الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِ: فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ الْخَ عَلَى مَجْمُوعِ جُمْلَةِ وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فعل فَيُضِلُّ مَرْفُوعًا غَيْرَ مَنْصُوبٍ إِذْ لَيْسَ عَطْفًا عَلَى فِعْلِ لِيُبَيِّنَ لِأَنَّ الْإِضْلَالَ لَا يَكُونُ مَعْلُولًا لِلتَّبْيِينِ وَلَكِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِرْسَالِ الْمُعَلَّلِ
بِالتَّبْيِينِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِرْسَالَ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِحِكْمَةِ التَّبْيِينِ. وَقَدْ يَحْصُلُ أَثَرُ التَّبْيِينِ بِمَعُونَةِ الِاهْتِدَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ أَثَرُهُ بِسَبَبِ ضَلَالِ الْمُبَيَّنِ لَهُمْ.
وَالْإِضْلَالُ وَالْهُدَى مِنَ اللَّهِ بِمَا أَعَدَّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنِ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْدَادِ.
وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَذْيِيلٌ لِأَنَّ الْعَزِيزَ قَوِيٌّ لَا يَنْفَلِتُ شَيْءٌ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَمَّا خُلِقَ لَهُ، وَالْحَكِيمُ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، فَمَوْضِعُ الْإِرْسَال والتبيين أُتِي عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ مِنَ الْإِرْشَادِ. وَمَوْقِعُ الْإِضْلَالِ وَالْهُدَى هُوَ التَّكْوِينُ الْجَارِي عَلَى أَنْسَبِ حَالٍ بِأَحْوَالِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، فَالتَّبْيِينُ مِنْ مُقْتَضَى أَمْرِ التَّشْرِيعِ وَالْإِضْلَالِ مِنْ مُقْتَضَى أَمر التكوين.
[5]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 5]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
لَمَّا كَانَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ مَسُوقَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ أَنْكَرُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ أَعْقَبَ الرَّدَّ بِالتَّمْثِيلِ بِالنَّظِيرِ وَهُوَ إِرْسَالُ مُوسَى- عليه السلام إِلَى قَوْمِهِ بِمِثْلِ مَا أُرْسِلَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَبِمِثْلِ الْغَايَةِ الَّتِي أُرْسِلَ لَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لِيُخْرِجَ قَوْمَهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
وَتَأْكِيدُ الْإِخْبَارِ عَنْ إِرْسَالِ مُوسَى- عليه السلام بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ لِتَنْزِيلِ الْمُنْكِرِينَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَةَ مَنْ
يُنْكِرُ رِسَالَةَ مُوسَى- عليه السلام لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي التَّكْذِيبِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَقْتَضِي ذَلِكَ التَّنْزِيلَ، لِأَنَّ مَا جَازَ عَلَى الْمِثْلِ يَجُوزُ عَلَى الْمُمَاثِلِ، عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.
وَالْبَاءُ فِي بِآياتِنا لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ إِرْسَالًا مُصَاحِبًا لِلْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ، كَمَا أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مُصَاحِبًا لِآيَةِ الْقُرْآنِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَدْ تَمَّ التَّنْظِيرُ وَانْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُنْكِرِينَ.
وأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ، فَسَّرَ الْإِرْسَالَ بِجُمْلَةِ «أَخْرِجْ قَوْمَكَ» الْخَ، وَالْإِرْسَالُ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ فَكَانَ حَقِيقًا بِمَوْقِعِ أَنْ التَّفْسِيرِيَّةِ.
والظُّلُماتِ مُسْتَعَارٌ لِلشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي، والنُّورِ مُسْتَعَارٌ لِلْإِيمَانِ الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فِي مِصْرَ بَعْدَ وَفَاةِ يُوسُفَ- عليه السلام
سَرَى إِلَيْهِمُ الشِّرْكُ وَاتَّبَعُوا دِينَ الْقِبْطِ، فَكَانَتْ رِسَالَةُ مُوسَى- عليه السلام لِإِصْلَاحِ اعْتِقَادِهِمْ مَعَ دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْوَاحِد، وَكَانَت آئلة إِلَى إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ وَإِدْخَالِهِمْ فِي حَظِيرَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ.
وَالتَّذْكِيرُ: إِزَالَةُ نِسْيَانِ شَيْءٍ. وَيُسْتَعْمَلُ فِي تَعْلِيمِ مَجْهُولٍ كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يُعْلَمَ. وَلَمَّا ضُمِّنَ التَّذْكِيرُ مَعْنَى الْإِنْذَارِ وَالْوَعْظِ عُدِّيَ بِالْبَاءِ، أَيْ ذَكِّرْهُمْ تَذْكِيرَ عِظَةٍ بأيام الله.
وبِأَيَّامِ اللَّهِ أَيَّامَ ظُهُورِ بَطْشِهِ وَغَلْبِهِ مَنْ عَصَوْا أَمْرَهُ، وَتَأْيِيدِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَشَاعَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْيَوْمِ مُضَافًا إِلَى اسْمِ شَخْصٍ أَوْ قَبِيلَةٍ عَلَى يَوْمٍ انْتَصَرَ فِيهِ مُسَمَّى الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى عَدُوِّهِ، يُقَالُ: أَيَّامُ تَمِيمٍ، أَيْ أَيَّامُ انْتِصَارِهِمْ، فَأَيَّامُ اللَّهِ أَيَّامُ ظُهُورِ قُدْرَتِهِ وَإِهْلَاكِهِ الْكَافِرِينَ بِهِ وَنَصْرِهِ أَوْلِيَاءَهُ وَالْمُطِيعِينَ لَهُ.
فَالْمُرَادُ بِـ أَيَّامَ اللَّهِ هُنَا الْأَيَّامُ الَّتِي أَنْجَى اللَّهُ فِيهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَنَصَرَهُمْ وَسَخَّرَ لَهُمْ أَسْبَابَ الْفَوْزِ وَالنَّصْرِ وَأَغْدَقَ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ فِي زَمَنِ مُوسَى- عليه السلام، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا أُمِرَ مُوسَى- عليه السلام بِأَنْ يُذَكِّرَهُمُوهُ، وَكُلُّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِمَضْمُونِ الْإِرْسَالِ، لِأَنَّ إِرْسَالَ مُوسَى- عليه السلام مُمْتَدٌّ زَمَنُهُ، وَكُلَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِتَذْكِيرٍ فِي مُدَّةِ حَيَّاتِهِ فَهُوَ مِنْ مَضْمُونِ الْإِرْسَالِ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَهُوَ مَشْمُولٌ لِتَفْسِيرِ الْإِرْسَالِ.
فَقَوْلُ مُوسَى- عليه السلام يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [سُورَة الْمَائِدَة: 20، 21] هُوَ مِنَ التَّذْكِيرِ الْمُفَسَّرِ بِهِ إِرْسَالُ مُوسَى- عليه السلام. وَهُوَ وَإِن كَانَ وَاقِعًا بَعْدَ ابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَا هُوَ إِلَّا تَذْكِيرٌ صَادِرٌ فِي زَمَنِ رِسَالَتِهِ، وَهُوَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِأَيَّامِ نِعَمِ اللَّهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُمْ، وَمَا كَانُوا يُحَصِّلُونَهَا لَوْلَا نَصْرُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَعِنَايَتُهُ بِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ رُبَّ ضَعِيفٍ غَلَبَ قَوِيًّا وَنَجَا بِضَعْفِهِ مَا لَمْ يَنْجُ مِثْلُهُ الْقَوِيُّ فِي قُوَّتِهِ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ عَائِدٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِخْرَاجِ وَالتَّذْكِيرِ، فَالْإِخْرَاجُ مِنَ الظُّلُمَاتِ بَعْدَ تَوَغُّلِهِمْ فِيهَا وَانْقِضَاءِ الْأَزْمِنَةِ الطَّوِيلَةِ عَلَيْهَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالتَّذْكِيرُ بِأَيَّامِ اللَّهِ يَشْتَمِلُ عَلَى آيَاتِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَتَأْيِيدِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ
آيَاتٌ كَائِنَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ وَالتَّذْكِيرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ.
وَقَدْ أَحَاطَ بِمَعْنَى هَذَا الشُّمُولِ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: فِي ذلِكَ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ تَجْمَعُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً يَحْتَوِيهَا الظَّرْفُ، وَلِذَلِكَ كَانَ لِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ هُنَا مَوْقِعٌ بَلِيغٌ.
وَلِكَوْنِ الْآيَاتِ مُخْتَلِفَةً، بَعْضُهَا آيَاتُ مَوْعِظَةٌ وَزَجْرٌ وَبَعْضُهَا آيَاتُ مِنَّةٍ وَتَرْغِيبٍ، جُعِلَتْ مُتَعَلقَة ب لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ إِذْ الصَّبْر مُنَاسِب لِلزَّجْرِ