المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(408) باب كراء الأرض - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٦

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(388) باب الولد للفراش

- ‌(389) باب العمل بإلحاق القائف

- ‌(390) باب ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف

- ‌(391) باب القسم بين الزوجات

- ‌(392) باب جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

- ‌(393) استحباب نكاح ذات الدين ونكاح البكر

- ‌(394) باب الوصية بالنساء

- ‌كتاب الطلاق

- ‌(395) باب تحريم طلاق الحائض

- ‌(396) باب طلاق الثلاث وكفارة من حرم امرأته ولم ينو الطلاق

- ‌(397) باب تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية

- ‌(398) باب المطلقة البائن في عدتها سكنها ونفقتها وخروجها

- ‌(399) باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها

- ‌(400) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة

- ‌كتاب اللعان

- ‌(401) باب اللعان

- ‌كتاب العتق

- ‌(402) باب عتق الشركاء، والولاء، وفضل العتق

- ‌كتاب البيوع

- ‌(403) باب بيع الملامسة والمنابذة والحصاة وحبل الحبلة وبيع الغرر

- ‌(404) باب بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه وخطبته على خطبته والنجش والتصرية، وتلقي الركبان وبيع الحاضر للبادي، وسؤال المرأة طلاق أختها

- ‌(405) باب بيع المبيع قبل قبضه وبيع الصبرة المجهولة القدر

- ‌(406) باب خيار المجلس للمتبايعين، وقول أحدهما: لا خلابة

- ‌(407) باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها وعن بيع المزابنة والترخيص في العرايا والنهي عن بيع المحاقلة والمخابرة والمعاومة والسنين والاستثناء

- ‌(408) باب كراء الأرض

- ‌كتاب المساقاة والمزارعة

- ‌(409) باب المساقاة والمزارعة

- ‌(410) باب فضل الغرس والزرع

- ‌(411) باب وضع الجوائح، وفضل إنظار المعسر والتجاوز عن الموسر

- ‌(412) باب مطل الغني ومشروعية الحوالة

- ‌(413) باب بيع فضل الماء، وضراب الفحل

- ‌(414) باب اقتناء الكلب، وبيعه، وحلوان الكاهن ومهر البغي، وأجر الحجامة

- ‌(415) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

- ‌(416) باب الربا

- ‌(417) باب الحلال بين والحرام بين، وبينهما متشابهات

- ‌(418) باب بيع البعير واستثناء ركوبه

- ‌(419) باب اقتراض الحيوان وحسن الوفاء

- ‌(420) باب بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلاً

- ‌(421) باب الرهن

- ‌(422) باب السلم

- ‌(423) باب تحريم الاحتكار في الأقوات

- ‌(424) باب النهي عن الحلف في البيع

- ‌(425) باب الشفعة

- ‌(426) باب غرز الخشبة في جدار الجار

- ‌(427) باب تحريم الظلم وغصب الأرض

- ‌كتاب الفرائض

- ‌(428) باب اختلاف الدين - الفرائض والعصبات - الكلالة النبي أولى بالمؤمنين

- ‌كتاب الهبات

- ‌(429) باب الرجوع في الصدقة والهبة

- ‌(430) باب تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة

- ‌(431) باب العمرى والرقبى

- ‌كتاب الوصية

- ‌(432) باب الوصية وكتابتها

- ‌كتاب النذر

- ‌(433) باب النذر والقدر

- ‌كتاب الأيمان

- ‌(434) باب النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى

- ‌(435) باب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها

- ‌(436) باب اليمين على نية المستحلف

- ‌(437) باب الاستثناء في اليمين وغيرها

- ‌(438) باب الإصرار على اليمين

- ‌(439) باب نذر الكافر إذا أسلم

- ‌(440) باب معاملة المماليك

- ‌كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات

- ‌(441) باب القسامة

- ‌(442) باب المحاربين والمرتدين

- ‌(443) باب القصاص في القتل بالحجر وغيره

- ‌(444) باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه والقصاص في الأسنان وما في معناها

- ‌(445) باب حرمة الدماء والأعراض والأموال

- ‌(446) باب صحة الإقرار بالقتل

- ‌(447) باب دية الجنين، ووجوب الدية في قتل الخطأ

- ‌كتاب الحدود، والنهي عن الشفاعة فيها

- ‌(448) باب حد السرقة ونصابها

- ‌(449) باب حد الزنا

- ‌(450) باب حد الخمر

- ‌(451) باب قدر سوط التعزير

- ‌(452) باب الحدود كفارات لأهلها

- ‌(453) باب جرح العجماء جبار، والمعدن، والبئر

الفصل: ‌(408) باب كراء الأرض

(408) باب كراء الأرض

3451 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض.

3452 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه".

3453 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان لرجال فضول أرضين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "من كانت له فضل أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه. فإن أبى فليمسك أرضه".

3454 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ.

3455 -

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كانت له أرض فليزرعها. فإن لم يستطع أن يزرعها، وعجز عنها، فليمنحها أخاه المسلم. ولا يؤاجرها إياه".

3456 -

سأل سليمان بن موسى عطاء فقال: أحدثك جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له أرض فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، ولا يكرها" قال: نعم.

3457 -

عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة.

3458 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

ص: 243

"من كان له فضل أرض فليزرعها، أو ليزرعها أخاه. ولا تبيعوها" فقلت لسعيد: ما قوله: ولا تبيعوها؟ يعني الكراء؟ قال: نعم.

3459 -

عن جابر رضي الله عنه قال كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصري ومن كذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كانت له أرض فليزرعها أو فليحرثها أخاه. وإلا فليدعها".

3460 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع. بالماذيانات. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال "من كانت له أرض فليزرعها. فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه. فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها".

3461 -

عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من كانت له أرض فليهبها أو ليعرها".

3462 -

وفي رواية عن الأعمش بهذا الإسناد. غير أنه قال "فليزرعها أو فليزرعها رجلاً".

3463 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض. قال بكير: وحدثني نافع أنه سمع ابن عمر يقول: كنا نكري أرضنا ثم تركنا ذلك حين سمعنا حديث رافع بن خديج.

3464 -

عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الأرض البيضاء سنتين أو ثلاثًا.

ص: 244

3465 -

عن جابر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين. وفي رواية ابن أبي شيبة: عن بيع الثمر سنين.

3466 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه. فإن أبى فليمسك أرضه".

3467 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن المزابنة والحقول. فقال جابر بن عبد الله: المزابنة الثمر بالتمر. والحقول كراء الأرض.

3468 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة.

3469 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة اشتراء الثمر في رءوس النخل. والمحاقلة كراء الأرض.

3470 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا لا نرى بالخبر بأسًا. حتى كان عام أول. فزعم رافع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه.

3471 -

وزاد في حديث ابن عيينة: فتركناه من أجله.

3472 -

عن مجاهد قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد منعنا رافع نفع أرضنا.

ص: 245

3473 -

عن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان. وصدرًا من خلافة معاوية. حتى بلغه في آخر خلافة معاوية؛ أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم. فدخل عليه وأنا معه. فسأله فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع. فتركها ابن عمر بعد. وكان إذا سئل عنها، بعد، قال: زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها.

3474 -

وزاد في حديث ابن علية: قال: فتركها ابن عمر بعد ذلك. فكان لا يكريها.

3475 -

عن نافع قال: ذهبت مع ابن عمر إلى رافع بن خديج. حتى أتاه بالبلاط. فأخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع.

3476 -

عن ابن عمر أنه أتى رافعًا. فذكر هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3477 -

عن نافع أن ابن عمر كان يأجر الأرض. قال: فنبئ حديثًا عن رافع بن خديج. قال: فانطلق بي معه إليه. قال: فذكر عن بعض عمومته، ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه نهى عن كراء الأرض قال: فتركه ابن عمر فلم يأجره.

3478 -

- عن ابن عون بهذا الإسناد. وقال: فحدثه عن بعض عمومته، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3479 -

عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضيه. حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض. فلقيه عبد الله فقال: يا ابن خديج ماذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض؟

ص: 246

قال رافع بن خديج لعبد الله: سمعت عمي (وكانا قد شهدا بدرًا) يحدثان أهل الدار؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض. قال عبد الله: لقد كنت أعلم، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الأرض تكرى. ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا لم يكن علمه. فترك كراء الأرض.

3480 -

عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى. فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي. فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا. وطواعية الله ورسوله أنفع لنا. نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى. وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها. وكره كراءها وما سوى ذلك.

3481 -

- عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع. ثم ذكر بمثل حديث ابن علية.

3482 -

- وبهذا الإسناد عن رافع بن خديج رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل: عن بعض عمومته.

3483 -

عن رافع رضي الله عنه أن ظهير بن رافع (وهو عمه) قال: أتاني ظهير فقال: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقًا. فقلت: وما ذاك؟ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. قال: سألني كيف تصنعون بمحاقلكم؟ فقلت: نؤاجرها، يا رسول الله على الربيع أو الأوسق من التمر أو الشعير. قال "فلا تفعلوا. ازرعوها. أو أزرعوها. أو أمسكوها".

3484 -

- عن رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا. ولم يذكر: عن عمه ظهير.

ص: 247

3485 -

عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض قال فقلت: أبالذهب والورق؟ فقال أما بالذهب والورق، فلا بأس به.

3486 -

عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به. إنما كان الناس يؤاجرون، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، على الماذيانات. وأقبال الجداول. وأشياء من الزرع. فيهلك هذا ويسلم هذا. ويسلم هذا ويهلك هذا. فلم يكن للناس كراء إلا هذا. فلذلك زجر عنه. فأما شيء معلوم مضمون، فلا بأس به.

3487 -

عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا أكثر الأنصار حقلاً. قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه. فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه. فنهانا عن ذلك. وأما الورق فلم ينهنا.

3488 -

عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة.

3489 -

عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: دخلنا على عبد الله بن معقل فسألناه عن المزارعة؟ فقال: زعم ثابت؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة. وأمر بالمؤاجرة. وقال "لا بأس بها".

3490 -

عن مجاهد أنه قال لطاوس: انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج. فاسمع منه الحديث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال فانتهره. قال: إني والله لو أعلم أن رسول

ص: 248

الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ما فعلته. ولكن حدثني من هو أعلم به منهم (يعني ابن عباس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لأن يمنح الرجل أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا".

3491 -

عن طاوس أنه كان يخابر. قال عمرو: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن لو تركت هذه المخابرة فإنهم يزعمون؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة. فقال: أي عمرو أخبرني أعلمهم بذلك (يعني ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها. إنما قال "يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا".

3492 -

عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها كذا وكذا"(لشيء معلوم). قال: وقال ابن عباس: هو الحقل. وهو بلسان الأنصار المحاقلة.

3493 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من كانت له أرض فإنه أن يمنحها أخاه خير".

-[المعنى العام]-

إن المعاملة الثانية التي لا يستغني عنها المجتمع بعد البيع والشراء - معاملة الإجارة، ولم تكن إجارة البيوت والمساكن شائعة كما هو الحال اليوم، ولكن كان الشائع إجارة الأرض الزراعية، فجاءت الشريعة بالأحكام والقوانين والقواعد والضوابط التي تحمي كلا من المتعاملين من الآخر، تحقيقًا لقاعدة: لا ضرر ولا ضرار. إن طائفة من المجتمع تملك الأرض، وطائفة لا تملك، وقد رفع الله بعض الناس على بعض ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا، تلك حكمة الله في المجتمعات لتترابط أفرادها، وتضام أشتاتها، الكل يحتاج إلى الكل، الغني المالك يحتاج الفقير العامل، وإلا لم ينتفع بملكه، وأصبح كلاً ملك، والعامل يحتاج إلى الغني المالك، ليعيش من أجر عمله، وقانون العرض

ص: 249

والطلب يحكم المعاملات البشرية، وقد تستغل طبقة الأخرى نتيجة لهذا القانون، فرغبت الشريعة الإسلامية في الرفق والمواساة والمعروف "من كان له أرض فليزرعها بنفسه، فإن عجز عن زراعتها بنفسه فلا يستغل أخاه العامل في زراعتها، ولكن يمنحها له منحة ليزرعها، فإن لم يزرعها، ولم تجد نفسه بها على أخيه فليملكها خالية بدون زراعة، ولا يؤجرها للعامل بإيجار ظالم مستغل. لقد كان كراء الأرض وتأجيرها للمحتاجين والعاملين يأخذ قبل الإسلام أشكالاً كثيرة، يعطى العامل ثمر قطعة صغيرة منها ليزرع جميعها، أو يعطى الشواطئ والحروف وحافات الطرق ومسالك المياه ليزرع للمالك باقي أرضه، ويسلمه خيراتها، أو يعطى نسبه صغيرة مما تنتج الأرض، ووفرتها لمالكها، أو يؤجرها المالك بإيجار مالي قد يعجز العامل عن الوفاء به، وكثيرًا ما يحدث الشقاق والمخاصمة بين المالك ومستأجر الأرض فكانت الشريعة حكمًا، وكانت الأحاديث التي أعمل الفقهاء فيها عقولهم، واستنبطوا منها أحكامهم ومذاهبهم، وهدف الجميع تحقيق حكمة التشريع. والحفاظ على الحقوق، ورفع المظالم. والله الهادي إلى سواء السبيل.

-[المباحث العربية]-

(نهي عن كراء الأرض)"كراء" بكسر الكاف. قال أهل اللغة: الكروة والكراء بكسر الكاف فيهما: أجرة المستأجر، والكراء أيضًا مصدر كاراه، مكاراة، وكراء، ويقال: كاراه، واكتراه، وأكراني داره وأرضه، فهي مكراه، واكتريت منه دارًا، واستكريتها بمعنى، فقوله في الرواية السادسة "ولا يكرها" هو بضم الياء وسكون الكاف وكسر الراء، من أكريته أرضى، وهو معنى قوله في الرواية الخامسة "ولا يؤاجرها إياه" وكذلك قوله في الرواية الثانية عشرة "كنا نكري أرضنا" هو بضم النون، وقوله في ملحق الرواية المتممة للعشرين "فكان لا يكريها" هو بضم الياء أيضًا، وقوله في الرواية الثالثة والعشرين "أن الأرض تكرى" هو بضم التاء وسكون الكاف وفتح الراء، مبني للمجهول.

(فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه)"يزرع" الأولى بفتح الياء، والثانية بضم الياء، والمعنى فإن لم يزرعها بنفسه فليجعلها مزروعة من أخيه، ومعناه يعيرها إياه بلا عوض، وهو معنى قوله في الرواية الثالثة "أو ليمنحها أخاه" وقوله في الرواية التاسعة "أو فليحرثها أخاه" بضم الياء، أي ليجعلها محروثة من أخيه، وقوله في الرواية الحادية عشرة "فليهبها أو ليعرها" وقوله في الرواية الرابعة والثلاثين "فإنه أن يمنحها أخاه خير". "أن" بفتح الهمزة وسكون النون، وفعل "يمنحها" منصوب، والمعنى: فإنه لأن يمنحها أخاه خير له من أن يأخذ عليها أجرًا. وبكسر الهمزة على أنها شرطية، وفعل "يمنحها" مجزوم.

(كان لرجال فضول أرضين) أي كان لهم أرضون فاضلة وزائدة على مجهودهم وقدراتهم على الزراعة. فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف.

(فإن أبى فليمسك أرضه) أي فإن أبى منحها فليمسكها من غير زراعة، ولا يكريها، وهو معنى قوله في الرواية التاسعة "وإلا فليدعها".

ص: 250

(نهي أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ) الحظ النصيب، أي نهي أن يؤخذ في مقابل زراعة الأرض مال أو جزء ونصيب من إنتاجها. والنهي للتنزيه، وسيأتي في فقه الحديث.

(نهي عن المخابرة) سبق توضيحها ومأخذها اللغوي في الباب السابق. وقلنا: إن المحاقلة والمخابرة والمزارعة متقاربات على المشهور.

(ولا تبيعوها) إطلاق البيع وإرادة الكراء - إن كانت الرواية باللفظ - مجاز، بجامع المقابل والبدل.

(فنصيب من القصري ومن كذا)"القصري" بكسر القاف، بعدها صاد ساكنة، ثم راء مكسورة، ثم ياء مشددة، على وزن القبطي، قال النووي: هكذا ضبطناه وضبطه الجمهور، وهو المشهور، وعن الطبري بفتح القاف والراء، مقصور، والصواب الأول، وهو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدياس.

ويقال له: القصارة بضم القاف. والمعنى. كنا نكري أرضنا فنحصل على بعض ما تنبت من حب صاف ومن حب في سنبله لم يخرج بالدياس، ومن كذا وكذا كناية عن جهات أخرى نحصل منها على بعض الإنتاج.

(كنا نأخذ الأرض بالماذيانات) قال النووي: بذال مكسورة، ثم ياء ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم تاء، هذا هو المشهور، وحكي عن بعض الرواة فتح الذال، وهي مسايل المياه، وقيل: ما ينبت على حافتي مسيل الماء، وقيل: ما ينبت حول السواقي، وهي لفظة معربة، ليست عربية - وفي الرواية السابعة والعشرين "على الماذيانات وأقبال الجداول" وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا" أما قوله "وأقبال" فبفتح الهمزة، و"الجداول" جمع جدول، وهو النهر الصغير كالساقية، فالمراد أوائل القنوات ورؤوسها وحوافها، وفي الرواية الخامسة والعشرين "نؤاجرها - يا رسول الله - على الربيع أو الأوسق من التمر أو الشعير" هكذا هو في معظم النسخ "الربيع" وهو الساقية والنهر الصغير، أي الزرع الذي ينبت على شاطئيه، وفي بعض النسخ "الربع" بخذف الياء، وهو صحيح أيضًا.

والمعنى أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده، على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول، أو هذه القطعة من الأرض، والباقي للعامل، فنهوا عن ذلك، لما فيه من الغرر، فربما هلك هذا دون ذلك، أو عكسه.

(نهي عن بيع الأرض البيضاء) أي التي لا شجر عليها، ولا زرع ولا غرس.

(سنتين أو ثلاثًا) في الرواية الرابعة عشرة "عن بيع السنين" وقد تقدم في الباب السابق.

(كنا لا نرى بالخبر بأسًا)"الخبر" قال النووي: ضبطناه بكسر الخاء وفتحها، والكسر أصح وأشهر، وحكى القاضي فيه الضم أيضًا، ورجح الكسر، ثم الفتح، وهو بمعنى المخابرة.

ص: 251

(حتى كان عام أول)"كان" تامة، وفاعلها "عام" مرفوع بدون تنوين، لأنه مضاف، و"أول" مضاف إليه، مجرور بالفتحة، للمنع من الصرف وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف.

(فتركناه من أجله) أي فتركنا الخبر من أجل زعم رافع، فابن عمر ترك كراء أرضه احتياط أخذًا بالأحوط، فإن معلوماته أنه مباح، فهو يقول في الرواية الثالثة والعشرين "لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى" ويقول نافع:"خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا - من الأحكام - لم يكن علمه، فترك كراء الأرض" وفي ملحق الرواية التاسعة عشرة يقول ابن عمر "لقد منعنا رافع نفع أرضنا" أي منعنا بحديثه الذي حدثه، ولا يقصد بذلك الطعن في رافع وروايته، فقد استوثق منه عنها، ولكن يظن أنها كانت مخصوصة بحالة، أو موجهة توجيهًا غير الظاهر، كما سيأتي في فقه الحديث.

(وصدرًا من خلافة معاوية) المراد من إمارة أبي بكر وعمر وعثمان خلافتهم، قال الحافظ ابن حجر: ولم يذكر خلافة علي لأنه لم يبايعه، لوقوع الاختلاف عليه، وكان يرى أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع أيضًا لابن الزبير، ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية، ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير. قال الحافظ: ولعل في تلك المدة، مدة خلافة علي لم يؤاجر أرضه، فلم يذكرها لذلك. اهـ. أقول: هذا الاحتمال بعيد جدًا عن صحيح الحديث، ويحتمل أن سقط خلافة علي سقط ذكري غير مقصود من ابن عمر، وكان آخر خلافة معاوية في سنة ستين من الهجرة، فكأن ابن عمر ظل يكري أرضه أكثر من خمسين سنة، وهذا أمر لا يخفى على عامة الصحابة.

(حتى أتاه بالبلاط) بفتح الباء، مكان معروف بالمدينة، مبلط بالحجارة، وهو بقرب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(كأن يأجر الأرض)"يأجر" بالجيم المضمومة بعدها راء، وكذا في آخر الحديث "فلم يأجره" هكذا هو في كثير من النسخ، قال النووي:"يأخذ" بالخاء والذال في الموضعين، وهو تصحيف، وفي بعض النسخ "يؤاجر" وهذا صحيح. اهـ.

وكان الظاهر أن يقول في آخر الحديث "فلم يأجرها" بتأنيث الضمير العائد على الأرض، وتوجيهه سهل، بتأويله بالمكان أو بالموقع أو نحو ذلك.

(كان يكري أرضيه) بفتح الراء وكسر الضاد، بعدها ياء علامة النصب، فقد جمع هذا الاسم جمع مذكور سالم شذوذًا، وفي بعض النسخ "أرضه" بالإفراد، قال النووي: وكلاهما صحيح.

(سمعت عمي) بفتح الميم المشددة، تثنية عمي بكسرها، وهما المقصودان ببعض عمومته في الرواية الثانية والعشرين وأحدهما "ظهير" بالتصغير، الوارد في الرواية الخامسة والعشرين، وهو المقصود بقوله "فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي" في الرواية الرابعة والعشرين، والآخر قيل: لم يوقف على اسمه. وقيل: إن اسمه "مظهر" بضم الميم، وفتح الظاء، وتشديد الهاء المكسورة، قيل: مهير على وزن ظهير أخيه.

ص: 252

(عن رافع أن ظهير بن رافع - وهو عمه - قال: أتاني ظهير) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ، وهو صحيح، وتقديره: عن رافع أن ظهيرًا عمه حدثه بحديث. قال رافع في بيان ذلك الحديث: أتاني ظهير فقال

إلخ. وهذا التقدير دل عليه فحوى الكلام، ووقع في بعض النسخ "أنبأني" بدل "أتاني" والصواب المنتظم "أتاني" من الإتيان.

(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقًا) أي كان هذا الأمر ذا رفق بنا.

(كيف تصنعون بمحاقلكم؟ ) أي بمزارعكم. جمع محقل من الحقل، والحقل الزرع، وقيل: مادام أخضر، والمحاقلة المزارعة بجزء مما يخرج، وقيل: هو بيع الزرع بالحنطة، وقيل غير ذلك.

(أبا لذهب والورق) بفتح الواو وكسر الراء الفضة.

(كنا أكثر الأنصار حقلاً)"حقلاً" تمييز، وفي رواية البخاري "مزدرعًا" أي مكان زرع.

(على أن لنا هذه، ولهم هذه) الإشارة إلى قطع من الأرض.

(فاسمع منه الحديث عن أبيه) الأب هنا مراد منه العم، وقوله "فاسمع" بهمزة وصل، مجزومًا على الأمر، وبهمزة قطع، مرفوع على الخبر، قال النووي: وكلاهما صحيح، والأول أجود.

(فانتهره) أي انتهر طاووس مجاهدًا، أي لامه بعنف، ترفعًا عن أخذ الحديث عن رافع عن عمه بعد أخذه عن ابن عباس، وربما أحس طاووس أن مجاهدًا يغمزه بحديث رافع، لأن طاووسًا كان يكري أرضه، لهذا ثار وانفعل وانتهره.

(خير من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا) أي أجرًا معلومًا، وأصله ما يخرج من الأرض من غلة ونحوها.

-[فقه الحديث]-

1 -

كراء الأرض قد يكون لسقي ورعاية ما عليها من الأشجار، وهو المعروف عند الفقهاء بالمساقاة. وأجازها مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء. وعمدة أدلتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وسيأتي في الباب التالي.

ومنعها أبو حنيفة، وتأول أحاديثها بأن خيبر فتحت عنوة، وكان أهلها عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أخذه فهوله، وما تركه فهوله.

والقائلون بالجواز اختلفوا فيما تجوز عليه المساقاة من الأشجار، فقال داود: تجوز على النخل خاصة، إذ هي رخصة، والرخصة لا تتعدى المنصوص عليه، وكان نخلاً، وقال الشافعي: تجوز على

ص: 253

النخل والعنب خاصة، إذ هي رخصة، لكن حكم العنب حكم النخل في معظم الأبواب. وقال مالك: تجوز على جميع الأشجار، لأن سبب الجواز الحاجة والمصلحة، وهذا يشمل الجميع، فيقاس عليه، وهو قول للشافعي.

وسيأتي بقية مباحثها في الباب التالي.

2 -

وقد يكون كراء الأرض لسقي ورعاية ما عليها من أشجار، وزراعة الأرض الخالية، وهذا ما يعرف بالمزارعة التابعة للمساقاة، وأجازها الشافعي وموافقوه، وهم الأكثرون، فتجوز عندهم المزارعة تبعًا للمساقاة، وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة، فيساقيه على النخل، ويزارعه على الأرض، وحجتهم ما جرى في خيبر. وقال مالك: لا تجوز المزارعة، لا منفردة، ولا تبعًا، إلا ما كان من الأرض بين الشجر. وقال أبو حنيفة وزفر: المزارعة والمساقاة فاسدتان، سواء جمعهما أو فرقهما، ولو عقدتا فسختا. وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وابن شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعتين، وتجوز كل واحدة منهما منفردة.

قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار، لحديث خيبر، ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعًا للمساقاة، بل جازت مستقلة، ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة، قياسًا على القراض، فإنه جائز بالإجماع، وهو كالمزارعة في كل شيء، ولأن المسلمين في جميع الأعصار والأمصار مستمرون على العمل بالمزارعة.

ثم قال: وأما الأحاديث السابقة في النهي عن المخابرة فمحمولة على ما إذا شرطًا لكل واحد قطعة معينة من الأرض. وقد صنف ابن خزيمة كتابًا في جواز المزارعة، واستقصى فيه وأجاد، وأجاب عن أحاديث النهي.

3 -

وقد يكون كراء الأرض الخالية من الأشجار لزراعتها ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك، وهو ما يعرف عند بعض فقهاء الشافعية بالمزارعة، ويعرف عندهم - إذا كان البذر من العامل - بالمخابرة، والبعض الآخر من فقهاء الشافعية يرون أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد، زراعة الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا.

وقد أجازهما أحمد في رواية، ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي.

قال البخاري: وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين، وعامل عمر الناس على: إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما، فينفقان جميعًا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري، وقال ابن حزم: وممن أجاز إعطاء الأرض بجزء مسمى مما يخرج منها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وحذيفة ومعاذ رضي الله عنهم، وهو قول ابن أبي ليلى وسفيان الثوري والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر، وأجازها أحمد

ص: 254

وإسحق، إلا أنهما قالا: إن البذر يكون من عند صاحب الأرض، وإنما على العامل البقر والآلة والعمل. وقال ابن بطال: كرهت المزارعة طائفة. منهم ابن عباس وابن عمر وعكرمة والنخعي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والشافعي وأبي ثور. قالوا: لا تجوز المزارعة وهي كراء الأرض بجزء منها. واعتمد من قال بالجواز على معاملة أهل خيبر، وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، واستمراره على عهد أبي بكر. إلى أن أجلاهم عمر، وعلى أن المزارعة عقد عمل في المال ببعض نمائه، فهو كالمضاربة، لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه، وهو معدوم ومجهول، وبأنه قد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة، فكذلك هنا.

واستدل المانعون بأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وقد أجاب عنه المجوزون قريبًا، كما قال المانعون: إن العامل إذا أخرج البذر كأنه باعه إلى صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة، وهو لا يجوز، وأجاب المجوزون: بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة، جمعًا بين الأحاديث - وقال المجوزون إن القياس في إبطال نص أو إجماع مردود.

واستدل المانعون بأحاديث النهي عن المخابرة وعن كراء الأرض [رواياتنا السابعة والثامنة والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة وما بعدها من روايات رافع بن خديج]، ورد المجوزون بأن الممنوع نوع من المخابرة كان سببًا في المنازعات، وهو جعل قطعة من الأرض لهذا وأخرى لهذا كما تصرح الرواية السابعة والعشرون، أو يحمل النهي على ما إذا تضمن العقد شرطًا فيه جهالة، أو يؤدي إلى الغرر، وقد روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص، قال:"كان أصحاب المزارع يكرونها بما يكون على المساقي من الزرع، فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك، وقال: اكروا بالذهب والفضة".

وقد يحمل النهي على التنزيه، على أن أحاديث رافع بن خديج فيها كلام كثير، فقد بين الطحاوي علة النهي فيه، فروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج. أنا والله كنت أعلم منه بالحديث، إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع. فالنهي الذي سمعه رافع لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التحريم، وإنما كان لكراهيته وقوع الشر بينهم، ويروي الطحاوي أن ابن عمر حين استفهم من رافع عن الحديث، وأسنده رافع إلى أحد عميه قال ابن عمر: قد علمنا أن عمك هذا كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما في جداول السواقي وطائفة من التبن. فالظاهر أن ابن عمر كان ينكر على رافع تعميم النهي وإطلاقه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا، مع أن المراد منه ما تضمن الشرط الفاسد، يؤكد ذلك قول عمه في الرواية الخامسة والعشرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"نؤاجرها على الربيع" - أي على النهر الصغير، أي على ما يخرج على شواطئه. وهذا شرط فاسد، وقول رافع في الرواية السابعة والعشرين "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويهلك هذا. فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه" وقوله في الرواية الثامنة والعشرين "كنا نكري الأرض على أن لنا هذه، فربما أخرجت هذه، ولم تخرج

ص: 255

هذه، فنهانا عن ذلك" فكل هذا يؤكد أن النهي مقصود به نوع خاص من كراء الأرض، وليس كراء الأرض ببعض ما يخرج منها مطلقًا.

على أن الترمذي قال: حديث رافع حديث فيه اضطراب، روي عنه روايات مختلفة. والله أعلم.

4 -

وقد يكون كراء الأرض الخالية من الأشجار لزراعتها، بالنقد والذهب والفضة وغير ذلك، وعنه يقول النووي: قال طاووس والحسن البصري: لا يجوز بكل حال. سواء أكراها بطعام أو ذهب أو فضة أو بجزء من زرعها، وذهب إليه ابن حزم، واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وهي أحاديث النهي عن كراء الأرض. وقال الشافعي وأبو حنيفة وكثيرون: تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء، سواء كان من جنس ما يزرع فيها أم من غيره، لكن لا يجوز أن يشترط له زرع قطعة معينة. واستدلوا بصريح روايات رافع بن خديج وثابت بن الضحاك في جواز الإجارة بالذهب والفضة ونحوهما، وهي الروايات السادسة والعشرون والسابعة والعشرون والثامنة والعشرون، وتأولوا أحاديث النهي بحملها على ما تضمن العقد من فساد كزرع قطعة معينة، أو بحملها على جزء ما يخرج منها ونحو ذلك.

وقال ربيعة: يجوز بالذهب والفضة فقط، وقال مالك: يجوز بالذهب والفضة وغيرهما إلا الطعام، لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، قال ابن المنذر: ينبغي أن يحمل ما قال مالك على ما إذا كان الطعام المكري به جزءًا مما يخرج منها، فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري، أو بطعام حاضر، يقبضه المالك، فلا مانع من الجواز.

-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-

1 -

من الروايات الست الأوليات الحث على مواساة المسلمين بعضهم بعضا، والحث على الهبة والمنيحة ونحوها.

2 -

والحث على إفادة الآخرين بما لا ينتفع به صاحبه.

3 -

من قوله في الرواية الثالثة "فإن أبى فليمسك أرضه" جواز إمساك الممتلكات دون استثمار، ولا يكون ذلك من قبيل إضاعة المال المنهي عنها، فقد يكون في ذلك حماية للممتلكات، ورفع لقيمتها.

4 -

من توقف ابن عمر عن كراء أرضه يتبين ورع ابن عمر واحتياطه وبعده عن الشبهات.

5 -

ومن موقفه من رافع مدى استيثاق الصحابة عند أخذ الحديث، وتتبع مصادره.

6 -

ومن موقف رافع وأعمامه من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر فيه مصلحتهم حرص الصحابة على الالتزام بطاعة الله ورسوله، ولو كان في ذلك ضياع لمصلحتهم ومنفعتهم.

7 -

من فتوى رافع بجواز كراء الأرض بالذهب والفضة ما كان عليه الصحابة من الاجتهاد في الأحكام، والتعمق في الفهم والاستنباط.

هذا وللأحاديث علاقة وثيقة بالباب الآتي.

والله أعلم

ص: 256