المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب شروط الصلاة - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ١

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌باب شروط الصلاة

‌باب شروط الصلاة

ص: 173

1 -

عن على بن طلق رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا فسا أحدكم فى الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) رواه الخمسة وصححه ابن حبان.

[المفردات]

(على بن طلق) قال ابن عبد البر: أظنه والد طلق بن على الحنفى الذى روى حديث: (إنما هو بضعة منك) الذى تقدم فى الوضوء ومال أحمد والبخارى إلى أن ذلك اختلاف على اسم لذات واحدة.

[البحث]

هذا الحديث أعله ابن القطان بمسلم بن سلام الحنفى فإنه لا يعرف. غير أن نقض الفساء للوضوء مجمع عليه.

ص: 173

2 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار) رواه الخمسة إلا النسائى وصححه ابن خزيمة.

[المفردات]

(الحائض) المراد بها البالغة وإن بلغت بالاحتلام دون الحيض، وإنما عبر بالحيض نظرًا إلى الأغلب وليس المراد من هى ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة.

(بخمار) بكسر الخاء المعجمة هو ما يغطى به الرأس والعنق.

ص: 173

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أيضًا أحمد والحاكم، وأعله الدارقطنى بالوقف، وأعله الحاكم بالارسال، وهذا الحديث يفيد أن شعر رأس المرأة ورقبتها عورة، وأنه يجب ستر هذه العورة فمن صلت بغير خمار فصلاتها مردودة عليها، وعلى هذا أهل العلم.

ص: 174

3 -

وعن جابر رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: (إن كان الثوب واسعا فالتحف به) يعنى فى الصلاة، ولمسلم (فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقًا فأتزر به) متفق عليه، ولهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه (لا يصلى أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ).

[المفردات]

(فالتحف به) الالتحاف بالثوب هو الارتداء والتغطى به، والمراد أن يتزر به ثم يرفع طرفيه فيلتحف به فيكون الثوب الواحد بمنزلة الازار والرداء.

(فخالف بين طرفيه) هو فى معنى (فالتحف به).

(فأتزر به) اجعله إزارا فقط من غير التحاف به لضيقه.

(عاتقه) العاتق ما بين المنكبين إلى أصل العنق.

[البحث]

لا معارضة بين حديث أبى هريرة وحديث جابر رضى اللَّه عنهما فإن المراد بالثوب الواحد فى حديث أبى هريرة هو الثوب الواسع الذى يمكن الاتزار به ثم الالتحاف بطرفيه، أما إذا كان الثوب ضيقا لا يمكن الالتحاف بطرفيه بعد الاتزار به فإنه يجوز الاتزار به فقط دون وضع شئ منه على العائق.

ص: 174

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز الصلاة فى الثوب الواحد.

2 -

أنه يتزر بالثوب ثم يلتحف بطرفيه إن كان واسعًا، ويكتفى بالاتزار به فقط إن كان ضيفًا.

ص: 175

4 -

وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم: (أتصلى المرأة فى درع وخمار بغير إزار؟ قال: (إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها) أخرجه أبو داؤد وصحح الأئمة وقفه.

[المفردات]

(الدرع) هو قميص المرأة الذى يغطى بدنها ورجليها.

(سابغًا) أى واسعًا، ويقال له سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل.

[البحث]

هذا الحديث رواه أيضًا ابو داؤد ومالك موقوفًا ولفظه: عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة: ماذا تصلى فيه امرأة من الثياب؟ قالت: تصلى فى الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها) وقد أخرجه أيضًا الحاكم وقال: إن رفعه صحيح على شرط البخارى، وفى إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن دينار وفيه مقال، قال فى التقريب: صدوق يخطئ من السابعة، وقال أبو داؤد: روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل ابن جعفر وابن أبى ذئب، وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة لم يذكر واحد منهم النبى صلى الله عليه وسلم، قصروا به عن أم سلمة.

ص: 175

5 -

وعن عامر بن ربيعة رضى اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة فنزلت:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أخرجه الترمذى وضعفه.

[المفردات]

(عامر بن ربيعة) هو أبو عبد اللَّه عامر بن ربيعة بن مالك العنزى، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وثلاثين.

(فأشكلت علينا القبلة) أى فالتبست علينا ولم ندر: أين القبلة.

(فصلينا) أى ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم حاضرًا تلك الصلاة.

(فثم) أى فهناك.

[البحث]

هذا الحديث رواه أيضًا أحمد والطبرانى عن عامر بن ربيعة، وإنما ضعفه الترمذى لأن فيه أشعث بن سعيد السمان وهو ضعيف، والصحيح أن هذه الآية نزلت فى صلاة التطوع خاصة كما فى صحيح مسلم عن ابن عمر قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به، وفيه نزلت:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} وقد رواه كذلك أحمد والترمذى وصححه، وإنما قلنا فى صلاة التطوع خاصة لما رواه الشيخان عن عامر بن ربيعة قال:(رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته يسبح، يومئ برأسه قبل أى وجهة توجه، ولم يكن يصنع ذلك فى الصلاة المكتوبة).

ص: 176

6 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذى.

ص: 176

[المفردات]

(المشرق) الشرق. (المغرب) الغرب.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه الترمذى وابن ماجه من طريق أبى معشر، وقد تابع أبا معشر عليه على بن ظبيان قاضى حب، وأبو معشر وعلى بن ظبيان ضعيفان، وقد روى هذا الحديث أيضًا الحاكم والدارقطنى وأخرجه الترمذى من طريق غير طريق أبى معشر وقال: حديث حسن صحيح، وقد خالفه البيهقى فقال بعد إخراجه من هذا الطريق: هذا إسناد ضعيف، وسبب الضعف فى هذا الاسناد أيضًا أنه تفرد به عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق عن المقبرى وقد اختلف فيه فقال على بن المدينى: إنه روى أحاديث مناكير، ووثقه ابن معين وابن حبان، على أن هذا الحديث لا يمكن أن يكون عامًا فى سائر البلاد وإنما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها.

ص: 177

7 -

وعن عامر بن رببعة رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به) متفق عليه، زاد البخارى (يومئ برأسه ولم يكن يصنعه فى المكتوبة) ولأبى داؤد من حديث أنس رضى اللَّه عنه (وكان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجه ركابه) وإسناده حسن.

[المفردات]

(يصلى) أى النوافل.

(يومئ برأسه) أى يشير برأسه فى ركوعه وسجوده.

(المكتوبة) أى الفريضة.

ص: 177

(استقبل بناقته القبلة) أى عند تكبيرة الاحرام، وتلك زيادة وهى مقبولة.

(بناقته) قال هنا: نافته، وفى الأولى: راحلته وهما بمعنى واحد وليس بشرط أن يكون الركوب على ناقة بل صح فى رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم (صلى على حماره) ومثله كل مركوب.

(وجه ركابه) أى ناقته.

[البحث]

حديث أنس عند أبى داؤد رواه أيضًا أحمد وأخرجه البخارى ومسلم بنحو ما هنا، وأخرجه أيضًا النسائى من رواية يحيى بن سعيد عن أنس وقال: حديث يحيى بن سعيد عن أنس: الصواب موقوف وأما أبو داؤد فأخرجه من رواية الجارود بن أبى سبرة عن أنس.

[ما يفيده الحديث]

1 -

جواز التنفل على الراحلة فى السفر، وعليه الاجماع.

2 -

وأنه لا بد من استقبال القبلة حال تكبيرة الاحرام ثم لا يضر بعد ذلك ترك الاستقبال.

ص: 178

8 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذى، وله علة.

[المفردات]

(مسجد) أى موضع تصح فيه الصلاة.

(المقبرة) محل دفن الموتى.

[البحث]

هذا الحديث رواه الخمسة إلا النسائى وأخرجه الشافعى

ص: 178

وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، قال الترمذى: وهذا حديث فيه اضطراب، رواه سفيان الثورى عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبى سعيد، قال الدارقطنى فى العلل: المرسل المحفوظ، وكذلك رجح البيهقى الارسال، وقال النووى: ضعيف. هذا والصلاة تصح فى كل أرض طاهرة لما جاء فى الصحيحين عن جابر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته) إلا أنه قد صح النهى عن الصلاة إلى القبور وسيأتى الحديث فيه.

ص: 179

9 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى فى سبع مواطن: (المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق وفى الحمام، ومعاطن الابل، وفوق ظهر بيت اللَّه) رواه الترمذى وضعفه.

[المفردات]

ر

(المزبلة) موضع إلقاء الزبل.

(المجزرة) المكان الذى تنحر فيه الابل وتذبح فيه البقر والغنم (قارعة الطريق) أى وسطه.

(معاطن الابل) مبرك الجمال حول الماء.

[البحث]

إنما ضعف الترمذى هذا الحديث لأن فى إسناده زيد بن جبيرة وهو ضعيف قال البخارى وابن معين: زيد بن جبيرة متروك الحديث وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وقال النسائى: ليس بثقة، وقال

ص: 179

ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الحافظ فى التلخيص: إنه ضعيف جدًا، وقد روى هذا الحديث أيضًا ابن ماجه وفى إسناده عنده عبد اللَّه بن صالح وعبد اللَّه بن عمر العمرى وهما ضعيفان، قال ابن أبى حاتم فى العلل: هما جميعًا واهيان يعنى روايتى الترمذى وابن ماجه، وقد صح عن ابن عمر ما يعارض هذه الرواية فقد جاء فى صحيح البخارى: باب الصلاة فى مواضع الابل، حدثنا صدقة بن الفضل قال: أخبرنا سليمان بن حيان قال: حدثنا عبيد اللَّه عن نافع قال: رأيت ابن عمر يصلى إلى بعيره وقال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفعله، غير أن مسلمًا قد روى عن جابر بن سمرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل: أنصلى فى مرابض الغنم؟ قال: نعم، فقيل له: أنصلى فى معاطن الابل؟ قال: لا) وقد قال الشافعى وبعض أهل العلم إن هذا الحديث يعنى حديث جابر بن سمرة منسوخ، أو لعل النهى محمول على التنزيه.

10

ص: 180

- وعن أبى مرثد الغنوى رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها) رواه مسلم.

[المفردات]

(أبو مرثد الغنوى) هو مرثد بن أبى مرثد، أسم هو وأبوه وشهد بدرًا واستشهد يوم غزوة الرجيع فى حياته صلى الله عليه وسلم.

(لا تصلوا إلى القبور) أى لا تستقبلوها فى صلاتكم.

[البحث]

حديث أبى مرثد هذا رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجه، وقد روى مسلم عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال

ص: 180

(لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر).

[ما يفيده الحديث]

1 -

تحريم الصلاة إلى القبور.

2 -

تحريم الجلوس على القبور.

ص: 181

11 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى فى نعليه أذى أو قذرًا فليمسحه وليصل فيهما) أخرجه أبو داؤد وصححه ابن خزيمه.

[المفردات]

(فلينظر) أى فليقب نعليه ولينظر فيها كما فى رواية أحمد عن أبى سعيد.

(فى نعليه) النعل الحذاء الذى لا يستر الكعبين.

(أذى أو قذرًا) شك من الراوى، والأذى والقذر بمعنى وهو ما تكرهه النفس من نجاسة.

(فليمسحه) أى ليدلكه بالتراب.

[البحث]

روى أحمد هذا الحديث عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم: لم خلعتم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن بهما خبثًا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثًا فليمسحه فى الأرض ثم ليصل فيهما) وقد اختلف فى وصل هذا الحديث وإرساله، وقد رواه الحاكم من حديث أنس وابن مسعود،

ص: 181

ورواه الدارقطنى من حديث ابن عباس وعبد اللَّه بن الشخير وإسناداهما ضعيفان، ورواه البزار من حديث أبى هريرة وإسناده ضعيف معلول أيضًا.

ص: 182

12 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب) أخرجه أبو داؤد وصحه ابن حبان.

[المفردات]

(بخفية) الخف الحذاء الذى يستر الكعبين.

(فظهورهما) أى الخفين، والطهور: ما يتطهر به.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه ابن السكن والحاكم والبيهقى عن أبى هريرة بسند ضعيف، وأخرجه أبو داؤد من حديث عائشة وقد وردت أحاديث أخرى بأسانيد ضعيفة.

هذا وقد صح أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد صلى فى نعليه وكذلك فى خفيه بل ثبت أنه كان يمسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة فقد روى البخارى عن أبى مسلمة سعيد بن يزيد الأزدى قال: (سألت أنس بن مالك، أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه؟ قال: نعم) وكذلك روى البخارى عن المغيرة بن شعبة قال: وضأت النبى صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه وصلى).

هذا وقد انعقد الاجماع على أن الثوب أو الجسد إذا أصابته النجاسة لا يطهر إلا بالماء.

ص: 182

13 -

وعن معاوية بن الحكم رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.

[المفردات]

(معاوية بن الحكم) هو معاوية بن الحكم السلمى كان ينزل المدينة، ويعد من أهل الحجاز.

(لا يصلح) أى لا يحل.

(كلام الناس) أى مكالمة الناس ومخاطبتهم.

(إنما هو) أى إن المشروع فيها.

[البحث]

لفظ حديث مسلم عن معاوية بن الحكم السلمى قال: بينا أنا أصلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك اللَّه، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه: ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت، فلما صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبأبى هو وأمى ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فواللَّه ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى: قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الخ الحديث. .

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن مخاطبة الناس فى الصلاة حرام وتضر الصلاة.

2 -

تعليم الجاهل باللين والرفق.

3 -

أن تشميت العاطس فى الصلاة منهى عنه وأنه من كلام الناس الذى يحرم فى الصلاة.

ص: 183

14 -

وعن زيد بن أرقم رضى اللَّه عنه أنه قال (إن كنا لنتكلم فى الصلاة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للَّه قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. متفق عليه، واللفظ لمسلم.

[المفردات]

(بحاجته) أى كأن يرد عليه السلام أو يشمته إذا عطس أو نحو ذلك لا كتحادث المتجالسين.

(قانتين) للقنوت معان منها السكوت والدعاء والخشوع والعبادة، والاقرار بالعبودية.

[البحث]

ذكر المصنف أن لفظ هذا الحديث لمسلم، والحق أن لفظه للبخارى وأما رواية مسلم عن زيد بن أرقم فلفظها:(كنا نتكلم، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) وقوله: ونهينا عن الكلام، زيادة ليست للجماعة وإنما زادها مسلم وأبو داؤد، وهذا الحديث يدل على أن النهى عن تشميت العاطس ورد السلام ونحو ذلك فى الصلاة كان فى المدينة لأن هذه الآية الكريمة نزلت بالمدينة ولا معارضة بين هذا وبين ما رواه الشيخان عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول اللَّه كنا تسلم عليك فى الصلاة فترد علينا: فقال: (إن فى الصلاة لشغلا) وقد فهم البعض أن ابن مسعود رجع من الحبشة قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وممن ذكر ذلك ابن إسحاق وقواه ابن القيم غير أن

ص: 184

ابن سعد يروى أن ابن مسعود رجع من الحبشة إلى المدينة، وقد ذكر ابن القيم أن رجوع المهاجربن من الحبشة كان بعد بدر وقد شهدها ابن مسعود، ولا دليل لابن القيم فى هذا لجواز أن يكون ابن مسعود رجع بمفرده وشهد بدرًا، على أنه لو صح أن ابن مسعود رجع إلى مكة وأن حادثة عدم رد السلام كانت بمكة فلا معارضة أيضًا بين الحديثين ووجه عدم المعارضة بين الحديثين أن ابن مسعود إن كان رجع بعد الهجرة فالأمر قد تم وإذا كان قبل ذلك فلا تقوى رواية أبى داؤد وأحمد على معارضة الرواية الصريحة عن زيد بن أرقم وذلك أن عدم رد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السلام فى حديث ابن مسعود لا يدل على تحريم الرد حينذاك بل قد يكون لاستغراقه صلى الله عليه وسلم فى صلاته استغراقًا يشغله عن هذا الرد، ويكون هذا هو معنى: إن فى الصلاة لشغلا.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم فى صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة.

ص: 185

15 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) متفق عليه، زاد مسلم (فى الصلاة).

[المفردات]

(التسبيح) أى قول سبحان اللَّه.

(التصفيق) التصويت باليد، وكيفيته كما قال عيسى بن أيوب: أن تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى.

(فى الصلاة) أى للتنبيه فيها إذ هو المراد من الحديث.

ص: 185

[البحث]

أخرج البخارى ومسلم والنسائى وأبو داؤد عن سهل بن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شئ فى صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء) ومعنى نابه أى نزل به شئ من الحوادث وأراد إعلام غيره كإنذاره لأعمى وإذنه لداخل، وتنبيهه لساه أو غافل.

[ما يفيده الحديث]

1 -

مشروعية التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فى الصلاة للإعلام.

ص: 186

16 -

وعن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير عن أبيه رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى وفى صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه ابن حبان.

[المفردات]

(مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء مكسورة تابع جليل.

(عن أبيه) هو عبد اللَّه بن الشخير بكسر الشين والخاء المشددة وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى بنى عامر، ويعد فى البصريين.

(الازيز) صوت القدر عند غليانها.

(المرجل) القدر الذى يطبخ فيه.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم وصححاه، وقد أخرج البخارى وسعيد بىت منصور وابن المنذر أن عمر صلى صلاة الصبح وقرأ سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} فسمع نشيحه.

ص: 186

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن البكاء من خشية اللَّه تعالى فى الصلاة لا يبطلها.

ص: 187

17 -

وعن على -رضى اللَّه عنه- قال: (كان لى من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مدخلان فكنت إذا أتيته وهو يصلى تنحنح لى) رواه النسائى وابن ماجه.

[المفردات]

(مدخلان) أى وقتان أدخل عليه فيهما.

(تنحنح) النحنحة تردد الصوت فى الجوف.

[البحث]

هذا الحديث رواه أحمد أيضًا عن على بلفظ: (كان لى من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مدخلان بالليل والنهار وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلى يتنحنح لى) وقد صحيح هذا الحديث ابن السكن، وقال البيهقى: هذا مختلف فى إسناده ومتنه قيل: سبح، وقيل: تنحنح، ومداره على عبد اللَّه بن نجى، قال الحافظ: واختلف عليه فيه فقيل عن على وقيل عن أبيه عن على، قال البخارى: فيه نظر، وضعفه غيره، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد اللَّه من على، بينه وبين على أبوه.

هذا والقول بأن النحنحة كلام غير مقبول، لأن الكلام لغة ما تركب من حرفين والحرف ما اعتمد على مخرجه المعين وليس فى التنحنح اعتماد على مخرجه بل هو تردد الصوت فى الجوف وأكثرها يكون اضطرارًا.

ص: 187

18 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قلت لبلال: كيف

ص: 187

رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلى؟ قال: قوله هكذا، وبسط كفه، أخرجه أبو داود والترمذى وصححه.

[المفردات]

(عليهم) أى على الأنصار كما تفيده بعض الروايات.

(يقول هكذا) أى يفعل هكذا.

(وبسط كفه) بسط جعفر بن عون الراوى عن ابن عمر كفه وجعل بطنه إلى اسفل وجعل ظهره إلى فوق.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أيضًا أحمد: النسائى وابن ماجه إلا أن فى رواية النسائى وابن ماجه صهيبًا مكان بلال، وأصل الحديث: أنه خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلى فيه فجاءت الأنصار وسلموا عليه فقلت لبلال: كيف رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلى؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وعن ابن عمر عن صهيب قال: مررت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هو يصلى فسلمت فرد إلىّ إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه قال: إشارة بإصبعه، وقد رواه الخمسة إلا ابن ماجه، هذا وحديث بلال رجاله رجال الصحيح، وأما حديث صهيب ففى إسناده نايل صاحب العباء وفيه مقال، وقد صحت الاشارة فى الصلاة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من رواية أم سلمة فى حديث الركعتين بعد العصر ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسًا فى مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه يجوز رد السلام بالإشارة فى الصلاة.

ص: 188

19 -

وعن أبى قتادة رضى اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) متفق عليه ولمسلم: (وهو يؤم الناس فى المسجد).

[المفردات]

(زينب) بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وزوجها أبو العاص بن الربيع

(يؤم الناس) أى يصلى إمامًا لهم.

[البحث]

قول المصنف ولمسلم (وهو يؤم الناس فى المسجد) غير ظاهر فليست هذه العبارة فى صحيح مسلم وإنما الذى فيه، يؤم الناس، من رواية عثمان بن أبى سليمان وابن عجلان من غير ذكر المسجد، وفى رواية هارون بن سعيد الأيلى:(يصلى للناس) وفى رواية سعيد المقبرى عن عمرو بن سليم الزرقى عن أبى قتادة أنه قال: بينا نحن فى المسجد جلوس، وفيه (أنه لم يذكر إنه أم الناس فى تلك الصلاة) وليس فى عبارة (كان يصلى وهو حامل أمامة) ما يدل على التكرار مطلقا لأن هذا الحمل لأمامة على هذا الحال وقع منه مرة واحدة لا غير، هذا والمفروض ألا تكون هناك نجاسة متحققة على بدن الصبى أو ثوبه.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن مثل هذه الأفعال لا تبطل الصلاة.

2 -

إباحة حمل الصبيان فى الصلاة.

3 -

جواز حمل الصبيان إلى المساجد.

ص: 189

20 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (اقتلوا الأسودين فى الصلاة: الحية والعقرب) أخرجه الأربعة وصححه ابن حبان.

[المفردات]

(الأسودين) قال فى القاموس: والأسود: الحية العظيمة، والأسودان التمر والماء، والحية والعقرب، وعلى هذا فلا عبرة باللون.

[البحث]

هذا الحديث حسنه الترمدى وأخرجه الحاكم وصححه.

ص: 190