الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْوَاوُ الَّتِي عَطَفَتْ أَسْمَاءَ الْمَوْصُولِ عَلَى الْمَوْصُولِ الْأَوَّلِ لِلتَّقْسِيمِ فَهِيَ بِمَعْنى أَو.
[11]
[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 11]
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11)
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جُمْلَةُ لَهُ مُعَقِّباتٌ إِلَى آخِرِهَا، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِ مِنْ الْمَوْصُولَةِ مِنْ قَوْلِهِ:
مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ [الرَّعْد: 10] .
عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يَحْفَظُونَهُ، وَضَمِيرَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ جَاءَتْ مُفْرَدَةً لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَائِدٌ إِلَى أَحَدِ أَصْحَاب تِلْكَ الصلات حَيْثُ إِنَّ ذِكْرَهُمْ ذِكْرُ أَقْسَامٍ مِنَ الَّذِينَ جُعِلُوا سَوَاءً فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لِكُلِّ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ مُعَقِّبَاتٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ غَوَائِلِ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَتَّصِلَ الْجُمْلَةُ بِ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ [الرَّعْد: 10] ، وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ لِمُرَاعَاةِ عَطْفِ صِلَةٍ عَلَى صِلَةٍ دُونَ إِعَادَةِ الْمَوْصُولِ. وَالْمَعْنَى كالوجه الأول.
و (المعقبات) جُمَعُ مُعَقِّبَةٍ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ مَكْسُورَةً- اسْمُ فَاعِلِ عَقَبَهُ إِذَا تَبِعَهُ. وَصِيغَةُ التَّفْعِيلِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَقِبِ. يُقَالُ: عَقَبَهُ إِذَا اتَّبَعَهُ وَاشْتِقَاقُهُ من الْعقب- يُقَال فَكَسْرٍ- وَهُوَ اسْمٌ لِمُؤَخَّرِ الرَّجُلِ فَهُوَ فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الِاسْمِ الْجَامِدِ لِأَنَّ الَّذِي يَتْبَعُ غَيْرَهُ كَأَنَّهُ يَطَأُ عَلَى عَقِبَهُ، وَالْمُرَادُ: مَلَائِكَةٌ مُعَقِّبَاتٌ. وَالْوَاحِدُ مُعَقِّبٌ.
وَإِنَّمَا جُمِعَ جَمْعَ مُؤَنَّثٍ بِتَأْوِيلِ الْجَمَاعَاتِ.
وَالْحِفْظُ: الْمُرَاقَبَةُ، وَمِنْهُ سُمِّي الرَّقِيبُ حَفِيظًا. وَالْمَعْنَى: يُرَاقِبُونَ كُلَّ أَحَدٍ فِي أَحْوَالِهِ مِنْ إِسْرَارٍ وَإِعْلَانٍ، وَسُكُونٍ وَحَرَكَةٍ، أَيْ فِي أَحْوَالِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ [الانفطار: 10] .
ومِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْإِحَاطَةِ مِنَ الْجِهَاتِ كُلِّهَا.
وَقَوْلُهُ: مِنْ أَمْرِ اللَّهِ صِفَةُ مُعَقِّباتٌ، أَيْ جَمَاعَاتٌ مِنْ جُنْدِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الْإِسْرَاء: 85] وَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] يَعْنِي الْقُرْآنَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِفْظُ على الْوَجْه الثَّانِي مرَادا بِهِ الْوِقَايَةُ وَالصِّيَانَةُ، أَيْ يَحْفَظُونَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ، أَيْ يَقُونَهُ أَضْرَارَ اللَّيْلِ مِنَ اللُّصُوصِ وَذَوَاتِ السُّمُومِ، وَأَضْرَارَ النَّهَارِ نَحْوَ الزِّحَامِ وَالْقِتَالِ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَارًّا وَمَجْرُورًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ يَحْفَظُونَهُ، أَيْ يَقُونَهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ. وَهَذَا مِنَّةٌ عَلَى الْعِبَادِ بِلُطْفِ اللَّهِ بِهِمْ وَإِلَّا لَكَانَ أَدْنَى شَيْءٍ يَضُرُّ بِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [سُورَة الشورى: 19] .
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَسُوقَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِمَصْنُوعَاتِهِ وَبَيْنَ التَّذْكِيرِ بِقُوَّةِ قُدْرَتِهِ وَبَيْنَ جُمْلَةِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً
[سُورَة الرَّعْد: 12] . وَالْمَقْصُودُ تَحْذِيرُهُمْ مِنِ الْإِصْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ بِتَحْذِيرِهِمْ مِنْ حُلُولِ الْعِقَابِ فِي الدُّنْيَا فِي مُقَابَلَةِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي نِعْمَةٍ مِنَ الْعَيْشِ فَبَطَرُوا النِّعْمَةَ وَقَابَلُوا دَعْوَةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِالْهُزْءِ وَعَامَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بالتّحقير وَقَالُوا لَو نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31]- وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11] .
فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَنَبَّهَهُمْ إِلَى أَنَّ زَوَالَهَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ بَعْدَ مَا أَنْذَرَهُمْ وَدَعَاهُمْ.
وَالتَّغْيِيرُ: التَّبْدِيلُ بِالْمُغَايِرِ، فَلَا جرم أَنه تديد لِأُولِي النَّعْمَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ تعرضوا لتغييرها. فَمَا صدق مَا الْمَوْصُولَةِ حَالَةٌ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ حَالَةٌ مُلَابِسَةٌ لِقَوْمٍ، أَيْ حَالَةُ نِعْمَةٍ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَتَغْيِيرُهُ مَطْلُوبٌ. وَأُطْلِقَ التَّغْيِيرُ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى يُغَيِّرُوا عَلَى التَّسَبُّبِ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ.
وَجُمْلَةُ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ تَأْكِيدًا لِلتَّحْذِيرِ. لِأَنَّ الْمَقَامَ لِكَوْنِهِ مَقَامَ خَوْفٍ وَوَجَلٍ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ دُونَ التَّعْرِيضِ وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهُ، أَيْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُغَيِّرَ مَا بِقَوْمٍ حِينَ يُغَيِّرُونَ مَا بِأَنْفُسِهِمْ لَا يَرُدُّ إِرَادَتَهُ شَيْءٌ. وَذَلِكَ تَحْذِيرٌ مِنَ الْغُرُورِ أَنْ يَقُولُوا: سَنَسْتَرْسِلُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِذَا رَأَيْنَا الْعَذَابَ آمَنَّا. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ [سُورَة يُونُسَ: 98] الْآيَةَ.
وَجُمْلَةُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ زِيَادَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْغُرُورِ لِئَلَّا يَحْسَبُوا أَنَّ أَصْنَامَهُمْ شُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ.
وَالْوَالِي: الَّذِي يَلِي أَمْرَ أَحَدٍ، أَيْ يَشْتَغِلُ بِأَمْرِهِ اشْتِغَالَ تَدْبِيرٍ وَنَفْعٍ، مُشْتَقٌّ مِنْ وَلِيَ إِذَا قَرُبَ، وَهُوَ قُرْبُ مُلَابَسَةٍ وَمُعَالَجَةٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنْ والٍ بِتَنْوِينِ والٍ دُونَ يَاءٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ- بِيَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ- وَقْفًا فَقَطْ دُونَ الْوَصْلِ كَمَا عَلِمْتَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ فِي هَذِهِ السُّورَة الرَّعْد [33] .