الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(451) باب قدر سوط التعزير
3919 -
عن أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".
-[المعنى العام]-
قدر الله عقوبات دنيوية لبعض المعاصي كالسرقة والزنا، والقذف والقتل، وسميت هذه العقوبات في الشريعة الإسلامية حدًا، وترك العقوبات الدنيوية لبعض الذنوب، ليقدرها ولاة الأمور حسب حالة المعصية وأثرها وظروفها، وحالة من عصي الله والناس بها، وسميت هذه العقوبات في الشريعة الإسلامية بالتعزيرات.
ولما كانت المعاصي الأولى أكبر جرمًا - غالبًا - من الثانية كانت عقوبتها المقدرة أشد إيلامًا وإيذاء وتخويفًا، فكان الإرشاد الإلهي لمن يقوم بمعاقبة الجاني في المعاصي الثانية أن لا يبلغ بعقوبتها أقل العقوبات التي شرعت للمعاصي الأولى أو أن لا يزيد على عشرة أسواط، إذا جردنا هذه المعاصي عن الظروف والملابسات التي تستدعي مضاعفة العقوبات، على أن يؤدي التعزير إلى معالجة المعاصي وتأديب العاصي وتحذير وتخويف من تسول له نفسه الوقوع فيها.
-[المباحث العربية]-
(التعزير) مصدر عزره، بفتح العين وتشديد الزاي المفتوحة، أي منعه ورده وأدبه، يقال: عزره القاضي أي أدبه ودفعه ورده عن العودة إلى القبيح، ويكون بالفعل والقول، بحسب ما يليق.
(لا يجلد أحد) قال النووي: ضبطوه بوجهين، أحدهما بفتح الياء وكسر اللام، والثاني بضم الياء وفتح اللام، وكلاهما صحيح.
وهل الفعل مرفوع؟ و"لا" نافية؟ أو مجزوم؟ و"لا" ناهية؟ قولان، ويؤيد النهي رواية للبخاري بلفظ "لا تجلدوا".
(فوق عشرة أسواط) في رواية "فوق عشر جلدات" وفي أخرى "لا عقوبة فوق عشر ضربات".
(إلا في حد من حدود اللَّه) قال الحافظ ابن حجر: ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد مخصوص من الجلد أو الضرب، أو ورد فيه عقوبة مخصوصة. قال: والمتفق عليه من ذلك
الزنا والسرقة وشرب الخمر والحرابة والقذف بالزنا والقتل، واختلف في أشياء كثيرة، يستحق مرتكبها العقوبة، هل تسمى عقوبته حدًا؟ أو لا؟ منها جحد العارية، واللواط، والقذف بشرب الخمر، وترك الصلاة تكاسلاً.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في هذا الحديث حق الله، فيشمل كل معصية، فالحدود أوامر الله ونواهيه، وهي المراد بقوله تعالى {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229] وبقوله {فقد ظلم نفسه} [الطلاق: 1] وقوله {تلك حدود الله فلا تقربوها} [البقرة: 187] وقوله {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا} [النساء: 14] فمعنى الحديث على هذا، لا يزاد على عشرة أسواط إلا على معصية ومحرم، فيزاد عليها.
-[فقه الحديث]-
اختلف السلف في مدلول هذا الحديث، فأخذ بظاهره الليث وأحمد - في المشهور عنه - وإسحق وبعض الشافعية وأشهب من المالكية، وقالوا: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط.
وقال الجمهور: تجوز الزيادة على العشر، ولكن إلى أي حد؟ اختلفوا.
فقال الشافعي وجمهور أصحابه: لا يبلغ أدنى الحدود. واختلفوا. هل الاعتبار بحد الحر؟ فلا يبلغ في تعزير الحر أو العبد أربعين؟ أو الاعتبار بحد العبد؟ فلا يبلغ بالتعزير للحر أو العبد عشرين؟ أو لا يبلغ بتعزير كل إنسان أدنى حدوده؟ فلا يبلغ بتعزير الحر أربعين؟ ولا يبلغ بتعزير العبد عشرين؟
أقوال.
وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالتعزير أربعين.
وعن ابن أبي ليلى - في رواية - وأبي يوسف: لا يزاد على خمس وتسعين.
وعن ابن أبي ليلى - في رواية - لا يزاد على خمس وسبعين، وهي رواية عن مالك.
وعن عمر رضي الله عنه: لا يجاوز به ثمانين، وهي رواية عن مالك، وأبي يوسف.
وعن عمر رضي الله عنه أيضًا أنه كتب إلى أبي موسى: لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين.
وعن عثمان رضي الله عنه ثلاثين، ومثله عن عمر.
وعن عمر وابن مسعود أنه يبلغ بالتعزير مائة سوط.
وعن مالك وأبي ثور وعطاء: لا يعزر إلا من تكرر منه، وأما من وقع منه معصية مرة واحدة، من المعاصي التي لا حد فيها، فلا يعزر.
وقال ابن أبي ذؤيب وابن أبي يحيى: لا يضرب أكثر من ثلاثة في الأدب.
وقال باقي الجمهور: التعزير إلى رأي الإمام بالغًا ما بلغ، ولا ضبط لعدد ضرباته، وهو اختيار أبي ثور.
وأجاب الجمهور عن الحديث بأجوبة، منها:
1 -
أن الحديث مقصور على الجلد، فلا يزاد فيه على العشر وأما الضرب بالعصا والجريد واليد، فيجوز الزيادة، لكن لا يبلغ أدنى الحدود. وهذا رأي الاصطرخي من الشافعية، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب.
2 -
ومنها أن الحديث منسوخ، دل على نسخه إجماع الصحابة، ورد بأنه قال به بعض التابعين.
3 -
ومنها معارضة الحديث بما هو أقوى منه، وهو الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود.
4 -
ومنها أن التعزير موكول إلى رأي الإمام من حيث التشديد في الضرب أو التخفيف فيه، لا من حيث العدد.
واللَّه أعلم