الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا عند غيره؛ لأنه لم يلتزم بالصحة.
قال: (ومسلم ترجَّح عنده كذبه فلم يرو له إلا حديثًا واحدًا في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير).
أقول: كلمة (كذبه) لا وجه لها، ويَرُدُّها ما بعدها، فإن من استقرَّ الحكم عليه بأنه متّهم بالكذب لا يُتقوّى بروايته أصلًا ولا سيما في الصحيح، لكن لعل مسلمًا لم يتجشَّم ما تجشَّم البخاريُّ من تتبُّع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبيَّنْ له ما تبيَّنَ للبخاري، فوَقَف عن الاحتجاج بعكرمة.
ثم ساق أبو ريَّة فصولًا لم أُنْعِم النظرَ فيها
(1)
، وفيها مواضع قد تقدَّم الكلام فيها، إلى أن قال ص 300:(المحدِّثون لا يُعْنَون بغلط المتون، والمحدّثون قلَّما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعًا في نفس المتن، لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدِّثين، وإنما هو من شأن المجتهدين، وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه في نفس الإسناد لأنه من شأنهم).
أقول:
الاختلاف في المتن على أضرب:
الأول: ما لا يختلف به المعنى، وهذا ليس باضطراب.
الثاني: ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود، وهذا قريب من سابقه، ومنه القضية التي استدلَّ بها أبو ريَّة في عدة مواضع، يحسب أنه قد ظَفِر بقاصمة الظهر للحديث النبوي! وهي الاختلاف والشكّ في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فسلَّم من ركعتين، فنبَّهه ذو اليدين، فوقع
(1)
هي مباحث تتعلق بالكلام على الكتب الستة والمسند وغيرها.
في رواية: «إحدى صلاتي العشيّ» ، وفي رواية:«الظهر» ، وفي أخرى:«العصر» . فالأخريان مختلفتان لكن ذلك لا يوجب اختلافًا في المعنى المقصود، فإنّ حكم الصلوات في السهو الواحد.
الثالث: ما يختلف به معنى مقصود لكن في الحديث معنى آخر مقصود لا يختلف، كقصة المرأة التي زوَّجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا بأن يعلِّمها ما معه من القرآن وقد تقدَّمت (ص 59)
(1)
.
الرابع: ما يختلف به المعنى المقصود كلُّه، فهذا إن صح السند بالوجهين وأمكن الترجيح فالراجح هو الصحيح، وإلا فالوَقْف، والغالب أنَّ البخاريَّ ومسلمًا ينبِّهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس «الصحيحين» ، وكذلك كتب السنن يكثر فيها بيان الراجح، لكن قد لا يتبين لأحدهم الرجحان فيرى أنّ عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده، فربّ مبلَّغ أوعى من سامع.
[ص 191] وذكر ص 301 عن السيد رشيد رضا: (أن علماء الحديث قلَّما يُعْنَون بغلط المتون في ما يخص معانيها وأحكامها .. وإنما يظهر معاني غلط المتون للعلماء والباحثين في شروحها من أصول الدين وفروعه وغير ذلك).
أقول: أما الكتب التي لم تلتزم الصحة ولا الاحتجاج فنعم، وقد يقع يسير من ذلك في «صحيح مسلم» ، فأما «صحيح البخاري» وما يصحِّحه الإمامُ أحمد ونظراؤه فإنهم يُعْنَون بذلك. وراجع لأصول الدين ما تقدم (ص 2)
(2)
.
(1)
(ص 115).
(2)
(ص 7 ــ 8).
وأشار إلى حديث: «خَلَق الله التربةَ الخ» وقد تقدم (ص 135 - 138)
(1)
، وإلى حديث أبي ذر في شأن الشمس وقد مرَّ (ص 165)
(2)
ويأتي (ص 213)
(3)
.
وقال: (لو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تُنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض).
أقول: هذه دعوى إجمالية، والعبرة بالنظر في الجزئيات، فقد عرفنا من محاولي النقد أنهم كثيرًا ما يدَّعون القطع حيث لا قطع، ويدَّعون قطعًا يُكذِّبه القرآن، ويقيمون الاستبعاد مقام القطع مع أن الاستبعاد كثيرًا ما ينشأ عن جهل بالدين، وجهل بطبيعته، وجهل بما كان عليه الحال في العهد النبوي. وكثيرًا ما يسيئون فهم النصوص.
وقال ص 303: (وقد تعرَّض كثير من أئمة الحديث للنقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جدًّا بالنسبة لما تعرَّضوا له من النقد من جهة الإسناد).
أقول: مَنْ تتبَّع كتبَ تواريخ رجال الحديث وتراجمهم وكتب العلل وجد كثيرًا من الأحاديث يطلق الأئمة عليها: «حديث منكر. باطل. شِبْه الموضوع. موضوع» . وكثيرًا ما يقولون في الراوي: «يُحدِّث بالمناكير. صاحب مناكير. عنده مناكير. منكر الحديث» . ومن أَنعمَ النظر وجد أكثر ذلك من جهة المعنى. ولما كان الأئمة قد راعوا في توثيق الرواة النظرَ في أحاديثهم والطعن فيمن جاء بمنكر= صار الغالب أن لا يوجد حديث منكر
(1)
(ص 260 ــ 267).
(2)
(ص 316).
(3)
(ص 402 ــ 405).