الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 18]
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18)
تَمْثِيلٌ لِحَالِ مَا عَمِلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ أَثَارَ هَذَا التَّمْثِيلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِمْ، فَيَخْطُرُ بِبَالِهِمْ أَوْ بِبَالِ مَنْ يَسْمَعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْأَلَ نَفْسَهُ أَنَّ لَهُمْ أَعْمَالًا مِنَ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ مِنْ إِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ، وَمِنْ عِتْقِ رِقَابٍ، وَقِرَى ضُيُوفٍ، وَحِمَالَةِ دِيَاتٍ، وَفِدَاءِ أُسَارَى، وَاعْتِمَارٍ، وَرِفَادَةِ الْحَجِيجِ، فَهَلْ يَجِدُونَ ثَوَابَ ذَلِكَ؟ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ الْكَافِرِينَ تَطَلَّبَتْ نُفُوسُهُمْ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ وُجُودِ عَمَلٍ صَالِحٍ وَبَيْنَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فُضُرِبَ هَذَا الْمَثَلُ لِبَيَانِ مَا يكْشف جَمِيع احتمالات.
وَالْمَثَلُ: الْحَالَةُ الْعَجِيبَةُ، أَيْ حَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْعَجِيبَةُ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَرَمَادٍ الْخَ.
فَالْمَعْنَى: حَالُ أَعْمَالِهِمْ، بِقَرِينَةِ الْجُمْلَةِ الْمُخْبَرِ عَنْهَا لِأَنَّهُ مَهْمَا أُطْلِقَ مَثَلُ كَذَا إِلَّا وَالْمُرَادُ حَالٌ خَاصَّةٌ مِنْ أَحْوَالِهِ يُفَسِّرُهَا الْكَلَامُ، فَهُوَ مِنَ الْإِيجَازِ الْمُلْتَزَمِ فِي الْكَلَامِ.
فَقَوْلُهُ: أَعْمالُهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وكَرَمادٍ خَبَرٌ عَنْهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ
الْأَوَّلِ.
وَلَمَّا جُعِلَ الْخَبَرُ عَنْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَعْمالُهُمْ آلَ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّ مَثَلَ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا كَرَمَادٍ.
شُبِّهَتْ أَعْمَالُهُمُ الْمُتَجَمِّعَةُ الْعَدِيدَةُ بِرَمَادٍ مُكَدَّسٍ فَإِذَا اشْتَدَّتِ الرِّيَاحُ بِالرَّمَادِ انْتَثَرَ وَتَفَرَّقَ تَفَرُّقًا لَا يُرْجَى مَعَهُ اجْتِمَاعُهُ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ اضْمِحْلَالِ شَيْءٍ كَثِيرٍ بَعْدَ تَجَمُّعِهِ، وَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ مَعْقُولَةٌ.