المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصلاة ‌ ‌باب المواقيت - فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام - جـ ١

[عبد القادر شيبة الحمد]

الفصل: ‌ ‌كتاب الصلاة ‌ ‌باب المواقيت

‌كتاب الصلاة

‌باب المواقيت

ص: 136

1 -

عن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما أن نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس) رواه مسلم.

[المفردات]

(المواقيت) جمع ميقات والمراد به الوقت الذى حدده الشارع للأداء (زالت) أى مالت عن كبد السماء.

(وكان ظل الرجل كطوله) أى ويستمر وقتها حتى يصير ظل الرجل مثله.

(الشفق) هو بقية ضوء الشمس وحمرتها فى أول الليل، فإذا ذهب قيل: غاب الشفق، وقال الخليل: الشفق الحمرة، وقال الفراء، سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب كأنه الشفق وكان أحمر.

(نصف الليل الأوسط) هو شطر الليل فكأنه فسم الليل ثلاثة أقسام. فشطره نصف الأوسط.

[البحث]

بين هذا الحديث أن ابتداء وقت الظهر إذا مالت الشمس من وسط السماء إلى جهة الغرب وأن نهاية وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله، وهذا القدر من الزمان شامل لوقت أداء الظهر اختيارًا واضطرارًا، وأما الوقت المضروب للعصر فى هذا الحديث

ص: 136

اصفرار الشمس حتى تغرب وسيأتى فى حديث أبى هريرة عند الشيخين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) وكذلك قد بين هذا الحديث أن وقت المغرب ممتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق وفيه دليل على اتساع وقت المغرب، وأما الوقت المضروب للعشاء فى هذا الحديث فهو وقت الاختيار ويبتدئ من غيبوبة الشفق إلى نصف الليل، وأما وقت العشاء فى الاضطرار فهو ممتد من نصف الليل إلى طلوع الفجر، وقد روى مسلم:(ليس فى النوم تفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى) وهو دليل على امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى، وقد ذكر ابن رشد فى بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:(لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت أخرى) ولم يسنده ابن رشد إلا أنه قال بعد أن أورده: (وهو حديث ثابت) غير أن هذا الحديث الذى ذكر ابن رشد وحديث مسلم (ليس فى النوم تفريط) إلخ الحديث، اللذين أفادا امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى مخصوصان بالفجر فإن آخر وقتها طلوع الشمس وليس بوقت التى بعدها، وقد بين حديث ابن عمرو كذلك أن وقت الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

ص: 137

2 -

وله من حديث بريدة رضى اللَّه عنه فى العصر: (والشمس بيضاء نقية) ومن حديث أبى موسى رضى اللَّه عنه (والشمس مرتفعة).

ص: 137

[المفردات]

(وله) أى ولمسلم.

(بريدة) هو أبو عبد اللَّه بريدة بن الخصيب الأسلمى، أسلم قبل بدر وشهد بيعة الرضوان، مات بمرو سنة اثنتين أو ثلاث وستين.

(فى العصر) أى فى بيان وقتها.

(نقية) أى لم يدخلها شئ من الصفرة.

(ومن حديث أبى موسى) أى ولمسلم أيضًا من حديث أبى موسى.

(أبو موسى) هو عبد اللَّه بن قيس الأشعرى، أسلم قديمًا بمكة ورجع إلى أرضه باليمن، ثم عزم على الهجرة فركب سفينة فأوصلته إلى الحبشة ومنها هاجر إلى المدينة مع مهاجرى الحبشة، مات بمكة سنة خمسين رضى اللَّه عنه.

[البحث]

حديث أبى موسى رضى اللَّه عنه رواه أحمد ومسلم وأبو داؤد والنسائى، وحديث بريدة رواه الجماعة إلا البخارى، وألفاظ الحديثين متقاربة، وفى لفظ الترمذى عن بريدة:(فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية).

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن وقت العصر فى الاختيار ما لم تصفر الشمس.

ص: 138

3 -

وعن أبى برزة الأسلمى رضى اللَّه عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله فى أقصى المدينة والشمس حية، وكان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة) متفق عليه.

ص: 138

[المفردات]

(أبو برزة) هو نضلة بن عبيد الأسلمى، أسلم قديمًا وشهد الفتح وتوفى بمرو سنة ستين.

(رحله) أى مسكنه.

(حية) أى بيضاء قوية الأثر حرارة ولونًا وإنارة.

(الحديث) أى السمر والتحادث مع الناس.

(ينفتل) أى ينصرف. (الغداة) أى الفجر.

[البحث]

ذكر فى هذا الحديث وقت العصر والعشاء والفجر من غير تحديد للأوقات، وقد سبق ما يفيد تحديدها، وفى هذا الحديث استحباب تأخير العشاء وقد يفهم منه أن هذا الاستحباب حاصل مهما كان التأخير غير أن الأحاديث الصحيحة جعلته إلى نصف الليل.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب صلاة العصر فى أول وقتها.

2 -

استحباب تأخير العشاء.

3 -

كراهة النوم قبل صلاة العشاء.

4 -

استحباب طول القراءة فى صلاة الصبح.

ص: 139

4 -

وعندهما من حديث جابر رضى اللَّه عنه: (والعشاء أحيانًا وأحيانًا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا تأخر، والصبح كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس).

[المفردات]

(وعندهما) أى عند البخارى ومسلم.

ص: 139

(أحيانًا) أى أوقاتًا يقدمها أول وقتها.

(وأحيانًا) أى وأوقاتًا أخرى يؤخرها عنه.

(اجتمعوا) أى فى أول الوقت.

(أبطئوا) تأخروا.

(بغلس) الغلس محركة: ظلمة آخر الليل، وهو أول الفجر.

[البحث]

حديث جابر عند الشيخين بلفظ: (كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية: والمغرب إذا وجبت الشمس، والعشاء أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا آخر، والصبح كانوا -أو كان النبى صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس) والهاجرة شدة الحر نصف النهار، ووجبت الشمس أى غابت، وقوله:(إذا رآهم اجتمعوا) تفيد مشروعية ملاحظة أحوال المؤتمين، والمبادرة بالصلاة مع اجتماع المصلين، وقد ثبت أنه لولا خوف المشقة عليهم لأخر بهم.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب ملاحظة أحوال المصلين.

2 -

المبادرة بصلاة العشاء عند اجتماع المصلين.

3 -

استحباب تأخير صلاة العشاء إذا أبطئوا.

4 -

مراعاة الرفق بالناس.

5 -

استحباب المبادرة بصلاة الفجر فى أول وقتها.

ص: 140

5 -

ولمسلم من حديث أبى موسى رضى اللَّه عنه: (فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا).

ص: 140

[المفردات]

(انشق الفجر) أى طلع الصبح.

[البحث]

هذا جزء من حديث رواه مسلم وأحمد وأبو داؤد والنسائى عن أبى موسى، وقد تقدم جزء منه أيضًا، ونص الحديث؛ عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه (واتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئًا، وأمر بلالًا فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس والقائل يقول: انتصف النهار أو لم -وكانا أعلم منهم- ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقبت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: طلعت الشمس أو كادت، وأخر الظهر حين كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر فانصرف منها والقائل يقول: احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق) وفى لفظ (فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وأخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: (الوقت فيما بين هذين) وقد روى الجماعة إلا البخارى نحوه من حديث بريدة الأسلمى وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، ووقبت الشمس: غربت.

[ما يفيده الحديث]

1 -

أفاد هذا الحديث بيان أول وقت الفجر.

ص: 141

6 -

وعن رافع بن خديج رضى اللَّه عنه قال: (كنا نصلى المغرب

ص: 141

مع النبى صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع قبله) متفق عليه.

[المفردات]

(رافع بن خديج) هو أبو عبد اللَّه رافع بن خديج الخزرجى الأنصارى، تأخر عن بدر لصغر سنه، وشهد أحدًا وأصيب بسهم فيها، ومات بسببه سنة ثلاث أو أربع وسبعين وله ست وثمانون سنة.

(نبله) هى السهام العربية.

[البحث]

تتابعت الأحاديث الصحيحة فى صلاة المغرب أول وقتها حتى زعم البعض أن لها وقتًا واحدًا غير أن حديث أبى موسى السابق ضد مسلم برد هذا الزعم، وقد نقل أبو عيسى الترمذى فى العلماء كافة من الصحابة فن بعدهم كراهة تأخير المغرب، وقد كثر الحث على المسارعة بها.

[ما يفيده الحديث]

1 -

استحباب المبادرة بصلاة المغرب فى أول وقتها.

ص: 142

7 -

وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: أعتم النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل ثم خرج فصلى وقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتى) رواه مسلم.

[المفردات]

(أعتم) أى دخل فى العتمة والعتمة محركة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق.

(عامة الليل) أى الكثير منه (فصلى) أى العشاء.

(لوقتها) أى فى الاختيار.

ص: 142

[البحث]

روى البخارى ومسلم عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أخر النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: (قد صلى الناس وناموا، أما إنكم فى صلاة ما انتظرتموها، قال أنس: كأنى انظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ) ووبيص الخاتم: بريقه، وقد ثبت بهذا أن النبى صلى الله عليه وسلم أخر العشاء إلى نصف الليل فعلا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ذلك قولًا.

[ما يفيده الحديث]

1 -

مشروعية تأخير العشاء إلى نصف الليل اختيارًا.

2 -

وأن ترك التأخير إنما هو لرعاية عدم المشقة على الأمة رحمة بها.

ص: 143

8 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) متفق عليه.

[المفردات]

(أبردوا) أى انتظروا حتى يدخل وقت البرد، والابراد: انكسار شدة الحر وهو الدخول فى البرد.

(بالصلاة) أى بصلاة الظهر.

(فيح جهنم) شدة حرها وغليانها.

[البحث]

روى مسلم عن خباب قال: شكونا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فى جباهنا وأكفنا فلم يشكنا) أى لم يزل شكوانا، وقد روى ابن المنذر حديث خباب بلفظ:(فلم يشكنا وقال: (صلوا الصلاة لوقتها)

ص: 143

وعن جابر بن سمرة قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر إذا دحضت الشمس) رواه مسلم وأحمد وأبو داؤد وابن ماجه، ودحضت الشمس أى زالت، وروى البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: (الصلاة على وقتها) فهذه الأحاديث تدل على استحباب تعجيل صلاة الظهر وتقديمها فى أول وقتها إذا لم يكن الحر مشتدا، أما إذا اشتد أكثر فينبغى الابراد بالظهر، وفى حديث خباب بحث.

[ما يفيده الحديث]

1 -

مشروعية الابراد بالظهر عند اشتداد الحر.

ص: 144

9 -

وعن رافع بن خديج رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم) رواه الخمسة وصححه الترمذى وابن حبان.

[المفردات]

(أصبحوا) وفى رواية (أسفروا).

[البحث]

روى أبو داؤد عن أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم صارت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر): هل الحديث رجاله رجال الصحيح، وأصله فى الصحيحين والنسائى ابن ماجه ولفظه، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (نزل جبريل فأخبرنى بوقت الصلاة فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت

ص: 144

معه ثم صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات) فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين اشتد الحر، ورأيته يصلى العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتى ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلى المغرب حين تسقط الشمس ويصلى العشاء حين يسود الأفق وربما أخرها حتى يجتمع الناس، وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر) ولم يذكر رؤيته لصلاة النبى صلى الله عليه وسلم إلا أبو داؤد، قال المنذرى: وهذه الزيادة فى قصة الاسفار رواتها عن آخرهم ثقات، فحديث الاسفار مؤول، فالمستحب أن يدخل الإنسان فى صلاة الصبح مغلسًا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف منها مسفرًا.

ص: 145

10 -

وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) متفق عليه، ولمسلم عن عائشة رضى اللَّه عنها نحوه وقال:(سجدة) بدل ركعة ثم قال: والسجدة إنما هى الركعة.

[المفردات]

(أدرك) الإدراك: اللحاق.

(فقد أدرك الصبح) أى أدرك وقت الصبح.

[البحث]

روى البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة مرفوعًا

ص: 145

بلفظ: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وعليه فمن أدرك ركعة من أية صلاة من الصلوات الخمس فى وقتها وصلى الباقى، وقد خرج الوقت فإنه يعتبر مدركًا للصلاة فى الوقت تفضلا من اللَّه تعالى، أما حديث عائشة رضى اللَّه عنها فقد قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها) رواه مسلم وأحمد والنسائى وابن ماجه: والسجدة الركعة، وهذه العبارة الأخيرة من الراوى.

[ما يفيده الحديث]

1 -

يعتبر الصبح أداء بإدراك ركعة منه قبل طلوع الشمس.

2 -

ويعتبر العصر أداء بإدراك ركعة قبل غروب الشمس.

3 -

صحة صلاة الصبح لمن طلعت عليه الشمس فى الركعة الثانية.

4 -

امتداء وقت العصر إلى غروب الشمس.

ص: 146

11 -

وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه قال: (سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس) متفق عليه، ولفظ مسلم (لا صلاة بعد صلاة الفجر).

[المفردات]

(لا صلاة) أى نافلة.

(بعد الصبح) أى بعد صلاة الصبح.

[البحث]

هذا نفى أريد به النهى من الصلاة فى هذين الوقتين، وقد ثبت

ص: 146

أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر فى منزله وقال كريب عن أم سلمة: صلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال: (شغلنى ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر) رواه البخارى وأخرج البخارى أيضًا عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: (ما ترك السجدتين بعد العصر عندى قط) وفى لفظ (لم يكن يدعهما سرًا ولا علاتية) غير أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما دل له حديث أبى داؤد عن عائشة رضى اللَّه عنها: (أنه كان يصلى بعد العصر وينهى عنها، وكان يواصل وينهى عن الوصال).

[ما يفيده الحديث]

1 -

أنه يحرم صلاة النافلة بعد صلاة الصبح.

2 -

ويحرم كذلك صلاة النافلة بعد صلاة العصر.

ص: 147

12 -

وله عن عقبة بن عامر (ثلاث ساعات كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وحين تتضيف الشمس للغروب).

[المفردات]

(وله) أى ولمسلم.

(عقبة بن عامر) هو عقبة بن عامر الجهنى ولى أمر مصر ومات بها سنة ثمان وخمسين.

(بازغة) أى طالعة من بزغت أى طلعت.

(الظهيرة) شدة الحر فى نصف النهار ولا يقال فى الشتاء ظهيرة.

ص: 147

(قائم الظهيرة) يعنى قيام الشمس وقت الزوال ووقوفها فى كبد السماء إذ يتخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهى سائرة.

(تزول الشمس) أى تميل عن كبد السماء.

(تتضيف) أى تميل.

[البحث]

تقدم فى الحديث السابق النهى عن صلاة النافلة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب، وفى هذا الحديث النهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند وقوعها فى كبد السماء حتى تزول، وعند اصفرارها إلى أن تغرب، وزيد فى هذا الحديث أيضًا النهى عن دفن الموتى فى هذه الأوقات الثلاثة ولا معارضة بين حديث (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) وهذا الحديث فإن المنهى عنه هنا صلاة النوافل وتعمد الابتداء بالصلاة فى هذه الأوقات لما فيه من التشبه بالكفار، وقد بين قدر ارتفاع الشمس الذى تزول عنده الكراهة حديث عمرو بن عبسة بلفظ:(وترتفع قيس رمح أو رمحين) وقيس أى قدر، وأخرج حديث عمرو بن عبسة أبو داؤد والنسائى، وقد ورد تعليل النهى عن الصلاة فى الأوقات الثلاثة فى حديث عمرو بن عبسة (بأن الشمس تطلع بين قرنى شيطان فيصلى لها الكفار، وبأنه عند قيام قائم الظهيرة تسجر جهنم وتفتح أبوابها، وبأنها تغرب بين قرنى شيطان ويصلى لها الكفار).

[ما يفيده الحديث]

1 -

النهى عن الصلاة فى الأوقات الثلاثة.

ص: 148

2 -

وأن هذا النهى مخصوص بمن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس.

3 -

وبمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.

ص: 149

13 -

والحكم الثانى عند الشافعى من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه بسند ضعيف وزاد (إلا يوم الجمعة) وكذا لأبى داؤد عن أبى قتادة رضى اللَّه عنه نحوه.

[المفردات]

(الحكم الثانى) يعنى النهى عن الصلاة وقت الزوال.

[البحث]

الذى عند الشافعى أخرجه البيهقى فى المعرفة من حديث عطاء ابن عجلان عن أبى نضرة عن أبى سعيد وأبى هريرة قالا: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) وسب ضعفه أن فيه إبراهيم بن يحيى وإسحاق بن عبد اللَّه بن أبى فروة وهما ضعيفان، وأما حديث أبى داؤد عن أبى قتادة رضى اللَّه عنه فلفظه:(وكره النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) قال أبو داؤد: إنه مرسل، وفيه ليث بن أبى سليم وهو ضعيف.

ص: 149

14 -

وعن جبير بن مطعم رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار) رواه الخمسة وصححه الترمذى وابن حبان.

[المفردات]

(جبير بن مطعم) هو أبو محمد جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل

ص: 149

القرشى النوفلى، كنيته أبو أمية، أسلم قبل الفتح ونزل المدينة ومات بها سنة أربع أو سبع أو تسع وخمسين.

[البحث]

هذا الحديث أخرجه أيضًا الشافعى وأحمد والدارقطنى وابن خزيمة والحاكم من حديث جبير أيضًا، وأخرجه الدارقطنى من حديث ابن عباس، وهذا الحديث يعارض ما فى الصحيحين من النهى عن الصلاة فى الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر وهو لا يقوى على هذه المعارضة.

ص: 150

15 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الشفق الحمرة) رواه الدارقطنى وصحه ابن خزيمة. وغيره وقفه على ابن عمر.

[المفردات]

(وغيره) أى وغير ابن خزيمة.

[البحث]

تمام هذا الحديث: (فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) وقد أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه من حديث ابن عمر مرفوعًا: (وقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق) وقال البيهقى: روى هذا الحديث عن على وعمر وابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبى هريرة، قال البيهقى: ولا يصح منها شئ، ونقول: وإن لم يصح منها شئ فإن الشفق هو الحمرة لغة وقد تقدم ذلك فى الحديث الأول من باب المواقيت.

ص: 150

16 -

وعن ابن عباس -رضى اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (الفجر فجران: فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة) أى صلاة الصبح (ويحل فيه الطعام) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه، وللحاكم من حديث جابر رضى اللَّه عنه نحوه وزاد فى الذى بجرم الطعام (إنه يذهب مستطيلا فى الأفق) وفى الآخر (كذنب السرحان).

[المفردات]

(الفجر) أى لغة. (يحرم الطعام) يعنى على الصائم.

(تحل فيه الصلاة) أى يدخل وقت وجوب صلاة الصبح.

(نحوه) أى نحو حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما.

(مستطيلا) أى ممتدًا.

(ذنب السرحان) أى ذيل الذئب. يعنى لا يكون مستطيلا ممتدًا بل يرتفع فى السماء كالعمود.

[البحث]

لما كان الفجر فى اللغة مشتركًا بين الوقتين وقد أطلق فى بعض أحاديث الأوقات أن أول صلاة الصبح الفجر: بين النبى صلى الله عليه وسلم المراد به وأنه هو الذى له علامة ظاهرة واضحة وهو الفجر الصادق فقال فيما رواه الحاكم من حديث جابر (الفجر فجران: فأما الفجر الذى يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ويحل الطعام، وأما الذى يذهب مستطيلا فى الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام.

ص: 151

17 -

وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أفضل الأعمال الصلاة فى أول وقتها) رواه الترمذى والحاكم وصححاه وأصله فى الصحيحين.

ص: 151

[المفردات]

(الأعمال) أى البدنية: غيرها بعد الايمان باللَّه عز وجل.

[البحث]

روى البخارى هذا الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى العمل أحب إلى اللَّه تعالى؟ قال (الصلاة لوقتها) وليس فى هذه الرواية زيادة لفظ أول، وقد تفرد بهذه الزيادة أعنى لفظ (أول) على بن حفص من أصحاب شعبة، وكل أصحاب شعبة ما عداه رووه بلفظ (على وقتها) من غير ذكر أول، وقد سبق أن بينا أن للصلوات وقتين: وقت اختيار وهو أول الوقت ووقت اضطرار وهو آخر الوقت. فأفضل الأعمال البدنية وغيرها بعد الايمان باللَّه عز وجل الصلاة فى وقتها المختار.

ص: 152

18 -

وعن أبى محذورة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أول الوقت رضوان اللَّه، وأوسطه رحمة اللَّه، وآخره عفو اللَّه) أخرجه الدارقطنى بسند ضعيف جدًا، وللترمذى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما نحوه دون الأوسط وهو ضعيف أيضًا.

[المفردات]

(أبو محذورة) هو سمرة أو أوس بن مِعْيَن، مؤذن النبى صلى الله عليه وسلم، أسم عام الفتح، وأقام بمكة يؤذن للصلاة إلى أن مات سنة تسع وخمسين.

(نحوه) أى فى ذكره الأول والآخر دون قوله: وأوسطه رحمة اللَّه.

[البحث]

سبب الضعف الشديد فى حديث أبى محذورة أنه من رواية

ص: 152

يعقوب بن الوليد المدنى وقد قال فيه أحمد: كان من الكذابين الكبار، وكذبه ابن معين، وتركه النسائى، ونسبه ابن حبان إلى الوضع، وفى إسناده أيضًا إبراهيم بن زكريا البجلى وهو متهم، ولا يشهد لهذا الحديث ما رواه الترمذى عن ابن عمر فإن فيه أيضًا بعقوب بن الوليد الكذاب.

ص: 153

19 -

وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين) أخرجه الخمسة إلا النسائى، وفى رواية عبد الرزاق (لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتى الفجر) ومثله للدارقطنى عن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنه.

[المفردات]

(لا صلاة) أى لا صلاة نافلة.

(بعد الفجر) أى بعد طلوع الفجر.

(إلا سجدتين) أى ركعتى الفجر كما تفسره رواية عبد الرزاق.

(وفى رواية عبد الرزاق) أى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما.

[البحث]

حديث (لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين) أخرجه أيضًا أحمد والدارقطنى، قال الترمذى: غريب لا يعرف إلا من حديث قدامة ابن موسى، وقال الترمذى: أجمع أهل العلم على كراهة أن يصلى الرجل بعد الفجر إلا ركعتى الفجر، وهذا وقت سادس من الأوقات التى ورد نهى بن الصلاة فيها وقد سبق النهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وعند طلوعها إلى أن ترتفع وعند وقوعها فى كبد السماء إلى أن تزول، وعند اصفرارها إلى أن تغرب.

ص: 153

20 -

وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتى فصلى ركعتين فسألته فقال: (شغلت عن ركعتين بعد الظهر فصليتها الآن) فقلت: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: (لا) أخرجه أحمد ولأبى داؤد عن عائشة رضى اللَّه عنها بمعناه.

[المفردات]

(فسألته) أى قالت لخادمتها: اسأليه، وإنما سألته لأنها سمعته قبل ذلك ينهى عن الركعتين بعد العصر.

(شغلت) أى شغله وفد عبد القيس.

(فصليتهما الآن) أى قضاء عن ذلك.

(بمعناه) لفظ حديث عائشة: (أنه كان يصلى بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال).

[البحث]

قال المصنف فى فتح البارى بعد أن ساق رواية أحمد عن أم سلمة إنها رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة، ولم يبين هنالك وجه ضعفها، وسكت هنا عن توهينها، هذا وقد ذكر البخارى معنى حديث أم سلمة تعليقًا عن كريب فقال: قال كريب: عن أم سلمة: صلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين: قال: (شغلنى ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر).

[ما يفيده الحديث]

1 -

أن النهى عن الصلاة بعد العصر لا يشمل النبى صلى الله عليه وسلم.

2 -

وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقضى فائتة الظهر.

3 -

وأن قضاء النافلة مخصوص بالنبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 154