المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ ‌باب التيمم

‌باب التيمم

ص: 116

1 -

عن جابر بن عبد اللَّه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) وذكر الحديث وفى حديث حذيفة عند مسلم: (وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء) وعن على رضى اللَّه عنه عند أحمد (وجعل التراب لى طهورًا).

[المفردات]

(التيمم) هو فى اللغة القصد، وفى الشرع: القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها، وهو من خصائص هذه الأمة.

(أعطيت خمسًا) أى خمس خصائص، ومفهوم العدد غير مراد لأنه ثبت أنه قد أعطى أكثر من الخمس.

(بالرعب) أى بالخوف.

(مسيرة شهر) أى بينى وبين العدو مسيرة شهر، يعنى يخاف منى أعدائى وبينى وبينهم مسيرة شهر فيهزمون.

(مسجدًا) أى موضع سجود.

(وطهورًا) بفتح الطاء أى مطهرة تستباح بها الصلاة.

(فأيما رجل) أى فكل رجل.

(فليصل) أى فى مسجد إن وجده فإن لم يجد ففى أى مكان غير المواضع التى نهى عن الصلاة فيها، فإن كان يجد الماء يتوضأ وإلا تيمم وقد قيدنا بذلك لأدلة أخرى.

(وذكر الحديث) أى ذكر جابر بقية الحديث وفيه بقية الخمس

ص: 116

[البحث]

بقية الحديث: (وأحلت لى الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبى يبعث فى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) وإنما لم يذكر المصنف الحديث بتمامه اكتفاء بذكر الجزء الذى فيه الشاهد، وقوله (فليصل) مطلق لم يذكر فيه الماء أو عدمه وقد قيدته رواية حذيفة عند مسلم (طهورًا إذا لم نجد الماء) وقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} هذا وحديث جابر متفق عليه ولعله سقط من الأصل كلمة (متفق عليه) لأنه من عادة المصنف أن يبين عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة كما قال فى خطبة الكتاب.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن التيمم بالتراب مشروع عند فقدان الماء.

2 -

وأن التيمم من خصائص هذه الأمة.

ص: 117

2 -

وعن عمار بن ياسر رضى اللَّه عنهما قال: بعثنى النبي صلى الله عليه وسلم فى حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت فى الصعيد تمرغ الدابة ثم أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفى رواية للبخارى:(وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح كما وجهه وكفيه).

[المفردات]

(عمار بن ياسر) هو أبو اليقظان، أسلم قديمًا وعذب فى مكة وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، شهد بدرًا والمشاهد كلها، وقتل بصفين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.

(فأجنبت) أى صرت جنبًا. (فتمرغت) أى فتقلبت.

ص: 117

(الصعيد) قال فى القاموس: والصعيد التراب أو وجه الأرض، وفى المصباح: الصعيد: وجه الأرض ترابًا كان أو غيره قال الزجاج: لا أعلم اختلافًا بين اهل اللغة فى ذلك.

(تمرغ الدابة) أى كما تتمرغ الدابة.

(أن تقول) يعنى أن تفعل فأطلق القول على الفعل.

(وفى رواية للبخارى) يعنى من حديث عمار.

[البحث]

إنما تمرغ عمار فى التراب كما تتمرغ الدابة ظنًّا منه أن التراب لابد فيه من عموم البدن كالماء فأبان له النبى صلى الله عليه وسلم ما يجزئه من ذلك وهذا الحديث يفيد أنه تكفى الضربة الواحدة للكفين والوجه، ولا يقوى ما رواه الدارقطنى عن ابن عمر من ضربتين: ضربة للوجه وضربة للكفين على معارضة هذا الحديث، إذ أن حديث ابن عمر فيه مقال سيأتى، وقد أفاد حديث عمار أنه يكفى فى اليدين الراحتان وظاهر الكفين، وما روى عن عمار مخالف لذلك فضعيف لا يقوى على معارضته أيضًا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن التيمم فرض من أجنب ولم يجد الماء.

2 -

وأنه تكفى الضربة الواحدة للوجه والكفين جميعًا.

3 -

وأن محل المسح فى التيمم هو الوجه والكفان.

ص: 118

3 -

وعن ابن عمر -رضى اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (التيمم صربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) رواه الدارقطنى وصحح الأئمة وقفه.

[المفردات]

(وقفه) أى على ابن عمر، ولم يرفع إلى النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 118

[البحث]

قال الدارقطنى فى سننه عقب رواية هذا الحديث: وقفه يحيى القطان وهشيم وغيرهما وهو الصواب انتهى، وقد وردت روايات فى معنى حديث ابن عمر وكلها غير صحيحة بل هى إما موقوفة أو ضعيفة والصحيح هو حديث عمار الثابت فى الصحيحين، قال أهل العلم: إن الأحاديث الواردة فى صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبى جهيم وحديث عمار، وما عداهما فضعيف مختلف فى رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه، هذا وحديث أبى جهيم ورد بذكر اليدين مجملا، وحديث عمار ورد بلفظ الكفين فقط فى الصحيحين فيكون مبينًا لحديث أبى جهيم، وأما ما رواه الطبرانى فى الأوسط والكبير أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر:(يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين) ففى إسناده إبراهبم بن أبى يحيى وهو ضعيف، وإذ قد علمت ما فى حديث ابن عمر من المقال فإنه لا تقوم به حجة ولا يفيد شيئًا من الأحكام.

ص: 119

4 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق اللَّه وليمسه بشرته) رواه البزار وصححه ابن القطان ولكن صوب الدارقطنى إرساله، وللترمذى عن أبى ذر رضى اللَّه عنه نحوه وصححه.

[المفردات]

(فإذا وجد) أى المسلم. (وليمسه بشرته) أى وليغتسل.

(أبى ذر) جندب بن جنادة، أسلم قديمًا بمكة، وهو أول من حيَّى

ص: 119

النبى صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، سكن الربذة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، ومات بها سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان.

(نحوه) أى نحو حديث أبى هريرة.

(وصححه) يعنى حديث أبى ذر.

[البحث]

لفظ حديث أبى ذر عند الترمذى: قال أبو ذر. اجتويت المدينة فأمر لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإبل فكنت فيها فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: هلك أبو ذر: (ما حالك؟ ) قلت: كنت أتعرض للجنابة وليس قربى ماء، قال:(الصعيد طهور لمن لم يجد الماء ولو عشر سنين) قال المصنف فى الفتح: وقد صححه أيضًا ابن حبان والدارقطنى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن التيمم يرفع الجنابة رفعًا مؤقتًا إلى حال وجدان الماء.

ص: 120

5 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: خرج رجلان فى سفر، وليس معهما ماء، فحضرت الصلاة فتيمما صعيدًا طيبًا، فصليا، ثم وجدا الماء فى الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذى لم يعد:(أصبت السنة وأجزأتك صلاتك) وقال للآخر: (لك الأجر مرتين) رواه أبو داود والنسائى.

[المفردات]

(طيبًا) أى طاهرًا حلالًا.

(فى الوقت) أى فى وقت الصلاة التى صلياها.

(السنة) أى الطريقة الشرعية.

ص: 120

(وقال للآخر) أى للذى أعاد.

(مرتين) أى أجر الصلاة بالتراب وأجر الصلاة بالماء.

[البحث]

هذا الحديث رواه أبو داؤد والنسائى مرسلا عن عطاء بن يسار عن النبى صلى الله عليه وسلم وقد روياه أيضًا عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم موصولًا، وقد أخرجه أيضًا الدارمى والحاكم، ورواه الدارقطنى موصولًا ثم قال: تفرد به عبد اللَّه بن نافع عن الليث عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبى سعيد موصولًا. وقال الطبرانى فى الأوسط: لم يروه متصلا إلا عبد اللَّه بن نافع، قال أبو داود: وذكر أبى سعيد فيه ليس بمحفوظ، وقد رواه ابن السكن فى صحيحه موصولًا من طريق أبى الوليد الطيالسى عن الليث عن عمرو بن الحرث وعميرة بن أبى ناجية جميعًا، عن بكر عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 121

6 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما -فى قوله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قال: إذا كانت بالرجل الجراحة فى سبيل اللَّه، والقروح، فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل تيمم؛ رواه الدارقطنى موقوفًا ورفعه البزار وصححه ابن خزيمة والحاكم.

[المفردات]

(فى سبيل اللَّه) أى فى الجهاد.

(والقروح) جمع قرح وهى البثور التى تخرج فى الأبدان كالجدرى ونحوه.

(فيجنب) فتصيبه الجنابة. (فيخاف) أى فيظن ويخشى.

(موقوفًا) أى على ابن عباس.

ص: 121

[البحث]

قال البزار: لا نعلم من رفعه عن عطاء من الثقات إلا جريرًا، وقد سأل ابن معين: إنه -يعنى جريرًا- سمع من عطاء بعد الاختلاف وحينئذ فلا يتم رفعه، وضعف هذا الحديث أيضًا أبو زرعة وأبو حاتم ولا شك أن قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} يبيح التيمم للمريض وإن لم يخف الموت.

ص: 122

7 -

وعن على رضى اللَّه عنه قال: انكسرت إحدى زندى فسألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (فأمرنى أن أمسح على الجبائر) رواه ابن ماجه بسند واه جدًا.

[المفردات]

(زندى) تثنية زند والزند: موصل طرف الذراع فى الكف.

(الجبائر) جمع جبيرة وهى العيدان التى يجبر بها العظام وتلف فوقها خرقة. (واه) أى ضعيف.

[البحث]

هذا الحديث أنكره يحيى بن معين وأحمد وغيرهما، وسبب إنكارهم هذا الحديث أنه من رواية عمرو بن خالد الواسطى وهو كذاب، ورواه الدارقطنى والبيهقى من طريقين أو هى من طريق ابن ماجه.

قال النووى: اتفق الحفاظ على ضعف هذا الحديث، وقد ورد فى معنى هذا الحديث أحاديث آخر غير أن البيهقى قال: إنه لا يصح منها شئ.

ص: 122

8 -

وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما -فى الرجل الذى شج فاغتسل فمات- (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داؤد بسند فيه ضعف وفيه اختلاف على رواته.

[المفردات]

(شج) أى كسر.

[البحث]

هذا الحديث رواه أيضًا الدارقطنى وابن ماجه وصححه ابن السكن، وقد قال الدارقطنى: إنه تفرد به الزبير بن خريق وهو ليس بالقوى، وخالفه الأوزاعى فرواه عن عطاء عن ابن عباس، ورواه الحاكم عن بشر بن بكر عن الأوزاعى عن عطاء عن ابن عباس وقال أبو زرعة وأبو حاتم: لم يسمعه الأوزاعى من عطاء، إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء، ونقل ابن السكن عن ابن أبى داؤد أن حديث الزبير أصح من حديث الأوزاعى.

وسياق المصنف لحديث جابر يدل على أن قوله: (إنما كان يكفيه) من كلام جابر وليس كذلك فهذا الحديث مرفوع ولكن لما اختصره المصنف فاتته العبارة الدالة على رفعه ولفظ الحديث عند أبى داؤد عن جابر قال: خرجنا فى سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجه فى رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال:(قتلوه قتلهم اللَّه ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العى السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده).

ص: 123

9 -

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال (من السنة ألا يصلى الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى) رواه الدارقطنى بإسناد ضعيف جدًا.

[المفردات]

(من السنة) أى من طريقة النبى صلى الله عليه وسلم وشرعه.

(الرجل) أى والمرأة كذلك.

[البحث]

سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وفى الباب عن على وابن عمر رضى اللَّه عنهم حديثان ضعيفان، ولا تقوم بالضعيف حجة.

ص: 124