المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الرعد (13) : آية 16] - التحرير والتنوير - جـ ١٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 70 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 84 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 89 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 94 الى 98]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 101]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 111]

- ‌13- سُورَةُ الرَّعْدِ

- ‌مقاصدها

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : الْآيَات 20 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : الْآيَات 38 الى 39]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 43]

- ‌14- سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 24 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 32 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 44 الى 45]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : الْآيَات 48 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 52]

الفصل: ‌[سورة الرعد (13) : آية 16]

وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ الرَّمْزِيِّ التَّنْبِيهُ لِدَقَائِقِ الصُّنْعِ الْإِلَهِيِّ كَيْفَ جَاءَ عَلَى نِظَامٍ مُطَّرِدٍ دَالٍّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا قِيلَ:

وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ

عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ

وَالِاسْتِدْلَالُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَسْجُدُ لِلَّهِ لِأَنَّ ظِلَالَهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَرْضِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هِيَ مَسَاجِدُ لِلْأَصْنَامِ وَأَنَّ الْأَصْنَامَ لَهَا أَمْكِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ هِيَ حِمَاهَا وَحَرِيمُهَا وَأَكْثَرُ الْأَصْنَامِ، فِي الْبُيُوتِ مِثْلُ: الْعُزَّى وَذِي الْخَلَصَةِ وَذِي الْكَعْبَاتِ حَيْثُ تَنْعَدِمُ الظِّلَالُ فِي الْبُيُوتِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ مَوْضِعُ سُجُودٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَمِنْ حِكْمَةِ السُّجُودِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا أَنْ يَضَعَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ فِي عِدَادِ مَا يَسْجُدُ لِلَّهِ طَوْعًا بِإِيقَاعِهِ السُّجُودَ. وَهَذَا اعْتِرَافٌ فِعْلِيٌّ بِالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى.

[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 16]

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)

لَمَّا نَهَضَتِ الْأَدِلَّةُ الصَّرِيحَةُ بِمَظَاهِرِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [سُورَة الرَّعْد: 2] وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [سُورَة الرَّعْد: 3] وَقَوْلِهِ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى [سُورَة الرَّعْد: 8] وَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [سُورَة الرَّعْد: 12] الْآيَاتِ، وَبِمَا فِيهَا مِنْ دَلَالَةٍ رَمْزِيَّةٍ دَقِيقَةٍ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ [سُورَة الرَّعْد: 14] وَقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ [سُورَة الرَّعْد: 15] إِلَى آخِرِهَا لَا جَرَمَ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِتَقْرِيرِ الْمُشْرِكِينَ تَقْرِيرًا لَا يَجِدُونَ مَعَهُ عَنِ الْإِقْرَارِ مَنْدُوحَةً، ثُمَّ لِتَقْرِيعِهِمْ عَلَى الْإِشْرَاكِ تَقْرِيعًا لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا تَجَرُّعُ مَرَارَتِهِ، لِذَلِكَ اسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ وَافْتُتِحَ بِالْأَمْرِ بِالْقَوْلِ تَنْوِيهًا بِوُضُوحِ الْحُجَّةِ.

ص: 112

وَلِكَوْنِ الِاسْتِفْهَامِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ جَاءَ جَوَابُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَفْهِمِ. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ أَسَالِيبِهِ، كَقَوْلِهِ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [سُورَة النَّبَأِ: 1- 2] .

وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [12] .

وَإِعَادَةُ فِعْلِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ فِي قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ الَّذِي هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ التَّفْرِيعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ.

فَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَسْفِيهٌ لِرَأْيِهِمْ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ الْمُسَلَّمِ. وَفِيهِ اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ أَهْلِيَّة أصنامهم للإهلية فَإِنَّ اتِّخَاذَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ عَنْهُ.

وَجُمْلَةُ لَا يَمْلِكُونَ صِفَةٌ لِ أَوْلِياءَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا تَنْبِيهُ السَّامِعِينَ لِلنَّظَرِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَدَبَّرُوا عَلِمُوهَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ كَانَتْ تِلْكَ صِفَتَهُ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِأَنْ يُعْبَدَ.

وَمَعْنَى الْمُلْكِ هُنَا الْقُدْرَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [76] .

وَفِي الحَدِيث: «أَو أملك لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»

. وَعَطْفُ الضُّرِّ عَلَى النَّفْعِ اسْتِقْصَاءٌ فِي عَجْزِهِمْ لِأَنَّ شَأْنَ الضُّرِّ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَأَسْهَلُ.

ص: 113

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ إِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ لِلِاهْتِمَامِ الْخَاصِّ بِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ إِبْطَالٌ لِاسْتِحْقَاقِ آلِهَتِهِمُ الْعِبَادَةَ. وَهَذَا إِظْهَارٌ لِمَزِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ تَضَمَّنَ أَن الرَّسُول- عليه السلام دَعَا إِلَى إِفْرَادِ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ أَثْبَتُوا الرُّبُوبِيَّةَ لِلْأَصْنَامِ فَكَانَ حَالُهُمْ وَحَالُهُ كَحَالِ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَحَالِ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ.

وَنَفْيُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ يَتَضَمَّنُ تَشْبِيهًا بِالْحَالَيْنِ وَهَذَا مِنْ صِيَغِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.

وأَمْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ فِي التَّشْبِيهِ. فَهِيَ لِتَشْبِيهٍ آخَرَ بِمَنْزِلَةِ أَوْ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:

أَوْ رَجْعُ وَاشِمَةٍ أُسِفَّ نُؤُورُهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ.

وَأَظْهَرَ حَرْفَ هَلْ بَعْدَ أَمْ لِأَنَّ فِيهِ إِفَادَةَ تَحْقِيقِ الِاسْتِفْهَامِ. وَذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا تُغْنِي فِيهِ دَلَالَةُ أَمْ عَلَى أَصْلِ الِاسْتِفْهَامِ وَلِذَلِكَ لَا تَظْهَرُ الْهَمْزَةُ بَعْدَ أَمْ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ أَمْ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِفْهَامٍ.

وَجَمْعُ الظُّلُمَاتِ وَإِفْرَادُ النُّورِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ [1] .

وَاخْتِيرَ التَّشْبِيهُ فِي الْمُتَقَابِلَاتِ الْعَمَى وَالْبَصَرِ، وَالظُّلْمَةِ وَالنُّورِ، لِتَمَامِ الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْرِكِينَ أَصْحَابِ الْعَمَى كَحَالِ الظُّلْمَةِ فِي انْعِدَامِ إِدْرَاكِ

ص: 114

الْمُبْصَرَاتِ، وَحَالُ الْمُؤْمِنِينَ كَحَالِ الْبَصَرِ فِي الْعِلْمِ وَكَحَالِ النُّورِ فِي الْإِفَاضَةِ وَالْإِرْشَادِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ بِفَوْقِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ مُرَاعَاةً لِتَأْنِيثِ الظُّلُمَاتِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ- بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ وَذَلِكَ وَجْهٌ فِي الْجَمْعِ غَيْرِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ.

أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أَمْ للإضراب الِانْتِقَال فِي الِاسْتِفْهَام مُقَابل قَوْلِهِ: أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا، فَالْكَلَامُ بَعْدَ (أَمْ) اسْتِفْهَامٌ حُذِفَتْ أَدَاتُهُ لِدَلَالَةِ (أَمْ) عَلَيْهَا. وَالتَّقْدِيرُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ. وَالْتَفَتَ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ لِمَا مَضَى مِنْ ذِكْرِ ضَلَالِهِمْ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ وَالتَّغْلِيطِ. فَالْمَعْنَى: لَوْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ يَخْلُقُونَ كَمَا يَخْلُقُ اللَّهُ لَكَانَتْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي الِاغْتِرَارِ وَاتِّخَاذِهِمْ آلِهَةً، أَيْ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ، فَجُمْلَةُ خَلَقُوا صِفَةٌ لِ شُرَكاءَ.

وَشِبْهُ جُمْلَةِ كَخَلْقِهِ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، أَيْ خَلَقُوا خَلْقًا مِثْلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ.

وَالْخَلْقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرٌ.

وَجُمْلَةُ فَتَشابَهَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَهِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ شُرَكاءَ،

وَالرَّابِطُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: الْخَلْقُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنِ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَتَشَابَهَ خَلْقُهُمْ عَلَيْهِمْ. وَالْوَصْفَانِ هُمَا مصب التهكم والتغليط.

وَجُمْلَةُ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَذْلَكَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ الِاسْتِفْهَامُ التَّوْبِيخِيُّ فِي أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [سُورَة الرَّعْد: 16] وَفِي أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ كَانَ

ص: 115