حقوقها، والحفاظ علي عرضها وعفافها، قال جل وعلا:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6] ، (2) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهله، وهو مسئول عن رعيته " الحديث (3) .
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسترعي الله تبارك وتعالى عبدًا رعية قَلَّتْ أو كثرت إلا سأله الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة، أقام فيهم أمر الله
(1) أخرجه البخاري (13/ 130- فتح) ، ومسلم واللفظ له (6/15) ، وأبو داود رقم (2625) ، والنسائي (2/ 187) ، وأحمد (1/ 94)، وانظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة" أرقام (179، 180، 181)
(2)
انظر: "معركة الحجاب والسفور" ص (210)
(3)
تقدم تخريجه.
تبارك وتعالى أم أضاعه، حتى يسأله عن أهل بيته خاصة" (1) .
وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سائل كلَّ راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"(2) .
ولا شك أن أحوال أغلب النساء اليوم تعكس مدى تفريط الرجال
في أداء حق هذه الرعاية التي جعلها الله واجبا حتمًا في أعناقهم، ومن هنا شدَّد العلماء النكير على هؤلاء المفرطين، ورتبوا علي ذلك أحكامَا، وأصدروا فتاوى.
ومن ذلك ما قاله الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله تعالى: (أما خروج النساء متبرجات بذلك اللباس الضيق القصير الذي يحدد العورة، فقد أجمع علماء المسلمين على منعه، ونصوص الكتاب والسنة طافحة به، فيحرم علي كل مسلم أن يترك ابنته، أو زوجته، أو أخته تخرج إلا وعليها الدروع السابغة مع طول الذيول لأجل الستر.
وكل من ترك زوجته تخرج بادية الأطراف على صفة تبرج الجاهلية الأولى، فهو آثم شرعًا، عليه وزر ذلك، وعلى المرأة أيضًا، لقوله تعالى:(وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الآية، ولقوله تعالى:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) إلى آخر الآية.
ولا تصح أيضًا إمامة رجل ترك امرأة له عليها ولاية تخرج متبرجة ذلك التبرج، وكذا لا تصح شهادته، ولا يجوز إعطاؤه شيئا من الزكاة الواجبة ولو كان فقيرا مظهرًا للشكوى، كما في فتاوى المالكية لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي إقليما.
(1) رواه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 15) ، (5/ 25) .
(2)
عزاه الألباني في "الصحيحة" رقم (1636) إلى النسائي في "عشرة النساء" والضياء في "المختارة"، وابن حبان في "صحيحه"، وابن عدي في "الكامل".
وقد أشار إلى ذلك أخونا الشيخ محمد العاقب رحمه الله دفين فاس
في نظمه لهذه الفتاوى بقوله:
من تركَ الزوجة عمدًا تخرجُ
…
بادية أطرافها تبرج
فلا إمامةَ ولا شهادة
…
له وإن جرت بذاك العادة
ولا له قسط من الزكاة ولو فقيرا مظهر الشكاة (1)
يعني ولو كان فقيرا مظهر الشكوى للأغنياء من شدة فقره.
* ثالثًا: الحاكم:
(فإن واجب الخليفة أو الحاكم المسلم حراسة الدين، وسياسة الدنيا بالدين، وإن أحد حقوق الإنسان المسلم صيانة عرضه، الأمر الذي لا يتم إلا بمراعاة التدابير الشرعية في هذا الباب.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "ما يَزَعُ الناس السلطانُ أكثر مما يَزَعُهُم القرآنُ") (2) .
(وإن حفظ حدود الحجاب الشرعي بين الرجال والنساء، وتعليم ذلك، والترغيب فيه، ومعاقبة المنحرفين والمنحرفات عن هذه الحدود، وتعزير الداعين إلى ما يضاده، ونفيهم؛ حماية للبلاد والعباد من شرورهم، وتسخير أجهزة التعليم والإعلام لنصرة دين الله تعالى، وترسيخ هذه المفاهيم الإسلامية من أهم ما يناط بالحكام الذين استرعاهم الله هذه
الأمة) (3) .
* * *
(1)"زاد المسلم"(1/ 382 - 383) .
(2)
راجع "المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية" ص (23) .
(3)
وقد تقدم تفصيل ذلك في "السابق" ص (23-26)، (32-38) وانظر:"معركة الحجاب والسفور" ص (200 -203)