المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني ‌ ‌مثالب التبرج التبرج لغة: هو إبداء المرأة زينتها، وإظهار وجهها، ومحاسن - عودة الحجاب - جـ ٣

[محمد إسماعيل المقدم]

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني ‌ ‌مثالب التبرج التبرج لغة: هو إبداء المرأة زينتها، وإظهار وجهها، ومحاسن

‌الفصل الثاني

‌مثالب التبرج

التبرج لغة:

هو إبداء المرأة زينتها، وإظهار وجهها، ومحاسن جيدها للرجال، وكل

ما تستدعي به شهوتهم حتى التكسر والتبختر في مشيتها، ما لم يكن ذلك للزوج (1) .

التبرج شرعا:

هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة لمحاسنها، وقيل: هو التبختر والتكسر في المشية (2) .

وقيل: (هو كل زينة أو تجمل تقصد المرأة بإظهاره أن تحلو في أعين الأجانب، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان البارقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين، فهو من مظاهر تبرج الجاهلية أيضا)(3) .

وفيما يلي نوضح مثالب التبرج وخطره على الدين والدنيا:

أولا: التبرج معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

ومن يعص الله ورسوله فإنه لايضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئَا، قال

(1)"لسان العرب"(3/ 33) ، و"القاموس المحيط"(1/ 187) ، "المعجم الوسيط "(1/ 46) ، ويأتي - بإذن الله - زيادة بيان لمعنى التبرج، فانظر ص (277) ، (324) .

(2)

"تفسير الطبري"(22/ 4)

(3)

"الحجاب" للمودودي رحمه الله ص (132)

ص: 133

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فقالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"(1) .

واعلم- رحمك الله - أن كل آية أو حديث اشتملت، أو اشتمل على الزجر عن معصية الله عز وجل، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم يصلح أن يستدل به هنا، غير أننا- اختصارًا- نورد فيما يلي ما جاء في النهي عن معصية التبرج بخصوصها، فمن ذلك:

ما رواه أبو حريز مولى أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه قال: "خطب الناسَ معاوية رضي الله عنه بحمص، فذكر في خطبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ سبعة أشياء، وإني أبلغكم ذلك، وأنهاكم عنه، منهن النوح، والشعر، والتصاوير، والتبرج، وجلود السباع، والذهب، والحرير"(2) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم "كان يكره عشر خصال" وذكر منها: "والتبرج بالزينة لغير مَحَلها"(3) .

قال السيوطي رحمه الله: والتبرج بالزينة: أي إظهارهما للناس الأجانب، وهو المذموم، فأما الزوج فلا، وهو معنى قوله "لغير محلها" اهـ (4) .

ثانيا: التبرج كبيرة موبقة:

جاءت أميمة بنت رُقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام، فقال: "أبايعكِ على أن لا تُشركي بالله، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي وَلدَكِ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية

(1) رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه البخاري (13/ 263) في الاعتصام: باب الاقتداء بسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

رواه الإمام أحمد في "مسنده "(4/ 101) .

(3)

رواه النسائي في "سننه"(8/ 141) .

(4)

وكذا ذكره السندي في حاشيته - انظر: "سنن النسائي"(8/ 141- 142) .

ص: 134

الأولى" (1) .

فتأمل كيف قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم التبرج الجاهلي بأكبر الكبائر المهلكة.

ثالثًا: التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخْت، العنوهن فإنهن ملعونات"(2) .

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخِر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يَخدِمْنكم نساءُ الأمم قبلكم "(3) .

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 196)، وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله:"إسناده صحيح"، وذكر أن الحديث نقله الحافظ ابن كثير في "تفسيره " (8/ 327

- 328) عن المسند، وقال:"هذا إسناد صحيح"، ثم نسبه للترمذي والنسائي

وابن ماجة. اهـ من "تحقيق المسند"(11/ 15) حديث رقم (6850) .

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" ص (232) ، وصححه الألباني في "الحجاب" ص (56) ، ونقل السيوطي عن ابن عبد البر قوله (أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف، ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة) اهـ من "تنوير الحوالك"(3/ 103)، وانظر: "نيل

الأوطار" (2/ 131) .

(3)

رواه الأمام أحمد في "مسنده" رقم (7083)، قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله:(إسناده صحيح)(12/ 36) ، والحاكم في (المستدرك)(4/ 436)، وقال:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، وقال الهيثمي في "المجمع": (رواه

أحمد والطبراني في الثلاثة، ورجال أحمد رجال الصحيح) اهـ (5/ 137)

وقوله "كأسنمة البخت" هو جمع "سنام" وهو أعلى ظهر البعير، و"البخت" بضم الباء وسكون الخاء: جمال طوال الأعناق، والعِجاف: جمع عجفاء، =

ص: 135

رابعًا: التبرج من صفات أهل النار:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات

عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" (1) .

وعن عمارة بن خزيمة قال: بينما نحن مع عمرو بن العاص رضي الله عنه في حج

أو عمرة، فإذا نحن بامرأة عليها حبائر (2) لها، وخواتيم، وقد بسطت يدها على الهودج، فقال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشّعْب إذ قال: "انظروا: هل ترون شيئًا"؟، فقلنا: نرى غربانَا فيها غراب أعصمَ (3) ؛ أحمرُ

= وهي المهزولة، وانظر:"الفتح الرباني"(13/ 302) .

(1)

رواه مسلم في "صحيحه" رقم (2128) في الجنة: باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.

قال النووي رحمه الله: (قيل: معنى كاسيات أي من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل: معناه تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهارًا لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوبًا رقيقا يصف لون بدنها وهو المختار، ومعنى مائلات: عن طاعة

الله وما يلزمهن حفظه، مميلات أي: يعَلِّمْنَ غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: يمشين متبخرات مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات يمتشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا، ومميلات: يمشطن غيرهن تلك المشطة، ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أي: يكبرنها، ويعظمنها بلف عمامة أو- نحوها، والله أعلم) اهـ من "المجموع شرح المهذب "(4/ 307)، وانظر:(القسم الأول) ص (171) .

(2)

حبائر ثياب جديدهّ، وثوب حبير أي جديد – انظر:(الصحاح) للجوهري (2/620) .

(3)

الأعصم: هو الأبيض الجناحين، وقيل الأبيض الرجلين، وقيل: هو أحمر المنقار والرجلين، انظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر"(3/ 249) .

وفي الحديث كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء، لأن هذا الوصف في الغربان قليل، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف:"رأيت النار" ورأيت أكثر أهلها النساء متفق عليه، وفي الصحيحين أيضا من حديث أسامة بن زيد رضي =

ص: 136

المنقارِ والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة من النساءِ إلا منْ كان منهن مثل هذا الغراب في الغِربان "(1) .

خامسًا: التبرج سواد وظلمة يوم القيامة:

قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا علي بن خَشْرم، أخبرنا عيسى بن يونس، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ميمونة بنت سعد- وكانت خادمًا للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الرافلة في الزينة في غيرِ أهلها، كَمَثَل ظُلمَةٍ يوم القيامة، لا نُورَ لها"(2) .

قوله: الرافلة: قال في "النهاية": الرافلة: هي التي تَرْفُلُ فِى ثوبها، أي تتبختر، والرفل: الذيل، ورفل إزاره: إذا أسبله، وتبختر فيه اهـ.

= الله عنهما: "وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء"، وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن أقل ساكني الجنة النساء"، وانظر:"التذكرة" للقرطبي (1/ 369) ، و"الجنة والنار" للأشقر ص (83- 84) .

(1)

رواه الأمام أحمد (4/197، 205) ، والحاكم (4/602)، وقال:"صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وزاد الألباني في تخريجه: أبا يعلى، وابن عساكر، وابن قتيبة في " إصلاح الغلط؟ وقال: (وهذا سند صحيح، وقول الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم " خطأ، وافقه الذهبي عليه، فإن أبا جعفر اسمه عمير بن يزيد لم يخرج مسلم له شيئا) اهـ. من الصحيحة" رقم (1850) (4/446) ، وقال التويجري حفظه الله: "والظاهر أن عمرو بن العاص رضي الله عنه إنما حَدَّث به قصد الإنكار على المرأة المبدية لزينتها بين الرجال الأجانب" اهـ من "الصارم المشهور" ص (14) .

(2)

رواه في "سننه" رقم (1167)، كتاب الرضاع: باب ما جاء في كراهية خروج النساء في الزينة، وقال:(هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عُبيدة يضعف في الحديث من قبل حفظه، وهو صدوق، وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة، ولم يرفعه) اهـ (3/ 470) ، وضعفه الألباني في "الضعيفة" رقم (1800)

ص: 137

وقوله: "في الزينة": أي في ثياب الزينة، قوله:"في غير أهلها" أي بين من يحرم نظره إليها، قوله:"كمثل ظلمة يوم القيامة" أي تكون يوم القيامة كأنها ظلمة، قوله:"لا نور لها" الضمير للمرأة، قال الديلمي: يريد المتبرجة بالزينة لغير زوجها اهـ (1) .

وقال في الفردوس: والرَّفْلُ التمايل في المشي مع جَر ذيل، يريد أنها تأتي يوم القيامة سوداء مظلمة كأنها متجسدة من ظلمة اهـ (2) .

قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: ذكره الترمذي، وضعفه، ولكن المعنى صحيح؛ فإن اللذة في المعصية عذاب، والراحة نصب، والشبَعَ جوع، والبركة مَحَق، والنور ظلمة، والطيب نتن، وعكسه الطاعات، فخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ودم الشهيد اللون لون دم، والعَرْفُ عرف مِسْك اهـ (3) .

سادسَا: التبرج نفاق:

فعن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير نسائكم الوَدُودُ الوَلودُ، المواتية، المواسية، إذا اتقَينَ الله، وَشر نسائكم المتَبَرجاتُ المتُخَيلاتُ، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مِثلُ الغرابِ الأعصم "(4) .

سابعًا: التبرج فاحشة:

فإن المرأة عورة، وكشف العورة فاحشة ومقت، قال تعالى: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)) [الأعراف: 28] ،.

(1)(تحفة الأحوذي)(4/ 329) .

(2)

نقله المناوي في "الفيض"(5/507) .

(3)

"عارضة الأحوذي"(5/ 113- 114) .

(4)

أخرجه البيهقي في "السنن"(7/ 82) ، ورواه عن ابن مسعود رضي الله عنه أبو نعيم في الحلية (8/ 376) ، وانظر "السلسلة الصحيحة" رقم (1849) ، (632) .

ص: 138

والشيطان هو الذي يأمر بهذه الفاحشة: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)[البقرة: 268] ،

والمتبرجة جرثومة خبيثة ضارة تنشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)) [النور: 19]

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية"(1) .

ثامنًا: التبرج تهتك وفضيحة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل"(2) .

ومثل ذلك ما ثبت عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، فمات عاصيًا، وأمةٌ أو عبد آبق من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤنة الدنيا،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

رواه الإمام أحمد (6/ 199، 267) ، والحاكم في "المستدرك "(4/ 288) ، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وابن ماجه (2/409) رقم (3812) .

قال المناوي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب، وعدم تسترها منهم "فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل" لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به سواءتهن وهو لباس التقوى، وإذا لم يتقين الله، وكشفن سواءتهن، هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى، وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها، وخانت زوجها يهتك الله سترها، والجزاء من جنس العمل، واهتك خرق الستر عما وراءه، والهتيكة الفضيحة اهـ.

ص: 139

فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم " (1) .

تاسعَا: التبرج سنة إبليسية:

المعركة مع الشيطان معركة جدية، وأصيلة، ومستمرة، وضارية، لأنه عدو عنيد يصر على ملاحقة الإنسان في كل حال، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، كما وصفه الله تعالى في قوله:(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)) [الأعراف: 16، 17] ، ولا عاصم لبني آدم من الشيطان إلا التقوى والإيمان والذكر، والاستعلاء على الشهوات، وإخضاع الهوى لهدى الله تبارك وتعالى.

ومن استعراض ما حدث لآدم عليه السلام مع عدوه إبليس نرى أن

الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز؟ في طبع الإنسان وفطرته إذ يقول الله سبحانه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)[الأعراف: 20]،. وقال عز وجل:(فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)[الأعراف: 22] ،.

وقال عز من قائل: (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)[طه: 121] .

لقد نسي آدم، وأخطأ، وتاب، وأستغفر، فقبل الله توبته، وغفر له، وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى، ولم يبق منها إلا رصيد التجربة الذي يعين

(1) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد"(590) ، وابن حبان (50) ، والحاكم (1/ 19) ، والإمام أحمد (6/19) ، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (89) ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وفيه أن هذه المرأة الخائنة احتاجت إلى غياب زوجها حتى تتبرج، فما عسانا نقول في نساء اليوم اللائي لا يحتجن إلى ذلك، بل يرتكبن أقبح أنواع التبرج وعلى مرأى ومسمع، بل وإقرار ورضَا من أزواجهن؟!

ص: 140

ابن آدم في صراعه الطويل المدى مع الشيطان الذي يأتيه من مواطن! الضعف فيه، فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى يستجيب فيقع في المحظور.

إن قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله على كشف السوءات، وهتك الأستار، وإشاعة الفاحشة، وأن هذا هدف مقصود له.

ومن ثم حذرنا الله عز وجل عن هذه الفتنة خاصة، فقال. جل وعلا:(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)) [الأعراف: 27] ،.

ومن هنا فإن إبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات، وهو مؤسس الدعوة إلى التبرج بدرجاته المتفاوتة، بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس والجن الداعين إلى (تحرير) المرأة عن قيد الستر والصيانة والعفاف.

ومن ثم قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)) [فاطر: 6] ،.

عاشرًا: التبرج من سنن اليهود والنصارى:

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) [المائدة: 64] ،.

لقد اتفق مخططوا الدولة الصهْيُونية العالمية التي تريد أن تسيطر على

العالم في (بروتوكولات حكماء صهيون) على أن من السبل التي يجب اتباعها لإخضاع من يسمونهم (الجوييم) أو (الأمميين) - حربَ الأخلاق، وتقويض نظام الأسرة بشتى الوسائل الممكنة، ووجدوا أن الأسباب المدمرة للأسرة تتركز في كل ألوان الإغراء بالفواحش، وإثارة الشهوات. وهكذا غَدَوْا يصنعون: عن طريق الأفلام الماجنة التي توزعها في العالم (دور صهيونية) ، وعن طريق الأزياء الخليعة التي تنشرها دور الأزياء

ص: 141

الصهيونية؟ وكذا المجلات والقصص ونحوها

ولليهود باع كبير في هذا المجال، عرفوا به في كل عصر ومصر (1)

وها هو ذا ناصحنا الأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا أولا من فتنة النساء (2)

في حديث أسامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(2)

ثم ها هو يخص فتنة النساء بالتحذير، ويبين لنا أنها كانت أول ما فتن به

بنو إسرائيل، وذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أولَ فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"(3) .

وقد شرع الله لهن الستر، وأمَرَهُنَّ بالصيانة، فقلن (سمعنا وعصينا) ،

كما كانت عادة الأمة المغضوب عليها.

ويشرح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جانبًا من فتنة نساء بني إسرائيل وإلحاحهن

على التحيل لبث هذه الفتنة فيما روراه عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب (4) ، وخاتما من ذهب، مُغَلفا بطين، ثم حَشَته مِسكا، وهو أطيب الطيب، فمرت بين المرأتين؟ فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا"(5)

وَيُروَى عن عائشة رضي الله عنها قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في

(1) انظر: "المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية" ص (29) .

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

وذلك لتبدو طويلة، تماما كما يفعل بعض النساء اليوم من لبس ما بـ (الكعب العالي) وللغرض نفسه.

(5)

تقدم تخريجه.

ص: 142

المسجد، إذ دخلت امرأة مُزَيَّنة، ترفل (1) في زينة لها في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة، والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبست نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد"(2) . وقد حكت كتبهم أن الله سبحانه وتعالى عاقب بنات صهيون على تبرجهن، ففي الأصحاح الثالث من سِفْر أشْعِيا:(إن الله سيعاقب بنات صهيون علي تبرجهن والمباهات برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهِلةِ والحِلَقِ والأساور والبراقع والعصائب وفي سفر أشعيا: (وقضى الله على بنات صهيون إذ يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق، غامزات لعيونهن، وخاطرات في سيرهن، يخشخشن بأرجلهن أن يعري عورتهن، وينزع في ذلك اليوم زينة الخلاخيل، والأساور، والبراقع) .

وقد كان نساء العجم من اليهود أو النصارى الذين يعيشون مع المسلمين يحرصن على هذا التبرج، قال سعيد بن أبي الحسن للحسن البصري أخيه: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن، قال: اصرف بصرك عنهن (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) الآية (3)

ضعف الأمة مرض التبرج أحد أعراضه

وقد ظلت فتنة التبرج تطل برأسها حينًا بعد حين خلال أحقاب التاريخ الإسلامي، ولكنها ما كانت تستشري إلا في حالة ضعف الأمة

(1) ترفل: من رفل في ثيابه، إذا أطالها وجرها متبخترا.

(2)

رواه ابن ماجه في الفتن: باب فتنة النساء، وقال البوصيري في "الزوائد": هذا إسناد ضعيف، داود بن مدرك لا يُعرف، وموسى بن عبيدة ضعيف اهـ (3/241) .

(3)

"فتح الباري "(11/ 9) .

ص: 143

وانهزامها، مثال ذلك: الغزو العسكري الكافر وأقرب مثال أمامنا الحملة الفرنسية (1)، ومثال آخر: الغزو الفكري من الداخل على يد أعداء الأمة المسلمة من أمثال "أتاتورك"، و"عبد الناصر"، و"السادات "، وسائر الطواغيت من الساسة والمفكرين (2) .

ولا يزال أهل الكتاب خاصة اليهود يحرضون المرأة على التهتك والتبرج، فيهود الدونمة أول من حاول نزع الحجاب قي الولايات الإسلامية غير العربية، (من ذلك ما حدث في مدينة "سالونيك " مقر تجمعهم في عام 1914م من تنظيمهم لحفل ليلي، وقد استدعوا بعض النساء اليهوديات يحملن أسماء إسلامية ليقمن بتمزيق الحجاب على خشبة المسرح أمام الناس، ولكن الحكومة منعت هذا الحفل لئلا تثير عواطف المسلمين)(3) .

وقد وقفت الأصابع الصليبية والصّهْيُوْنِيَّة تحرك عملاءها من وراء ستار، وأحيانًا عيانًا بيانًا: ْ-

* فهذان القسيسان اللاهوتيان (دنلوب) و (كرومر) يناهضان الإسلام مناهضة متواصلة تحت ستار الاحتلال الإنكليزي لمصر.

* وهذا (مرقص فهمي) القبطي يدعو صراحة إلى القضاء على الحجاب

الإسلامي.

* وهذا (الدوق داركير) يهاجم الحجاب.

* وهذه الأميرة (نازلي) ترعى دعوة السفور، وتبثها في المجتمع المصري

من خلال صالونها المشهور.

* وهذا (جرجي نقولا باز) يؤلف كتابين تأييدًا لدعوة السفور التي

(1) راجع "معركه الحجاب والسفور" ص (89) .

(2)

وقد أشبعنا الكلام في تاريخ هذه المؤامرات في "السابق".

(3)

"التبرج والاحتساب عليه" لعبيد بن عبد العزيز ص (44) .

ص: 144

تبناها (قاسم أمين) .

* وهذا (لويس عوض) يحرض على التبرج والتحرر من قيود الدين الإسلامي، إلى آخر تلك القائمة السوداء في كل عصر ومصر:(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)) [التوبة: 32] ،.

ومع تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من التشبه بالكفار، وسلوك سبلهم خاصة في مجال المرأة إلا أن أغلب المسلمين خالفوا هذا التحذير، وتحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لتتبعن سَنن مَن كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَب لتبعتموهم "، قيل: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"؟ (1) .

فما أشبه هؤلاء اللاتي أطعن اليهود والنصارى، وَعَصَيْنَ الله ورسوله بهؤلاء اليهود المغضوب عليهم الذين قابلوا أمر الله بقولهم:(سمعنا وعصينا)، وما أبعدهن عن سبيل المؤمنات اللاتي قلن حين سمعنِ أمر الله:(سمعنا وأطعنا)، قال تعالى:(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)) [النساء: 115] .

حادي عشر التبرج جاهلية منتنة:

قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33] .

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة، وأمرنا بنبذها، وقد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم أنه (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157] ،.

(1) تقدم تخريجه في "معركة الحجاب والسفور" ط. الثالثة ص (14) .

ص: 145

وقد تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل من يدعو بدعوى الجاهلية، فقال: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية، (1) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطَّلِبُ دمِ امرئ بغير حق ليهريق دمه "(2) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وسنة الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه اهـ.

ودعوي الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية، كلاهما منتن خبيث، أبغضه الله تعالى، وحرَمه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الأولى:"ما بال دعوى الجاهلية؟ دَعوها فإنها منتنة"(3)، فوجب أن نقول في الأخرى:"دعوها فإنها منتنة"، بل ضعوها حيث وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قال؟ "ألا إنَّ كُلَّ شيء من أمرِ الجاهلية تحت قَدَمي موضوع "(4) .

فلا يجوز لأي مسلمة بحال أن ترفع ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تعَظِّمَ

(1) رواه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه البخاري (3/ 198) في الجنائز: باب ليس منا من ضرب الخدود، ومسلم رقم (103) في الإيمان: باب تحريم ضرب الخدود، والترمذي رقم (999) في الجنائز: باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود، والنسائي (4/ 20) في الجنائز: باب ضرب الخدود.

(2)

رواه البخاري في "الديات" باب، من طلب دم امرئ بغير حق (12/ 219) ط. السلفية - حديث رقم (6882) .

(3)

قطعة من حديث رواه عن جابر رضي الله عنه البخاري (6/ 631) في المناقب: باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، وفي تفسير سورة المنافقون (8/ 516-1517)، ومسلم رقم (2584) في البر والصلة: باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، والترمذي رقم (2312) في تفسير سورة المنافقون.

(4)

رواه أبو داود في المناسك: باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1905) ، والترمذي في التفسير، وابن ماجة في المناسك، والدارمي في المناسك، والإمام أحمد (2/ 103)(5/ 73) .

ص: 146

ما حَقره من أمر الجاهلية سواء في ذلك: ربا الجاهلية أو تبرج الجاهلية، أو دعوى الجاهلية، أو حكم الجاهلية، أو ظن الجاهلية، أو حمية الجاهلية، أو سنة الجاهلية.

ثانِى عشر: التبرج انتكاس، وتخلف، وانحطاط:

من استعراض ما حدث لآدم عليه السلام مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته، إذ يقول الله سبحانه:(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)[الأعراف: 20] .

ويقول عز وجل: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف: 22] .

ويقول سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)[الأعراف: 27] ،.

وكل هذه الآيات توحي بأهمية هذه المسألة وعمقها في الفطرة البشرية، فاللباس، وستر العورة ة زينة للإنسان، وستر لعوراته الجسدية، كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.

والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءاتهما الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها، والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى ومن الحياء من الله، ثم من الناس.

والذين يطلقون ألسنتهم، وأقلامهم، وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة - في شتى الصور والأساليب الخبيثة - هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته، التي بها صار إنسانًا متميزَا عن الحيوان (1) .

قال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ

(1)"اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية" ص (16- 17) ،

ص: 147

مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) [الإسراء: 70] ،.

إن العري فطرة حيوانية، ولم تزل الحيوانات في انكشاف منذ خلقت، لم يتغير حالها يومًا، بعكس الإنسان الذي يصح أن نَصِفَهُ بأنه (حيوان مستور) . وهذه الفطرة الحيوانية لا يميل الإنسان إليها إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان،

إن رؤية العُرْي والتكشف جمالًا هو انتكاس في الذوق البشري قطعَا، ومؤشر واضح يبين انتشار التخلف في المجتمع البشري.

وحتى هؤلاء الذين يتشدقون بالتقدم المزعوم، يقولون:

إن الإنسان بدأ حياته على طريقة الحيوان عاريَا من كل ستر إلا شعره،

ثم رأى أن يستر جسمه بأوراق الشجر، ثم بجلود الحيوانات، ثم جعل يترقى في مدارج الحضارة حتى اكتشف الإبرة، وابتدع وسيلة الحياكة، فاستكمل ستر جسمه.

وهكذا كانت نزعة التستر وليدة التقدم المدني، فكل زيادة في هذا التقدم كانت مؤدية إلى زيادة في توكيد الحشمة، وكل خلل في كمال الستر عنوان التخلف والرجعية.

وآية ذلك أن المتخلفين في أواسط أفريقيا عراة، حين تشرق حضارة الإسلام في هذه المناطق، يكون أول مظاهر هذه الحضارة اكتساء العراة، وانتشالهم من وهدة التخلف، والتسامي بهم إلى مستوى (الحضارة) بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنقاذ خصائص الإنسان وإبرازها. قال الشيخ (مصطفى صبري) رحمه الله: لا خلاف في أن السفور حالة بداوة وبداية في الإنسان، والاحتجاب طرأ عليه بعد تكامله بوازع ديني أو خلقي يَزَعُهُ عن الفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية، ويسد ذرائعها، ويكون حاجزًا بين الذكور والإناث....

ثم إن الاحتجاب كما يكون تقييدًا للفوضى في المناسبات الجنسية

ص: 148

الطبيعية، ويضاد الطبيعة من هذه الحيثية، فهو يتناسب مع الغيرة التي جُبل عليها الإنسان، ويوافق الطبيعة من ناحيته الأخرى، إلا أن الغيرة غريزة تستمد قوتها من الروح، والتحرر عن القيود في المناسبة الجنسية غريزة تستمد قوتها من الشهوة الجسمانية، فهذه تغري بالسفور، وتلك تبعث على الاحتجاب، وبين هاتين الغريزتين تجافِ، وتحارب يجريان في داخل الإنسان اهـ (1) .

ثالث عشر: التبرج باب شر مستطير:

وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع، وعِبَر التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا، لا سيما إذا إنضم إليه الاختلاط المستهتر. فمن هذه العواقب الوخيمة: تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة لأجل لفت الأنظار إليهن، مما يجعل المرأة كالسلعة المهينة الحقيرة المعروضة لكل من شاء أن ينظر إليها

ومنها: الإعراض عن الزواج، وشيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات. ومنها: انعدام الغيرة، واضمحلال الحياء.

ومنها كثرة الجرائم.

ومنها: فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب، خاصة المراهقين، ودفعهم إلى الفواحش المحرمة بأنواعها.

ومنها: تحطيم الروابط الأسرية، وانعدام الثقة بين أفرادها، وتفشي الطلاق.

ومنها: المتاجرة بالمرأة، كوسيلة دعاية، أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها.

ومنها: الإساءة إلى المرأة نفسها، والإعلان عن سوء نيتها، وخبث طويتها، مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء.

(1) "قولي في المرأة، للشيخ مصطفى صبري رحمه الله ص (24- 25) .

ص: 149

ومنها: انتشار الأمراض: قال صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط؛ حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مَضَوْا"(1) .

ومنها: تسهيل معصية الزنا بالعين، قال صلى الله عليه وسلم:"العينان زناهما النظر"(2)، وتعسير طاعة غض البصر التي أُمِرنا بها إرضاء لله سبحانه. ومنها: استحقاق نزول العقوبات العامة التي هي قطعًا أخطر عاقبة من القنابل الذرية، والهزات الأرضية، قال تعالى:(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)) [الإسراء: 16]، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب "(3) .

* * *

(1) جزء من حديث طويل رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما ابن ماجة (4019) ، وأبو نعيم في (الحلية)(8/ 333- 334) ، والحاكم (4/540) ، وقال صحيح

الإسناد، ووافقه الذهبي.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه أبو داود في الملاحم، والترمذي في الفتن، وابن ماجة فيه أيضًا، والإمام أحمد (1/ 5، 7) .

ص: 150