الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاحتشام وكشف الوجه
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة وحجابها وعورتها
التاريخ 21/2/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد كثر الكلام في موضوع الحجاب، وهل تغطية الوجه سنة أم واجبة؟ وهذا الكلام يدور بين من تربت في الجزيرة العربية وبين أهل الشام ومصر والعجم، والقضية تدور حول الاجتهاد الفقهي في هذه المسألة، فالمصلحات ممن تربين خارج بلاد الحرمين أثبتن للعوام والمتبرجات بأن تغطية الوجه سنة، وأن العلماء اتفقوا على تغطية القدمين وسائر البدن بلبس فضفاض خال من الزينة، ولكن بما أن تغطية الوجه مختلف فيها، والراجح عندهم أنها سنة، فلا يعتبر كشف الوجه من التبرج، وإحدى المصلحات اطلعت على أدلة المبيحين وأدلة المحرمين في مصر، فغلبت أدلة المبيحين على أدلة المحرمين لكشف الوجه، والشاهد يحفظك الله، أني أريد جواباً كافياً شافياً لهذه المسألة من كل الجهات، لأني أخاطب قوماً حجتهم قوية، وبعضهم عنده داء الجاهلية والعصبية لبعض شيوخهم، وأنا حجتي ضعيفة وغريبة في وسطهم، فهم كثير في ديار الغربة، ولا أجد من أهل العلم من يساعدني في هذا البلد، لا من العرب ولا العجم، وهناك بعض النقاط أتمنى توضيحها؛ وهي: هل حقا هناك خلاف في مسألة الحجاب بين ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم؟ ثم هل كان مجرد خلاف نظري بين الأئمة الأربعة إلى أن قامت الثورة في مصر؟ وما حكم الاستناد إلى حديث عائشة رضي الله عنها في قصة دخول أسماء رضي الله عنها على الرسول صلى الله عليه وسلم بثياب شفافة؟ ويا ليتك عرضت لهم أدلة المبيحين والمحرمين بالتفصيل؛ لأن هنا من لا يقتنع بسهولة لغلبة المتفلسفين في هذا الموضوع، أما المتبرجات بالكلية ممن يرتدين البناطيل ويلبسن المسفع تهاونا وقلة دين فيا ليتكم تبعثون إليهن بموعظة تهز قلوبهن وتخوفهن من الله - سبحانه-، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
أخي في الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مسألة الحجاب - بحمد لله - من المسائل التي قد وضحت في مشروعيتها الحجج والأدلة، وظهرت أحكامها، وتبينت عللها.
وخلاصة الأمر أن العلماء متفقون على وجوب تغطية المرأة لسائر جسدها، إلا أنهم اختلفوا في الوجه والكفين وعند التحقيق تبين لكل منصف كثرة أدلة القائلين بوجوب تغطية المرأة وجهها وكفيها ورحجانها، وهذه بعض أدلتهم:
أولاً: من القرآن الكريم:
(1)
قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً"[الأحزاب:59] .
(2)
قوله تعالى: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" الآية، [الأحزاب: 53] .
(3)
قوله تعالى: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللآتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"[النور:60] .
ووجه الدلالة من الدليل الأول:
أن الله تعالى قد أمر نبيه عليه السلام أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالحجاب الشرعي الذي هو تغطية الوجه، لأن ما عداه من الشعر والذراعين والساقين وغيرها لم يكن من عادتهن كشفه أصلاً، فلا وجه لحمل الآية على شيء مما ذكر إلا على الوجه الذي كان من عادتهن كشفه وإظهاره قبل نزول الحجاب.
وجه الدلالة من الدليل الثاني:
أن الله أمر عباده المؤمنين من صحابة نبيه الكريم عليه السلام ألا يسألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وراء حجاب، وبين علة التوجيه بأنه لضمان بقاء قلوب الجميع على الطهر والصفاء والبعد عن الريبة والشهوة، ومعلوم أن أقصر طريق لحدوث الفتنة، ووقوع القلب في شرك العشق والشهوة هو تبادل النظرات بين الجنسين، وتأمل العيون والخدود والشفاه والثغور - نسأل الله العافية - فلا مناص عن حمل الآية على الوجه مكمن الزينة ومحل الفتنة.
وأما وجه الاستدلال من الآية الثالثة:
فإن الله أباح للقواعد من النساء وهن العجائز الكبيرات اللائي قعدن عن النكاح والولد - أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، ومعلوم أن الثياب المباح وضعها في الآية هي ما يستر بها الوجه، إذ لا أحد يزعم أن المراد وضع الثياب عن الذراعين أو الساقين أو النحر أو شعر الرأس أو غيرها، فوجب حمل الآية على ثياب الوجه ومع ذلك اشترط الله عليهن ألا يتبرجن بزينة، وأرشدهن إلى أن الاستعفاف والإبقاء على غطاء الوجه خير لهن.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة جداً منها:
(1)
حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه في البخاري (4141) ، ومسلم (2770) ، في قصة الإفك، وهو حديث طويل والشاهد منه قولها حين قدم عليها صفوان بن المعطل رضي الله عنه قالت:"فخمرت وجهي بجلبابي" وهذا صريح في تغطية الوجه.
(2)
جاء في صحيح البخاري (1838) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قوله عليه السلام: "ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين" فدل على أن غير المحرمة يلزمها ذلك، وأن ذلك من عادتهن.
(3)
ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها بسند صحيح عند ابن خزيمة في صحيحه (2691) ، والدارقطني في سننه (2/294)، وغيرهما أنها قالت:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات، فإذا مر بنا الركب سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً".
قلت: وذلك في الحج، فكن يكشفن عن وجوههن إذا كن خاليات بعيدات عن الرجال، لأن المحرمة لا تغطي وجهها، فإذا مر بهن الرجال غطين وجوههن.
وأما أدلة القائلين بكشف الوجه فأبرزها حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكرته السائلة وهو حديث ضعيف سنداً منكر متناً، وضعفه أبو داود نفسه في روايته له برقم (4104) .
ففي سنده سعيد بن بشر وهو ضعيف، وقتادة وهو مدلس وقد عنعن الحديث، وخالد بن دريك وهو لم يدرك عائشة رضي الله عنها فالسند بينهما منقطع.
وباقي ما استدلوا به، إما منسوخ بأدلة الحجاب، أو غير صريح في جواز كشف الوجه، كحديث الخثعمية الذي رواه البخاري (1854) ، ومسلم (1334) ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أو مؤول، كحديث سفعاء الخدين الذي رواه البخاري (978) ، ومسلم (885) ، واللفظ له عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والله أعلم.
وبناء على ما تقدم يجب على كل منصف أن يتبع الحق، ويتخلى عن التقليد الأعمى، ويتجنب دواعي الهوى، وعلى كل امرأة أن تتقي الله في نفسها، فتدع التبرج والسفور، وتقليد الفاسقات والكافرات ممن استحوذ عليهن الشيطان فأوقعهن في مستنقع التقليد الأعمى، لبسن الضيق من الملابس والشفاف، أو البناطيل المجسدة للعورات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله على محمد.