الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ ذَكَّرَ الْفَرِيقَيْنِ بِحَالِ إِبْرَاهِيمَ- عليه السلام لِيَعْلَمَ الْفَرِيقَانِ مَنْ هُوَ سَالِكٌ سَبِيلَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَمَنْ هُوَ نَاكِبٌ عَنْهُ مِنْ سَاكِنِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ.
وَإِنْذَارِهِمْ أَن يحل بهم مَا حل بِالَّذِينِ ظَلَمُوا مِنْ قَبْلُ.
وَتَثْبِيتِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِوَعْدِ النَّصْرِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثَالِ.
وَخُتِمَتْ بِكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ [سُورَة إِبْرَاهِيم: 52] إِلَى آخرهَا.
[1]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
الر.
تقدم الْكَلَام عى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي فَاتِحَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَعَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الْكَلَامُ عَلَى تَرْكِيبِ الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ كَالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [سُورَة الْأَعْرَاف: 1- 2] عدا أَن هَذِهِ الْآيَةِ ذُكِرَ فِيهَا فَاعِلُ الْإِنْزَالِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَادَّةِ الْإِنْزَالِ الْمُشْعِرَةِ بِأَنَّهُ وَارِدٌ مِنْ قِبَلِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، فَلِلْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ حَذْفِ الْفَاعِلِ فِي آيَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ والإيجاز وَلكنه ذكر هُنَا لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
، وَمِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِقَوْلِهِ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، بِخِلَافِ آيَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ فَإِنَّهَا فِي مَقَامِ الطمأنة والتصبير للنبيء- عليه الصلاة والسلام الْمُنَزَّلِ إِلَيْهِ الْكِتَابُ، فَكَانَ التَّعَرُّضُ لِذِكْرِ الْمُنْزِلِ إِلَيْهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ أَهَمَّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ حَقِّ الْإِيجَازِ.
أَمَّا التَّعَرُّضُ لِلْمُنَزَّلِ إِلَيْهِ هُنَا فَلِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ، وَلِيَجْعَلَ لَهُ حَظٌّ فِي هَذِهِ الْمِنَّةِ وَهُوَ حَظُّ الْوَسَاطَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ غَمِّ المعاندين والمبغضين للنبيء صلى الله عليه وسلم.
وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَقْصِدِ وَقَعَ إِظْهَارُ صِفَاتِ فَاعِلِ الْإِنْزَالِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي قَوْلِهِ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ: أَنْزَلْناهُ.
وَإِسْنَادُ الْإِخْرَاجِ إِلَى النَّبِيءِ- عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ يُبَلِّغُ هَذَا الْكِتَابَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى تَبْيِينِ طُرُقِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَإِظْهَارِ فَسَادِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَهُوَ مَعَ التَّبْلِيغِ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ وَيُقَرِّبُ إِلَيْهِمْ مَعَانِيَ الْكِتَابِ بِتَفْسِيرِهِ وَتَبْيِينِهِ، ثُمَّ بِمَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالنُّذُرِ وَالْبِشَارَةِ. وَإِذْ قَدْ أُسْنِدَ الْإِخْرَاجُ إِلَيْهِ فِي سِيَاقِ تَعْلِيلِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ إِلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ إِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ بِسَبَبِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، أَيْ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي الْهِدَايَةِ.
وَتَعْلِيلُ الْإِنْزَالِ بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ هِيَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ، فَمَنِ اهْتَدَى فَبِإِرْشَادِ اللَّهِ وَمَنْ ضَلَّ فَبِإِيثَارِ الضال هوى نَفسه عَلَى دَلَائِلِ الْإِرْشَادِ، وَأَمْرُ اللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِحِكَمٍ وَمَصَالِحَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ.
وَالْإِخْرَاجُ: مُسْتَعَارٌ لِلنَّقْلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. شَبَّهَ الِانْتِقَالَ بِالْخُرُوجِ فَشَبَّهَ النَّقْلَ بِالْإِخْرَاجِ.
والظُّلُماتِ والنُّورِ اسْتِعَارَةٌ لِلْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ يَجْعَلُ صَاحِبَهُ فِي حَيْرَةٍ فَهُوَ كَالظُّلْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْإِيمَانُ يُرْشِدُ إِلَى الْحَقِّ فَهُوَ كَالنُّورِ فِي إِيضَاحِ السَّبِيلِ. وَقَدْ يَسْتَخْلِصُ السَّامِعُ مِنْ ذَلِكَ تَمْثِيلَ حَالِ الْمُنْغَمِسِ فِي الْكُفْرِ بِالْمُتَحَيِّرِ فِي ظُلْمَةٍ، وَحَالِ انْتِقَالِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِحَالِ الْخَارِجِ مِنْ ظُلْمَةٍ إِلَى مَكَانٍ نَيِّرٍ.