المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الغسل وحكم الجنب - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ١

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب الغسل وحكم الجنب

‌باب الغسل وحكم الجنب

ص: 98

1 -

عن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) رواه مسلم، وأصله فى البخارى.

[المفردات]

(الماء من الماء) أى الاغتسال من الانزال فالماء الأول هو المعروف والماء الثانى هو المنى.

[البحث]

أصل هذا الحديث فى البخارى وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لعتبان بن مالك: (إذا أعجلت أو أقحطت فعليك الوضوء) وقد روى البخارى أنه سئل عثمان ممن يجامع امرأته ولم يمن؟ فقال: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيد أن من جامع امرأته ولم ينزل لا يجب عليه الغسل، وهذا الحكم إنما كان فى أول الاسلام ثم نسخ وأصبح الغسل فرضًا على من جامع ولم ينزل، وسيأتى فى الحديث التالى المروى عن أبى هريرة تحقيق ذلك.

ص: 98

2 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) متفق عليه، زاد مسلم:(وإن لم ينزل).

[المفردات]

(إذا جلس) أى الرجل المعلوم من السياق.

ص: 98

(بين شعبها) أى شعب المرأة، جمع شعبة وهى القطعة من الشئ والمراد بشعب المرأة الأربع: قيل يداها ورجلاها، وقيل رجلاها وفخذاها، وقيل ساقاها وفخذاها، وقيل غير ذلك، قاله الحافظ فى الفتح، والمراد فى الكل أن ذلك كناية عن الجماع.

(جهدها) أى كدها بحركته يعنى بلغ جهده فى العمل بها، والمراد به هنا معالجة الايلاج، كنى به عن الجماع.

[البحث]

عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل) رواه أحمد ومسلم والترمذى وصححه ولفظه: (إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل) والمراد بالختان هنا موضع الخقتن، والختن فى المرأة قطع جلدة فى أعلى الفرج مجاورة لمخرج البول كعرف الديك ويسمى الخفاض وفى الذكر قطع الجلدة التى تغطى الحشفة، والمراد بمس الختان الختان هنا هو توارى الحشفة فى الفرج، وهذا يعارض حديث أبى سعيد المتقدم ويعارض كذلك ما رواه البخارى عن عثمان أنه سئل عمن جامع فلم يمن؟ فقال يتوضأ الخ الحديث. والحق أن الحكم الذى أفاده حديث أبى سعيد وعثمان منسوخ، وأن هذا كان رخصة رخص بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بدء الاسلام ثم نسخت هذه الرخصة وأصبح الغسل فرضًا على من جامع امرأته ولم ينزل، فقد روى أبو داؤد وأحمد عن أبى بن كعب قال: إن الفتيا التى كانوا يقولون: الماء من الماء رخصة كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رخص بها فى أول الاسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان وقال الاسماعيلى إنه صحيح على شرط البخارى. وفى لفظ: (إنما كان الماء من الماء رخصة

ص: 99

فى أول الاسلام ثم نهى عنها) رواه الترمذى وصححه، وقد روى مسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رجلا سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل -وعائشة جالسة- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل) وهذا كله صريح فى أن الماء من الماء إنما كان فى أول الأمرين، وأن وجوب الغسل على من جامع فلم ينزل هو آخر الأمرين، وقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} يعضد وجوب الغسل، قال الشافعى: إن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال، قال: فإن كل من خوطب بأن فلانًا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، قال: ولم يختلف أن الزنا الذى يجب به الحد هو الجماع ولو لم يكن منه إنزال، انتهى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه يجب الغسل من الايلاج وإن لم يكن منه إنزال.

2 -

أن حديث الماء من الماء منسوخ.

ص: 100

3 -

وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها أن أم سليم -وهى امرأة أبى طلحة- قالت: يا رسول اللَّه (إن اللَّه لا يستحى من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: (نعم إذا رأت الماء) الحديث، متفق عليه.

[المفردات]

(لا يستحى من الحق) المراد بالحياء هنا معناه اللغوى إذ الحياء الشرعى خير كله، والمراد: إن اللَّه لا يأمر بالحياء فى الحق.

ص: 100

(احتلمت) الاحتلام افتعال من الحلم وهو ما يراه النائم فى نومه والمراد به هنا أمر خاص هو الجماع.

(إذا رأت الماء) أى المنى بعد الاستيقاظ.

[البحث]

لهذا الحديث ألفاظ عند الشيخين، وقولها: إن اللَّه لا يستحى: جعلته تمهيدًا لعذرها فى ذكر ما يستحيا منه، وقد وقعت هذه المسألة لنساء من الصحابيات: لخولة بنت حكيم عند أحمد والنسائى وابن ماجه، ولسهلة بنت سهيل عند الطبرانى، ولبسرة بنت صفوان عند ابن أبى شيبة.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنَّه يجب الغسل على المرأة إذا رأت الماء من الاحتلام.

2 -

وأن ذكر ما يستحيا منه غير مكروه إذا كان لمعرفة الحق، والتفقه فى الدين.

ص: 101

4 -

وعن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى المرأة ترى فى منامها ما يرى الرجل -قال: (تغتسل) متفق عليه، زاد مسلم: فقالت أم سلمة: (وهل يكون هذا؟ قال: نعيم فمن أين يكون الشبه؟ ).

[المفردات]

(ما يرى الرجل) أى من الجماع فى الحلم ورؤية البلل بعد الاستيقاظ.

(وهل يكون هذا؟ ) أى أوتحتلم المرأة وترى البلل؟

(فمن أين يكون الشبه) هذا استفهام إنكار وتقرير أن الولد تارة يشبه أباه وأصوله من جهة أبيه وتارة يشبه أمه وأخواله، وسببه أن أى الماءين غلب كان الشبه للغالب.

ص: 101

[البحث]

هذا الحديث يفيد ما أفاده حديث أم سلمة السابق من وجوب الغسل على المرأة إذا احتلمت ورأت الماء، وفيه أن الشبه الذى يكون فى الولد لأبيه أو لأمه راجع إلى الماء الذى يسبق، وقد يكون الأب أبيض والأم كذلك ويأتى الولد أسود فيكون ذلك راجعًا إلى أن أحد أجداده كان أسود كذلك فيكون الولد قد نزعه عرق بسبب سبق أحد الماءين أيضًا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

وجوب الغسل على المرأة إذا رأت الماء بعد الاحتلام كما تقدم.

2 -

أن ماء المرأة يبرز.

ص: 102

5 -

وعن عائشة رضى اللَّه كنها قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) رواه أبو داؤد وصححه ابن خزيمة.

[المفردات]

(الحجامة) يقال حجمه الحاجم حجمًا من باب قتل أى شرطه.

[البحث]

هذا الحديث رواه أيضًا أحمد والبيهقى والدارقطنى عن مصعب ابن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد اللَّه بن الزبير عن عائشة رضى اللَّه عنها، قال الدارقطنى: مصعب بن شيبة ليس بالقوى ولا بالحافظ، وضعفه أبو زرعة وأحمد والبخارى، والغسل من الجنابة ظاهر، وأما الغسل يوم الجمعة فسيأتى تحقيقه، وأما وجوب الغسل

ص: 102

من الحجامة وغسل الميت فلا يقوى على إثباته هذا الحديث المعلول وقد قال على بن المدينى وأحمد بن حنبل: لا يصح فى الباب شئ يعني باب الغسل من غسل الميت، وقال الذهلى: لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا، وقال الرافعى: لم يصحح علماء الحديث فى هذا الباب شيئًا مرفوعًا.

ص: 103

6 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه -فى قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم- (وأمره النبى صلى اللَّه عليه أن يغتسل) رواه عبد الرزاق. وأصله متفق عليه.

[المفردات]

(ثمامة بن أثال) هو الحنفى سيد أهل اليمامة وستأتى قصته فى باب المساجد.

(عبد الرزاق) هو الحافظ الكبير عبد الرزاق بن همام الصنعانى، روى من أحمد وإسحاق وابن معين والذهلى، مات فى شوال سنة إحدى عشرة ومائتين.

[البحث]

ليس فى أصل هذا الحديث عند الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يغتسل، بل الثابت أنه لما قال للنبى صلى الله عليه وسلم:(إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت) وقد كرر ذلك ثلاثة أيام كلما راجعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أطلقوا ثمامة) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله الحديث. وسيأتى فى باب المساجد إن شاء اللَّه.

ص: 103

[ما يفيده الحديث]

1 -

مشروعية الغسل بعد الإسلام.

ص: 104

7 -

وعن أبى سعيد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) أخرجه السبعة.

[المفردات]

(واجب أى فرض).

(محتلم) أى بالغ مدرك وإن لم يحصل منه احتلام بالفعل.

[البحث]

هذا الحديث له طرق كثيرة وقد رواه الجماعة أيضًا عن عبد اللَّه ابن عمر بلفظ: (إذا جاء أحدًا إلى الجمعة فليغتسل) وعد ابن مندة من رواه عن نافع فبلغوا فوق ثلاثمائة نفس، وعد من رواه من الصحابة غير ابن عمر فبلغوا أربعة وعشربن صحابيًا، قال الحافظ: وقد جمعت طرقه عن نافع فبلغوا مائة وعشرين نفسًا، وفى رواية لمسلم:(إذا أراد أحدًا أن يأتى الجمعة فليغتسل) وروى الشيخان أيضًا عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام يومًا يغسل فيه رأسه وجسده) وقد بين فى الروايات الآخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة.

وروى الشيخان أيضًا عن ابن عمر أن عمر (بينا هو قائم فى الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر: آية ساعة هذه؟ فقال: إنى شغلت فلم أنقلب إلى أهلى حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت! فقال: والوضوء أيضًا؟ وقد علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل) والرجل هو عثمان بن عفان

ص: 104

رضى اللَّه عنه، وهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة قاطعة بوجوب الغسل يوم الجمعة على كل بالغ يذهب لصلاة الجمعة، ولا يعارضها ما روى عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه أن نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل) فإن هذا الحديث معلول قال البزار وغيره: إن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، وقيل لم يسمع منه شيئًا وإنما يحدث من كتابه، فلا يقوى حديث سمرة هذا على معارضة المتفق عليه المجمع على صحته، وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة:(من توضأ فأحسن الوضوء ثم أن الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) فقد قال الحافظ فى الفتح: ليس فيه نفى الغسل، وأما ما روى فى بعض طرق حديث أبى سعيد (غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه) متفق عليه، فإن عطف ما ليس بواجب وهو السواك والطيب على الغسل لا يدل على نفى وجوب الغسل إذ أن دلالة الاقتران ضعيفة ولا سيما بجنب مثل هذه الأحاديث وقد قال ابن الجوزى: إنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما لم يقع التصريح بحكم المعطوف، وقال ابن المنير: لم ينفع دفع الوجوب بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول: خرج بدليل فبقى ما عداه على الأصل.

هذا وقد حكى الخطابى وغيره الاجماع على أن الغسل ليس شرطًا فى الصلاة وأنها تصح بدونه انتهى، ولهذا صلى عثمان الجمعة، وإنما فى تركه الاثم مع عدم العذر.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن غسل الجمعة واجب غير شرط على كل بالغ مدرك

ص: 105

يذهب للصلاة.

2 -

وأن من تركه لغير عذر آثم تصح صلاته.

ص: 106

8 -

وعن سمرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) رواه الخمسة وحسنه الترمذى.

[المفردات]

(سمرة) هو سمرة بن جندب الفزارى حليف الأنصار نزل الكوفة وولى البصرة، مات آخر سنة تسع وخمسين.

(فبها) أى فبهذه الخصله أخذ. (ونعمت) أى هذه الخصلة.

[البحث]

هذا الحديث رواه الخمس عن سمرة إلا ابن ماجة فإنه رواه عن جابر بن سمرة، وقد روى عن قتادة عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ورواه ابن ماجة بسند ضعيف عن أنس، ورواه البيهقى بإسناد فيه نظر من حديث ابن عباس وبإسناد فيه انقطاع من حديث جابر، وكذلك أخرجه إسحاق بن راهويه بإسناد فيه ضعف من حديث أبى سعيد، وإذ قد علمت ذلك فإنه لا يقوى على معارضة الأحاديث الدالة على الوجوب المتفق على صحتها، ولا يفيد شيئًا من الأحكام.

ص: 106

9 -

وعن على رضى اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبًا) رواه أحمد والأربعة، وهذا لفظ الترمذى وحسنه وصححه ابن حبان.

ص: 106

[المفردات]

(يقرئنا) أى يتلو علينا.

[البحث]

هذا الحديث روى عن على بلفظ: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه -وربما قال: لا يحجزه- من القرآن شئ ليس الجنابة) وقد أخرج هذا الحديث أيضًا ابن خزيمة والحاكم والبزار والدارقطنى والبيهقى، وصححه أيضًا ابن السكن وعبد الحق والبغوى فى شرح السنة، وأعله الشافعى وقال الخطابى: كان أحمد يوهن هذا الحديث، وقال النووى: خالف الأكثرون الترمذى فضعفوا هذا الحديث، هذا وقد أخرج أبو يعلى من حديث على قال:(رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئًا من القرآن ثم قال: هكذا لمن ليس بجنب. فأما الجنب فلا ولا آية) قال الهيثمى: رجاله موثقون، وقد أخرج البخارى عن ابن عباس أنه لم ير فى القراءة للجنب بأسًا).

ص: 107

10 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءًا) رواه مسلم زاد الحاكم (فإنه أنشط للعود) وللأربعة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) وهو معلول.

[المفردات]

(أن بعود) أى إلى إتيانها.

(وضوءًا) أى شرعيًا وقد ورد فى رواية ابن خزيمة والبيهقى: (وضوءه للصلاة).

ص: 107

(زاد الحاكم) أى من طريق أبى سعيد.

(للعود) أى لمن أراد معاودة أهله.

(وهو معلول) يعنى حديث عائشة عند الأربعة.

[البحث]

إنما كان حديث عائشة معلولًا لأنه من رواية أبى إسحاق عن الأسود عن عائشة قال أحمد: إنه ليس بصحيح؛ وقال أبو داود: وهم، ووجهه أن أبا إسحاق لم يسمعه من الأسود، وقال الترمذى وعلى تقدير صحته فيحتمل أن المراد لا يمس ماء للغسل، وإنما يحمل على هذا ليوافق الأحاديث الصحيحة، فإنها مصرحة بأنه يتوضأ ويغسل فرجه لأجل النوم والأكل والشرب والجماع.

ص: 108

11 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل ممن الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه فى أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه) متفق عليه واللفظ لمسلم، ولهما فى حديث ميمونة رضى اللَّه عنها (ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بها الأرض) وفى رواية (فمسحها بالتراب) وفى آخره (ثم أتيته بالمنديل فرده) وفيه (وجعل ينفض الماء بيده).

[المفردات]

(اغتسل من الجنابة) أى أراد الاغتسال منها وشرع فى ذلك.

(يفرغ) أى الماء.

(يدخل أصابعه) يعنى يخلل بها ليصل الماء إلى البشرة.

ص: 108

(أصول الشعر) أى شعر رأسه. (ثم أفاض) أى سال الماء.

(حفنات) جمع حفنة وهى ملء الكف.

(سائر جسده) أى بقية جسده فالسائر الباقى لا الجميع كما توهم ذلك أقوام.

(ولهما) أى للشيخين.

(من حديث ميمونة) أى فى صفة غسله صلى الله عليه وسلم.

(ضرب بها الأرض) يعنى دَلَّكَ سده بالتراب أو الحائط.

(بالمنديل) قطعة من نسيج تستعمل للتنشيف.

[البحث]

حديث عائشة رواه الشيخان وفى بعض طرقه عندهما: (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة): فى هذه الرواية: (ثم يخلل بيديه شعره حتَّى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات) وقولها (ثم غسل رجليه) يدل على أن الوضوء الذى قدمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الغسل وقع بدون غسل الرجلين، قال الحافظ: وهذه الزيادة يعنى: (ثم غسل رجليه) تفرد بها أبو معاوية دون أصحاب هشام: قال البيهقى: غريبة صحيحة لكن فى رواية أبى معاوية عن هشام مقال، نعم له شاهد من رواية أبى سلمة عن عائشة عند أبى داؤد الطيالسي وفيه:(فإذا فرغ غسل رجليه) هذا وقد وقع التصريح بتأخير غسل الرجلين فى رواية للبخارى عن ميمونة بلفظ (وضوءه للصلاة غير رجليه) ولا معارضة بين قول عائشة (يتوضأ وضوءه للصلاة) وبين ما روى عن ميمونة من تأخير غسل الرجلين إلى نهاية الغسل لأنه لا منافاة بينهما لأن إطلاق الوضوء فى لفظ عائشة باعتبار الأكثر من الأعضاء. ولفظ حديث ميمونة قالت: (وضعت للنبى صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثًا ثم أفرغ

ص: 109

بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثًا ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه) قالت:(فأتيته بخرقة فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده) رواه الجماعة وليس لأحمد والترمذى نفض اليد، ومعنى: فلم يردها، أى لم يقبلها فهى من الارادة لا من الرد، وهو يوافق رواية (فرده) يعنى لم يقبل المنديل.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه يبتدئ فى الغسل بغسل اليدين قبل إدخالهما فى الإناء مرتين أو ثلاثًا.

2 -

ثم يغسل فرجه.

3 -

ثم يمسح يده بالتراب.

4 -

ثم يتوضأ وضوءه للصلاة غير رجليه.

5 -

ثم يخلل شعر رأسه بالماء حتى يظن أنه قد أروى بشرته.

6 -

ثم يحثو على رأسه ثلاث حفنات.

7 -

ثم يفيض الماء على سائر جسده.

8 -

ثم يغسل رجليه.

9 -

وأنه يستحب ترك التنشيف بالمنديل.

10 -

وأن نفض الماء باليد بعد الوضوء أو الغسل مباح يستوى فعله وتركه.

11 -

أن من فعل هذا فقد اغتسل على أكمل وجه.

ص: 110

12 -

وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه إنى امرأة أشد شعر رأسى أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفى رواية: والحيضة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات) رواه مسلم.

ص: 110

[المفردات]

(أشد شعر رأسى) أى أضفره وأفتله. (أنقضه) أى أحله.

(حثيات) جمع حثية، والحثية الحفنة.

[البحث]

لفظ حديث أم سلمة عند مسلم: قالت: قلت: يا رسول اللَّه إنى امرأة أشد ضفر رأسى أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) وفى رواية لمسلم من طريق عبد الرزاق (فأنقضه للحيضة والجنابة فقال: (لا. . الحديث) ومعنى: (أشد ضفر رأسى) أى أحكم فتل شعرى، وقد روى مسلم عن عبيد بن عمير قال:(بلغ عائشة أن عبد اللَّه بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن فقالت يا عجبًا لابن عمر هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رءوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ولا أزيد على أن أفرغ على رأسى ثلاث إفراغات) هذا ويحتمل أن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما إنما كان يأمر النساء بنقض رءوسهن على سبيل الاستحباب فخشيت عائشة أن يفهم النساء من ذلك الإيجاب، فبينت أنها كانت تغتسل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا تنقض ضفر رأسها، وأما قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة:(انقضى شعرك واغتسلى) فإنه لم يكن هذا الاغتسال للطهر من الحيض، وإنما كان غسل تنظيف وذلك أن عائشة كانت أحرمت بعمرة ثم حاضت قبل دخول مكة، فأمرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمشط شعرها، وتغتسل وتهل بالحج، وهى حينئذ لم تطهر من حيضها، هذا ويجب على المرأة أن تدلك رأسها فى الاغتسال من الحيض حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.

ص: 111

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه لا يجب على المرأة نقض ضفرها عند الاغتسال من الجنابة والحيض.

ص: 112

13 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إنى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.

[المفردات]

(أحل المسجد) أى أجيز دخوله والبقاء فيه.

[البحث]

روى أبو داؤد حديث عائشة بلفظ: قالت: جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ووجوه صوت أصحابه شارعة فى المسجد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد) ثم دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم فقال:(وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإنه لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) وهذا الحديث من رواية أفلت بن خليفة عن جسرة، وأفلت: وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: هو شيخ، وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به وروى عنه سفيان الثورى وعبد الواحد بن زياد، وقال فى الكاشف: صدوق، وقال فى البدر المنير: بل هو مشهور ثقة، وأما جسرة فقال البخارى: إن عندها عجائب، قال ابن القطان: وقول البخارى فى جسرة إن عندها عجائب لا يكفى فى رد أخبارها، وقال العجلى: تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان فى الثقات، وقد حسن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة، وصححه ابن خزيمة

ص: 112

قال ابن سيد الناس: إن التحسين أقل مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج، قال الحافظ: وأما قول ابن الرفعة فى أواخر شروط الصلاة: إن أفلت متروك فمردود لأنه لم يقله أحد من أئمة الحديث، وأما ما رواه سعيد بن منصور فى سننه قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن اسم عن عطاء بن يسار قال: (رأيت رجالًا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يجلسون فى المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة) وكذلك ما راوه حنبل بن إسحاق صاحب أحمد قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: (كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتحدثون فى المسجد وهم على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل المسجد فيتحدث) فإنا فى كلا الإسنادين مقالا لأن فيهما هشام ابن سعد وقد قال أبو حاتم: إنه لا يحتج به، وضعفه ابن معين وأحمد والنسائى، فقد ثبت أن الجنب والحائض ممنوعان من المكث فى المسجد، أما المجتاز فى المسجد إما للخروج منه أو للدخول فيه مثل أن يكون قد نام فى المسجد فأجنب فيجب الخروج منه، أو يكون الماء فى المسجد فيدخل إليه، أو يكون طريقه عليه فيمر فيه من غير إقامة، فهذا كله جائز، ولا يمكث فى المسجد ابدًا، وقد روى سعيد بن منصور فى سننه عن جابر قال:(كان أحدنا يمر فى المسجد جنبًا مجتازًا) ويدل لهذا قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} إذ المراد بالصلاة موضع الصلاة وهو المسجد كما قال تعالى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} والمراد بالصلوات مواضعها، وعليه فالمعنى: ولا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه، وهذا أولى من تأويل (عابرى سبيل) بالمسافرين، ويدل على صحة

ص: 113

تأويله بالمجتاز وجهان: أحدهما أن المسافر الجنب لا تصح صلاته بدون التيمم ولم يذكر التيمم ههنا فيحتاج إلى إضمار شيئين: عدم الماء، وذكر التيمم، وأما على تأويله بالمجتاز فلا يحتاج إلى إضمار شئ، والوجه الثانى: أن للَّه تعالى ذكر حكم السفر وعدم الماء وجواز التيمم بعد هذا فلا يحمل هذا على حكم معاد فى نفس الآية ويدل على ذلك أيضًا أن جميع القراء استحسنوا الوقف على قوله، (حتى تغتسلوا) وفي دليل على أن حكم الجنابة باق على الجنب إلى غاية هى الاغتسال.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه يحرم على الحائض والجنب المكث فى المسجد.

2 -

أنه يجوز الاجتياز فيه للضرورة.

ص: 114

14 -

وعنها رضى اللَّه عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) متفق عليه، زاد ابن حبان (وتلتقى).

[المفردات]

(وعنها) أى عائشة رضى اللَّه عنها.

(فيه) أى فى الاغتراف منه.

(من الجنابة) متعلق بقولها: أغتسل وبيان له.

(وتلتقى) معطوف على قولها: تختلف، أى تتفرق وتجتمع.

[البحث]

هذا الحديث يفيد جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد معًا وقد تقدم الكلام على ذلك.

ص: 114

15 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) رواه أبو داؤد والترمذى وضعفاه، ولأحمد عن عائشة نحوه وفيه راو مجهول.

[المفردات]

(البشر) ظاهر الجلد.

[البحث]

إنما ضعف أبو داؤد والترمذى حديث أبى هريرة لأنه عندهما من رواية الحارث بن وجيه، قال أبو داؤد: حديثه منكر وهو ضعيف، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الحارث وهو شيخ ليس بذاك، وقال الشافعى: هذا الحديث ليس بثابت وذكر البيهقى أن البخارى وأبا داود أنكراه، وأما حديث عائشة عند أحمد فقد ذكر المصنف أن فيه راويًا مجهولًا، وإذ قد ثبت أن فيه مجهولًا فلا تقوم به حجة.

ص: 115