الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْفِي الْأَوَّلَ وَكَوْنُهُ صَاحِبَ انْتِقَامٍ يَنْفِي الثَّانِي. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ أَيْضًا وَبِهَا تمّ الْكَلَام.
[48- 51]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 48 إِلَى 51]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51)
اسْتِئْنَافٌ لِزِيَادَةِ الْإِنْذَارِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، لِأَنَّ فِي هَذَا تَبْيِينَ بَعْضِ مَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْأَهْوَالِ فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: سَرِيعُ الْحِسابِ قُدِّمَ عَلَيْهِ
لِلِاهْتِمَامِ بِوَصْفِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ، فَجَاءَ عَلَى هَذَا النَّظْمِ لِيَحْصُلَ مِنَ التَّشْوِيقِ إِلَى وَصْفِ هَذَا الْيَوْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ، وَتَجْعَلُ جُمْلَةَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ عَلَى هَذَا تَذْيِيلًا.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ. وَالتَّقْدِيرُ يَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ.. الْخَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ تَذْيِيلٌ أَيْضًا.
وَالتَّبْدِيلُ: التَّغْيِيرُ فِي شَيْءٍ إِمَّا بِتَغْيِيرِ صِفَاتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [سُورَة الْفرْقَان: 70]، وَقَوْلِكَ: بَدَّلْتُ الْحَلْقَةَ خَاتَمًا وَإِمَّا بِتَغْيِيرِ ذَاتِهِ وَإِزَالَتِهَا بِذَاتٍ أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها [سُورَة النِّسَاء: 56]، وَقَوْلِهِ: وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ [سُورَة سبأ: 16] .
وَتَبْدِيلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِمَّا بِتَغْيِيرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا وَإِبْطَالِ النُّظُمِ الْمَعْرُوفَةِ فِيهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِمَّا بِإِزَالَتِهَا وَوِجْدَانِ أَرْضٍ وَسَمَاوَاتٍ أُخْرَى فِي الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى اسْتِبْدَالُ الْعَالَمِ الْمَعْهُودِ بِعَالَمٍ جَدِيدٍ.
وَمَعْنَى وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً [سُورَة إِبْرَاهِيم: 21] . وَالْوَصْفُ بِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لَهُ شُرَكَاءً وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يُدَافِعُونَ عَنْ أَتْبَاعِهِمْ. وَضَمِيرُ بَرَزُوا عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ السِّيَاقِ، أَيْ وَبَرَزَ النَّاسُ أَوْ بَرَزَ الْمُشْرِكُونَ.
وَالتَّقْرِينُ: وَضْعُ اثْنَيْنِ فِي قَرْنٍ، أَيْ حَبْلٍ.
وَالْأَصْفَادُ جَمْعُ صِفَادٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ، وَهُوَ الْقَيْدُ وَالْغُلُّ.
وَالسَّرَابِيلُ: جَمْعُ سِرْبَالٍ وَهُوَ الْقَمِيصُ. وَجُمْلَةُ سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ حَالٌ مِنَ الْمُجْرِمِينَ.
وَالْقَطِرَانُ: دَهْنٌ مِنْ تَرْكِيبٍ كِيمْيَاوِيٍّ قَدِيمٍ عِنْدَ الْبَشَرِ يَصْنَعُونَهُ مِنْ إِغْلَاءِ شَجَرِ الْأَرْزِ وَشَجَرِ السَّرْوِ وَشَجَرِ الْأُبْهُلِ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ- وَهُوَ شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَةِ الْعَرْعَرِ. وَمِنْ شَجَرِ الْعَرْعَرِ بِأَنْ تُقْطَعَ الْأَخْشَابُ وَتُجْعَلَ فِي قُبَّةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى بَلَاطٍ سَوِيٍّ
وَفِي الْقُبَّةِ قَنَاةٌ إِلَى خَارِجٍ. وَتُوقَدُ النَّارُ حَوْلَ تِلْكَ الْأَخْشَابِ فَتَصْعَدُ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا وَيَسْرِي مَاءُ الْبُخَارِ فِي الْقَنَاةِ فَتَصُبُّ فِي إِنَاءٍ آخَرَ مَوْضُوعٍ تَحْتَ الْقَنَاة فيتجمع منهماء أَسْوَدُ يعلوه زبد خاثر أَسْوَدُ. فَالْمَاءُ يُعْرَفُ بِالسَّائِلِ وَالزَّبَدُ يُعْرَفُ بِالْبَرْقِيِّ. وَيُتَّخَذُ لِلتَّدَاوِي مِنَ الْجَرَبِ لِلْإِبِلِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي كُتُبِ الطِّبِّ وَعِلْمِ الْأَقْرَبَاذِينِ.
وَجُعِلَتْ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْحَرَارَةِ فَيُؤْلِمُ الْجِلْدَ الْوَاقِعَ هُوَ عَلَيْهِ، فَهُوَ لِبَاسُهُمْ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ ابْتِدَاءً بِالْعَذَابِ حَتَّى يَقَعُوا فِي النَّارِ-.