الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخِطَابُ فِي يُذْهِبْكُمْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ جُمْلَتِهِمُ الْمُخَاطَبُ بِ أَلَمْ تَرَ. وَالْمَقْصُودُ:
التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، تَأْكِيدًا لِوَعِيدِهِمُ الَّذِي اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَيْ إِنْ شَاءَ أَعْدَمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَخَلَقَ نَاسًا آخَرِينَ.
وَقَدْ جِيءَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ بِالْحُكْمِ الْأَعَمِّ إِدْمَاجًا لِلتَّعْلِيمِ بِالْوَعِيدِ وَإِظْهَارًا لِعَظِيمِ الْقُدْرَةِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يُذْهِبُ الْجَبَابِرَةَ الْمُعَانِدِينَ وَيَأْتِي فِي مَكَانِهِمْ فِي سِيَادَةِ الْأَرْضِ بِالْمُؤْمِنِينَ ليمكنهم من الْأَرْضِ.
وَجُمْلَةُ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِهَا، وَإِنَّمَا سَلَكَ بِهَذَا التَّأْكِيد ملك الْعَطْفِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُغَايَرَةِ لِلْمُؤَكَّدِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَن هَذَا المشيء سَهْلٌ عَلَيْهِ هَيِّنٌ، كَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سُورَة الرّوم: 27] .
وَالْعَزِيزُ عَلَى أَحَدٍ: الْمُتَعَاصِي عَلَيْهِ الْمُمْتَنِعُ بقوته وأنصاره.
[21]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 21]
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ [إِبْرَاهِيم: 20] بِاعْتِبَارِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِذْهَابُ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ، إِذِ التَّقْدِيرُ: فَأَذْهَبَهُمْ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا، أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: ويبرزون لله، فَعدل عَنِ الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [سُورَة النَّحْل:
1] .
وَالْبُرُوزُ: الْخُرُوجُ مِنْ مَكَانٍ حَاجِبٍ مِنْ بَيْتٍ أَوْ قَرْيَةٍ. وَالْمَعْنَى: حُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ.
وجَمِيعاً تَأْكِيدٌ لِيَشْمَلَ جَمِيعَهُمْ مِنْ سَادَةٍ وَلَفِيفٍ.
وَقَدْ جِيءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِوَصْفِ حَالِ الْفِرَقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمُجَادَلَةِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ مَعَ قَادَتِهِمْ، وَمُجَادَلَةُ الْجَمِيعِ لِلشَّيْطَانِ، وَكَوْنُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شُغُلٍ عَنْ ذَلِكَ بِنُزُلِ الْكَرَامَةِ.
وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهُ النَّاسِ إِلَى تَدَارُكِ شَأْنِهِمْ قَبْلَ الْفَوَاتِ. فَالْمَقْصُودُ: التَّحْذِيرُ مِمَّا يُفْضِي إِلَى سُوءِ الْمَصِيرِ.
وَاللَّامُ الْجَارَّةُ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ مُعَدِّيَةٌ فِعْلَ بَرَزُوا إِلَى الْمَجْرُورِ. يُقَالُ: بَرَزَ لِفُلَانٍ، إِذَا ظَهَرَ لَهُ، أَيْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: ظَهَرَ لَهُ.
وَالضُّعَفَاءُ: عَوَامُّ النَّاسِ وَالْأَتْبَاعُ. وَالَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: السَّادَةُ، لِأَنَّهُمْ يَتَكَبَّرُونَ عَلَى الْعُمُومِ وَكَانَ التَّكَبُّرُ شِعَارَ السَّادَةِ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْكِبْرِ. وَالتَّبَعُ: اسْمُ جَمْعٍ التَّابِعُ مِثْلُ الْخَدَمِ وَالْخَوَلِ، وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِكْبَارِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ لِأَنَّهَا سَبَبٌ يَقْتَضِي الشَّفَاعَةَ لَهُمْ.
وَمُوجِبُ تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ فِي فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا أَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ كَوْنُ الْمُسْتَكْبِرِينَ يُغْنُونَ عَنْهُمْ لَا أَصْلُ الْغَنَاءِ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْهُ لَمَّا رَأَوْا آثَارَ الْغَضَبِ الْإِلَهِيِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَادَتِهِمْ. كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُسْتَكْبِرِينَ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ، فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ غَرُّوهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التورّك والتوبيخ والتبكيت، أَيْ فَأَظْهِرُوا مَكَانَتَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ الَّتِي كُنْتُمْ تَدَّعُونَهَا وَتَغُرُّونَنَا بِهَا فِي الدُّنْيَا. فَإِيلَاءُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَبَيَّنَهُ مَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ سُورَةِ غَافِرٍ [47، 48] وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَذابِ اللَّهِ بَدَلِيَّةٌ، أَيْ غَنَاءً بَدَلًا عَنْ عَذَابِ اللَّهِ..
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ شَيْءٍ مَزِيدَةٌ لِوُقُوعِ مَدْخُولِهَا فِي سِيَاقِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَرْفِ هَلْ. وشَيْءٍ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَحَقُّهُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ فَوَقَعَ جَرُّهُ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ. وَالْمَعْنَى: هَلْ تُغْنُونَ عَنَّا شَيْئًا.
وَجَوَابُ الْمُسْتَكْبِرِينَ اعْتِذَارٌ عَنْ تَغْرِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَا قَصَدُوا بِهِ تَوْرِيطَ أَتْبَاعِهِمْ كَيْفَ وَقَدْ وَرَّطُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْضًا، أَيْ لَوْ كُنَّا نَافِعِينَ لَنَفَعْنَا أَنْفُسَنَا. وَهَذَا الْجَوَابُ جَارٍ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ الْعِتَابِيِّ إِذْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ بِأَنَّا لَا نَمْلِكُ لَكُمْ غناء وَلَكِن ابتدأوا بِالِاعْتِذَارِ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُمْ نَحْوَهُمْ فِي الدُّنْيَا عِلْمًا بِأَنَّ الضُّعَفَاءَ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لَهُمْ غَنَاءً مِنَ الْعَذَابِ.
وَجُمْلَةُ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا. وَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ تَبْيِينٌ عَنْ سُؤَالٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ يَسْتَفْتُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ أَيَصْبِرُونَ أَمْ يَجْزِعُونَ تَطَلُّبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ، فَأَرَادُوا تَأْيِيسَهُمْ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ: لَا يُفِيدُنَا جَزَعٌ وَلَا صَبْرٌ، فَلَا نَجَاةَ مِنَ الْعَذَابِ. فَضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكُ شَامِلٌ لِلْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُجَابِينَ، جَمَعُوا أَنْفُسَهُمْ إِتْمَامًا لِلِاعْتِذَارِ عَنْ تَوْرِيطِهِمْ.
وَالْجَزَعُ: حُزْنٌ مَشُوبٌ بِاضْطِرَابٍ، وَالصَّبْرُ تَقَدَّمَ.
وَجُمْلَةُ مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ، أَيْ حَيْثُ لَا مَحِيصَ وَلَا نَجَاةَ فَسَوَاءٌ الْجَزَعُ وَالصَّبْرُ.
وَالْمَحِيصُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ كَالْمَغِيبِ وَالْمَشِيبِ وَهُوَ النَّجَاةُ. يُقَال: حَاصَ عَنْهُ، أَيْ نَجَا مِنْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَكَانٍ مِنْ حَاصَ أَيْضًا، أَيْ مَا لَنَا مَلْجَأٌ وَمَكَانٌ ننجو فِيهِ.