الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليمًا، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليمًا مع قُرب الوقت عرفَ لأوّل وهلة خطأه أول مرة.
قال أبو ريَّة: (وفي تاريخ الطبري عن أبي هريرة أن ملك الموت
…
).
أقول: رجاله كلّهم موصوفون بأنهم ممن يخطئ، فلا يصح عن أبي هريرة
(1)
.
قال: (وأخرجا كذلك عنه قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: تحاجَّت الجنة والنار
…
).
أقول: قد وافق أبا هريرة على هذا الحديث أنس بن مالك وحديثه في «الصحيحين»
(2)
وغيرهما، وأبو سعيد وحديثه في «صحيح مسلم»
(3)
و «مسند أحمد»
(4)
وغيرهما، وأُبيّ بن كعب وحديثه في «مسند أبي يعلى»
(5)
. وتفسير الحديث معروف.
قال: (وروى البخاري عنه:
ما بين مَنْكِبَي الكافر
مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع. وخرج أوله مسلم عنه مرفوعًا وزاد: غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام).
أقول: هذا من فهم أبي ريَّة وتحرِّيه. راجع «فتح الباري» (365: 11)
(6)
تعرف ما في صنيع أبي ريَّة وتعرف الجواب.
(1)
«تاريخ الطبري» : (1/ 256). والسند فيه: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، عن حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة.
(2)
البخاري (4848)، ومسلم (2848).
(3)
(2847).
(4)
(11099).
(5)
«المطالب العالية» (4557).
(6)
(11/ 423). وحديث «ما بين منكبي
…
» في البخاري (6551) عن أبي هريرة مرفوعًا. لا كما أوهمه أبو ريَّة. أما ما أخرجه مسلم (2851) فحديث آخر وهو «ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده
…
» فجعلهما أبو ريَّة حديثًا واحدًا.
[ص 160] وقال ص 199: (وروى البخاري وابن ماجه عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم فليغمسه كلّه ثم يطرحه، فإن في أحد جناحية داء والآخر شفاء).
أقول: هذا الحديث قد وافق أبا هريرة على روايته أبو سعيد الخدري وأنس. راجع «مسند أحمد»
(1)
بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله (124: 12). وعلماء الطبيعة يعترفون بأنهم لم يحيطوا بكلّ شيء علمًا، ولا يزالون يكتشفون الشيء بعد الشيء، فبأيّ إيمانٍ ينفي أبو ريَّة وأضرابُه أن يكون الله تعالى أَطْلَعَ رسولَه صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علمُ الطبيعة بعد
(2)
؟ هذا، وخالق الطبيعة ومدبّرها هو واضع الشريعة، وقد علم سبحانه أنّ كثيرًا من عباده يكونون في ضيق من العيش، وقد يكون قُوتُهم اللبن وحده، فلو أُرْشِدوا إلى أن يريقوا كل ما وقعت فيه ذبابة لأجحف بهم ذلك، فأُغيثوا بما في الحديث. فمَن خالف هواه وطبعه في استقذار الذّباب فغمسه تصديقًا لله ورسوله دفع الله عنه الضرر، فكان في غَمْس ما لم يكن انغمس ما يدفع ضرر ما كان انغمس، وعلماء الطبيعة يثبتون لقوة الاعتقاد تأثيرًا بالغًا، فما بالك باعتقادٍ منشؤه الإيمان بالله ورسوله؟
قال ص 200: (وروى الطبراني في «الأوسط» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك برسالة
(1)
(11189، 11643) من حديث أبي سعيد، أما حديث أنس فهو عند البزار (7323) قال الهيثمي في «المجمع»:(5/ 38): «رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح» . ولم أجده في «مسند أحمد» .
(2)
كلام المؤلف هذا قبل أكثر من خمسين سنة، وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن الذباب يحمل على سطح جسمه الخارجي ــ إضافة إلى البكتريا ــ مضادات حيوية تعالج العديد من الأمراض. ووجدوا أن أفضل طريقة لتحرير هذه المواد الحيوية أن تُغمس الذبابة في سائل. انظر موقع www.kaheel 7.com
من الله عز وجل، ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها).
أقول: تفرَّد بروايته صَدَقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف، والحديث معدود في منكراته، فلم يثبت عن أبي هريرة
(1)
.
قال: (وروى الترمذي عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السُّم).
أقول: سنده إلى أبي هريرة غريب كما قال الترمذي
(2)
، لكنه معروف من رواية غيره من الصحابة، فقد ورد من حديث أبي سعيد وجابر
(3)
، وجاء من حديث بُريدة مرفوعًا:«العجوة من فاكهة الجنة»
(4)
. وفي «الصحيحين»
(5)
من حديث سعد بن أبي وقَّاص مرفوعًا: «من اصطبح كلَّ يوم تمرات عجوة لم يضره سُمّ ولا سِحْر ذلك اليوم إلى الليل» . وله شاهد من حديث عائشة في «صحيح مسلم»
(6)
. وراجع ما مرّ قريبًا.
قال: (وروى الحاكم وابن ماجه من حديثه بسند صحيح: خَمِّروا الآنية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارًا وخَطْفَة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت).
(1)
أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» : (2/ 729 ــ 730)، وابن عدي في «الكامل»:(4/ 75) وعدّ الحديث من منكراته.
(2)
(2066).
(3)
أخرجه عنهما ابن ماجه (3453)، وأحمد (11453).
(4)
أخرجه أحمد (22938)، وابن عدي في «الكامل»:(4/ 53) وعدّه من منكرات صالح بن حيان القرشي، ومثله الذهبي في «الميزان»:(3/ 6).
(5)
البخاري (5768)، ومسلم (2047).
(6)
(2048).
[ص 161] أقول: هذا حديث جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو عن جابر بهذا اللفظ حرفًا حرفًا في «صحيح البخاري»
(1)
كتاب بدء الخلق. انظر «فتح الباري» (253: 6)
(2)
، وهو بألفاظ أُخَر في مواضع أُخَر من «صحيح البخاري» وفي «صحيح مسلم»
(3)
.
قال ص 201: (وروى مسلم عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة).
أقول: قد تقدم هذا (ص 140)
(4)
فراجعه وتأمل صنيع أبي ريَّة هناك.
قال: (وروايات أبي هريرة من هذا القبيل وأوهى منه تفهق الكتب بها
…
).
أقول: انتقد أبو ريَّة في ترجمة أبي هريرة نيفًا وثلاثين حديثًا، وهي على خمسة أضرب: ضَرْبٌ نسبه إلى أبي هريرة اعتباطًا وإنما رُوي عن غيره. وضَرْبٌ نحو عشرة أحاديث في سند كلٍّ منها كذَّاب أو مُتَّهَم أو ضَعْفٌ أو انقطاع، فهذا لا شأن لأبي هريرة به لأنه لم يثبت عنه، وراجع (ص 151)
(5)
. وضَرْبٌ اخْتُلِفَ فيه أَيَصِحُّ عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فهذا قريب من سابقه، فإنه على فَرْض تبيُّن بطلان متنه يترجَّح عدم صحته عن أبي هريرة؛ لأن تَبِعة الحديث إنما تتجه إلى الأدنى. وضَرْبٌ صحيح عن أبي هريرة وقد
(1)
(3316) وفيه: «عند العشاء» بدل «عند المساء» .
(2)
(6/ 356). ووقع رقم الصفحة في (ط): (253) ولعله (353).
(3)
انظر «صحيح البخاري» (3280، 3304، 5624 وغيرها»، و «صحيح مسلم» (2012، 2013).
(4)
(ص 270 ــ 271).
(5)
(ص 289 ــ 290).
وافقه عليه غيره من الصحابة؛ اثنان أو ثلاثة أو أكثر. ويبقى بعد الأَضْرُب السابقة ثلاثة أو أربعة أحاديث قد مرّ الجواب الواضح عنها بحمد الله تعالى.
واعلم أن الناس تختلف مداركُهم وأفهامُهم وآراؤهم ولا سيّما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية؛ لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس، وقد أُلِّفَتْ في ذلك كتب
(1)
. وكذلك استشكل كثيرٌ من الناس كثيرًا من الأحاديث الثابتة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، منها ما هو من رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مرَّ، وبهذا يتبيَّن أن استشكال النصّ لا يعني بطلانه. ووجود النصوص التي يُستشكل ظاهرُها لم يقع في الكتاب والسنة عَفْوًا وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات.
هذا، وأنت تعلم أنَّ أبا هريرة رجل أُمّيّ لا يكتب ولا يقرأ الكتب، وعاش حتى ناهز الثمانين، منها نحو أربعين سنة يحدِّث، وكثر حديثه، ولم يكن معصومًا عن الخطأ، وكذلك الموثَّقون من الرواة عنه ومَنْ بعدهم. أما غير الموثَّقين فلا اعتداد بهم. وقد عاداه المبتدعةُ من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغُلاة أصحاب الرأي كما مرَّتْ شواهده في الترجمة، وحَرَصوا كلَّ الحرص على أن يجدوا في أحاديثه [ص 162] ما يطعنون به عليه، وتتابعت جهودُهم، ثم جاء أبو ريَّة فأطال التفتيش والتنبيش، وقضى في ذلك سنين من عمره، ومع ذلك كلّه كانت النتيجة ما تقدّم، فعلى ماذا يدل هذا؟
(1)
منها كتاب «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة، و «تفسير آيات أشكلت» لابن تيمية.