الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في خبر من أخباره عن الغيب فقد كفر.
قال ص 214:
(عمر الدنيا)
.
فأشار إلى صنيع السيوطي ولم يذكر الأحاديث حتى ننظر فيها، والذي أعرفه أنه ليس في ذلك حديث صحيح صريح.
قال: (وقد أعرضنا كذلك عن إيراد أخبار الفتن، وأشراط الساعة، ونزول عيسى التي زخرت بها كتب السنة المعتمدة بين المسلمين والمقدَّسة من الشيوخ الحشويين)
(1)
.
أقول: صدق الله تبارك وتعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: 39].
قال: (وكذلك أهملنا ذكر الأحاديث الواردة في خروج
النيل والفرات
وسيحون وجيحون من أصل سدرة المنتهى فوق السماء السابعة، وهي في البخاري وغيره).
أقول: الذي في «صحيح البخاري»
(2)
في حديث الإسراء عند ذِكْر سِدْرة المنتهى: «وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران [ص 170] فالنيل والفرات» . وقد فسَّره أهلُ العلم بما فسروا، ورأيتُ بعضَ العصريين
(3)
يذكر وجهًا سأحكيه ليُنظر فيه، قال: لا ريب أنّ كلَّ ما رآه النبيُّ
(1)
غيَّر أبو رية العبارة في الطبعة اللاحقة إلى «شيوخ الدين» .
(2)
(3207).
(3)
قارن بكتاب «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها» (ص 111) لعبد الله القصيمي. وانظر ما سبق (ص 255 ــ 256).
- صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حق، لكن منه ما كان بضَرْبٍ من التمثيل يحتاج إلى تأويل، وقد ذُكِر في بعض الروايات أشياء من هذا القبيل، انظر «فتح الباري» (153: 7)
(1)
، فقد يقال: إنّ سدرة المنتهى مع أنها حقيقة ضُرِبت مثلًا لكلمة الإسلام، على نحو قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] الآيات، وجعل مغرسها مثلًا للأرض التي ستثبت فيها كلمة الإسلام في الدنيا، والأرض التي يرثها أهله في الجنة، فرمز إلى الأولى بما فيه مثال النيل والفرات، وإلى الثانية بما فيه مثال النهرين اللَّذَيْنِ في الجنة، وكأنه قيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: هذه كرامتك، كما يدفع المَلِكُ إلى من يكرمه وثيقةً فيها رسم أرض معروفة فيها قصر وحديقة، فيكون معنى ذلك: أنه أنعم بها عليه. أما سيحون وجيحون فلا ذِكْر لهما، نعم في حديث لمسلم
(2)
تقدم (ص 132) ذِكْر سيحان وجيحان، وهما غير سيحون وجيحون.
ثم قال أبو ريَّة ص 215: (كلمة جامعة
…
انتهى العلامة السيد رشيد رضا في تفسيره
…
إلى هذه النتائج القيمة: 1 - أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب
…
وإنما أعلمه الله ببعض الغيوب بما أنزل عليه في كتابه، وهو قسمان: صريح ومستنبط).
أقول: اقتصر أبو ريَّة على هذا، مع أن في ذاك الموضع من «تفسير المنار» (504: 9) زيادة فيها: «2 - إن الله تعالى أعلمه ببعض ما يقع في المستقبل بغير القرآن من الوحي
…
3 - إنه كان يتمثل له صلى الله عليه وسلم بعض أمور المستقبل كأنه يراه، كما تمثَّلت له الجنة والنار عُرْض الحائط، وكما تمثّل له
(1)
(7/ 214 ــ 216).
(2)
(2839). وانظر (ص 255).
في أثناء حفر الخندق ما يفتح الله لأصحابه من الممالك
…
وكشفه هذا حق، وهو ما يسمّيه أهلُ الكتاب نبوءات، وقد ظهر منه شيء كثير كالشمس
…
».
قال: (لا شك أن أكثر الأحاديث قد رُوي بالمعنى
…
فعلى هذا كان يروي كلُّ أحدٍ ما فهمه، وربما يقع في فهمه الخطأ لأن هذه أمور غيبية، وربما فسَّر بعضَ ما فهمه بألفاظٍ يزيدها
…
).
أقول: ليس من الحق إنكار هذا الاحتمال، لكن ليس من الحقِّ أن يجاوز به حدّه، فهو احتمال نادر، يزيدُه نُدْرةً أو يدفعه البتَّة: أن تتفق روايتان صحيحتان فأكثر، والظاهر الغالب من رواية الثقة هو الصواب، وبه يجب الحكم مالم تقم حجّة صحيحة على الخطأ.
[ص 171] ثم قال: (إن العابثين بالإسلام
…
قد وضعوا أحاديث كثيرة
…
وراج كثير منها بإظهار رواتها للصلاح والتقوى).
أقول: راجع ما تقدم (ص 61 - 65)
(1)
.
قال: (ولم يُعرَف بعض الأحاديث الموضوعة إلا باعتراف من تاب إلى الله مِن واضعيها).
أقول: من تدبر ما تقدم (ص 61 - 65) وغيرها تبين له أنَّ مَنْ كان حدّه أن يكذب لا يخفى حالُه على الأئمة، غايةُ الأمر أنهم قد يقتصرون على قولهم:«متهم بالكذب» ونحو ذلك. وبهذا تعلم أنه لو فُرِض عدم اعتراف من اعترف لم يلزم من ذلك أن يحكموا لخبره بالصحة.
قال ص 216: (إن بعض الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم
…
وقد ثبت أن الصحابة كان يروي بعضُهم عن بعض، وعن التابعين، حتى عن كعب الأحبار وأمثاله).
(1)
(ص 119 ــ 127).
أقول: راجع ما تقدم (73 - 75، و 82 و 89 و 94 - 99 و 109 - 110 و 157)
(1)
.
قال: (والقاعدة عند أهل السنة: أنّ جميع الصحابة عدول
…
وهي قاعدة أغلبية لا مطردة).
أقول: سيأتي النظر في هذا في فصل عدالة الصحابة
(2)
.
قال: (فكل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية فهو مَظِنّة لما ذكرنا. فمن صدَّق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالًا فالأصل فيها الصدق، ومَن ارتاب في شيء منها أو أورد عليه بعض المرتابين أو المشككين إشكالًا في متونها، فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية
…
).
أقول: لا أدري ما عَنى بالمشكل؟ فإنْ كان راجعًا إلى ما يأتي فذاك، فأما المضطرب فحكمه معروف عند أهل العلم، وأما المخالف لسنن الله، فمِنْ سُنن الله تعالى أن يخرق العادة إذا اقتضت حكمته، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة لا تحصى. وراجع «الوحي المحمدي» (ص 63)
(3)
. وأما المخالف لأصول الدين فراجع (ص 2)
(4)
، وأما المخالف لنصوصه القطعية فراجع (ص 14)
(5)
.
(1)
(ص 143 ــ 150 و 161 ــ 163 و 173 ــ 175 و 183 ــ 185 و 192 ــ 193 و 209 ــ 213).
(2)
(ص 365).
(3)
للسيد رشيد رضا.
(4)
(ص 7 ــ 8).
(5)
(ص 29 ــ 30).
وبالجملة لا نزاع أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن ربه وغيبه بباطل، فإن رُوِيَ عنه خبر تقوم الحجةُ على بطلانه فالخلل من الرواية، لكن الشأن كلّ الشأن في الحكم بالبطلان، فقد كَثُر اختلاف الآراء والأهواء والنظريات وكثر غلطها، ومن تدبَّرها [ص 172] وتدبر الرواية وأمعن فيها، وهو ممن رزقه الله تعالى الإخلاص للحق والتثبت= عَلِم أن احتمال خطأ الرواية التي يثبتها المحققون من أئمة الحديث أقلّ جدًّا من احتمال خطأ الرأي والنظر. فعلى المؤمن إذا أشكل عليه حديثٌ قد صحَّحه الأئمة، ولم تطاوعه نفسُه على حمل الخطأ على رأيه ونظره= أن يعلم أنه إن لم يكن الخلل في رأيه ونظره وفهمه فهو في الرواية، وليفزع إلى من يَثِقْ بدينه وعلمه وتقواه مع الابتهال إلى الله عز وجل، فإنه وليّ التوفيق.
ثم قال أبو ريَّة ص 217: (تدوين القرآن
…
ولو أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا قد عُنُوا بتدوين الحديث
…
). ثم قال ص 218: (كيف كان الصحابة
…
) ثم قال: (كُتَّاب الوحي
…
).
أقول: راجع (ص 20 - 47)
(1)
.
ثم قال ص 218 - 219: (وكان أول من كتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح).
أقول: أَنَّى لأبي ريَّة هذا؟ إنما قال صاحب «الاستيعاب»
(2)
وغيرُه في عبد الله: إنه أسلم قبل الفتح.
وقال ص 219: (جمع القرآن وسببه: روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال:
(1)
(ص 41 ــ 91).
(2)
(3/ 918).
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جُمِع في شيء
…
ولما تولى أبو بكر ونشبت حرب الردَّة وقتل فيها كثير من الصحابة خشي عمر من ضياع القرآن بموت الصحابة، فدخل على أبي بكر وقال له: إن أصحاب رسول الله باليمامة يتهافتون تهافت الفراش في النار، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطنًا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا، وهم حَمَلة القرآن .. ).
أقول: حديث زيد في مواضع من «صحيح البخاري»
(1)
، راجع «الفتح» (8/ 259 و 9/ 9 و 19 و 13/ 159 و 350)
(2)
، ولم أجده في «صحيح البخاري» باللفظ الذي ساقه أبو رية. وراجعت «فهارس البخاري»
(3)
للأستاذ رضوان محمد رضوان فذكر الحديث في المواضع الأربعة الأولى فحسب
(4)
.
والذي في «صحيح البخاري» في الموضع الأول: «إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتلُ بالقُرَّاء في المواطن» . وفي الثاني: «إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى إن يستحرَّ
(5)
القتلُ بالقُرَّاء بالمواطِن»، وتُرِكت هذه الجملة في الثالث والخامس. وفي الرابع:«إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتلُ بقُرَّاء القرآن في المواطن» .
وليحذر القارئ من إساءة الظنِّ بأبي ريَّة، بل ينبغي أن يَحْمِل صنيعَه هنا
(1)
(4679، 4986، 4989، 7191، 7425).
(2)
(8/ 344، 9/ 10، 22، 13/ 183، 404).
(3)
(ص 290).
(4)
وراجعت ذخائر المواريث فوجدته ذكر هذه المواضع ومواضع أخرى جاء فيها الحديث من وجه آخر، وليس فيه هذه الجملة. [المؤلف].
(5)
(ط): «استحرّ» . والمثبت من الصحيح.
على أنه رجع عن الميل إلى منع رواية الحديث بالمعنى، أو رأى جوازها في [ص 173] غير الحديث النبوي ــ ولو مع التمكُّن من الإتيان باللفظ الأصلي ــ إذا كان ذلك لمصلحته، ومصلحتُه هنا: أنه كره أن يصرِّح بأن الخشية كانت من استحرار القتل بقراء القرآن خاصة، وأحبَّ أن يجعلها من استحرار القتل بالصحابة على الإطلاق ليبني عليها ما علّقه في الحاشية إذ قال: (مما يلفت النظر البعيد ويسترعي العقل الرشيد: أن عمر لما راعه تهافت الصحابة في حرب اليمامة .. لم يقل عنهم إنهم حَمَلة الحديث، بل قال: إنهم حملة القرآن، ولم يطلب جمع الحديث وكتابته
…
وفي ذلك أقوى الأدلة وأصدق البراهين على أنهم لم يكونوا يعنون بأمر الحديث، ولا أن يكون لهم فيه كتاب محفوظ ويبقى على وجه الدهر كالقرآن الكريم).
أقول: الذي في الخبر ــ كما رأيتَ ــ خشية استحرار القتل بقُرَّاء القرآن، وبين القرآن والسنة فَرْق من وجوه، وبيانُ ذلك: أن الله تبارك وتعالى تكفَّل بحفظ الشريعة مما فيه
(1)
الكتاب والسنة كما مرَّ (ص 20 - 21)
(2)
، ومع ذلك كلَّفَ الأمةَ القيامَ بما يتيسّر لها من الحفظ، ولمَّا كان القرآن مقصودًا حفظ لفظه ومعناه، وفي ضياع لفظةٍ واحدة منه فوات مقصودٍ دينيّ، وهو مقدارٌ محصور يسهُل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة= كُلِّفوا بحفظه بالطريقتين، وبذلك جرى العمل في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتوفّاه الله تبارك وتعالى والقرآنُ كلُّه محفوظ في الصدور مفرَّقًا، إلا أنّ معظمه عند جماعة معروفين، وإنما حَفِظَه جميعَه بضعةُ أشخاص، ومحفوظ كلّه
(1)
كذا في (ط).
(2)
(ص 41 ــ 44).
بالكتابة مفرَّقًا في القِطَع التي بأيدي الناس كما مرّ (ص 20)
(1)
. فلما استحرَّ القتلُ بالقُرَّاء في اليمامة، وخشي أن يستحرَّ بهم في كلِّ موطن، ومِنْ شأن ذلك ــ مع صَرْف النظر عن حِفْظ الله تعالى ــ أن يؤدّي إلى نقصٍ في الطريقة الأولى؛ رأى الصحابةُ أنهم إذا تركوا تلك القطع كما هي مُفرَّقة بأيدي الناس، كان مِنْ شأن ذلك احتمال أن يتلف بعضُها، فيقع النقص في الطريقة الثانية أيضًا، ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن كلّه في صُحُف تُحْفَظ عند الخليفة، وإذا
(2)
كان ذلك ممكنًا بدون مشقة شديدة، وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة فيه البتّة= علموا أنه من جُملة ما كُلّفوا به، فوفَّقهم الله تعالى للقيام به.
أما السنة: فالمقصود منها معانيها، وفواتُ جملةٍ من الأحاديث لا يتحقّق به فواتُ مقصودٍ ديني، إذ قد يكون في القرآن وفيما بقي من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت. وهي مع ذلك [ص 174] منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم (ص 21)
(3)
فاكتفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر، بأن يحفظ كلُّ واحد ما وقف عليه، ثم يبلِّغه عند الحاجة، ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يكن حفظ معظمها مقصورًا على القُرَّاء، بل كان جماعة ليسوا من القُرَّاء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القُرَّاء.
فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أنّ عليهم أن يصنعوا ما صنعوا مِنْ جَمْع القرآن، لم يتوفَّر لهم مثلُها ولا ما يقاربها، لكي يفهموا منه
(1)
(ص 41 ــ 42).
(2)
(ط): «وإذ» .
(3)
(ص 43 ــ 44).