المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الطهارة ‌ ‌باب المياه - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ١

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌كتاب الطهارة ‌ ‌باب المياه

‌كتاب الطهارة

‌باب المياه

ص: 6

1 -

عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) أخرجه الأربعة وابن أبى شيبة واللفظ له، وصححه ابن خزيمة والترمذى.

[المفردات]

(أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر أكثر الصحابة حديثًا مات سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة.

(البحر) الماء الكثير أو المالح فقط كما فى القاموس.

(الطهور) ما يتطهر به أو الطاهر المطهر.

(الحل) الحلال.

(ابن أبى شيبة) هو أبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبى شيبة من شيوخ البخارى ومسلم وأبى داؤد وابن ماجه.

(ابن خزيمة) أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمى النيسابورى ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين ومات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.

[البحث]

هذا الحديث وقع جوابًا عن سؤال كما فى الموطأ أن أبا هريرة رضى اللَّه عنه قال (جاء رجل) وفى مسند أحمد (من بنى مدلج) وعند الطبراني (اسمه عبد اللَّه) إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا. أفنتوضأ به؟ وفى لفظ أبى داؤد (بماء البحر) فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فأفاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن

ص: 6

ماء البحر طاهر مطهر وأن ميتة البحر حلال فلا تحتاج حيواناته التى لا تعيش إلا فيه إلى ذبح وتذكية.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن ماء البحر طاهر مطهر.

2 -

وأنه يجوز أكل الحيوانات البحرية الميتة.

ص: 7

2 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن الماء طهور لا ينجسه شئ) أخرجه الثلاثة وصححه أحمد.

[المفردات]

(أبو سعيد الخدرى) هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجى الأنصارى -والخدرى نسبة إلى خدرة حى من الأنصار- عاش أبو سعيد ستا وثمانين سنة ومات في أول سنة أربع سبعين.

[البحث]

هذا الحديث يسمى حديث بئر بضاعة، وسببه أنه قيل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يطرح فيها الحِيَض ولحم الكلاب والنتن؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن الماء طهور. . الحديث فأفاد صلى الله عليه وسلم أن الماء طاهر مطهر لو خالطته نجاسة لا تنجسه بل يبقى على طهوريته، وهذا الحديث محمول على الماء الذى بلغ القلتين لأن ما دون القلتين محمل الخبث كما سيأتى ولا شك أن ماء بئر بضاعة كان يبلغ القلتين، وقد قال أبو داؤد: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة، قلت فإذا نقص؟ قال: دون العورة، وقال أبو داؤد: قدرت بئر بضاعة بردائى فمددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ست

ص: 7

أذرع، وسألت الذى فتح لى باب البستان فأدخلنى إليه هل غير بناؤها عما كان عليه؟ فقال: لا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن الماء الكثير لا تضره النجاسه سواء ورد عليها أم وردت عليه إذا لم تغير أحد أوصافه كما سيأتى.

ص: 8

3 -

وعن أبي أمامة الباهلى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) أخرجه ابن ماجه وضعفه أبو حاتم، وللبيهقى (الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه).

[المفردات]

(أبو أمامة) صدى بن عجلان سكن مصر ثم انتقل عنها وسكن حممى ومات بها سنة إحدى وقيل ست وثمانين وقيل إنه آخر من مات من الصحابة بالشام.

(أبو حاتم) هو الإمام محمد بن إدريس بن المنذر الرازى الحنظلى، ولد سنة خمس وتسعين ومائة وتوفى فى شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة.

(البيهقى) هو الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن على شيخ خراسان، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ومات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وبيهق: بلد قرب نيسابور.

[البحث]

اتفق المحدثون على تضعيف هذا الحديث، وسبب تضعيفه أنه من رواية رشدين بن سعد وهو متروك الحديث، إلا أن قوله:

ص: 8

(إن الماء لا ينجسه شئ) قد ثبت مثله فى حديث بئر بضاعة وهو صحيح فالتضعيف خاص بالاستثناء وهو قوله (إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه) لا أصل الحديث فإنه ثابت كما علمت، ومع أن العلماء أجمعوا على تضعيف رواية الاستثناء فقد أجمعوا على القول بحكمها إذ أنهم اتفقوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس، فكان الاجماع هو الدليل على نجاسة ما تغير أحد أوصافه لا هذه الزيادة.

ص: 9

4 -

وعن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) وفى لفظ (لم ينجس) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.

[المفردات]

(عبد اللَّه بن عمر) هو ابن عمر بن الخطاب أسلم صغيرًا بمكة وأول مشاهده الخندق وتوفى بمكة سنة ثلاث وسبعين.

(قلتين) تثنية قلة وهى إناء للعرب كالجرة الكبيرة والمراد قلتان من قلال هجر لأنها هى التى كان يقدر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثيرًا كما جاء فى حديث المعراج، ومقدار القلتين نحو خمسمائة رطل أى عراقى.

(الخبث) النجاسة.

(الحاكم) أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه النيسابورى المعروف بابن البيع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وحدث عنه الدارقطنى وأبو يعلى الخليلى والبيهقى، وألف المستدرك وتاريخ نيسابور، وتوفى فى شهر صفر سنة خمس وأربعمائة.

(ابن حبان) هو أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستى حدث عنه الحاكم وغيره، توفى فى شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.

ص: 9

[البحث]

يحدد هذا الحديث الماء القليل والكثير فالقليل ما دون القلتين والكثير ما كان قلتين بن قلال هجر فإذا كان الماء دون القلتين وخالطته نجاسة فإنها تضره أما إذا كان قلتين وأصابته نجاسة فإنها لا تنجسه لأنه لا يحملها أى لا يتأثر بها ولا تضره.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن الماء القليل تضره النجاسة.

2 -

وأن حد القليل ما كان دون القلتين.

3 -

وأن الماء الكثير لا تضره النجاسة.

4 -

وأن حد الكثير ما كان قلتين.

ص: 10

5 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم فى الماء الدائم وهو جنب) أخرجه مسلم، وللبخارى (لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل فيه) ولمسلم (منه) ولأبى داؤد (ولا يغتسل فيه من الجنابة).

[المفردات]

(الدائم) الراكد الساكن الذى لا يجري.

(فيه) أى لا يغتسل فيه بالانغماس مثلا.

(منه) أى لا يتناول منه ويغتسل خارجه.

[البحث]

لفظ رواية مسلم: (لا يغتسل أحدكم فى الماء الدائم وهو جنب) يفيد النهى عن اغتسال الجنب فى الماء الدائم مطلقًا سواء كان هذا

ص: 10

الماء قليلا أم كثيرًا، وسواء أسبق الاغتسال فيه بول أم لا؟ ولفظ رواية البخارى يفيد النهى عن الجمع بين البول والاغتسال فى الماء الدائم، أما البول على انفراد أو الاغتسال على انفراد فلا يفاد منها، ولفظ رواية أبى داؤد بفيد النهى عن كل واحد من البول والاغتسال على انفراد، والروايات الثلاث لم تحدد مقدار الماء وإنما وصفته بأنه دائم، وبما أن روايتى مسلم وأبى داؤد تمنعان من اغتسال الجنب فى الماء الدائم وإن لم يسبقه بول فيه، وكذلك رواية أبى داؤد تمنع من إفراد البول فى الماء الدائم، وإن لم يقصد الاغتسال منه، ورواية البخارى تفيد النهى عن الجمع بينهما فقط فالسبيل السوى لجمع شمل هذه الروايات هو أن يحمل المطلق على المقيد ويحمل الماء على القليل فلا يجمع له بين بول فيه واغتسال منه، ولا يفرد ببول فيه لأنه إفساد له حيث يضره الخبث، ولا يفرد باغتسال الجنب بطريق الانغماس فيه لأنه يفسده كذلك، وأما اغتسال الجنب من الماء الدائم بأن يتناول منه بإناء أو بيده بعد غسلها فإنه غير داخل فى هذا النهى والذى يحمل على أن المراد بالدائم ما ذكرنا هو ما رواه مسلم وابن ماجه عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(لا يغتسلن أحدكم فى الماء الدائم وهو جنب) فقالوا: يا أبا هريرة: كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

لا يجوز اغتسال الجنب فى الماء القليل بالانغماس فيه.

2 -

انغماس الجنب فى الماء القليل يفسده.

3 -

يحرم البول فى الماء الراكد.

4 -

لا يجوز الاغتسال من الماء الراكد بعد البول فيه.

5 -

يجوز الاغتسال من الماء الراكد بتناول الماء بإناء ونحوه.

ص: 11

6 -

وعن رجل صحب النبى صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا) أخرجه أبو داؤد والنسائي، وإسناده صحيح.

[المفردات]

(بفضل الرجل) أى بالماء الذى يفضل عن غسل الرجل.

(بفضل المرأة) أى بالماء الذى يفضل عن غسل المرأة.

(وليغترفا جميعا) أى وليأخذا من الإناء معا.

[البحث]

الرجل المبهم فى هذا الحديث قيل هو الحكم بن عمرو وقيل عبد اللَّه بن مغفل، وقد تكلم البيهقى فى هذا الحديث وتكلم فيه ابن حزم فقال البيهقى إنه فى معنى المرسل نظرًا لابهام الصحابى وقال ابن حزم: إن أحد رواته ضعيف، وقد رد قول البيهقى وهو كونه فى معنى المرسل بأن إبهام الصحابى لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول عند المحدثين، وإنما ضعف ابن حزم هذا الحديث لأن الذى رواه عن حميد بن عبد الرحمن الحميرى هو داؤد الأودى فظنه ابن حزم داؤد بن يزيد الأودى وهو ضعيف لكن الذى رواه هو داؤد بن عبد اللَّه الأودى وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داؤد وغيره.

وقد أفاد الحديث النهى عن اغتسال الرجل بالماء الذى يفضل عن غسل المرأة، والنهى عن اغتسال المرأة بالماء الذى يفضل عن غسل الرجل إلا أن هذا النهى معارض بحديث ابن عباس الآتى عقب هذا الحديث، أما اغتراف المرأة والرجل معا من الإناء فيصرح الحديث بجوازه.

ص: 12

7 -

وعن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة أخرجه مسلم، ولأصحاب السنن:(اغتسل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى حفنة فجاء ليغتسل منها فقالت له: (إني كنت جنبًا): فقال (إن الماء لا يجنب) وصححه الترمذى وابن خزيمة.

[المفردات]

(ابن عباس) عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم أن يفقهه اللَّه فى الدين ويعلمه التأويل وتوفى بالطائف سنة ثمان وستين بعد أن كف بصره.

(ميمونة) هى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم فى شهر ذى القعدة سنة سبع وتوفيت سنة إحدى وستين.

(ولأصحاب السنن) أى من طريق ابن عباس كما أخرجه البيهقى ونسبه إلى أبى داؤد.

(جفنة) إناء كالقصعة.

(لا يجنب) لا تصيبه الجنابة.

[البحث]

رواية مسلم عن ابن عباس جاءت عن طريق عمرو بن دينار بلفظ، قال: وعلمى -والذى يخطر على بالى- أن أبا الشعثاء أخبرنى أن ابن عباس أخبره أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة، وقد أعل هذا الحديث قوم بهذا التردد لكنه قد ثبت عند الشيخين بلفظ (أن النبى صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد) لكن رواية الشيخين هذه لا تعارض حديث الرجل الذى صحب النبى صلى الله عليه وسلم السابق لأنه يحتمل أنهما كانا يغترفان معًا فلا تعارض، نعم المعارض قوله: ولأصحاب السنن (اغتسل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى جفنة الحديث)

ص: 13

فإنه أفاد معارضه حديث الرجل الذى صحب النبى صلى الله عليه وسلم وأنه يجوز غسل الرجل بفضل المرأة فإما أن يكون النهى قد نسخ ويدل لهذا قول التي اغتسلت فى الجفنة من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حينما جاء يغتسل منها: إني كنت جنبًا أى وقد اغتسلت منها وقد نهيت أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، وإما أن يحمل النهى على التنزيه.

[ما يفيده الحديث]

1 -

يجوز للرجل أن يغتسل بفضل المرأة.

2 -

ويجوز للمرأة أن تغتسل بفضل الرجل.

ص: 14

8 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) أخرجه مسلم وفى لفظ له: (فليرقه) وللترمذى: (أخراهن أو أولاهن).

[المفردات]

(طهور) بضم الطاء ويجوز فتحها لغتان، وطهور إناء أحدكم أى مطهره.

(ولغ) يقال: ولغ الكلب إذا أدخل لسانه فى الماء وغيره من كل مائع فحركه شرب أو لم يشرب فإن كان غير مائع يقال: لعقه.

(إناء أحدكم) هذه الاضافة ملغاة إذ حكم النجاسة والطهارة لا يتوقف على ملكية الإناء.

(فليرقه) أى فليصب الماء أو المائع الذى ولغ فيه الكلب على الأرض متلفا له.

ص: 14

[البحث]

نقل المصنف فى فتح البارى أن لفظة (فليرقه) لم يصح نقلها عن الحفاظ، وقال ابن عبد البر: لم ينقلها أحد من الحفاظ من أصحاب الأعمش، وقال ابن منده: لا تعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه.

وقد روى الحديث بلفظ: أولاهن، وجاء فى بعض الروايات بلفظ: إحداهن، وفى بعضها بلفظ: أولاهن أو أخراهن أو السابعة أو الثامنة، وأرجح الروايات رواية أولاهن لكثرة رواتها وباخراج الشيخين لها وذلك من وجوه الترجيح عند التعارض، وألفاظ الروايات التي عورضت بها (أولاهن) لا تقاومها فرواية أخراهن منفردة لا توجد فى شئ من كتب الحديث مسندة، ورواية: السابعة بالتراب اختلف فيها فلا تقاوم رواية (أولاهن بالتراب) ورواية إحداهن ليست فى الأمهات بل رواها البزار فعلى صحتها فهى مطلقة يجب حملها على المقيدة، ورواية:(أولاهن أو أخراهن) إن كان ذلك من الراوى فهو شك منه فيرجع إلى الترجيح ورواية أولاهن أرجح وإن كان من كلامه صلى الله عليه وسلم فهو تخيير منه صلى الله عليه وسلم ويرجع إلى ترجيح (أولاهن) لثبوتها فقط عند الشيخين، والحديث يدل على تعيين التراب وأنه فى الغسلة الأولى ولا فرق بين أن يخلط الماء بالتراب حتى يتكدر أو يطرح الماء على التراب أو يطرح التراب على الماء.

[ما يفيده الحديث]

1 -

فم الكلب نجس.

2 -

يجب غسل الإناء سبع مرات من ولوغ الكب.

3 -

يجب تتريب هذا الإناء.

4 -

يتعين أن يكون التتريب فى الغسلة الأولى.

ص: 15

9 -

وعن أبى قتادة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فى الهرة: (إنها ليست بنجس، إنما هى من الطوافين عليكم) أخرجه الأربعة وصححه الترمذى وابن خزيمة.

[المفردات]

(أبو قتادة) هو الحارث بن ربعى الأنصارى فارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفى سنة أربع وخمسين بالمدينة.

(الهرة) الهر: السنور والأنثى هرة (قطة).

[البحث]

لهذا الحديث سبب فقد روى الخمسة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبى قتادة فدخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت منه، قالت كبشة: فرآني أنظر! فقال: أتعجبين يا ابنة أخى؟ فقلت: نعم فقال: إن رسوك اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم) وفى رواية مالك وأحمد وابن حبان والحاكم زيادة لفظ: (والطوافات) أى إن الهرة لكثرة اتصالها بأهل المنزل وملابستها لهم ولما فى منزلهم، خفف اللَّه تعالى على عباده فجعلها غير نجس رفعًا للحرج فلا ينجس ما لامسته، فسؤرها طاهر إذا لم يكن عليه نجاسة ظاهرة فإن كان عليه نجاسة ظاهرد وباشرت ماء أو مائعًا فينجس بهذه النجاسة لا بفمها فإن زالت عين النجاسة فقد حكم الشارع بأنها ليست بنجس.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن فم الهرة طاهر.

2 -

وسؤرها طاهر كذلك.

3 -

وأنه ينبغى الرفق بالهرة كما ينبغى الرفق بالخادم.

ص: 16

10 -

وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: جاء أعرابى فبال فى طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله، أمر النبى صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه) متفق عليه.

[المفردات]

(أنس) هو أبو حمزة الأنصارى النجارى الخزرجى خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة إلى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بعشر سنين ومات بالبصرة سنة إحدى وتسعين.

(أعرابى) نسبة إلى الأعراب وهم سكان البادية، وهذا الأعرابى يقال له: ذو الخويصرة اليماني أو الأقرع بن حابس.

(طائفة المسجد) ناحية المسجد، والطائفة: القطعة من الشئ.

(فزجره الناس) فنهروه إذ قالوا له: مه مه أى اكفف اكفف.

(فنهاهم) أى قال لهم: دعوه، وفى لفظ:(لا تزرموه) أى لا تقطعوا عليه بوله.

(ذنوب) هى الدلو الملآن ماء وقيل العظيمة.

(فأهريق) أصله: أريق أى صب.

[البحث]

روى الترمذى هذا الحديث بزيادة أن هذا الأعرابى جاء إلى المسجد وصلى ثم قال: اللهم ارحمنى ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:(لقد تحجرت واسعًا) فلم يلبث أن بال فى المسجد وهذا يدل على أن الأعرابي كان مسلمًا، فلما بدأ يبول قام إليه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونهروه بشدة فنهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قطع بوله وقال لهم: دعوه وأريقوا عليه ذنوبًا من ماء ثم قال لهم: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) كما رواه الجماعة إلا مسلما،

ص: 17

فتركوه حتى بال ثم صبوا مكان بوله ذنوبًا من ماء، وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم دعاه حينا فرغ من بوله وقال له:(إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر إنما هى لذكر اللَّه عز وجل والصلاة وقراءة والقرآن).

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن بول الآدمى نجس.

2 -

وأن الأرض إذا تنجست طهرت بالماء كسائر المتنجسات.

3 -

وأن صب الماء يطهر الأرض رخوة كانت أو صلبة.

4 -

وجوب احترام المساجد.

5 -

والرفق بالجاهل فى التعليم.

6 -

وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته.

7 -

ودفع أعظم المضرتين بأخفهما.

ص: 18

11 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال) أخرجه أحمد وابن ماجه وفيه ضعف.

[المفردات]

(أحلت) أى بعد التحربم الذى دلت عليه الآيات.

(الجراد والحوت) أى ميتتهما.

(الحوت) السمكة.

[البحث]

سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر وقد قال أحمد: عبد الرحمن بن زيد حديثه منكر، وإذا ثبت أن هذا الحديث ضعيف فإنه لا يصلح للاحتجاج

ص: 18

به ولا ينفع فى الاستدلال على الأحكام إلا أن ميتة السمك حلال لحديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وأما الجراد فحلال لحديث ابن أبى أوفى قال: غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد) رواه الجماعة إلا ابن ماجه، والكبد حلال بالاجماع ومثلها الطحال.

ص: 19

12 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن فى أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء) أخرجه البخارى وأبو داؤد وزاد: (وإنه يتقى بجناحه الذى فيه الداء).

[المفردات]

(لينزعه) أى ليطرح الذباب بعد غمسه.

(شفاء) أى دواء يسبب الشفاء.

(يتقى) يقدم جناح الداء وقاية ودفاعًا.

[البحث]

إذا وقع الذباب فى شراب أو طعام فيجب غمسه فيه ثم نزعه منه وطرحه لأن الذباب فى أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء وأن هذا الداء بمنزلة السلاح له فإذا وقع فى شراب أو طعام اتقاه بسلاحه فقدم جناح الداء فيجب غمسه ليزيل الدواء الداء، ولعمر الحق فتلك معجزة ظاهرة من معجزات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وقد كشف عنها فى عصرنا هذا الطب الحديث، وإنها لتربية كاملة للنفس الانسانية حتى لا يستلم زمامها الشيطان فيقودها إلى الهاوية ويجعلها تعاف الحلال الطيب، وتحب الحرام الخبيث.

ص: 19

[ما يفيده الحديث]

1 -

وجوب غمس الذباب فى الإناء إذا وقع فيه ثم طرحه.

2 -

وأن الماء القليل لا ينجس إذا مات فيه مالا نفس له سائلة.

3 -

ينبغى قتل الذباب اتقاء ضرره.

4 -

وأنه يحرم أكل الذباب.

ص: 20

13 -

وعن أبى واقد الليثي رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميت) أخرجه أبو داؤد والترمذى وحسنه واللفظ له.

[المفردات]

(أبو واقد الليثى) هو الحارث بن عوف مات سنة ثمان أو خمس وستين بمكة.

(الليثى) نسبة إلى ليث لأنه من بنى عامر بن ليث.

(البهيمة) فى القاموس: البهيمة كل ذات أربع قوائم، ولو فى الماء، وكل حى لا يميز، والبهيمة: أولاد الضأن والمعز والمراد هنا: البهيمة التى يؤكل لحمها.

(وهى حية) أى حال حياتها.

(فهو) أى المقطوع من البهيمة.

[البحث]

هذا الحديث روى من أربع طرق عن أربعة من الصحابة، عن أبى سعيد وأبي واقد وابن عمر وتميم الدارى، وحديث أبي واقد هذا رواه أيضًا أحمد والحاكم بلفظ: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنام الابل فيجبونها فقال:

ص: 20

(ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميت) وقد أفاد قوله: (فهو ميت) أن يكون المقطوع مما تحله الحياة لأن الميت ما من شأنه أن يكون حيا.

وإذا أريد بالبهيمة أنها كل حى لا يميز فيخص منه السمك وما قطع مما لا دم له، غير أن سبب الحديث يدل على أن المراد بالبهيمة الابل والغنم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن ما قطع من الحيوان المأكول اللحم حال حياته لا يؤكل.

2 -

لا يجوز الأخذ من أسنمة الابل وأليات الغنم وهى على قيد الحياة لأنه تعذيب للحيوان بلا فائدة.

ص: 21