الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ. وَإِسْنَادُ هَذَا الْحُكْمِ إِلَى أَكْثَرُهُمْ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِ أَحْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ تَصْدُرُ عَنْهُمْ أَقْوَالٌ خَلِيَّةٌ عَنْ ذِكْرِ الشَّرِيكِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ غَيْرَ مُشْرِكٍ مَعَهُ إِلَهًا آخر.
[107]
[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 107]
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
اعْتِرَاضٌ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَتَانِ قَبْلَهُ مِنْ تَفْظِيعِ حَالِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى خَالِقِهِمْ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى ذَلِكَ دُونَ إِقْلَاعٍ، فَكَأَنَّهُمْ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْ تَوَقُّعِ حُصُولِ غَضَبِ اللَّهِ بِهِمْ آمِنُونَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فَتَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ وَيَصِيرُونَ إِلَى الْعَذَابِ الْخَالِدِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ.
وَالْغَشْيُ وَالْغَشَيَانُ: الْإِحَاطَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ [سُورَة لُقْمَان: 32] . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ فِي [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 54] .
وَالْغَاشِيَةُ الْحَادِثَةُ الَّتِي تُحِيطُ بِالنَّاسِ. وَالْعَرَبُ يُؤَنِّثُونَ هَذِهِ الْحَوَادِثَ مِثْلَ الطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ وَالدَّاهِيَةِ وَالْمُصِيبَةِ وَالْكَارِثَةِ وَالْحَادِثَةِ وَالْوَاقِعَةِ وَالْحَاقَّةِ. وَالْبَغْتَةُ: الْفَجْأَةُ.
وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فِي آخِرِ سُورَة الْأَنْعَام [31] .
[108]
[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 108]
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِدَلَالَةِ نُزُولِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِلنَّبِيِّء صلى الله عليه وسلم الْأُمِّيِّ عَلَى صِدْقِ نُبُوءَتِهِ وَصِدْقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ إِلَى
الِاعْتِبَارِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسَّبِيلِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ لِإِبْلَاغِهَا إِلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْفَوْزُ الْخَالِدُ كَإِبْلَاغِ الطَّرِيقِ إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ لِلسَّائِرِ، وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَالسَّبِيلُ يُؤَنَّثُ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَيُذَكَّرُ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [146] .
وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الشَّرِيعَةِ بِتَنْزِيلِ الْمَعْقُولِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ لِبُلُوغِهِ مِنَ الْوُضُوحِ لِلْعُقُولِ حَدًّا لَا يَخْفَى فِيهِ إِلَّا عَمَّنْ لَا يُعَدُّ مُدْرِكًا.
وَمَا فِي جُمْلَةِ هذِهِ سَبِيلِي مِنِ الْإِبْهَامِ قَدْ فسرته جملَة أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى
بَصِيرَةٍ.
وعَلى فِيهِ للاستعلاء الْمجَازِي المُرَاد بِهِ التَّمَكُّن، مثل «على هدى من رَبهم» .
وَالْبَصِيرَةُ: فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَهِيَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، وَالْمَعْنَى: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ بِبَصِيرَةٍ مُتَمَكِّنًا مِنْهَا، وَوَصْفُ الْحُجَّةِ بِبَصِيرَةٍ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَالْبَصِيرُ: صَاحِبُ الْحُجَّةِ لِأَنَّهُ بِهَا صَارَ بَصِيرًا بِالْحَقِيقَةِ. وَمِثْلُهُ وَصْفُ الْآيَةِ بِمُبْصِرَةٍ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً [سُورَة النَّمْل: 13] . وَبِعَكْسِهِ يُوصَفُ الْخَفَاءُ بِالْعَمَى كَقَوْلِهِ: وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ [سُورَة هود: 28] .
وَضَمِيرُ أَنَا تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَتر فِي أَدْعُوا، أُتِيَ بِهِ لِتَحْسِينِ الْعَطْفِ بِقَوْلِهِ:
وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وَهُوَ تَحْسِينٌ وَاجِبٌ فِي اللُّغَةِ.
وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يَدْعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ. وَقَدْ قَامُوا بِذَلِكَ