الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الصلاة
1 -
عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم اسقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم افعل ذلك فى صلاتك كلها) أخرجه السبعة، واللفظ للبخارى، ولابن ماجه بإسناد مسلم (حتى تطمئن قائمًا) ومثله فى حديث رفاعة رضى اللَّه عنه عند أحمد وابن حبان، وفى لفظ لأحمد (فأقم صلبك حتى ترجع العظام) وللنسائى وأبى داؤد من حديث رفاعة بن رافع (إنها لن تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللَّه تعالى ثم يكبر اللَّه ويحمده ويثنى عليه) وفيها (فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد اللَّه وكبره وهلله) ولأبى داؤد (ثم أقرأ بأم القرآن وبما شاء اللَّه) ولابن حبان (ثم بما شئت).
[المفردات]
(إذا قمت إلى الصلاة) أى نويت القيام للصلاة.
(فأسبغ الوضوء) أى أتمه وأكمله.
(استقبل القبلة فكبر) أى تكبيرة الإحرام.
(تعتدل) تستوى.
(ثم افعل ذلك) أى جميع ما ذكر من الأقوال والأفعال إلا إسباغ الوضوء وتكبيرة الإحرام، لأنه قد علم من الشرع أن لا يتكرر فى كل ركعة.
(فى صلاتك) أى فى ركعات صلاتك.
(أخرجه السبعة) بألفاظ متقاربة.
(واللفظ للبخارى) أى واللفظ الذى ساقه هنا للبخارى.
(ولابن ماجه) أى من حديث أبى هريرة.
(بإسناد مسلم) أى بإسناد رجاله رجال مسلم.
(ومثله) أى مثل ما أخرجه ابن ماجه.
(رفاعة) هو رفاعة بن رافع الأنصارى صحابى شهد بدرًا والمشاهد بعدها، توفى فى أول إمارة معاوية.
(ترجع العظام) أى حتى تعود إلى ما كانت عليه حال القيام للقراءة وذلك بكمال الاعتدال.
(كما أمره اللَّه تعالى) أى فى آية المائدة (إذا قمتم إلى الصلاة).
(احمده وكبره وهلله) أى قل الحمد للَّه واللَّه أكبر ولا إله إلا اللَّه.
(وفيها) أى فى رواية النسائى وأبى داؤد من حديث رفاعة.
(بأم القرآن) أى بفاتحة الكتاب.
[البحث]
هذا الحديث يعرف بحديث المسئ صلاته، وعبارة (فأسبغ الوضوء) لم يذكرها البخارى فى باب أمر النبى صلى الله عليه وسلم الذى لا يتم ركوعه عنه بالاعادة، ولم يذكرها كذلك فى باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، والذى رواه البخارى عن أبى هريرة بلفظ:(إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وهذه الزيادة ثابتة فى مسلم عن أبى هريرة، وأما حديث رفاعة بن رافع فقد رواه أبو داؤد بأسانيد مختلفة منها ما رواه عن الحسن بن على عن هشام بن عبد الملك والحجاج بن منهال قالا: حدثنا همام عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن على بن يحيى ابن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-
(إنها لا تتم صلاة أحدك حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللَّه عز وجل فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر اللَّه عز وجل ويحمده ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر) ومنها رواية وهب بن بقية عن خالد عن محمد يعنى ابن عمرو بمثل سند الأولى إلى رفاعة بن رافع قال: (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء اللَّه أن تقرأ) ومنها رواية عباد بن موسى الختلى عن إسماعيل يعنى ابن جعفر إلى رفاعة بن رافع بنحو سند الأولى قال: (فتوضأ كما أمرك اللَّه عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد اللَّه وكبره وهلله) وقد حسن الترمذى حديث رفاعة، وقوله: فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد اللَّه الخ، معناه إن لم يكن معك قرآن هذه الساعة وقد دخل وقت الصلاة فقل بعد التكبير: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، فإذا فرغ -من هذا حاله- من تلك الصلاة وجب عليه أن يتعلم، وذلك لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
من واجبات الصلاة النية واستقبال القبلة -وهما شرطان للصلاة- وتكبيرة الاحرام، والقراءة فى الركعات كلها، والركوع والاطمئنان فيه، والرفع من الركوع إلى الاعتدال والاطمئنان فيه، والسجدة الأولى، والاطمئنان فيها، والسجدة الثانية والاطمئنان فيها والجلوس بين السجدتين والاطمئنان فيه، وترتيب أركان الصلاة.
2 -
وفى الحديث دليل على أن التعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين فى تكبيرة الاحرام ووضع اليد اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضع اليد على الفخذ، والجهر والاسرار، كل ذلك ليس بواجب فى الصلاة.
2 -
وعن أبى حميد الساعدى رضى اللَّه عنه قال: (رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس فى الركعتين جلس على رجله اليسري ونصب اليمنى، وإذا جلسا فى الركعة الآخرة قدم رجله اليسري ونصب الأخري وقعد على مقعدته) أخرجه البخارى.
[المفردات]
(أبو حميد الساعدى) هو أبو حميد بن عبد الرحمن بن سعد الأنصارى الخزرجى الساعدى، مات آخر ولاية معاوية.
(إذا كبر) أى للاحرام. (جعل يديه) أى كفيه.
(حذو) أى مقابل.
(هصر ظهره) أى ثناه فى استواء من غير تقويس.
(منكبيه) تثنية منكب وهو مجمع رأس عظم الكتف والعضد.
(فقار) جمع فقاره وهى عظام الظهر.
(فلذا رفع رأسه) أى من الركوع. (غير مفترش) أى ذراعيه.
(جلس فى الركعتين) أى للتشهد الأوسط.
(فى الركعة الآخرة) أى للتشهد الأخير.
[البحث]
حديث أبى حميد هذا روى عنه قولا وروى عنه فعلا واصفًا فيها صلاة النبى صلى الله عليه وسلم، وفيه أمور منها: أن رفع اليدين مقارن التكبير وقد روى رفع اليدين فى أول الصلاة خمسون صحابيًا منهم العشرة
المشهود لهم بالجنة، وووى البيهقى عن الحاكم قال: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من الصحابة مع تفرقهم فى البلاد الشاسعة غير هذه السنة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من السنة رفع اليدين حذاء المنكبين عند تكبيرة الإحرام.
2 -
بيان هيئات الركوع والسجود والجلسة للتشهد الأوسط، والجلسة للتشهد الأخير.
3 -
وعن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: (وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض) إلى قوله (من المسلمين) اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك. . .) إلى آخره، رواه مسلم، وفى رواية له: إن ذلك فى صلاة الليل.
[المفردات]
(وجهت وجهى) قصدت بعبادتى.
(فطر السماوات والأرض) أى ابتدأ خلقهما.
(حنيفًا) أى مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام.
(نسكى) عبادتى. (محياى ومماتى) أى حياتى وموتى.
(سيئها) أى قبيحها. (لبيك) أى إقامة على طاعتك بعد إقامة.
(سعديك) أى مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة
(والشر ليس إليك) أى لا يتقرب به إليك.
(وفى رواية له) أى لمسلم إلا أنها ليست عن على بن أبى طالب.
[البحث]
لفظ هذا الحديث عند مسلم عن على بن أبى طالب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: (وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى للَّه رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربى وأنا عبدك، ظلمت نفسى واعترفت بذنى فاغفر لى ذنوبى جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدنى لأحسن الأخلاق، لا يهدى لأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها، لا يصرف عنى سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله فى يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك، فإذا ركع قال: إلى آخر الحديث، وقول المصنف: وفى رواية له: إن ذلك فى صلاة الليل، ظاهره أن حديث على قد ثبت فى بعض رواياته ذلك عن على، وليس كذلك بل الذى نص فيه على أن ذلك فى صلاة الليل هو الدعاء الوارد عن ابن عباس والدعاء الوارد عن عائشة وهما فى مسلم ودعاؤهما غير دعاء على رضى اللَّه عنه غير أن مسلمًا قد ساق حديث على فى باب صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل بعد أن ساق حديث ابن عباس وعائشة رضى اللَّه عنهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية استفتاح الصلاة بهذا الدعاء واستحبابه فى صلاة الليل.
4 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فسألته فقال: (أقول اللهم
باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد) متفق عليه.
[المفردات]
(سكت هنيهة) أى ساعة لطيفة.
(فسألته) أى عن سكوته ماذا يقول فيه؟ .
(باعد بينى وبين خطاياى) أى حل بينى وبين المعاصى.
(كما باعدت بين المشرق والمغرب) أى كما حلت بينهما فلا يجتمعان.
(الدنس) الوسخ. (البرد) حب الغمام.
[البحث]
هذا الحديث قد رواه الجماعة إلا الترمذى وهو أصح حديث فى دعاء الاستفتاح ولفظ مسلم عن أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كبر فى الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول اللَّه بأبى أنت وأمى، سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال:(أقول: اللهم، إلى آخر الحديثا الذي ساقه المصنف، ولفظ البخارى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة قال: أحسبه قال: هنية، فقلت: بأبي وأمى يا رسول اللَّه؟ أسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: (أقول: اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد) وهذا الدعاء بضع وعشرون كلمة، والدعاء الوارد فى حديث على بضع وثمانون كلمة، وعبارة: سكت هنيهة فى الحديث المتفق عليه تفيد أن سكوته
كان زمنا قليلا جدًا وهو المناسب للدعاء الوارد فى حديث أبى هريرة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة.
2 -
وأن هذا الدعاء مستحب للاستفتاح به فى الصلاة.
3 -
وأنه لا يجهر به.
5 -
وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه كان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك) رواه مسلم بسند منقطع، والدارقطنى موصولا وموقوفًا، ونحوه عن أبى سعيد الخدرى مرفوعًا عند الخمسة وفيه (وكان يقول بعد التكبير أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).
[المفردات]
(أنه) أى عمر. (كان يقول) أى بعد تكبيرة الاحرام.
(سبحانك اللهم وبحمدك) أى أسبحك متلبسًا بحمدك يعنى أنزهك متلبسًا بالثناء عليك.
(والدارقطنى) أى ورواه الدارقطنى. (وموقوفا) أى على عمر. (ونحوه) أى نحو حديث عمر.
(الرجيم) أى المرجوم المطرود من رحمة اللَّه. (همزه) أى وسوسته. (ونفخه) أى كبره كأن الشيطان ينفخ فيه فيعظم عند نفسه وفيه هلاك. (ونفثه) أى سحره.
[البحث]
جميع الأحاديث التى فيها، أن دعاء الاستفتاح (سبحانك اللهم وبحمدك الخ، فى أسانيدها مقال، قال البيهقى: أصح ما فيها
الأثر الموقوف على عمر، وهذا الأثر هو الذى رواه مسلم فى صحيحه لكن لم يصرح أنه قال: فى الاستفتاح، بل رواه عن عبدة أن عمر كان يتهجد بهذه الكلمات، وهذه الرواية التى وقعت فى مسلم مرسلة لأن عبدة بن أبى لبابة لم يسمع عمر.
وهذا هو وجه الانقطاع الذى ذكره المصنف: ولفظ حديث أبى سعيد عند أبى داؤد: حدثنا عبد السلام ابن مطهر حدثنا جعفر عن على بن على الرفاعى عن أبى المتوكل الناجى عن أبى سعيد الخدرى قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك ثم يقول: لا إله إلا اللَّه، ثلاثًا، ثم يقول: اللَّه أكبر كبيرًا، ثلاثًا، أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يقرأ قال أبو داؤد: وهذا الحديث يقولون: هو عن على بن على عن الحسن الوهم من جعفر، وقد ضعف هذا الحديث الترمذى، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.
6 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد للَّه ربّ العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوى قائمًا، وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوى جالسًا، وكان يقول فى كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم) أخرجه مسلم، وله علة.
[المفردات]
(يستفتح) أى بفتتح. (لم يشخص رأسه) أى لم يرفعه.
(ولم يصوبه) أى لم يخفضه خفضًا بليغًا.
(فى كل ركعتين التحية) أى بعد كل ركعتين.
(التحية) أى يتشهد بالتحيات للَّه، والمراد به فى الثلاثية والرباعية التشهد الأوسط وفى الثنائية الأخير.
(عقبة الشيطان) وتسمى أيضًا إقعاء وهى أن يلصق الرجل إليتيه فى الأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب والمراد النهى عن ذلك فى القعود.
(افتراش السبع) هو أن يبسط ذراعيه على الأرض والمراد النهى عن ذلك حال السجود.
[البحث]
علة هذا الحديث أنه أخرجه مسلم من رواية أبى الجوزاء -واسمه أوس بن عبد اللَّه، بصرى- قال ابن عبد البر: هو مرسل، أبو الجوزاء لم يسمع من عائشة، وأعل أيضًا بأنه أخرجه مسلم من طريق الأوزاعى مكاتبة، وقولها: كان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى لا يعارض حديث أبى حميد الساعدى المتقدم لأن حديث عائشة هذا محمول على القعود بعد الركعتين، ولم ينص فيه على مكان وضع الإليتين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
تعيين التكبير عند الدخول فى الصلاة، وهو مفتاحها.
2 -
مشروعية التشهد الأوسط.
3 -
النهى عن وضع إليتيه ويديه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه حال الجلوس.
4 -
النهى عن افتراش الذراعين كالسبع فى السجود.
5 -
وأن ختام الصلاة التسليم.
7 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، واذا رفع رأسه من الركوع) متفق عليه، وفى حديث أبى حميد رضى اللَّه عنه عند أبى داؤد (يرفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه ثم يكبر) ولمسلم عن مالك بن الحويرث رضى اللَّه عنه نحو حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما لكن قال: حتى يحاذى بهما فروع أذنيه).
[المفردات]
(نحو حديث ابن عمر) أى فى الرفع فى الثلاثة المواضع.
(يحاذى بهما) أى باليدين. (فروع) أى أطراف.
[البحث]
لفظ حديث أبى حميد عند أبى داؤد: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه ثم قال: اللَّه أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه ثم قال: سمع اللَّه لمن حمده ورفع يديه واعتدل الخ الحديث، ولفظ حديث مالك بن الحويرث عند مسلم (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذى بهما فروع أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذى بهما فروع أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع اللَّه لمن حمده فعل مثل ذلك) وفى رواية لمسلم عن مالك بن الحويرث (حتى يحاذى بهما أذنيه) ولا معارضة بين (حتى يحاذى بهما منكبيه)
و (حتى يحاذى بهما فروع أذنيه) أو (أذنيه) لأن المراد أن يحاذى بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين، وقد روى أبو داؤد عن وائل بلفظ (حتى كانت حيال منكبيه وحاذى بابهاميه أذنيه) وهذه الأحاديث التى ساقها المصنف تدل على مشروعية رفع اليدين فى هذه المواضع الثلاثة، ولا يعارضها ما روى عن مجاهد (أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك) ولا ما رواه أبو داؤد من حديث ابن مسعود بأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود) فإن خبر مجاهد فيه أبو بكر بن عياش وقد ساء حفظه، ولو صح لكان لبيان الجواز، وأما خبر ابن مسعود فقد قال الشافعى: إنه لم يثبت، وقال أبو داؤد: إنه ليس بصحيح، وضعفه أحمد وشيخه يحيى بن آدم وكذلك ضعفه ابن المبارك، وقال ابن أبى حاتم: هذا حديث خطأ، على أنه لو كان صحيحًا لقدم عليه حديث ابن عمر المتفق عليه لأنه إثبات وذلك نفى والاثبات مقدم على النفى، وقد نقل البخارى عن الحسن وحميد بن هلال إن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، قال البخارى ولم يستثن الحسن أحدًا يعنى من الصحابة.
هذا وقد روى البخارى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه كان إذا دخل فى الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم) قال البخارى: وقد رواه حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول.
8 -
وعن وائل بن حجر رضى اللَّه عنه قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره) أخرجه ابن خزيمة وصححه.
[المفردات]
(وائل بن حجر) هو وائل بن حجر بن ربيعة الحضرمى كان أبوه من ملوك حضرموت، وقد وفد وائل على النبى صلى الله عليه وسلم وعاش إلى زمن معاوية.
[البحث]
هذا الحديث رواه مسلم عن وائل بن حجر بلفظ: أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل فى الصلاة كبر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما. ثم كبر فركع فما قال سمع اللَّه لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه) وقد روى البخارى عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية وضع اليد اليمنى على اليسرى فى الصلاة.
9 -
وعن عبادة بن الصامت رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) متفق عليه، وفى رواية لابن حبان والدارقطنى (لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) وفى أخرى لأحمد وأبى داؤد والترمذى وابن حبان (لعلكم تقرءون
خلف إمامكم؟ قلنا نعم، قال (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
[المفردات]
(عبادة بن الصامت) هو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجى الأنصارى السالمى شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة وشهد بدرًا والمشاهد كلها، مات بفلسطين سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
(وفى اخرى) أى فى رواية أخرى عن عبادة.
[البحث]
تقدم فى الحديث الأول فى هذا الباب أعنى باب صفة الصلاة ما يفيد وجوب قراءة ما تيسر من القرآن فى ركعات الصلاة كلها، وحديث عبادة بن الصامت هذا يوجب تعيين قراءة الفاتحة، وظاهر تلك الروايات وجوب قراءتها فى السرية والجهرية للمنفرد والإمام والمأموم ولا يعارض وجوبها على المأموم ما أخرجه ابن ماجه عن جابر بن عبد اللَّه، ورواه الدارقطنى عن ابن عمر، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط عن أبى سعيد الخدرى، والدارقطنى عن أبى هريرة وابن عباس، ورواه ابن حبان فى كتاب الضعفاء عن أنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة) فإن جميع أسانيده معلولة، ففى حديث جابر بن عبد اللَّه جابر الجعفى وهو كذاب، وفى حديث أبى سعيد إسماعيل بن عمر بن نجيح وهو ضعيف، وحديث ابن عمر موقوف قال الدارقطنى: رفعه وهم، وحديث ابن عباس منكر، وقال الدارقطنى: حديث أبى هريرة لا يصح عن سهيل وتفرد به محمد بن عباد وهو ضعيف، وفى
حديث أنس غنيم بن سالم وفيه مقال كما قال ابن حبان، وحينئذ فلا يقوى هذا الخبر المعلول على معارضة حديث عبادة بن الصامت المتفق على صحته، واعلم أنه قد صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسكت بين تكبيرة الاحرام والقراءة، وكان يسكت بعد الفراغ من قراءة الفاتحة سكتة نحو سكتته الأولى قبل أن يقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة، وكان يسكت بعد الفراغ من القراءة قبل أن يركع، وقد علم أن سكوته من تكبيرة الاحرام وقراءة الفاتحة كان لدعاء الاستفتاح، ولم يثبت دعاء بين قراءة الفاتحة والسورة فتكون هذه السكتة ليقرأ فيها المأموم فاتحة الكتاب، لاسيما وقد ثبت أن قراءة الفاتحة تستغرق من الزمن نحو ما يستغرقه دعاء الاستفتاح، وعليه فلا يتوهم متوهم أن قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام قد تعارض قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فإن الانصات واجب، وإنما يقرأ المأموم الفاتحة وقت سكوت الإمام.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب قراءة الفاتحة فى الصلاة.
10 -
وعن أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد للَّه ربّ العالمين) متفق عليه، زاد مسلم (لا يذكرون بسم اللَّه الرحمن الرحيم فى أول قراءة ولا فى آخرها) وفى رواية لأحمد والنسائى وابن خزيمة (لا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم) وفى أخرى لابن خزيمة (كانوا يسرون) وعلى هذا يحمل النفى فى رواية مسلم خلافًا لمن أعلها.
[المفردات]
(يفتشون الصلاة) أى القراءة.
(وفى رواية لأحمد) أى عن أنس.
(وفى أخرى) أى فى رواية أخرى عن أنس.
(وعلى هذا) أى على قراءة النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر البسملة سرًا.
(النفى فى رواية مسلم) حيث قال: لا يذكرون أى لا يذكرونها جهرًا.
(ولا فى آخرها) أى فى آخر البسملة والمراد أول السورة التى بعدها أو هو مبالغة فى النفى، إذ ليس فى آخرها بسملة.
(خلافًا لمن أعلها) أى أعل زيادة مسلم بأن الأوزاعى روى هذه الزيادة عن قتادة مكاتبة.
[البحث]
عبارة (كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد للَّه ربّ العالمين) رواها البخارى عن حفص بن عمر عن شعبة عن قتادة عن أنس، ورواها مسلم عن محمد بن مهران الرازى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعى عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر: عمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد للَّه رب العالمين لا يذكرون بسم اللَّه الرحمن الرحيم فى أول قراءة ولا فى آخرها) وقوله (لا يذكرون) ليس نفيًا صريحًا لقراءة البسملة قبل الفاتحة فى الصلاة بل المراد: أن من خلفهم كان لا يسمعهم يقرؤنها، ومثله سكوت النبى بين التكبير والقراءة فإن من خلفه لم يكن بسمع ما يقوله حتى سأله أبو هريرة أسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال:(أقول: اللهم باعد بينى وبين خطاياى) إلخ الحديث، ويطابق ما نقوله ما رواه أحمد والنسائى وابن خزيمة (لا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم) وما رواه ابن خزيمة (كانوا
يسرون) وقد روى البخارى عن قتادة قال: سئل أنس كيف كان قراءة النبى صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (كانت مدا، ثم قرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم يمد ببسم اللَّه ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم) وروى مسلم عن أنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت على آنفًا سورة فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم: انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر).
وإذ قد ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان بقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم قبل الفاتحة وقبل السورة فلا وجه لحمل قول أنس (لا يذكرون) على نفى قراءتها مطلقًا ولو سرًا بل المراد أنهم كانوا لا يجهرون بها كما تقدم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من السنة عدم الجهر بالبسملة فى الصلاة.
2 -
وأن البسملة تقرأ سرًا قبل الفاتحة وقبل السورة فى الصلاة.
11 -
وعن نعيم المجمر رضى اللَّه عنه قال: صليت وراء أبى هريرة رضى اللَّه عنه فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ (ولا الضالين) قال: آمين، ويقول كلما سجد وإذا قام من الجلوس: اللَّه أكبر. ثم يقول إذا سلم: والذى نفسى بيده إنى لأشبهكم صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) رواه النسائى وابن خزيمة.
[المفردات]
(نعيم المجمر) هو أبو عبد اللَّه نعيم المجمر كان مولى لعمر بن الخطاب وقد سمع من أبى هريرة وفيه وسمى مجمرًا لأنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
(قام من الجلوس) أى فى الاثنتين بعد التشهد الأوسط.
(اللَّه أكبر) هو تكبير الانتقال. (ثم يقول) أى أبو هريرة.
(نفسى بيده) أى روحى فى تصرفه وقبضته.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه السراج وابن حبان وغيرهما من طريق سعيد ابن أبى هلال عن نعيم المجمر، وروى البخارى فى باب جهر المأموم بالتأمين عن أبى صالح عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ثم قال البخارى: تابعه محمد بن عمرو عن إلى سلمة عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ونعيم المجمر عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، وأنت ترى أن إشارة البخارى له فى باب جهر المأموم بالتأمين لا تقطع بأنه يفيد قراءة البسملة جهرًا ولا يفيد أن البسملة مذكورة فيه، وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبى هريرة بدون ذكر البسملة، وقد قال الدارقطنى إنه لم يصح فى الجهر بها حديث يعنى البسملة.
12 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها) رواه الدارقطنى وصوب وقفه.
[المفردات]
(فإنها) أى البسملة. (آياتها) أى آيات الفاتحة.
[البحث]
هذا الحديث رواه الدارقطنى عن أبى هريرة بلفظ: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم، إنها
أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثانى، وبسم اللَّه الرحمن الرحيم إحدى آياتها) قال اليعمرى: وجميع رجاله ثقات إلا أن نوح بن أبى بلال الراوى له عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة تردد فيه فرفعه تارة ووقفه أخرى، وصحح غير واحد من الأئمة وقفه على رفعه، وأعله ابن القطان بتردد نوح المذكور، وعلى أية حال فهذا الحديث لا يدل على الجهر بها ولا الاسرار كذلك بل على الأمر بمطلق قراءتها، قراءتها ثابتة.
13 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين) رواه الدارقطنى وحسنه والحاكم وصححه، ولأبى داؤد والترمذى من حديث وائل بن حجر رضى اللَّه عنه نحوه.
[المفردات]
(وعنه) أى وعن أبى هريرة. (أم القرآن) أى الفاتحة.
(نحوه) أى نحو حديث أبى هريرة.
[البحث]
لفظ حديث وائل بن حجر قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: آمين، يمد بها صوته، وقد رواه أيضًا أحمد والدارقطنى وابن حبان وزاد أبو داؤد (ورفع بها صوته) قال الحافظ: وسنده صحيح، وقد صححه الدارقطنى أيضًا، وقد روى أبو داؤد حديث أبى هريرة بلفظ: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: (آمين) حتى
يسمع من يليه من الصف الأول) وروى البخارى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّن الإمام فأمِّنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال ابن شهاب وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، وروى البخارى أيضًا عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا قال أحدكم: آمين وقالت الملائكة فى السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه) ثم ساق البخارى فى باب جهر المأموم بالتأمين حديث أبى صالح عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
وجملة هذه الأحاديث تفيد شرعية التأمين للإمام والمأموم والمنفرد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية جهر الإمام بالتأمين.
14 -
وعن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنها قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: (إنى لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا فعلمنى ما يجزئنى منه؟ فقال: (قل: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلى العظيم) الحديث، رواه أحمد وأبو داؤد والنسائى وصححه ابن حبان والدارقطنى والحاكم.
[المفردات]
(عبد اللَّه بن أبى أوفى) اسم أبى أوفى علقمة بن قيس بن الحرث الأسلمى، وعبد اللَّه وأبوه صحابيان رضى اللَّه عنهما.
(الحديث) أى أتم الحديث.
[البحث]
تمام الحديث عند أبى داؤد: قال: أى الرجل- يا رسول اللَّه هذا للَّه فمالى؟ قال: (قل: اللهم ارحمنى وارزقنى وعافنى واهدنى) فلما قام قال هكذا بيديه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أما هذا فقد ملأ يديه من الخير) إلا أنه ليس فى سنن أبى داؤد (العلى العظيم)، وحديث عبد اللَّه بن أبى أوفى هذا قد أخرجه أيضًا ابن الجارود وفى إسناد هذا الحديث إبراهيم بن إسماعيل السكسكى وهو من رجال البخارى لكن عيب عليه إخراج حديثه، وضعفه النسائى وقال ابن القطان: ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة، وذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف، وقال فى شرح المهذب: رواه أبو داؤد والنسائى بإسناد ضعيف، وقد روى هذا الحديث أيضًا من طريق طلحة بن مصرف عن ابن أبى أوفى وفى إسناده الفضل بن مرفق ضعفه أبو حاتم قال شارح المصابيح: اعلم أن هذه الواقعة لا تجوز أن تكون فى جميع الأزمان لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة بل تأويله: لا أستطيع ان أتعلم شيئًا من القرآن فى هذه الساعة وقد دخل على وقت الصلاة، فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم، وكلام شارح المصابيح محمول على فرض صحة هذا الحديث وقد علمت ما فى سنده من المقال.
15 -
وعن أبى قتادة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (يصلى بنا فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانًا ويطول الركعة الأولى، ويقرأ فى الأخريين بفاتحة الكتاب) متفق عليه.
[المفردات]
(بفاتحة الكتاب) أى فى كل ركعة منهما أى من الأوليين.
(وسورتين) يعنى فى كل ركعة سورة.
[البحث]
عبارة: ويسمعنا الآية أحيانًا، لا تفيد أنه كان يجهر ببعض القراءة فى الظهر والعصر جهرًا كالمعتاد من جهره صلى الله عليه وسلم فى الصبح والأوليين من المغرب والعشاء إذ أن هذا الاسماع محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحدث منه هذا الأمر فى النذر اليسير لاستغراقه فى تدبر الآيات وذلك شئ مألوف معتاد، ولعل الذين كانوا يسمعون منه الآية والآيتين هم من كانوا خلفه صلى الله عليه وسلم فى الصف الذى يليه، وقد روى البخارى عن أبى معمر قال: قلت لخباب بن الأرت: أكان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الظهر والعصر؟ قال: نعم، قال: بأى شئ كنتم تعلمون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته، ولعل أبا قتادة رضى اللَّه عنه كان يصلى بالقرب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنه كان شديد الانصات له صلى الله عليه وسلم فيتسمع منه الآية والآيتين، وقد ظن أنه كان يقرأ سورتين فى الركعتين الأوليين بعد الفاتحة، وسبيل ظنه هذا أنه سمع منه صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى آية من سورة لقمان وفى الأخرى آية من سورة والذاريات، وقد علم من حاله صلى الله عليه وسلم فى الجهرية أنه كان يقرأ السورة بتمامها غالبًا فحكم بأنه كان يقرأ سورتين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
التنصيص على قراءة الفاتحة فى كل ركعة من الأوليين.
2 -
شرعية قراءة سورة مع الفاتحة فى كل ركعة من الأوليين.
3 -
أن إسماع الإمام الآية أو الآيتين من السورة لمن يليه من
الصف لا يضر فى سرية القراءة فى الظهر والعصر ولا يقتضى سجود السهو.
4 -
مشروعية تطويل الأولى على الثانية.
16 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: (كنا نحزر قيام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الظهر والعصر، فحزرنا قيامه فى الركعتين الأوليين من الظهر قدر (آلم تنزيل) السجدة، وفى الأخريين قدر النصف من ذلك، وفى الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، والأخريين على النصف من ذلك) رواه مسلم.
[المفردات]
(نحزر) أى نقدر.
[البحث]
قوله: فحزرنا قيامه فى الركعتين الأوليين من الظهر قدر، (ألم تنزيل) السجدة، يعنى قدرنا قيامه فى كل ركعة من ركعتى الظهر الأوليين قدر هذه السورة، والذى يحمل على أن المراد القيام بنحو هذه السورة فى الركعة الواحدة هو ما أخرجه مسلم وأحمد عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى صلاة الظهر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قدر ثلاثين آية وفى الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفى العصر فى الركعتين الأوليين فى كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفى الأخريين قدر نصف ذلك، وهذا لفظ مسلم، وعليه فيحمل المطلق فى حديث الباب على المقيد فى هذا الحديث، وسورة (ألم تنزيل) السجدة ثلاثون آية، وحديث أبى سعيد يفيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يضم إلى الفاتحة سورة فى الركعتين
الأخريين من الظهر وهو لا يعارض ما رواه الشيخان فى الحديث السابق عن أبى قتادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الأخريين بفاتحة الكتاب لأن حديث أبى سعيد محمول على النادر من حاله صلى الله عليه وسلم وذلك لبيان الجواز يقرأ بعد الفاتحة فى الثالثة من المغرب (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) الآية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية إطالة الأوليين من الظهر.
2 -
جواز ضم قرآن إلى الفاتحة فى الأخريين فى النادر القليل.
3 -
تخفيف صلاة العصر عن صلاة الظهر.
17 -
وعن سليمان بن يسار رضى اللَّه عنه قال: كان فلان يطيل الأوليين، من الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ فى المغرب بقصار المفصل، وفى العشاء بوسطه، وفى الصبح بطواله، فقال أبو هريرة: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا) أخرجه النسائى بإسناد صحيح.
[المفردات]
(سليمان بن يسار) هو أبو أيوب سليمان بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين وهو أخو عطاء بن يسار من أهل المدينة وكبار التابعين.
(فلان) يعنى إمامًا كان بالمدينة، قيل اسمه عمرو بن سلمة.
(الفصل) ما كثرت فصوله أى سوره.
[البحث]
ما يفيده هذا الحديث من تطويل الأوليين فى الظهر وتخفيف
العصر والصلاة فى الصبح بطوال المفصل والتوسط فى صلاة العشاء كل هذا قد صحت فيه الأحاديث، وأما عبارة (ويقرأ فى المغرب بقصار المفصل) مما يفيد مداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك وأن السنة فى المغرب القراءة بقصار المفصل ففيه نظر لأنها تعارض ما رواه البخارى عن مروان بن الحكم قال (قال لى زيد بن ثابت: مالك تقرأ فى المغرب بقصار وقد سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطولين) يعنى الأعراف، وسيأتى حديث جبير بن مطعم عند الشبخين أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور) وروى البخارى عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ (والمرسلات عرفًا) فقالت: يا بنى واللَّه لقد ذكرتنى بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فى المغرب) وفى حديث أم الفضل هذا إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان فى حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف، وفى حديث زيد بن ثابت إشعار بأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يواظب على قراءة قصار المفصل فى المغرب لكون أنكر على مروان المواضبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد لأن فعل مروان حينئذ يكون هو محض السنة على أن زيدًا لم يرد من مروان المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبى صلى الله عليه وسلم، وقد عرفت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالسور الطويلة مرات متعددة فالحق أن القراءة فى المغرب بطوال المفصل وقصاره وسائر السور سنة، ومن اقتصر على نوع من ذلك معتقدًا أنه السنة دون غيره فقد خالف السنة، وفى الاستدلال بحديث سليمان بن يسار نظر.
18 -
وعن جبير بن مطعم رضى اللَّه عنه قال: سمعت
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور) متفق عليه.
[المفردات]
(بالطور) أى بسورة (الطور).
[البحث]
هذا الحديث الصحيح المتفق عليه يعارض ما تقدم من حديث سليمان بن يسار الذى يفهم مواظبة النبى صلى الله عليه وسلم على القراءة فى المغرب بقصار المفصل، قال الحافظ فى الفتح: لم أر حديثًا مرفوعًا فيه التنصيص على القراءة فيها -يعنى المغرب- بشئ من قصار المفصل إلا حديثًا فى ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على (الكافرون، والاخلاص) ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة ثم قال الحافظ: فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدارقطنى: أخطأ فيه بعض رواته، وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بها فى الركعتين بعد المغرب.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانا فى المغرب بالسور الطوال.
2 -
وأن المغرب لا يختص بقصار المفصل.
19 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل) السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} متفق عليه، وللطبرانى من حديث ابن مسعود رضى اللَّه عنه (يديم ذلك).
[المفردات]
(الم تنزيل السجدة) أى يقرأ هذه السورة فى الركعة الأولى.
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} أى يقرأ هذه السورة أيضًا فى الركعة الثانية، وقد بين ذلك رواية مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه.
[البحث]
حديث ابن مسعود عند الطبرانى بزيادة (يديم ذلك) أصله فى ابن ماجه بدون هذه الزيادة، وقد صوب أبو حاتم أن هذا الحديث مرسل، وحديث أبى هريرة المتفق عليه لا يقتضى فعل ذلك دائمًا فإن الصيغة ليست نصا فى المداومة، قال بعض أهل العلم، وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين فى فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون فى يومها فإن السورتين اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة، وفى قراءتها فى هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعًا ليست مقصودة وقال الحافظ فى الفتح: لم أر فى شئ من الطرق التصريح بأن النبى صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة (ألم تنزيل) السجدة فى هذا المحل إلا فى كتاب الشريعة لابن أبى داؤد من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غدوت على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فى صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد الحديث، وفى إسناده من ينظر فى حاله، وللطبرانى فى الصغير من حديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد فى صلاة الصبح فى تنزيل السجدة لكن فى إسناده ضعف، وعلى هذا فمن المخالفة للسنة أن يعمد إنسان إلى قراءة آية السجدة فقط ثم يسجد إذا أن الثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورة بتمامها
فى الركعة الأولى ويقرأ سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} فى الركعة الثانية فقصر القراءة على محل السجدة مخالفة للهدى النبوى، هذا وينبغى للمصلى ألا يداوم على قراءة هاتين السورتين فى فجر كل جمعة لعموم البلوى باعتقاد العوام أن السجدة فيها واجبة تعاد الصلاة لتركها.
20 -
وعن حذيفة رضى اللَّه عنه قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها) أخرجه الخمسة وحسنه الترمذى.
[المفردات]
(وقف عندها يسأل) أى يطلب من اللَّه رحمته.
(تعوذ منها) أى استجار باللَّه مما ذكر فيها.
[البحث]
حديث حذيفة رضى اللَّه عنه رواه أحمد ومسلم والنسائى بلفظ: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت: يصلى بها فى ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربى العظيم فكان ركوعه نحوًا من قيامه ثم قال: سمع اللَّه لمن حماده ثم قام طويلا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربى الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه) قال النووى فى شرح مسلم فى قوله: فقلت يصلى بها فى ركعة) معناه: ظننت أنه يسلم بها فيقسمها على ركعتين، وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهى
ركعتان ولا بد من هذا التأويل فينتظم الكلام بعده، وقد روى أحمد وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال: أعوذ باللَّه من النار، ويل لأهل النار، وقد روى أحمد نحو ذلك عن عائشة رضى اللَّه عنها، وكل هذه الروايات تفيد أن هذا العمل لم يكن فى الفريضة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية سؤال اللَّه الجنة فى صلاة النافلة إن مر بآية فيها ذكر الجنة، والتعوذ من النار إن مر بآية فيها ذكر النار كذلك.
2 -
ويفيد جواز الائتمام فى النافلة.
21 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنها قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فى الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) رواه مسلم.
[المفردات]
(راكعًا أو ساجدًا) أى حال ركوعى وسجودى.
(فعظموا فيه الرب) أى سبحوه ونزهوه ومجدوه.
(فقَمِن) أى فحقيق.
[البحث]
لفظ الحديث عند مسلم عن ابن عباس قال: كشف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الستارة، والناس صفوف خلف أبى بكر فقال: (أيها الناس
إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا) الحديث، وروى مسلم عن على بن أبى طالب قال:(نهانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا).
[ما يفيده الحديث]
1 -
حرمة قراءة القرآن حال الركوع أو السجود.
2 -
مشروعية الدعاء حال السجود بأى دعاء كان من طلب خيرى الدنيا والآخرة والاستعاذة من شرها.
3 -
أن الدعاء فى حال السجود ترجى إجابته.
22 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول فى ركوعه وسجوده (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى) متفق عليه.
[المفردات]
(سبحانك) براءة للَّه وتنزيها من كل نقص.
(وبحمدك) أى وبحمدك سبحتك ومعناه: بتوفيقك لى وهدايتك وفضلك على سبحتك لا بحولى وقوتى.
[البحث]
لفظ حديث عائشة فى الصحيحين قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول فى ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى، يتأول القرآن، ومعنى يتأول القرآن أى يفعل ما أمر به فيه والمراد بالقرآن هنا بعضه وهو قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} وفى هذا الحديث إباحة طلب المغفرة فى الركوع ولا يعارضه حديث ابن عباس المتقدم عند مسلم (فأما الركوع فعظموا فيه الرب) لأن تعظيم الرب فى الركوع لا ينافى الدعاء كما أن الدعاء فى السجود لا ينافى التعظيم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن هذا الذكر من أذكار الركوع والسجود.
2 -
وفى الحديث مسارعة النبى صلى الله عليه وسلم إلى امتثال ما أمره اللَّه تعالى به قيامًا بحق العبودية وتعظيمًا لشأن الربوبية. وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
23 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع اللَّه لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول -وهو قائم- ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوى ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع، ثم يفعل ذلك فى الصلاة كلها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس) متفق عليه.
[المفردات]
(قام إلى الصلاة) أى قام فيها.
(حين يرفع صلبه من الركوع) أى وقت رفعه صلبه من الركوع.
(سمع اللَّه) أى أجاب اللَّه. (يهوى) أى يسقط.
(حين يرفع رأسه) أى وقت رفع رأسه من السجود.
(يقوم من الثنتين) أى الركعتين الأوليين.
(بعد الجلوس) يعنى فى التشهد الأول.
(ثم يفعل ذلك) أى كل ما ذكر ما عدا تكبيرة الاحرام.
(فى الصلاة كلها) أى فى باقى ركعاتها.
[البحث]
هذا الحديث مفسر للأحاديث التى تفيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يكبر فى كل خفض ورفع، وأنه يخص من هذا العموم الرفع من الركوع فإنه لا يكبر عنده ولكن يقول: سمع اللَّه لمن حمده.
والحديث يفيد أن الامام يجمع بين قوله: سمع اللَّه لمن حمده وبين: ربنا ولك الحمد، وكذلك المنفرد، وقد تظاهرت فى ذلك الأحاديث، وأما المأموم فإنه لم يثبت فى جمعه بينهما حديث صحيح صريح وإنما ثبت أنه يقول: ربنا ولك الحمد، عقب قول الامام سمع اللَّه لمن حمده فقد روى البخارى عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا قال الامام سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد) وقد روى أيضًا بلفظ (ربنا ولك الحمد).
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الصلاة تفتتح بالتكبير فقط.
2 -
وأن التلفظ بالنية غير مشروع.
3 -
ومشروعية تكبيرات الانتقال.
4 -
وأن الامام يجمع بين سمع اللَّه لمن حمده وربنا ولك الحمد.
24 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا رفع رأسه من الركوع قال: (اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد، أهل
الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) رواه مسلم.
[المفردات]
(ملء السماوات وملء الأرض) أى حمدًا لو كان أجسامًا لملأ السماوات والأرض وهذه مبالغة فى كثرة الحمد.
(الثناء) الوصف بالجميل والمدح. (المجد) العظمة ونهاية الشرف.
(الجد) أى الحظ والغنى يعنى لا ينفع ذا الغنى عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك.
[البحث]
قوله: اللهم، ليست فى رواية أبى سعيد عند مسلم، وإنما هى فى حديث ابن عباس عنده، وقد أفاد هذا الحديث مع حديث أبى هريرة السابق المتفق عليه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان تارة يكتفى بعد التسميع بقوله: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، وتارة كان يضم لها هذا الذكر الوارد فى هذا الحديث، وقد روى مسلم عن عبد اللَّه ابن أبى أوفى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول:(اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد، اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرنى من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ) وفى رواية (من الدنس) وفى أخرى (من الدرن) وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول هذا الذكر وهو قائم قبل الهوى إلى السجود.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية جمع الامام بين التسميع والتحميد.
2 -
استحباب هذا الذكر فى هذا المقام للامام والمأموم والمنفرد.
25 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة) وأشار بيده إلى أنفه (واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه.
[المفردات]
(أمرت) أى أمرنى ربى جل جلاله، وقد روى أيضًا بلفظ (أمرنا).
(أعظم) أى أعضاء وسمى كل عضو عظما وإن اشتمل على عظام من باب تسمية الجملة باسم بعضها.
(والجبهة) هى مستوى ما بين الحاجبين إلى الناصية.
(أشار بيده إلى أنفه) أى أمرّ يده على أنفه يعنى وضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه، كأنهما عضو واحد أصله الجبهة.
(واليدين) أى والكفين وقد وقع بلفظ الكفين فى رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عند مسلم.
(الرجلين) أى أطراف القدمين وقد بين ذلك رواية البخارى عن عبد اللَّه بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، وقد تقدم فى حديث أبى حميد الساعدى فى باب صفة الصلاة (واستقبل بأصابع رجليه القبلة).
[البحث]
ظاهر الحديث أنه لا يجب كشف شئ من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها، ولا خلاف فى أن كشف الركبتين غير واجب، وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقّت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضى لنقض الطهارة فتبطل الصلاة، قال ابن القيم فى الهدى، وكان النبى صلى الله عليه وسلم-
يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن ولكن روى عبد الرزاق فى المصنف من حديث أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته قال ابن القيم: وهو من رواية عبد اللَّه بن محرز وهو متروك وذكره أبو أحمد من حديث جابر ولكنه من رواية عمرو بن شهر عن جابر الجعفى، متروك عن متروك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب السجود على الأعضاء السبعة المذكورة.
26 -
وعن ابن بحينة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) متفق عليه.
[المفردات]
(ابن بحينة) هو عبد اللَّه بن مالك ابن بحينة -وبحينه هى أم عبد اللَّه واسم أبيه مالك بن القشب الأزدى، مات عبد اللَّه فى ولاية معاوية.
(صلى) يعنى سجد، وقد ورد بهذا اللفظ فى رواية الليث بن سعد عند مسلم.
(فرّج بين يديه) أى باعد بينهما يعنى نحى كل يد عن الجنب الذى يليها.
[البحث]
أخرج مسلم من حديث عائشة (نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع) وروى مسلم عن ميمونة قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت) وفى رواية لمسلم عن ميمونة كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه
وضح إبطيه قال وكيع: يعنى بياضهما وإنما يتأتى رؤية بياض الابطين إذا كان غير لابس لقميص كحالة الاحرام واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية هذه الهيئة فى السجود.
27 -
وعن البراء بن عازب رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك) رواه مسلم.
[المفردات]
(البراء بن عازب) هو أبو عمارة البراء بن عازب بن الحرث الأوسى الأنصارى الحارثى أول مشاهده الخندق، نزل بالكوفة وافتتح الرى، مات بالكوفة أيام مصعب بن الزبير.
(ضع كفيك) أى ابسطهما على الأرض.
(وارفع مرفقيك) أى انصب ذراعيك إلى المرفقين مباعدًا بينهما وبين الأرض وبين جنبيك.
[البحث]
هذا الحديث أيضًا كالحديث الذى قبله فى بيان هيئة السجود وقد ذكرنا حديث عائشة عند مسلم نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع) ومقصود هذه الأحاديث أنه ينبغى للساجد أن يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه عن الأرض وعن جنبيه رفعًا بليغًا بحيث يظهر باطن إبطيه إذا لم يكن مستورًا، وهذا أدب متفق على استحبابه فلو تركه كان مسيئًا، والنهى للتنزبه وصلاته صحيحة قال العلماء: والحكمة فى هذا أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ فى تمكين
الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى فإن من بسط ذراعيه على الأرض فى السجود يشبه الكلب ويشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها، والاقبال عليها، واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب هذه الهيئة فى السجود أيضًا.
28 -
وعن وائل بن حجر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرّج بين أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه) رواه الحاكم.
[المفردات]
(أصابعه) يعنى أصابع يديه.
[البحث]
إنما يفرج بين أصابعه فى السجود ليمكن يديه من ركبتيه، وفى حديث أبى حميد الساعدى عند البخارى:(وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه) قال أهل العم: والحكمة فى ضم أصابعه عند سجوده لتكون متوجهة إلى سمت القبلة، وهذا الحديث يوضح أن الغرض من حديث أبى حميد الساعدى عند البخارى: فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما هو أن المراد من اليدين الذراعان لا الكفان خلافًا لمن فهم ذلك خطأً إذ أنه فى حديث وائل هذا يفيد أنه كان بقبض أصابعه فيكون قوله فى حديث أبى حميد (ولا قايضهما) أى ولا قابض ذراعيه، أما الأصابع فتضم وتقبض.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من السنة تفريج الأصابع فى الركوع.
2 -
ومن السنة ضم الأصابع فى السجود.
29 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى متربعًا) رواه النسائى وصححه ابن خزيمة.
[المفردات]
(متربعًا) التربع أن يضع باطن قدمه اليمنى تحت فخذه اليسرى وباطن قدم اليسرى تحت فخذ اليمنى.
[البحث]
قال النسائى: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث غير أبى داؤد يعنى الجعفرى وأبو داؤد ثقة ولا أحسب إلا أن هذا الحديث خطأ، وقد روى البخارى عن عبد اللَّه بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه أنه أخبره أنه كان يرى عبد اللَّه ابن عمر يتربع فى الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث السن فنهانى عبد اللَّه بن عمر، وقال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى اليسرى فقلت: إنك تفعل ذلك، فقال: إن رجلىّ لا تحملانى، قال الحافظ فى الفتح بعد أن ذكر مقال العلماء فى التربع للمريض: وأما الصحيح فلا يجوز له التربع فى الفريضة بإجماع العلماء ثم ذكر أنه روى ابن أبى شيبة عن ابن مسعود قال: (لأن أقعد على رضفتين أحب إلى من أقعد متربعًا فى الصلاة) والرضفة واحد الرضف وهى الحجارة المحماة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز التربع للمريض للضرورة فى الصلاة.
30 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى وعافنى وارزقنى) رواه الأربعة إلا النسائى، اللفظ لأبى داؤد.
[المفردات]
(كان يقول بين السجدتين) أى وهو جالس بين السجدتين.
(اهدنى) أدم هدايتى، وأرشدنى إلى العمل الصالح.
(عافنى) امح عنى الأسقام.
[البحث]
الدعاء بين السجدتين رواه النسائى وابن ماجه عن حذيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين (رب اغفر لى) ورواه أبو داؤد عن ابن عباس بلفظ: (اللهم اغفر لى وارحمنى: اهدنى وعافنى وارزقنى) ورواه الترمذى عنه بنحو حديث أبى داؤد الا أنه قال: (اجبرنى) مكان (ارحمنى) ولم يقل (وعافنى) وزاد ابن ماجه وأحمد (وارفعنى).
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الدعاء فى القعود بين السجدتين.
31 -
وعن مالك بن الحويرث رضى اللَّه عنه أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فإذا كان فى وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوى قاعدًا) رواه البخارى.
[المفردات]
(فى وتر من صلاته) يعنى أتم السجدة الثانية من الركعة الأولى والثانية.
(لم ينهض) أى لم يقم إلى الركعة الثانية والرابعة.
[البحث]
هذه الجلسة تسمى جلسة الاستراحة وقد أخرج أبو داؤد من حديث أبى حميد فى صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وفيه: ثم أهوى ساجدًا ثم ثنى
رجليه وقعد حتى رجع كل عضو فى موضعه ثم نهض، وقد ذكرت هذه القعدة فى بعض ألفاظ رواية حديث المسئ صلاته، ولا يعارض هذا ما أخرجه البزار فى مسنده عن وائل بن حجر فى صفة صلاته صلى الله عليه وسلم-بلفظ:(فكان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائمًا) فقد ضعف النووى حديث وائل هذا، وكذلك لا يعارض ما رواه ابن المنذر من حديث النعمان بن أبى عياش (أدركت غير واحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة فى أول ركعة وفى الثالثة قام كما هو ولم يجلس) فإنه لا منافاة، إذ من فعلها فلأنها سنة ومن تركها فكذلك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية هذه القعدة بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى والركعة الثالثة.
32 -
وعن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه (أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه) متفق عليه، ولأحمد والدارقطنى نحوه من وجه آخر وزاد:(فأما فى الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا).
[المفردات]
(قنت) القنوت يطلق على معان والمراد به هنا الدعاء فى الصلاة فى محل مخصوص من القيام، ومن معانيه الخشوع والعبادة وإقامة الطاعة والاقرار بالعبودية والسكوت فى الصلاة، والقيام، وطوله، ودوام الطاعة.
(أحياء من العرب) هم بنو سليم قتلة القراء ومنهم رعل وذكوان وعصية من المشركين.
(نحوه) أى نحو حديث أنس الذى عند الشيخين.
(من وجه آخر) من طريق أبى جعفر الرازى عن الربيع بن أنس.
[البحث]
حديث أنس هذا المتفق عليه رواه البخارى مطولا عن عاصم الأحول قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال: قد كان القنوت، قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قلت: فإن فلانًا أخبرنى عنك أنك قلت بعد الركوع قال كذب، إنما قنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا، أراه كان بعث قومًا يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلا إلى قوم من المشركين فغدروا وقتلوا القراء دون أولئك وكان بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو عليهم، وقد روى أحمد والبخارى عن ابن عمر أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع فى الركعة الآخرة من الفجر بقول: اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل اللَّه تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قوله {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} وذكر البخارى فى صحيحه عن أنس أنه كان يقنت فى صلاة المغرب والفجر، وقد ذكره مسلم عن البراء، وروى أحمد وأبو داؤد عن ابن عباس قال: قنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا فى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فى دبر كل صلاة إذا قال سمع اللَّه لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حى من بنى سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمّن من خلفه) وجميع هذه الأحاديث تدل على مشروعية القنوت عند النوازل فى سائر الصلوات بعد الركوع وأنه يتأكد عندئذ فى الفجر والمغرب وأن القنوت يفعل ويترك، إذ فعله
مشروع وتركه مشروع ولا يداوم عليه، وأما ما راوه أحمد والدارقطنى من حديث أبى جعفر الرازى عن الربيع بن أنس:(ما زال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقنت فى الفجر حتى فارق الدنيا) فهو حديث ضعيف لا يحتج به فأبو جعفر الرازى ضعفه أحمد وغيره وقال ابن المدينى: كان يخلط، وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير وقال فيه عبد اللَّه بن أحمد، ليس بالقوى وقال عمرو بن على الفلاس: إنه سئ الحفظ، وخطأه ابن معين، وغلطه الدورى، ونسبه الساجى إلى عدم الاتقان.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية القنوت بعد الركوع عند النوازل وتركه.
2 -
أن القنوت لا يداوم عليه.
3 -
وأنه يشرع قبل الركوع فى غير النوازل من غير مداومة عليه.
33 -
وعنه رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم) صححه ابن خزيمة.
[المفردات]
(وعنه) أى أنس. (لقوم) أى من المؤمنين.
(على قوم) أى من الكافربن.
[البحث]
روى أحمد والبخارى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال: إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد: (اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين من المؤمنين،
اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف، قال: يجهر بذلك، ويقول فى بعض صلاته فى صلاة الفجر: (اللهم العن فلانًا وفلانًا حيين من أحياء العرب حتى أنزل اللَّه تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، وعند الشيخين: كان أبو هريرة يقنت فى الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعد ما يقول: سمع اللَّه لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الدعاء لفك أسرى المؤمنين والدعاء على الكافرين.
2 -
مشروعية الجهر بالقنوت.
34 -
وعن سعيد بن طارق الأشجعى رضى اللَّه عنه قال: قلت: لأبى: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، أفكانوا يقنتون فى الفجر؟ قال: أى بنى محدث) رواه الخمسة إلا أبا داؤد
[المفردات]
(سعيد بن طارق الأشجعى) هو أبو مالك سعيد بن طارق بن أشيم يعد فى الكوفيين. (محدث) أى بدعة.
[البحث]
حديث سعيد بن طارق هذا قال الحافظ فى التلخيص: إسناده حسن، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح، وهذا الحديث محمول على مداومة القنوت فى الفجر إذ قد ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قنت فيه، وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه كان لا يداوم على ذلك، وعلى هذا يحمل هذا الحديث.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن المداومة على القنوت فى صلاة الصبح مخالفة لهدى رسول صلى الله عليه وسلم.
35 -
وعن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما قال: علمنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن فى قنوت الوتر: (اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت) رواه الخمسة وزاد الطبرانى والبيهقى: (ولا يَعِز من عاديت) زاد النسائى من وجه آخر فى آخره (وصلى اللَّه على النبى).
[المفردات]
(الحسن بن على) هو أبو محمد الحسن بن على سبط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولد فى شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وبويع بعد أبيه بالخلافة، وتوفى سنة إحدى وخمسين بالمدينة.
(فى قنوت الوتر) أى فى دعائه.
(اهدنى فيمن هديت) أى ثبتنى على الهداية مع من هديتهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.
(قنى شر ما قضيت) أى احفظنى من السخط وعدم الرضا بقضائك.
(يذل) يخذل.
(زاد الطبرانى والبيهقى) أى بعد: إنه لا يذل من واليت.
[البحث]
قال الترمذى فى هذا الحديث: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا
من هذا الوجه من حديث أبى الحوراء السعدى واسمه ربيعة ابن شيبان ولا نعرف عن النبى صلى الله عليه وسلم فى القنوت شيئًا أحسن من هذا، انتهى، والقنوت فى الوتر محفوظ عن عمرو ابن مسعود رضى اللَّه عنهما، قال الصنعانى فى سبل السلام: وهو مجمع عليه فى النصف الأخير من رمضان، هذا، وقد أخرج هذا الحديث البيهقى والنسائى بزيادة (وصلى اللَّه على النبى) من طريق موسى بن عقبة عن عبد اللَّه ابن على عن الحسن، قال المصنف فى تخريج أحاديث الأذكار: هذه الزيادة غريبة لا تثبت لأن فيها عبد اللَّه بن على لا يعرف، وعلى القول بأنه عبد اللَّه بن على بن الحسن بن على فالسند منقطع فإن عبد اللَّه بن على لم يدرك الحسن بن على، انتهى.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية القنوت فى الوتر.
36 -
وللبيهقى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به فى القنوت من صلاة الصبح) وفى سنده ضعف.
[المفردات]
(دعاء) أى كلمات ندعو بها.
[البحث]
ذكر المصنف هذا الحديث فى تخريج الأذكار من رواية البيهقى وقال: (اللهم اهدنى -الحديث) وقد رواه البيهقى من طرق أحدها عن بريد وهو ثقبة بن أبى مريم سمعت ابن الحنفية وابن عباس يقولان: كان النبى صلى الله عليه وسلم يقنت فى صلاة الصبح ووتر الليل بهؤلاء
الكلمات، وفى إسناده مجهول، ورواه بن طريق أخرى وهى التى ساق المصنف لفظها عن ابن جريج بلفظ:(يعلمنا دعاء ندعو به فى القنوت وصلاة الصبح) وفيه عبد الرحمن بن هرمز ضعيف، ولهذا قال المصنف: وفى سنده ضعف.
37 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ولبضع بديه قبل ركبتيه) أخرجه الثلاثة، وهو أقوى من حديث وائل:(رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) أخرجه الأربعة فإن للأول شاهدًا من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما صححه ابن خزيمة وذكره البخارى معلقًا موقوفًا.
[المفردات]
(يبرك البعير) يقال برك البعير إذا وقع على بركه أى باطن صدره.
(وهو أقوى) يعنى أن حديث أبى هريرة أقوى من حديث وائل.
(وائل) هو ابن حجر رضى اللَّه عنه.
(للأول) أى حديث أبى هريرة.
[البحث]
حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه رواه محمد بن عبد اللَّه بن حسن عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة وقد أعله البخارى والترمذى والدارقطنى، قال البخارى: محمد بن عبد اللَّه بن الحسن لا يتابع عليه، وقال: لا أدرى سمع من أبى الزناد أم لا؟ وقال الترمذى: غريب لا نعرفه من حديث أبى الزناد، وقال الدارقطنى: تفرد به الدارودى عن محمد بن عبد اللَّه المذكور، وأما حديث
وائل بن حجر رضى اللَّه عنه فقد رواه يزيد بن هارون عن شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، ورواه أبو داؤد من طريق محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه وائل ابن حجر رضى اللَّه عنه وقد أعل حديث وائل أيضًا بتفرد يزيد بن هارون عن شريك، وتفرد شريك عن عاصم لأن شريكًا لا يصح حديثه منفردًا، وقد أعل الحديث النسائى بتفرد يزيد بن هارون عن شريك، وقال الدارقطنى: تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوى فيما يتفرد به، ورواية محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه معلولة قال المنذرى: عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه، وكذا قالا ابن معين، وقد رواه أبو داؤد عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الترمذى: كليب بن شهاب والد عاصم لم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم ولحديث أبى هريرة شاهد من حديث ابن عمر، وكذلك لحديث وائل شاهد عن عاصم الأحول عن أنس، قال المصنف: حديث أبى هريرة أقوى من حديث وائل، وقال الخطابى: حديث وائل بن حجر أثبت من حديث أبى هريرة، وقد علمت ما فى الحديثين من العلة فاتفقا فى القوة وقد تعارضا فتساقطا ورجع الأمر إلى الأصل مع مخالفة فعل الحيوان.
38 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى واليمنى على اليمنى وعقد ثلاثًا وخمسين، وأشار بأصبعه السبابة) رواه مسلم، وفى رواية له:(وقبض أصابعه كلها، وأشار بالتى تلى الأبهام).
[المفردات]
(واليمنى على اليمنى) أى يده اليمنى على ركبته اليمنى.
(وعقد ثلاثًا وخمسين) صورة هذا العقد أن يقبض الخنصر مع البنصر إلى الراحة قبضًا متساويًا ويضم الوسطى إلى الراحة أيضًا ولا تكون مقبوضة مع البنصر ويجعل الابهام مفتوحة على الوسطى تحت السبابة مقوسة عليها.
(السبابة) هى التى تلى الابهام.
[البحث]
روى مسلم عن عبد اللَّه بن الزبير أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه) وفى رواية لمسلم عنه (وضع يده اليمنى على فخده اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته) ومعنى يلقم كفه اليسرى ركبته أى يعطف أصابعها على الركبة، وروى مسلم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس فى الصلاة وضع يده على ركبته ورفع إصبعه اليمنى التى تلى الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها، ولا معارضة بين قوله:(باسطها) وبين حديث عبد اللَّه بن الزبير (بلقم كفه اليسرى ركبته) لأن المراد أنها غير مقبوضة الأصابع إلى الراحة، وقد روى مسلم كذلك عن ابن عمر قال:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التى تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) ولا معارضة بين هذه الروايات جميعًا ويحمل مطلقها على مقيدها وكلها تدل على هيئة واحدة
كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفعلها إذا قعد للتشهد وليس منها منها يفيد هيئة مخالفة للأخرى، قال أهل العلم: ويشير بالسبابة موجهة إلى القبلة وينوى بالاشارة التوحيد والاخلاص فيه فيكون جامعًا فى التوحيد بين القول والفعل والاعتقاد.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب وضع اليدين عند نهاية الفخذين.
2 -
استحباب قبض الخضر مع البنصر إلى الراحة وضم الوسطى مع جعل الابهام مفتوحة عليها تحت السبابة وتقويس السبابة على الابهام.
3 -
بسط أصابع الكف اليسرى مع عطفها على الركبة.
4 -
استحباب الاشارة عند قول: لا إله إلا اللَّه.
39 -
وعن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: التفت إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-فقال: (إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبى ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) متفق عليه، واللفظ للبخارى، وللنسائى (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) ولأحمد (أن النبى صلى الله عليه وسلم علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس) ولمسلم عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال:(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: التحيات المباركات الصلوات الطيبات للَّه) إلى آخره.
[المفردات]
(التحيات) قال الخطابى والبغوى: المراد بالتحيات أنواع التعظيم.
(والصلوات) أى الخمس أو أعم أو العبادات كلها.
(والطيبات) أى ما طاب من الكلام أو الأعمال الصالحة.
(السلام) أى التعويذ باللَّه والتحصين به
(عباد اللَّه الصالحين) هذا يشمل كل عبد صالح فى السماء والأرض والصالح هو القائم بحقوق اللَّه وحقوق عباده.
(أشهد أن لا إله إلا اللَّه) أى لا مستحق للعبادة بحق غيره.
(أعجبه) أى أحبه. (المباركات) جمع مباركة وهى كثيرة الخير.
[البحث]
روى ألفاظ التشهد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس وجابر وأبو موسى وأنس وأبو هريرة وأبو سعيد، وأسانيد من ذكرنا كلها صحيحة، وأصحها حديث ابن مسعود قال أبو بكر البزار: حديث ابن مسعود أصح حديث فى التشهد، وقد روى من نيف وعشرين طريقا ولا نعلم روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد اثبت منه ولا أصح إسنادًا ولا أثبت رجالا ولا أشد تظافرًا بكثرة الأسانيد والطرق، وممن جزم بذلك البغوى فى شرح السنة، وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا وغيره قد اختلف أصحابه، وقال محمد بن يحيى الذهلى هو أصح حديث روى فى التشهد، ومن مرجحاته أنه متفق عليه دون غيره وأن رواته لم يختلفوا فى حرف منه بل نقلوه مرفوعًا على صفة واحدة، قال النووى: واتفق العلماء على جوازها كلها، يعنى التشهدات الثابتة من وجه صحيح، وكذلك نقل الاجماع القاضى أبو الطيب الطبرى.
40 -
وعن فضالة بن عبيد رضى اللَّه عنه قال: سمع رسول اللَّه
-صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو فى صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال (عجل هذا) ثم دعاه فقال: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء) رواه أحمد والثلاثة وصححه الترمذى وابن حبان والحاكم.
[المفردات]
(فضالة بن عبيد) هو أبو محمد فضالة بن عبيد الأوسى الأنصارى أول مشاهده أحد، انتقل إلى الشام وتولى القضاء بدمشق، ونزل فى جزيرة رودس من بلاد الروم.
(عجل) أى بدعائه قبل تقديم الحمد والثناء والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.
(ثم يصلى) ثم هو يصلى.
(يدعو بما شاء) أى من الخير.
[البحث]
ليس فى هذا الحديث دليل على أنه كان ذلك حال قعدة التشهد ولو ثبت أنه كان فى قعدة التشهد لكان موافقًا فى المعنى لحديث ابن مسعود رضى اللَّه عنه وغيره فإن أحاديث التشهد تتضمن ما ذكر من الحمد والثناء وهى مبينة لما أجمله هذا الحديث.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية البدء بالحمد والثناء ثم تقديم الصلاة قبل الدعاء.
2 -
مشروعية الدعاء بما يحب الانسان من الخير فى الصلاة.
41 -
وعن أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: قال بشير بن سعد: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرنا اللَّه أن نصلى عليك فكيف نصلى عليك؟ فسكت ثم قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم) رواه مسلم وزاد ابن خزيمة فيه:(فكيف نصلى عليك إذا نحن صلينا عليك فى صلاتنا).
[ما يفيده الحديث]
(أبو مسعود) هو عقبة بن عامر بن ثعلبة الأنصارى الخزرجى البدرى شهد العقبة الثانية ولم يشهد بدرًا وإنما نزل به فنسب إليه، سكن الكوفة ومات بها فى خلافة على رضى اللَّه عنه.
(بشير بن سعد) هو أبو النعمان بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصارى الخزرجى شهد العقبة وما بعدها.
(أمرنا اللَّه) يعنى فى قوله تعالى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
(فسكت) أى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(آل محمد) هم أزواجه وذريته وسائر من حرمت عليهم الصدقة من بنى هاشم وقد فسر الآل زيد بن أرقم بأنهم آل على وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس كما فى صحيح مسلم.
(حميد) أى إنك محمود بمحامدك اللائقة بعظمة شأنك.
(مجيد) أى كريم.
(والسلام كما علمتم) أى كما علمتموه فى أحاديث التشهد وهو: السلام عليك أيها النبى ورحمة اللَّه وبركاته.
[البحث]
حديث الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم أخرجه الشيخان عن كعب بن عجرة بلفظ: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ورواه الشيخان عن أبى حميد الساعدى بلفظ: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وآل إبراهيم هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وقد جمع اللَّه لهم الرحمة والبركة بقوله (رحمة اللَّه وبركاته عليم أهل البيت إنه حميد مجيد) ولم يجمعا لغيرهم فسأل النبى صلى الله عليه وسلم إعطاء ما تضمنته الآية.
[ما يفيده الحديث]
1 -
ببان كيفية الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بالصيغ الكاملة الشاملة.
2 -
أن الصلاة على الآل من تمام الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.
3 -
مشروعية الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة فى الصلاة بعد التشهد.
42 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا تشهد أحدكم فليستعذ باللَّه من أربع، يقول: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) متفق عليه، وفى رواية لمسلم (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير).
[المفردات]
(فتنة المحيا) ما يعرض للانسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات، والابتلاء مع عدم الصبر.
(والممات) المراد بفتنة الموت: الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه.
(فتنة المسيح الدجال) قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار. والمسيح يطلق على الدجال وعلى عيسى ولكن إذا أريد به الدجال قيد باسمه، وسمى الدجال مسيحا لأنه ممسوح العين، والدجال الكذاب.
[البحث]
ذكر المصنف أن هذا الحديث متفق عليه ولم أجده فى صحيح البخارى، وذكر صاحب منتقى الأخبار المشروح بنيل الأوطار أن حديث أبى هريرة هذا قد رواه الجماعة إلا البخارى والترمذى فليرجع ورواية (إذا تشهد أحدكم) مطلقة لكنها محمولة على الرواية الأخرى المقيدة بالتشهد الأخير، وقد روى البخارى فى باب الدعاء قبل السلام عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فى الصلاة:(اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إنى أعوذ بك من المأثم والمغرم).
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه يشرع الاستعاذة باللَّه من هذه الأمور بعد التشهد الأخير قبل السلام.
2 -
وقى الحديث دلالة على ثبوت عذاب القبر.
43 -
وعن أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه أنه قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: علمنى دعاء أدعو به فى صلاتى، قال: قل: اللهم إنى ظلمت نفسى ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم) متفق عليه.
[المفردات]
(ظلمت) قال فى الفتح: أى بملابسة ما يوجب العقوبة أو ينقص الحظ، وهو اعتراف بالتقصير.
البحث
لم يصرح فى هذا الحديث بمحل الدعاء فى الصلاة قال ابن دقيق العيد: ولعل الأولى أن يكون فى أحد موطنين: السجود أو التشهد لأنه أمر فيهما بالدعاء، وقد أشار البخارى إلى محله فأورده فى باب الدعاء قبل السلام.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الدعاء فى الصلاة فى محل الدعاء.
2 -
استحباب طلب التعليم من العالم.
44 -
وعن وائل بن حجر رضى اللَّه عنه قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته وعن شماله السلام عليكم ورحمة اللَّه) رواه أبو داؤد بسند صحيح.
[المفردات]
(السلام عليكم) أى يسلم عن يمينه قائلا: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
[البحث]
هذا الحديث رواه أبو داؤد من طريق علقمة بن وائل عن أبيه وقد صح سماع علقمة عن أبيه وائل بن حجر ولذلك صححه المصنف وقد نسبه فى التلخيص إلى عبد الجبار بن وائل وقال: لم يسمع من أبيه فأعله بالانقطاع، وكذلك الشوكانى فى نيل الأوطار ذكر أنه من
طريق عبد الجبار بن وائل قال: ولم يسمع من أبيه، وهذا وهم فإن أبا داؤد رواه من طريق علقمة بن وائل وقد صح سماعه من أبيه كما علمت، وقد روى مسلم وأحمد والنسائى وابن ماجه عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى النبى صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده، وكذلك روى الخمسة عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه حتى يرى بياض خده، وقد صححه الترمذى وقد أخرجه ايضًا الدارقطنى وابن حبان وله ألفاظ وأصله فى صحيح مسلم، قال العقيلى: والأسانيد صحاح ثابتة فى حديث ابن مسعود فى تسليمتين ولا يصح فى تسليمة واحدة شئ، لكن قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية الخروج من الصلاة بالتسليم.
2 -
مشروعية التسليمتين.
45 -
وعن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول فى دبر كل صلاة مكتوبة (لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) متفق عليه.
[المفردات]
(دبر) قال فى القاموس: الدبر بضمتين نقبض القبل ومن كل شئ عقبه، وبفتحتين الصلاة فى آخر وقتها، والمراد هنا: خلف كل صلاة.
(مكتوبة) مفروضة.
[البحث]
هذا الذكر ورد مطلقًا من غير تقييد بالصباح والمساء وزاد الطبرانى من طريق أخرى عن المغيرة بن شعبة بعد قوله: له الملك وله الحمد عبارة: يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير) قال الحافظ فى الفتح: ورواته موثقون وثبت مثله عن البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح لكنه فى القول إذا أصبح وإذا أمسى، وقد اشتمل هذا الذكر على توحيد اللَّه ونسبة الأمر كله للَّه، وكذلك المنع والاعطاء وتمام القدرة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب هذا الذكر عقب الصلوات.
46 -
وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم: كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: (اللهم إنى أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر) رواه البخارى.
[المفردات]
(أعوذ بك) أى ألتجئ إليك.
(البخل) هو ضد الكرم، ذكر معنى ذلك فى القاموس.
(الجبن) هو المهابة للأشياء والتأخر عن فعلها، والمراد التأخر عن الاقدام على فعل الخير كالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك.
(أرذل العمر) هو بلوغ الهرم والخرف حتى يعود كهيئته الأولى فى أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم.
(فتنة الدنيا) هى بالاغترار، بشهواتها المفضى إلى ترك القيام بالواجبات.
[البحث]
هذا الحديث رواه الترمذى أيضًا وصححه وفى بعض ألفاظه عن سعد بن أبى وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة، وقد تقدم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بعد التشهد قبل السلام من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا فى حديث التعوذ من أربع، وإنما خص صلى الله عليه وسلم هذه المذكورات بالتعوذ منها لأنها من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك باعتبار ما يتسبب عنها من المعاصى المتنوعة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية التعوذ باللَّه من المذكورات خلف كل صلاة.
2 -
أن هذه المذكورات من أعظم الأسباب المؤدية إلى الهلاك.
47 -
وعن ثوبان رضى اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر اللَّه ثلاثًا وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والاكرام) رواه مسلم.
[المفردات]
(إذا انصرف) قال النووى: المراد بالانصراف السلام.
(استغفر) أى قال: أستغفر اللَّه كما فى الأذكار للنووى عن الأوزاعى أحد رواة هذا الحديث.
(أنت السلام) المراد بالسلام هنا اسم اللَّه تعالى.
(ومنك السلام) والمراد بالسلام هنا السلامة أى منك نطلب السلامة من شرور الدنيا والآخرة.
(ذا الجلال والاكرام) أى يا ذا الغنى المطلق والفضل التام، وفى رواية (يا ذا الجلال والاكرام).
[البحث]
هذا الحديث رواه الجماعة إلا البخارى، واستغفاره صلى الله عليه وسلم مع أنه مغفور له- للوفاء بحق العبودية والقيام بوظيفة الشكر كما قال: أفلا أكون عبدًا شكورا، وليبين للمؤمنين شفقته فعلا كما بينها قولا فى الدعاء والضراعة ليقتدى به فى ذلك.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية هذا الذكر بعد السلام.
48 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (من سبح اللَّه دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد اللَّه ثلاثًا وثلاثين، وكبر اللَّه ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون وقال تمام المائة: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم.
[المفردات]
(سبح اللَّه) أى قال سبحان اللَّه. (حمد اللَّه) أى قال: الحمد للَّه.
(وكبر اللَّه) أى قال: اللَّه أكبر. (خطاياه) ذنوبه.
(زبد البحر) هو ما يعلو عليه عند اضطرابه كالرغوة. أى وإن كانت ذنوبه فى الكثرة مثل زبد البحر.
[البحث]
روى الشيخان عن أبى هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبى صلى الله عليه وسلم-
فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال:(ألا أحدثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وهذا لفظ البخارى، وحديث الباب الذى رواه مسلم يبين ما أجمل فى الحديث المتفق عليه، وأن التسبيح ثلاث وثلاثون وأن التحميد كذلك، وأن التكبير كذلك أيضًا، وأما حديث كعب بن عجرة عند مسلم أن التكبير أربع وثلاثون وما رواه مسلم من قول سهيل أحد رواة الحديث: إحدى عشرة إحدى عشرة إحدى عشرة فجميع ذلك كله ثلاث وثلاثون، وكذلك ما ذكره البخارى من الاختلاف إذ قال: (فاختلفنا بيننا فقال بعضنا: نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين) وما رواه الخمسة عن ابن عمر أنه يسبح فى دبر الصلاة عشرًا ويكبر عشرًا ويحمد عشرًا) فهذا كله لا يقوى على معارضة حديث الباب الموضح للحديث المتفق عليه، وذلك أن حديث كعب بن عجرة ذكره الدارقطنى فى استدراكاته على مسلم وقال: الصواب أنه موقوف على كعب بن عجرة لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه فى الحفظ، وأما قول سهيل إحدى عشرة إحدى عشرة فهذا تأويل منه موقوف عليه ويأباه حديث الباب المرفوع فلا يقوى كلام سهيل على معارضته، وأما ما ذكره البخارى من الاختلاف فقد حسم الراوى النزاع إذ بين للمختلفين أن التكبير ثلاث وثلاثون كما فى نهاية الحديث عند البخارى وأما ما رواه الخمسة عن ابن عمر فهو كذلك لا يقوى على معارضة حديث الباب عند مسلم وحديث أبى هريرة المتفق عليه.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية التسبيح والتحميد والتكبير بعد الفراغ من الصلاة.
2 -
أن التسبيح ثلاث وثلاثون والتحميد ثلاث وثلاثون والتكبير ثلاث وثلاثون مرة.
3 -
وأن هذا الذكر من أفضل الأذكار التى تنبغى المحافظة عليها.
49 -
وعن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال له: (أوصيك يا معاذ: لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه أحمد وأبو داؤد والنسائى بسند قوى.
[المفردات]
(لا تدعن) أى لا تتركن.
[البحث]
هذا الحديث -وإن كان الخطاب فيه لمعاذ بن جبل رضى اللَّه عنه- هو عام يشمل كل مصل، قد سيق الحديث بأسلوب النهى عن ترك هذا الذكر، وهو يقتضى المحافظة عليه دبر كل صلاة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية هذا الذكر خلف كل صلاة.
50 -
وعن أبى أمامة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسى دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) رواه النسائى وصححه ابن حبان وزاد فيه الطبرانى و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
[المفردات]
(أبو أمامة) هو إياس بن ثعلبة الحارثى الأنصارى الخزرجى لم يشهد بدرًا لعلته بمرض والدته وعذره صلى الله عليه وسلم عن الخروج لذلك، وهو غير أبى أمامة الباهلى الذى تقدم فى أول الكتاب فإذا أطلق فالمراد به هذا، وإذا أريد الباهلى قيد به (مكتوبة) مفروضة.
(إلا الموت) أى إلا عدم الموت فهو على حذف مضاف وقد حذف لدلالة المعنى عليه.
[البحث]
قال بعض أهل العلم: واختصت آية الكرسى بذلك لما اشتملت عليه من أصول الأسماء والصفات الالهية والوحدانية والحياة والقيومية والعلم والملك والقدرة والارادة، وقل هو اللَّه أحد متمحضة لذكر صفات اللَّه تعالى، هذا وقد وردت أذكار عقب الصلوات غير هذا الذى ذكره المصنف أيضًا منها ما أخرجه مسلم من حديث البراء أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الصلاة:(ربّ قنى عذابك يوم تبعث عبادك) والظاهر استحباب الجمع بين هذه الأدعية دبر كل صلاة.
[ما يفيده الحديث]
1 -
مشروعية هذا الذكر خلف كل صلاة.
51 -
وعن مالك بن الحويرث رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتمونى أصلى) رواه البخارى.
[المفردات]
(صلوا كما رأيتمونى أصلى) أى صلوا مثل صلاتى.
[البحث]
هذا الحديث أصل عظيم فى دلالته على أن كل فعل فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى محل ما من الصلاة هو المشروع فى ذلك المحل فلا يجوز إحداث شئ فى الصلاة يخالف ما فعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها إذ يكون المحدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، وقد كان صلى الله عليه وسلم يداوم على بعض الأفعال والأقوال فى الصلاة، وقد ثبت أنه اقتصر فى تعليم المسئ صلاته على بعض ما كان يفعله ويداوم عليه وقد اتفق أهل العلم أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم فى حديث المسئ صلاته واجب بلا نزاع.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الخير فى مراعاة الاتباع فى الصلاة.
2 -
وأن الشر كل الشر فى الابتداع فيها.
52 -
وعن عمران بن حصين رضى اللَّه عنهما قال: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: (صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخارى.
[المفردات]
(فإن لم تستطع) أى لم تستطع الصلاة قائمًا.
(فقاعدًا) أى فصل قاعدًا.
(فإن لم تستطع) أى لم تقدر أن تصلى قاعدًا.
(فعلى جنب) أى فصل حال كونك مضطجعًا على جنبك.
[البحث]
هذا الحديث رواه البخارى عن ابن بريدة عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت بى بواسير فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة
فقال: (صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب) والبواسير جمع باسور وهو ورم فى باطن المقعدة، والحديث -وإن كان الخطاب فيه لعمران بن حصين- هو عام لكل مصل، وعليه فلا تصح الصلاة على حب لمن يستطيع القعود، ولا تصح الصلاة من قعود لمن يستطيع القيام.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب القيام فى الصلاة للقادر على القيام.
2 -
جواز الصلاة من قعود للعاجز عن القيام.
3 -
جواز الصلاة على جنب للعاجز عن القعود.
53 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم-قال -لمريض صلى على وسادة فرمى بها- وقال: (صل على الأرض إن استطعت وإلا قأوم إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك) رواه البيهقى بسند قوى ولكن صحح أبو حاتم وقفه.
[المفردات]
(وسادة) أى مخدة.
(فرمى) أى النبى صلى الله عليه وسلم.
(بها) أى بالوسادة.
(صل على الأرض) أى اسجد على الأرض.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه البيهقى فى المعرفة من طريق سفيان الثورى قال البزار: لا يعرف أحد رواه عن الثورى غير أبى بكر الحنفى وقد
سئل عنه أبو حاتم فقال: الصواب عن جابر موقوفًا، ورفعه خطأ، غير أنه قد روى البخارى فى أبواب سجود القرآن عن عبد اللَّه يعنى ابن مسعود رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقى أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصا أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفينى هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرًا) وقد علمت من حديث عمران السابق أن العاجز عن القعود يصلى على جنب، وعلى هذا فلا يتخذ المريض وسادة يسجد عليها رجاء أن يختم له بالخير.
تم الجزء الأول بحمد اللَّه تعالى ويليه الجزء الثانى.
وأوله باب سجود السهو وغيره، وكان الفراغ من الجزء الأول يوم الأحد 27 من ذى القعدة عام 1374 هـ.
عبد القادر شيبة الحمد