الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
فتنة المرأة
إن المرأة المسلمة لقيت عناية فائقة من الإسلام بما يصون عفتها، ويجعلها عزيزة الجانب، سامية المكانة، وإن الضوابط التي فرضها عليها في ملبسها، وزينتها وعلاقتها بالرجال لم تكن إلا لِسَدِّ ذريعة الفساد، وتجفيف منابع الافتتان بها، فإذا هي تنكبت تلك المحجة، وانحرفت عن هذا السبيل، وحطمت تلك الحواجز، وتعدت تلك الضوابط، فثارت على البيت والولد، وانكشفت في المجامع والأندية، وانغمرت في اللهو واللعب، وراحت تعلن عن نفسها بشقاشق القول، وفضول اللسان، فهنالك الويل والوبال، والفتنة والدمار، والداء العضال.
لقد كان الإشفاق من وبال ذلك الداء أشد ما خامر قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيله ألقى على السابقين الأولين من المسلمين كلمته الخالدة-:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه "(1) ، ليبين لنا كيف أن الافتتان بالمرأة قد يؤدي إلى إحباط عمل مِن أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل، وهو
(1) رواه البخاري (1/ 15) - طبعة المكتبة السلفية- في بدء الوحي، والإيمان، والعتق، وفضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والنكاح، والأيمان والنذور، والحيل، ومسلم رقم (1907) في الإمارة، وأبو داود رقم (2201) في الطلاق، والترمذي رقم (1647) في فضائل الجهاد، والنسائي (1/ 59-60) في الطهارة، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الهجرة إلى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى خطر الفتنة بالمرأة، فقال سبحانه وتعالى:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[آل عمران: 14] ، فقدَّم سبحانه النساء لعراقتهن في هذا الباب؛ ولأن أكثر الرجال إنما دخل عليهم الخلل من قِبل هذه الشهوة، ولعله لأجل ذلك أيضا قدم سبحانه وتعالى المرأة على الرجل في قوله جل وعلا:(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)[النور: 2] ،.
وقال سبحانه وتعالى حاكيا عن عزيز مصر: (قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)[يوسف: 28] ،.
وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة المرأة، ونصح لأمته قي هذا الباب أعظم النصح.
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما تركتُ بعدي فتنةً هي أَضَر على الرجالِ من النساء "(1) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان "(2) .
(1) رواه البخاري (9/ 41) في النكاح: باب ما يُتَقَّى من شؤم المرأة، ومسلم رقم (2740) في الذكر والدعاء: باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وبيان الفتنة في النساء، والترمذي في الأدب: رقم (2785) باب ما جاء في التحذير من فتنة النساء، وقال: - "هذا حديث حسن صحيح".
(2)
رواه الترمذي رقم (1173) في الرضاع: باب رقم (18)، وقال:" حسن غريب"، وقد رمز السيوطي له بالصحة، وقال المناوي: (رواه عنه أيضا باللفظ
المذكور الطبراني، وزاد:" وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها" قال
الهيثمي: رجا له موثقون، ورواه أيضَا ابن حبان (رقم 329- موارد) عنه) =
قال الطيبي: والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خِدرها لم يطمع الشيطان فيها، وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع، وأطمع لأنها حبائله، وأعظم فخوخه (1) .
قوله: "فيستشرفها الشيطان " أصل الاستشراف: وضع الكف فوق الحاجب، ورفع الرأس للنظر.
قال المنذري: أي ينتصب ويرفع بصره إليها، ويَهمُّ بها؛ لأنها قد تعاطت سببًا من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها (2) اهـ.
وعنه رضي الله عنه قال: "إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عَبَدَت امرأة رَبها مثلَ أن تعبده في بيتها"(3) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلِفُكم فيها، فناظِر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أولَ فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء"(4) .
= اهـ. من "فيض القدير"(6/ 267) .
(1)
"فيض القدير"(6/ 266) .
(2)
وعلق الألباني قائلاً: "هذا في شيطان الجن، فما بالك في شيطان الإنس، لاسيما شياطين إنس هذا العصر الذي نحن فيه، فإنه أضر على المرأة من ألف شيطان؛ لأن أغلب شبان هذا الزمان لا مروءة عندهم، ولا دين، ولا شرف، ولا إنسانية، يتعرضون للنساء بشكل مفجع، وهيئة تدل على خساسة ودناءة وانحطاط، فعلى ولاة الأمر- إن كانوا مسلمين- أن يؤدبوا هؤلاء الفسقة الشررة، والوحوش الضارية" اهـ من "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 138) . رواه الطبراني في "الكبير" وقال الهيثمي في "المجمع ": "رجاله ثقات "(2/ 35)، وقال المنذري:"إسناده حسن " ووافقه الألباني.
رواه مسلم رقم (2742) في الذكر، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، والترمذي =
وقد أوغل نساء بني إسرائيل في المعاصي، وتَفَنَّنَّ في فتنة الرجال، ومن مظاهر ذلك:
ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في قوله: "كانت أمرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب، وخاتما من ذهب، مُغَلَّفًا بطين، ثم حشته مِسكا، وهو أطيب الطيب، فمرت بين المرأتين، فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا"(1) .
وفي رواية. "فكانت إذا مرت بالمجلس حركته، فنفخ ريحه ".
وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلًا من خشب يتشرفن للرجال في المسجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسُلِّطت عليهن الحيضة"(2) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان الرجال والنساء من بني إسرائيل يصلون جميعًا، فكانت المرأة إذا كان لها خليل تلبس القالَبين (3) تطوّل بهما لخليلها، فألقى الله عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخرجوهن من حيث أخرجهن الله"(4) .
= رقم (2192) في جملة حديث طويل في الفتن، باب: ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، وابن ماجة رقم (4000) في الفتن، باب: فتنة النساء.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(3/ 0 4، 46، 68)، وأخرجه النسائي مختصرًا في الزينة:(8/ 151، 190) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير، (4/ 159) رقم (4340) .
(2)
قال الحافظ رحمه الله: أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح وهذا- وإن كان موقوفًا- حكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي، وروى عبد الرزاق نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود اهـ- نقله عنه في "الفتح الرباني "(5/ 202) .
(3)
القالبين: بفتح اللام وكسرها نعل من خشب كالقبقاب.
(4)
رواه الطبراني في "الكبير،، ورجاله رجال الصحيح "مجمع الزوائد" (2/ 35) .
وقد عاقبهن الله عز وجل على إحداث التبرج والزينة.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت فيما روته عنها عمرة بنت عبد الرحمن: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما مُنِعَهُ نساءُ بنى إسرائيل "(1)
قيل لعمرة: أوَ مُنِعْنَ؟ قالت: نعم.
وجاء في كتبهم ما يشر إلى هذا العقاب، فقد جاء في الأصحاح الثالث من سفر أشعيا:"إن الله سيعاقب بنات صِهيون على تبرجهن، والمباهات برنين خلاخيلهن باْن ينزع عنهن زينة الخلاخيل، والضفائر، والأهلة، وا لحِلَق، والأساور، والبراقع، والعصائب ".
وقد نبأ النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع بعض نساء أمته في نفس الكبيرة، وبشرهن بأسوء مصير، فقال صلى الله عليه وسلم:"صِنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"(2)
وقد يقع الافتتان بالمرأة من وجه آخر، إذا خلبت لُبَّ الرجل،
(1) رواه البخاري (2/ 406) في الأذان: باب انتظار الناس قيام الإمام العالم، ومسلم رقم (445) في الصلاة، بابْ خروج النساء إلى المساجد، و "الموطأ"(1/198) في القبلة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المساجد، وأبو داود
رقم (569) في الصلاة، باب: التشديد في خروج النساء إلى المساجد، وانظر:"سنن الترمذي"(2/ 420) ، وكذا رواه الإمام أحمد في "المسند" (6/
91،193،235) .
(قال الكرماني: فإن قلت: من أين علمت عائشة رضي الله عنها هذه الملازمة، والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا لله تعالى قلت: مما شاهدت من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد. اهـ. نقلًا عن "الفتح الرباني" (5/ 202) .
(2)
أخرجه مسلم رقم (2128) في الجنة: باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.
وسحرت عقله، وزينت له ترك الواجب، أو فعل المحرم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت من ناقصات عقلٍ ولا دين أغلبَ لذي لُبّ منكن "(1) الحديث.
ولذا قال الشاعر:
يَصْرَعْن ذا اللُّبِّ حتى لاحِراك به
…
وَهُنَّ أضعفُ خلقِ الله أركانا
ومن هنا قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)[التغابن: 14، 15] ،.
(1) رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رقم (4679) في السنة: باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، وهو قطعه من حديث رواه مسلم رقم (79) في الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وابن ماجه رقم (4003) في الفتن: باب بيان فتنة النساء.
. وأخرج البخاري نحوه (3/ 381) ضمن حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُب الرجل الحازم من إحداكُنَ يا معشر النساء" في الزكاة: باب الزكاة على الأقارب، وفيْ الحيض: باب ترك الحائض الصوم، وفي العيدين: باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، وفي الصوم: باب الحائض تترك الصوم والصلاة، وفي الشهادات: باب شهادة النساء.