الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ماء المرأة وشبه الولد
المجيب أ. د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /مسائل متفرقة
التاريخ 20/11/1424هـ
السؤال
قرأت عبارة في كتاب يستند على صحيح الإمام مسلم يبدو أنها تخالف العلم وهي:
عن أنس رضي الله عنه أن أم سلمة رضي الله عنها حدثت أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا رأت المرأة فلتغتسل، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: واستحييت من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه".
وأنا لا أعرف أن المرأة تنزل ماءً مثل الرجل، وكذلك فمن المعلوم أن شبه الولد لأبيه أو أمه يكون بناء على التركيب الجيني، وليس على الزوج أو الزوجة أيهما أنزل ماءه أولاً. أرجو توضيح المسألة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالسؤال هام ويحتاج إلى التفصيل، فنقول وبالله التوفيق السؤال يشتمل على فقرتين: الفقرة الأولى قول السائل: إنه لا يعرف أن المرأة تنزل ماءً مثل الرجل، والجواب عن هذا أن نقول إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حق يجب قبوله، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي ذكره السائل، والذي رواه مسلم (311) وغيره أن للمرأة ماء وأنه رقيق أصفر، وهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال تعالى:"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"[النجم:3-4] قال الدكتور محمد علي البار في كتابه (خلق الإنسان بين الطب والقرآن) ص (149) ما نصه (هل للمرأة ماء) وقع النزاع قديماً حول هذه النقطة، كما يقول الفخر الرازي في كتابه الممتع (المباحث الشرقية) ، وقد نفى أرسطو أن يكون للمرأة مني.
وجالينوس (أشهر أطباء اليونان القديمة) قد أكثر من التشنيع عليه في ذلك، وأثبت أن للمرأة منياً وإن كان يختلف عن مني الرجل في طبيعته، وأنه لا ينقذف ولا يندفع، وإنما يسيل على العضو المخصوص، وأنه رطوبة بيضاء
…
إلى أن قال: "وقد جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء" أخرجه البخاري (130) ومسلم (313) .
وخروج الماء من فرج المرأة أمر طبيعي عند الجماع أو الاحتلام، وهو موجب للغسل، إلى أن قال: وعند الجماع يختلط هذا الماء بمني الرجل
…
إلخ، هذا وذكر الدكتور محمد البار في ص (150) أن للمرأة نوعين من الماء، أولهما: ماء لزج يسيل ولا يتدفق، وهو ماء المهبل، وليس له علاقة في تكوين الجنين.
وثانيهما: ماء يتدفق وهو يخرج مرة واحدة من حويصلة جراف بالمبيض عندما تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر، وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان:(أن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر) .
أما الفقرة الثانية من السؤال فهي عن شبه الجنين بأبيه أو أمه....إلخ، فالجواب أن الشبه جاءت به الأحاديث النبوية أيضاً، فقد يشبه الولد أباه، وقد يشبه أمه أو أخواله، وقد يشبه أحد أجداده، وقد لا يشبه أياً من آبائه، قال الدكتور محمد البار في المرجع السباق ص (164) والخلاصة: أن عوامل الشبه لأحد الوالدين أو للأسلاف، أو بظهور صفات جديدة كما حدث للفزاري الذي جاءته امرأته بولد أسود دون أن يكون أحد والديه أسود، أمر بالغ التعقيد، وتعمل فيه الجينات بصورة خفية ومعقدة، وبعضها يتبع قوانين مندل حسب الصفة: سائدة (DOMINANL) ، أو منتحية (RECESSIVE) ، وبعضها يتبعها وحتى تلك التي تعتبر خاضعة لقوانين الوراثة قد تتختلف عن تلك القوانين، ويعتبر الجنين عندئذ كامل التعبير أو ناقص التعبير..
ولا يزال العلم الحديث يجهل الكثير الكثير من الحقائق التي تحدد الشبه في الولد، ولا ندري إلى الآن ما هو دور السبق في ماء الرجل أو ماء المرأة في الشبه من الناحية العلمية، وحتى يتسع مدى العلم في هذا الباب فإننا نقبل الحديث الشريف بقلوب مطمئنة واثقة بصدق المصطفى صلوات الله عليه الذي لا ينطق عن الهوى، والذي لا يقول إلا حقاً، وينبغي أن يحفز ذلك العلماء المختصين في هذا الباب لدراسته، فقد تنفتح لهم أبواب وتكشف لهم كشوفات، وهذا معلم من معالم البحث التي ينبغي أن يدرسها العلماء المسلمون المختصون في هذا الفرع من العلم، انتهى محل الغرض منه، هذا وقد نقلت للسائل والمطلع على هذا السؤال والإجابة عليه كلام الدكتور محمد البار لعظيم فائدته وكونه في نظري كافياً في الإجابة عن استشكالات السائل، وعلينا جميعاً التسليم بما جاء عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنه الحق لأنه من عند الحكيم العليم، وصدق الله حيث يقول:"وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً"[الإسراء: من الآية85] .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.