الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأَيمان والنذور
1 -
عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه أدرك عمر بن الخطاب فى ركْبِ وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أَلا إن اللَّه ينهاك أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليخلف باللَّه أو ليصْمُتْ، متفق عليه، وفى رواية لأبى داود والنسائى عن أبى هريرة مرفوعا: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحالفوا إلا باللَّه، ولا تحالفوا باللَّه إلا وأنتم صادقون".
[المفردات]
الأيمان: هى جمع يمين وهى القَسَمُ والحَلِفُ وسمى يمينا لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون.
والنذور: جمع نذر قال فى القاموس: ونذر على نفسه يَبْذِرُ وينذُرُ نذرًا ونُذُورًا أوجبه كانتذر، ونذر ماله، ونذر للَّه سبحانه كذا، أو النذر ما كان وَعدًا على شرط فَعَلَيَّ إن شَفَى اللَّه مريضى كذا نَذْرٌ، وعلىَّ أن أتصدق بدينار ليس بنذر اهـ.
أنه: أى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
أدرك: أى لحق.
فى ركب: أى فى جماعة راكبين
ينهاكم: أى يُحَرِّمُ عليكم ويمنعكم.
فمن كان حالفا: أى فمن كان راغبا فى أن يحلف على شئ.
فليحلف باللَّه: أى فليقتصر على الحلف باللَّه وحده.
أو ليصمت: أى أو ليسكت عن الحلف فلا يحلف.
ولا بالأنداد: أى ولا تحلفوا بالأصنام والأوثان جمع نِدَّ وهو ما يتخذه المشركون شريكًا ومثيلا تعالى اللَّه عن الشريك والمثيل والنظير علوا كبيرا.
ولا تحلفوا إلا باللَّه: أى ولا تحلفوا إلا بذات اللَّه المقدسة أو باسم من أسمائه الحسنى أو بصفة من صفاته العُلى فهى التى يشرع للمسلم أن يحلف بها.
ولا تحلفوا باللَّه إلا وأنتم صادقون: أى ولا تحلفوا باللَّه كاذبين.
[البحث]
حذرت الشريعة الإِسلامية أشد التحذير من الشرك ووسائله، والشرك نوعان شرك أكبر وهو الذى يُخرج من الملة، ومن مات عليه خلد فى النار، وشرك أصغر وهو لا يخرج من الملة، وصاحبه لو مات عليه لا يخلد فى النار لكنه داخل فى عموم قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ومن الشرك الأصغر الحلف بغير اللَّه كالحلف بالنبى أو الولى أو الولد أو البلد أو غير ذلك مما سوى اللَّه تعالى، وقد روى الترمذى من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف بغير اللَّه فقد أشرك" قال الترمذى: هذا حديث حسن اهـ، ولذلك كان الحلف بغير اللَّه أكبر من قتل النفس ومن الزنا ومن شرب الخمر لأنَّ اللَّه تعالى لا يغفر الشرك
إلا بتوبة بخلاف سائر المعاصى التى دون الشرك كما هو صريح الآية أما قسم اللَّه تعالى بمصنوعاته ومخلوقاته للدلالة والتنبيه على عظيم قدرته وجليل نعمته وعظمته فليس من هذا القبيل لأنَّ اللَّه تعالى له أن يقسم بما شاء ولا يدخل فى شئ من القياس مع خلقه تبارك وتعالى وأما ما جاء فى بعض ألفاظ الحديث: "أفلح وأبيه إن صدق" فقد قال ابن عبد البر: هذه اللفظة غير محفوظة من وجه صحيح فقد رواه مالك وغيره من الحفاظ فلم يقولوها فيه اهـ يعنى لم يذكروا لفظة "وأبيه" وإنما لفظه "أفلح إن صدق" وفى رواية "أفلح واللَّه إن صدق" قال الحافظ فى الفتح فى كتاب الأيمان: وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابى: "أفلح وأبيه إن صدق" فقد تقدم فى أوائل هذا الشرح فى باب الزكاة من الإسلام فى كتاب الإيمان الجواب عن ذلك وأن فيهم من طعن فى صحة هذه اللفظة قال ابن عبد البر: هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها وهو إسماعيل بن جعفر بلفظ "أفلح واللَّه إن صدق" قال: وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ "أفلح وأبيه" لأنَّها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح ولم يقع فى رواية مالك أصلا أهـ.
هذا وتمام حديث ابن عمر المتفق عليه: قال: قال عمر: فواللَّه ما حلفت بها منذ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى عنها ذاكرا ولا آثرا" يعنى لا أحلف ولا أنقل عن غيرى أنه حلف بها. هذا وفى لفظ لمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بالطواغى ولا بآبائكم".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الحلف بغير اللَّه من أكبر الكبائر.
2 -
وجوب الاقتصار فى الحلف على الحلف باللَّه تعالى.
3 -
يجب على المسلم إذا حلف باللَّه أن يكون صادقا.
4 -
أن من حلف باللَّه وهو كاذب يعرض نفسه لسخط اللَّه ومقته.
2 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يُصَدِّقُكَ به صاحبك" وفى رواية: "اليمين على نية المستحلف" أخرجهما مسلم.
[المفردات]
يَمِينُكَ: أى حَلِفُكَ وقَسَمُكَ.
على ما يصدقك به صاحبك: أى على ما يريده منك خصمك ومُحَاوِرُكَ والمدعى عليك الذى يطلب يمينك. فالمعتبر نية المستحلف لا نية الحالف.
اليمين على نية المستحلف: أى المعتبر فى اليمين نية المستحلف لا نية الحالف فمن استحلف غيره على شئ فنوى الحالف فى حلفه شيئًا آخر غير ذلك الشئ فإن توريته هذه لا تنفعه ولا تدفع عنه إثم من حلف باللَّه كاذبا، ولا يفيده ما أضمره من النِّيَّة.
[البحث]
قال مسلم فى صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد قال يحيى: أخبرنا هُشَيم بن بَشير عن عبد اللَّه بن أبى صالح وقال عمرو: حدثنا هُشَيم بن بشير أخبرنا عبد اللَّه بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يُصدِّقُك عليه صاحبك" وقال عمرو: "يُصدِّقُك به صَاحِبُكَ" وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن هُشَيم عن عبَّاد بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اليمين على نية المستحلف" اهـ قال أبو داود فى سننه: هما واحد عبد اللَّه بن أبى صالح وعباد بن أبى صالح اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الحض على الصدق فى اليمين.
2 -
أن من استُحْلِفَ على شئ فنوى فى الحلف غيره لا ينفعه ذلك عند اللَّه عز وجل.
3 -
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك، وأْتِ الذى هو خير" متفق عليه وفى لفظ للبخارى: "فأت الذى هو خير وكفر عن يمينك" وفى رواية لأبى داود: "فكفر عن يمينك ثم ائْتِ الذى هو خير" وإسنادها صحيح.
[المفردات]
عبد الرحمن بن سمرة: هو أبو سعيد عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، وقيل عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أسلم يوم الفتح، وكان اسمه قبل الإسلام عبد كُلال بضم الكاف وفتح اللام بدون تشديد، وقد شهد فتوح العراق، وتم فتح سجستان على يديه كما فتح غيرها، وقد توفى سنة خمسين أو إحدى وخمسين رضى اللَّه عنه.
وإذا حلفت على يمين: أى وإذا حلفت باللَّه على أن تفعل شيئًا أو أن تترك شيئًا.
فرأيت غيرها خيرا منها: أى فظهر لك أن الخير فى ترك ما حلفت على فعله أو فعل ما حلفت على تركه كأن تكون حلفت على قطع رحم أو ترك عمل فيه خير وصلاح لدنيك أو آخرتك.
فكفر عن يمينك وَأْتِ الذى هو خير: أى فتحلل من يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام وافعل ما حلفت على تركه أو اترك ما حلفت على فعله لأنَّ التكفير فى هذه الحال أولى من الاستمرار على ما حلفت عليه.
وفى رواية لأبى داود: أى من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضى اللَّه عنه.
وإسنادها صحيح: أى وإسناد رواية أبى داود صحيح.
[البحث]
هذا الحديث من رواية الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال الحافظ فى الفتح: خَرَّجَ طرقه الحافظ يوسف بن خليل عن أكثر من ستين نفسا عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة وسرد الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن الحافظ أبى عبد اللَّه بن منده فى تذكرته أسماء من رواه عن الحسن فبلغوا مائة وثمانين نفسا وزيادة ثم قال: رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن سمرة عبد اللَّه بن عمرو وأبو موسى وأبو الدرداء وأبو هريرة وأنس وعدى بن حاتم وعائشة وأم سلمة وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عباس وعبد اللَّه بن عمر، وأبو سعيد الخدرى وعمران بن حصين انتهى، ولما أخرج الترمذى حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: وفى الباب فذكر الثمانية المذكورين أولا وأهمل خمسة، واستدركهم شيخنا فى شرح الترمذى إلا ابن مسعود وابن عمر، وزاد معاوية بن الحكم وعوف بن مالك الجشمى والد أبى الأحوص وأذينة والد عبد الرحمن فكملوا ستة عشر نفسا اهـ وقال أبو داود:(باب الرجل يكفر قبل أن يخنث) حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد ثنا غيلان بن جرير عن أبى بردة عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إنى واللَّه إن شاء اللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو
خير أو قال: "إلا أتيت الذى هو خير كفرت عن يمينى" حدثنا محمد بن الصباح البزار ثنا هُشَيم أخبرنا يونس ومنصور عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذى هو خير وكفر يمينك" قال أبو داود: وسمعت أحمد يرخص فيها الكفارة قبل الحنث. حدثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة نحوه قال: "فكفر عن يمينك ثم ائت الذى هو خير" قال أبو داود: أحاديث أبى موسى الأشعرى وعدى بن حاتم وأبى هريرة فى هذا الحديث روى عن كل واحد منهم فى بعض الرواية الحنث قبل الكفارة وفى بعض الرواية الكفارة قبل الحنث اهـ وقال الحافظ فى الفتح: (قوله فأت الذى هو خير كفر عن يمينك) هكذا وقع للأكثر، وللكثير منهم "فكفر عن يمينك وائت الذى هو خير" اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب الحنث فى اليمين إذا كان خيرا من التمادى فيها وأن تعمد الحنث حينئذ يكون طاعة لا معصية.
2 -
وجوب كفارة اليمين عند الحنث.
3 -
يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث بعد اليمين ويجوز تأخيرها عن الحنث.
4 -
لا ينبغى للمسلم أن يجعل يمين اللَّه مانعا له من عمل الخير.
4 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فقال: إن شاء اللَّه فلا حنث عليه" رواه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان.
[المفردات]
على يمين: أى على فعل شئ أو ترك شئ.
فقال إن شاء اللَّه: أى فاستثنى فى يمينه وعلق الفعل أو الترك على إرادة اللَّه وربط ذلك بمشيئة اللَّه.
فلا حنث عليه: أى فلا تجب عليه كفارة إن فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله ما دام قد علق ذلك على مشيئة اللَّه تعالى.
[البحث]
قال فى تلخيصص الحبير: حديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فقال: إن شاء اللَّه لم يحنث" الترمذى واللفظ له والنسائى وابن ماجه وابن حبان من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا بهذا، قال البخارى فيما حكاه الترمذى: أخطأ فيه عبد الرزاق، اختصره من حديث:"إن سليمان بن داود قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، الحديث- وفيه: فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "لو قال: إن شاء اللَّه لم يحنث" وهو عنده بهذا الإِسناد. قلت: هو فى الصحيحين بتمامه.
وله طريق أخرى رواه الشافعى وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر بلفظ: "من حلف فاستثنى، فإن شاء مضى، وإن شاء ترك من غير حنث" لفظ النسائى ولفظ الترمذى: فقال إن شاء اللَّه فلا حنث عليه، ولفظ الباقين: فقد استثنى. قال الترمذى: لا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختيانى، وقال ابن علية: كان أيوب تارة يرفعه وتارة لا يرفعه، قال: ورواه مالك وعبيد اللَّه بن عمر وغير واحد موقوفا. قلت: هو فى الموطأ كما قال، وقال البيهقى: لا يصح رفعه إلا عن أيوب مع أنه يشك فيه، وقد تابعه على رفعه العمرى عبد اللَّه وموسى بن عقبة كثير بن فرقد وأيوب بن موسى اهـ هذا وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإِجماع على أن من حلف فقال إن شاء اللَّه فلا حنث عليه بشرط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين. قالوا: ومعنى كونه متصلا باليمين أنه لا يفصل بينهما كلام أجنبى ولا يسكت بينهما سكوتًا يمكنه الكلام فيه، واعتبروا السكوت لانقطاع نفسه أو صوته أو بسبب عي أو عارض غير فاصل، واللَّه أعلم هذا وقد قال الترمذى عقيب حديث الباب: حديث ابن عمر حديث حسن اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من حلف على يمين واستثنى فقال: إن شاء اللَّه فلا حنث عليه.
2 -
أن الاستثناء الذى يمنع الحنث هو ما كان متصلا باليمين.
5 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم: "لا وَمُقَلِّب الْقُلُوب" رواه البخارى.
[المفردات]
وعنه: أى وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما.
كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم: أى كانت صفة حلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
لا: هو ردٌّ ونَفْىٌ إذا كان المقام مقام نفى لشئ.
ومُقلب القلوب: أى وَمُصَرِّفِ القلوب من حال إلى حال، فإن قلوب العباد بيد اللَّه يُصَرِّفها كيف يشاء لا إله غيره ولا رب سواه.
[البحث]
ليس المراد من قوله: كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم "لا ومقلب القلوب" أنها كانت الصيغة الوحيدة التى يستعملها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحلف بل المراد أنها من الصيغ التى كان يكثر أن يستعملها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى قسمه، ولذلك عنون البخارى رحمه الله فقال فى صحيحه:"باب كيف كانت يمين النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وقال سعد: قال النَّبِى صلى الله عليه وسلم: "والذى نفسى بيده" ثم ساق حديث الباب، وساق كذلك من حديث جابر بن سمرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذى نفسى بيده لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما فى سبيل اللَّه" ثم ساق
هذا الحديث من رواية أبى هريرة رضى اللَّه عنه بلفظ: "والذى نفس محمد بيده" ثم ساق من حديث عائشة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أمة محمد واللَّه لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا" ثم ساق من حديث عبد اللَّه بن هشام قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول اللَّه لأنت أحب إلىَّ من كل شئ إلا من نفسى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن واللَّه لأنت أحبُّ إلىَّ من نفسى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" ثم ساق من حديث أبى هريرة وزيد بن خالد قصة العسيف وفيها: فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "أما والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه" الحديث، وقد ساق البخارى كذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم:"وأيم اللَّه" وقد أورد البخارى حديث الباب أيضًا بلفظ: كثيرا مما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحلف: "لا ومقلب القلوب" وأورده كذلك بلفظ: أكثر ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحلف: "لا ومقلب القلوب".
[ما يفيده الحديث]
1 -
جواز الحلف بصفات اللَّه تعالى العلى كما يحلف بأسمائه الحسنى.
2 -
أن أعمال القلب من الإِرادات والدواعى وسائر أعراضه إنما هى من خَلْقِ العزيز الحكيم وتدبيره.
6 -
وعن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قال: جاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ما الكبائر؟ فذكر الحديث، وفيه:"اليمين الغَمُوسُ" وفيه: قلت: وما اليمين الغَمُوسُ؟ قال: "التى يُقْتَطَعُ بها مَالُ امرئ مسلم هو فيها كاذب" أخرجه البخارى.
[المفردات]
أعرابى: قال الحافظ فى الفتح: ولم أقف على اسم هذا الأعرابى.
ما الكبائر: أى ما الذنوب العظام؟ وهى جمع كبيرة والمراد بها الذنب العظيم والفعلة القبيحة الفاحشة المَنْهِى عنها شرعا والمراد بالكبائر هنا أكبر الكبائر.
فذكر الحديث: أى فأتم الحديث.
وفيه: أى وفى هذا الحديث الذى ذكره.
قلت: بَيَّن الحافظ فى الفتح أن القائل: قلت" هنا هو فراس وأن المجيب هو عامر الشعبى فقد قال الحافظ: ثم وقفت على تعيين القائل: قلت: وما اليمين الغموس؟ وعلى تعيين المسئول فوجدت الحديث فى النوع الثالث من القسم الثانى من صحيح ابن حبان وهو قسم النواهى وأخرجه عن النضر بن محمد عن محمد ابن عثمان العجلى عن عبيد اللَّه بن موسى بالسند
الذى أخرجه به البخارى فقال فى آخره بعد قوله ثم اليمين الغموس قلت لعامر ما اليمين الغموس؟ الخ فظهر أن السائل عن ذلك فراس والمسئول الشعبى وهو عامر اهـ.
اليمين الغموس: أى اليمين الفاجرة الكاذبة التى يحلف صاحبها وهو يعلم أنه كاذب، قيل سميت بالغموس لأنَّها تغمس صاحبها فى الإِثم ثم تغمسه فى النار، فهى فعول بمعنى الفاعل.
واليمين تنقسم إلى ثلاثة أقسام: يمين الغموس اليمين المنعقدة اليمين اللغو، فأما اليمين الغموس ويسمى أيضًا اليمين الصبر واليمين الفاجرة واليمين الكاذبة والزور فهى أن يحلف على شئ مضى وهو يعلم أنه كاذب فى يمينه كأن يحلف أنه ما فعل هذا الشئ ويكون قد فعله أو يحلف أن فعله وهو لم يفعله، واليمين الغموس تدع الديار بلاقع، وقد جرت العادة أن اللَّه يعجل بهلاك أصحاب اليمين الغموس كما أشار إلى ذلك حديث أبى قلابة عند البخارى والذى سقته فى بحث الحديث الأول من أحاديث باب دعوى الدم والقسامة وكذلك حديث ابن عباس عند البخارى الذى سقته فى بحث
الحديث الثانى من أحاديث باب دعوى الدم والقسامة ومع أن اليمين الغموس من أكبر الكبائر فإنها أصغر من الحلف بغير اللَّه لأنه شرك كما تقدم فى بحث الحديث الأول من أحاديث هذا الباب أما اليمين المنعقدة فهى أن يحلف على شئ مستقبل لَيَفْعَلَنَّهُ أو يحلف على أن لا يفعله، وهذه إذا حنث فيها وجبت عليه كفارة اليمين.
أما اليمين اللغو فهو ما يجرى من الحلف على الألسنة من غير فصد كأن تقول: لا واللَّه، بلى واللَّه وأنت لا تقصد اليمين، أو أن يحلف على شئ يظنه كما قال والواقع بخلافه.
التى يُقْتَطَعُ بها مالُ امرئ مسلم هو فيها كاذب: أى اليمين الغموس هى أن يحلف فيها الإِنسان وهو كاذب ليستولى على قطعة من مال إنسان مسلم بغير حق ويقطع صاحبه عنه ظلما وفجورا ويحرمه منه بسبب هذه اليمين الكاذبة.
[البحث]
روى البخارى فى أوائل كتاب الديات من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن فِرَاسٍ عن الشعبى عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإِشراك باللَّه وعقوق الوالدين أو قال: اليمين الغموس-
شك شعبة- وقال معاذ: حدثنا شعبة قال: الكبائر الإِشراك باللَّه واليمين الغموس، وعقوق الوالدين أو قال: وقتل النفس. وساقه فى كتاب الأيمان والنذور فى باب اليمين الغموس من طريق النضر عن شعبة عن فراس عن الشعبى عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الكبائر: الإِشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس. وساقه فى كتاب استتابة المرتدين من طريق شيبان عن فراس عن الشعبى عن عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قال: جاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ما الكبائر؟ قال: "الإِشراك باللَّه" قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس" قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذى يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب" وقد روى البخارى ومسلم من طريق أبى وائل عن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حَلَفَ على يَمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى اللَّه وهو عليه غضبان" فأنزل اللَّه تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية فدخل الأشعت بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا قال: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانت لى بئر فى أرض ابن عم لى، فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "بَيِّنَتُكَ أو يمينه" قلت: إذا يحلف عليها يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حَلَفَ على يمين صبرٍ وهو فيها فاجر يقتطع بها مال أمرئ مسلم لقى اللَّه يوم القيامة وهو عليه غضبان".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن يمين الغموس تعادل الإِشراك باللَّه.
2 -
وأنها من أكبر الكبائر.
3 -
وأن أخذ مال المسلم بغير حق من أكبر الكبائر.
7 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها فى قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} قالت: هو قول الرجل: لا واللَّه، وبلَى واللَّه. أخرجه البخارى ورواه أبو داود مرفوعا.
[المفردات]
لا يؤاخذكم: أى لا يعاقبكم ولا يُحَمِّلُكُمْ إثمًا ولا كفارة.
باللغو فى أيمانكم: بما يقع منكم من الأيمان لَغْوًا، واللَّغْو وَاللَّغا ما لا يعتد به من الكلام وغيره، وقال الحافظ فى الفتح: قال الراغب: هو فى الأصل ما لا يعتد به من الكلام والمراد به فى الأيمان ما يورد من غير رؤية فيجرى مجرى اللغاء وهو صوت العصافير اهـ.
قولُ الرَّجل: المراد بالرَّجل هنا الإِنسان لا خصوص الذكر فيدخل فى ذاك قول المرأة أيضًا.
مرفوعًا: أى مضافا إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
[البحث]
أورد البخارى هذا الحديث من طريق هشام بن عروة قال: أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} قالت: أُنْزِلَتْ فى قوله: لا واللَّه وبلى واللَّه. قال الحافظ فى الفتح: قد صرح بعضهم برفعه عن عائشة، أخرجه أبو داود من رواية إبراهيم الصائغ عن عطاء عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لغو اليمين هو كلام الرجل فى بيته كَلَّا واللَّه، وبلى واللَّه" وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم فى رفعه ووقفه اهـ وجزم عائشة رضى اللَّه عنها بأن هذه الآية نزلت فى قوله: لا واللَّه وبلى واللَّه" ودليل قوى وكلامها فى مثل هذا الباب حجة ظاهرة، لمشاهدتها التنزيل ومعرفتها بالتأويل.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن ما يجرى على اللسان من غير قصد الحلف لا إثم فيه ولا كفارة.
2 -
تفضل اللَّه تبارك وتعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث وضع عنهم إصرهم ولم يؤاخذهم إلا بما انعقدت عليه قلوبهم.
8 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن للَّه تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة" متفق عليه وساق الترمذى وابن حبان الأسماء والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة.
[المفردات]
من أحصاها: أى حفظها وضبطها وعَرَفَ اللَّه عز وجل ودعاه بها.
الأسماء: أى التسعة والتسعين.
والتحقيق: أى والصحيح.
أن سردها إدراج: أى أن عدها وسياقها مُفصَّلة ليس من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بل من كلام أحد الرواة الذى أدخل فى هذا الحديث ما ليس منه، والمدرج هو أن يورد فى الحديث ما ليس منه على وجه يوهم أنه منه.
[البحث]
إيراد هذا الحديث فى هذا الباب هنا للدلالة على أن الحلف إنما يكون بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العلى وهى غير قليلة وأهل السنة والجماعة يثبتون للَّه تعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى، وإنما يثبتون منها ما أثبته اللَّه تبارك وتعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أثبت اللَّه تبارك وتعالى لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلى حيث يقول:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ} وكما قال عز وجل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقد ذكر اللَّه تبارك وتعالى جملة من أسماء المقدسة فى آخر سورة الحشر فقال: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} كما ذكر اللَّه تبارك وتعالى فى مواضع من القرآن الكريم بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وليس قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى حديث الباب "إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا" يثبت حصر الأسماء الحسنى فى هذا العدد وينفى ما عداه لأنه قد ثبت أن للَّه تعالى أسماء استأثر بها فى علم الغيب عنده فقد روى أحمد بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فى دعائه:"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك" فينبغى تطلب أسماء اللَّه الحسنى من القرآن الكريم ومن أحاديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم "ومقلب القلوب" وقد أخرج الترمذى الحديث الذى سرد فيه الأسماء من طريق صفوان بن صالح نا الوليد بن مسلم نا شعيب بن أبى حمزة عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة ثم قال: هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة عند أهل الحديث، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا نعلم فى كبير شئ من الروايات ذكر الأسماء إلا فى هذا الحديث، وقد روى آدم بن أبى إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح اهـ هذا وفى لفظ للبخارى ومسلم من حديث أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"للَّه تسعة وتسعون اسمًا مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" وفى لفظ للبخارى "مائة إلا واحدة" وفى لفظ لهما "من حفظها".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الحلف إنما يكون بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العلى.
2 -
أن اللَّه تبارك وتعالى أعلم خلقَه بجملة عظيمة من أسمائه الحسنى تكفيهم إذا سألوه بها.
3 -
أن من تعلق بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العلى ترجى له الجنة.
9 -
وعن أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنِعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك اللَّه خيرا فقد أبلغ فى الثناء" أخرجه الترمذى وصححه ابن حبان.
[المفردات]
من صُنِعَ إليه معروف: أى من أحسن إليه إنسان وقدم له خيرا.
فقال لفاعله جزاك اللَّه خيرا: أى فدعا لمن صنع إليه معروفا يثيبه اللَّه بالخير وأن يكافئه اللَّه بالإِحسان من فضله جزاء معروفه.
فقد أبلغ فى الثناء: أى فقد كافأه على معروفه ووصل فيه إلى الغاية.
[البحث]
أخرج الترمذى هذا الحديث فى آخر أبواب البر والصلة من جامعه من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهرى والحسين بن الحسن المروزى
عن الأحوص بن جوَّاب عن سُعَيْر بن الخِمس عن سُليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى عن أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما ثم قال هذا حديث حسن جيد غريب لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد إلا من هذا الوجه، وقد روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله اهـ هذا وإبراهيم بن سعيد الجوهرى أبو إسحاق الطبرى نزيل بغداد المتوفى فى حدود الخمسين ومائتين من رجال مسلم، والأحوص بن جوَّاب بفتح الجيم وتشديد الواو الضبى المتوفى سنة إحدى عشرة ومائتين من رجال مسلم أيضًا، وسعير بن الخمس بكسر الخاء وسكون الميم بعدها سين التيمى أبو مالك من رجال مسلم أيضًا وسليمان التيمى هو أبو المعتمر سليمان بن طرخان القيسى مولاهما البصرى لم يكن تيميا بل نزل فى بنى تيم فنسب إليهم. وتوفى فى ذى القعدة سنة ثلاث وأربعين ومائة وهو من رجال الجماعة وأبو عثمان النهدى هو عبد الرحمن ابن مُلّ أدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم توفى سنة مائة أو بعدها بقليل وهو من رجال الجماعة أيضًا. هذا ولعل إيراد المصنف لهذا الحديث هنا هو حض الإنسان على فعل الخير فلا يجعل يمينه سببا لحرمانه منه لأنه إذا دعا له من يفعل له المعروف فقد حصل على خير كثير.
[ما يفيده الحديث]
1 -
استحباب مكافأة من أسدى إليك معروفًا.
2 -
أن من كافأ صانع المعروف بالدعاء له أن يجزيه اللَّه خيرا فإنه لا يعتبر مُقَصِّرًا فى مكافأته.
10 -
وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال: "إنه لا يأتى بخير وإنما يُستخرج به من البخيل" متفق عليه.
[المفردات]
نهى عن النذر: أى حَذَّر من إشغال الذمة بالنذر ثم تضييعه وعدم الوفاء به وقد يؤدى ببعض الجاهلين إلى الاعتقاد بأنه يرد القضاء.
وقال: أى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
إليه: أى النذر.
لا يأتى بخير: أى لا يرد من قضاء اللَّه شيئًا، ولا يجلب للناذر خيرًا لم يقدره اللَّه عز وجل.
وإنما يُستخرج به من البخيل: أى وأن النذر يكون سببا فى حمل الشحيح على إنفاق ماله لأنه ليس من عادته أن يجود بماله فى مرضاة اللَّه تبرعا فلا يخرج من ماله إلا ما ألزمه اللَّه تعالى به أو التزم هو به، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج.
[البحث]
الغالب فى النذر أن يلتزم الناذر بعمل طاعة فى مقابلة استجلاب
نعمة أو استدفاع نقمة، وقد يعتقد بعض الناس أن النذر هو الذى يجلب النعمة أو يدفع النقمة ولذلك نهى عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأنَّ النذر لا يقدّم شيئًا ولا يؤخره فلا يدفع شيئًا قضاه اللَّه ولا يجلب شيئًا لم يقدره اللَّه وقد أجمع أهل العلم على أن من التزم بطاعة فى مقابلة استجلاب نعمة أو استدفاع نقمة فحصل له ما يريد أنه يجب عليه الوفاء بنذره، وقد أثنى اللَّه تبارك وتعالى فى محكم كتابه على الموفين بالنذر وجعلهم فى جملة الأبرار وقمتهم حيث قال:{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} الآيات، وقد ساق البخارى من طريق سعيد بن الحارث أنه سمع ابن عمر رضى اللَّه عنهما يقول: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عن النذر؟ إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن النذر لا يُقدّم شيئًا ولا يؤخر وإنما يُستخرج بالنذر من البخيل" ثم ساق من طريق عبد اللَّه بن مرة عن عبد اللَّه بن عمر: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: "إنه لا يَرُدُّ شيئًا ولكنه يُستخرّج به من البخيل" وساق من طريق الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يأتى ابن آدم النذر بشئ لم يكن قُدِّر له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قُدِّرَ له، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّه به من البخيل، فَيُؤْتى عليه ما لم يكن يُؤْتى عليه من قبل، أما مسلم فقد أخرجه من طريق عبد اللَّه بن مرة عن عبد اللَّه بن عمر قال: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما ينهانا عن النذر ويقول: "إنه لا يرد شيئًا وإنما يُسْتَخْرَجُ به من الشحيح" ثم ساقه من طريق عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم-
أنه قال: "النذر لا يُقدِّمُ شيئًا ولا يؤخره، وإنما يُستَخْرَجُ به من البخيل" ثم ساقه من طريق عبد اللَّه بن مرة عن ابن عمر باللفظ الذى ساقه المصنف، ثم ساقه من طريق العلاء عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لَا تَنْذِرُوا فإن النذر لا يغنى من القدر شيئًا وإنما يستخرج به من البخيل" ثم ساقه من طريق العلاء عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال: "إنه لا يَرُدُّ من القَدَرِ، وإنما يُسْتَخْرَجُ به من البخيل" ثم ساقه من طريق عبد الرحمن الأعرج عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن النذر لا يُقَرِّبُ من ابن آدم شيئًا لم يكن اللَّه قَدَّرَه له، ولكن النذرُ يوافق القَدَرَ، فيخْرَجُ بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يُخْرِجَ اهـ هذا ومن أقبح السيئات أكبر المعاصى أن يُنذر لغير اللَّه كما يفعل بعض الجاهلين من النذر إلى بعض الأموات من المنسوبين للصلاح، وهذا شرك تعالى اللَّه عنه علُوًّا كبيرا.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب الوفاء بالنذر إذا كان فى طاعة اللَّه.
2 -
التحذير من إشغال الذمة بالنذر ثم تضعيه أو اعتقاد أنه يرد القضاء والقدر.
3 -
كراهية الإسلام للشح والبخل.
4 -
وجوب الإِيمان بقضاء اللَّه وقدره.
11 -
وعن عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة يمين" رواه مسلم، وزاد الترمذى فيه:"إذا لم يُسَمِّ" وصححه، ولأبى داود من حديث ابن عباس مرفوعا:"من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطقه فكفارته كفارة يمين" وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجَّحُوا وقفه، وللبخارى من حديث عائشة:"ومن نذر أن يعصى اللَّه فلا يَعْصِه" ولمسلم من حديث عمران: "لا وفاء لنذر فى معصية".
[المفردات]
كفارة النذر كفارة يمين: أى كفارة النذر المطلق الذى لم يُسَمَّ كفارة يمين وهى إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وزاد الترمذى فيه: أى فى حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه.
إذا لم يُسَمّ: أى إذا لم يحدد الناذر نذره ولم يعينه بل أبهمه وقال: للَّه علىَّ نذر.
مرفوعا: أى مسندا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
ومن نذر نذرا فى معصية: أى كأن ينذر أن يقطع رحما، أو يؤذى أحدا.
ومن نذر نذرا لا يطيقه: أى فيه مشقة عليه وإرهاق كأن ينذر
أن يمشي إلى الكعبة من مسافة بعيدة.
وقفه: أى على ابن عباس رضى اللَّه عنهما.
ومن نذر أن يعصى اللَّه فلا يعصه: أى فلا يوف بنذره لأنه لا نذر فى معصية اللَّه ولكن عليه كفارة يمين كمن حلف أن يشرب خمرا فإنه لا يحل له شربها وتجب عليه كفارة اليمين.
عمران: هو ابن حصين رضى اللَّه عنه.
لا وفاء لنذر فى معصية: أى لا يجوز لأحد أن ينذر نذرا فى معصية اللَّه وإذا نذر ذلك لا يحل له الوفاء بنذره هذا وعليه كفارة يمين.
[البحث]
لفظ حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه عند الترمذى: قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" ثم قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب اهـ أما حديث ابن عباس عند أبى داود فهو من طريق طلحة بن يحيى الأنصارى عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبى هند عن بكير بن عبد اللَّه بن الأشج عن كريب عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرا لم يسمه الخ الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد اللَّه بن سعيد أوقفوه على ابن عباس اهـ وقد وصف الحافظ ابن حجر رحمه الله حديث أبى داود هنا بأن
إسناده صحيح ووصفه فى التلخيص بأن إسناده حسن وقال: فيه طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه وقال أبو داود: روى موقوفا يعنى وهو أصح، وقال النووى فى الروضة: حديث: لا نذر فى معصية وكفارته كفارة يمين. ضعيف باتفاق المحدثين قلت: قد صححه الطحاوى وأبو على بن السكن فأين الاتفاق؟ اهـ أقول: إن حديث عقبة بن عامر عند الترمذى المتقدم فى هذا البحث يشهد لهذا الحديث وكذلك حديث عقبة الذى يلى هذا الحديث وهو الحديث الثانى عشر من أحاديث هذا الباب، واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن النذر المبهم ينعقد وكفارته كفارة يمين.
2 -
أن من نذر نذرا لا يطيقه ينعقد نذره وكفارته كفارة يمين.
3 -
أن من نذر نذرا فيه معصية فإنه لا يحل له الوفاء به وعليه كفارة يمين.
12 -
وعن عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه قال: نذرت أختى أن تمشى إلى بيت اللَّه حافية فأمرتنى أن أستفتى لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "لِتَمشي وَلْتَرْكَبْ" متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولأحمد والأربعة: فقال: "إن اللَّه لا يصنع بشقاء أختك شيئًا مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثلاثة أيام.
[المفردات]
أختى: قال فى تلخيص الحبير: قيل إن أخت عقبة هى أم حبان بكسر الحاء، والباء الموحدة، أسلمت وبايعت، أفاده المنذرى فى حواشى السنن وهو مذكور فى فى الإكمال لابن ماكولا لكن قال: إنها أخت عقبة ابن عامر بن بابى الأنصارى البدرى، فعلى هذا من زعم أنها أخت عقبة بن عامر الجهنى راوى هذا الحديث فقد وهم اهـ وقال فى الفتح: قال المنذرى وابن القسطلانى والقطب الحلبى ومن تبعهم: هى أم حبان بنت عامر وهى بكسر المهملة، وتشديد الموحدة ونسبوا ذلك لابن ماكولا فوهموا فإن ابن ماكولا إنما نقله عن ابن سعد، وابن سعد إنما ذكر فى طبقات النساء أم حبان بنت عامر بن نابى بنون وموحدة: ابن زيد بن حرام بمهملتين الأنصارية قال: وهى أخت عقبة بن عامر بن نابى شهد بدرًا وهى زوج حرام بن محيصة اهـ.
أن تمشى إلى بيت اللَّه حافية: أى أن تزور البيت الحرام ماشية غير راكبة وهى حافية: أى غير منتعلة لا تلبس حذاء.
أستفتى لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى أسأل لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هل يتحتم عليها الوفاء بنذرها هذا وإن كانت لا تطيقه.
ولأحمد والأربعة: أى من حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه.
إن اللَّه لا يصنع بشقاء أختك شيئًا: أى إن اللَّه تعالى غنى عما يُجْهِدُ أُخْتَكَ وَيَشُقُّ عليها. لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
فَلْتَخْتَمِرْ: أى فَلْتَضَعَ خمارها عليها.
ولتصم ثلاثة أيام: أى ولتكفر عن نذرها كفارة يمين.
[البحث]
أورد البخارى حديث عقبة بن عامر فى كتاب الحج من طريق يزيد بن أبى حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر قال: نذرت أختى أن تمشى إلى بيت اللَّه وأمرتنى أن أستفتى لها النبى صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال عليه السلام: "لتمش ولتركب" قال: وكان أبو الخير لا يُفَارِقُ عقبة اهـ قال فى الفتح: ولأحمد وأصحاب السنن من طريق عبد اللَّه بن مالك عن عقبة بن عامر الجهنى أن أخته نذرت أن تمشى حافية غير مختمرة، وزاد الطبرى من طريق إسحاق بن سالم عن عقبة ابن عامر: وهى امرأة ثقيلة والمشى يشق عليها، ولأبى داود من طريق قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن عقبة بن عامر سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخته نذرت أن تمشى إلى البيت، وشكا ضعفها اهـ وقد قال الترمذى بعد أن أخرج حديث عقبة بن عامر: وفى الباب عن ابن عباس، وهذا حديث حسن اهـ هذا وقد روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى شيخا يُهَادى بين ابنيه فقال:"ما بال هذا؟ "
قالوا: نذر أن يمشى. قال: "إن اللَّه عن تعذيب هذا نفسه لغنى" أمره أن يركب، وفى لفظ مسلم: وأمره أن يركب، وفى لفظ لمسلم من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أدرك شيخا يمشى بين ابنيه يتوكأ عليهما فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"ما شأن هذا؟ " قال ابناه: يا رسول اللَّه كان عليه نذر. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "اركب أيها الشيخ فإن اللَّه غنى عنك وعن نذرك".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من نذر نذرا لا يطيقه فإن كفارته كفارة يمين.
2 -
أن من نذرت أن تكشف حجاب نفسها عند الأجانب فإن عليها أن تحتجب وتكفر كفارة يمين.
3 -
أن الشريعة الإِسلاميه مبنية على التيسير.
13 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: استفتى سعد بن عبادة رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال:"اقْضِهِ عنها" متفق عليه.
[المفردات]
استفتى: أى طلب الفتيا ورغب فى معرفة الحكم الشرعى.
سعد بن عبادة: هو سيد الخزرج سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن خزام بن أبى خزيمة بن ثعلبة بن طريف
ابن الخزرج الأنصارى أبو ثابت ويقال أبو قيس رضى اللَّه عنه، وأمه عمرة بنت مسعود كانت لها صحبة وماتت فى زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان سعد ابن عبادة قد تعلم فى الجاهلية الكتابة والعوم والرمى وكان من عادة سعد التى ورثها عن أبائه أنه ينادى على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكانت جفنة سعد تدور مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بيوت أزواجه رضى اللَّه عنهن. وكان سعد يحمل راية الأنصار فى المواطن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد خرج إلى الشام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومات بحوران سنة 14 أو 15 أو 16 رضى اللَّه عنه.
توفيت قبل أن تقضيه: أى ماتت أم سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه قبل أن تؤدى النذر الذى التزمت به.
اقضه عنها: أى أدِّهِ عنها.
[البحث]
أخرج البخارى هذا الحديث فى (باب من مات وعليه نذر) من طريق شعيب عن الزهرى عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن سعد بن عبادة الأنصارى استفتى النبى صلى الله عليه وسلم فى نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه أن يقضيه عنها" فكانت سُنَّة بعدُ اهـ قال الحافظ فى الفتح فى قوله:(فكانت سنة بعد)
أى صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبا أو ندبا ولم أر هذه الزيادة فى غير رواية شعيب عن الزهرى فقد أخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن عيينة، ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائى من رواية الأوزاعى والإِسماعيلى من رواية موسى بن عقبة وابن أبى عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهرى بدونها، وأظنها من كلام الزهرى ويحتمل من شيخه اهـ وقد روى البخارى من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أتى رجل النبى صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختى نذرت أن تحج وأنها ماتت، فقال النّبى صلى الله عليه وسلم:"لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ " قال: نعم قال: فاقض اللَّه فهو أحق بالقضاء".
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من مات وعليه نذر قضاه عنه وليه.
2 -
ينبغى للإِنسان أن يعجل بالوفاء بما عليه من دين أو نذر.
14 -
وعن ثابت بن الضحاك رضى اللَّه عنه قال: نذر رجل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينحر إِبلًا بِبُوَانَة، فَأَتَى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال:"هل كان فيها وَمنٌ يُعبَدُ؟ " قال: لا. قال: "فهل كان فيها عِيد من أعيادهم؟ " فقال: لا. فقال: "أوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر فى معصية اللَّه، ولا فى قطعة رحم، ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود والطبرانى واللفظ له، وهو صحيح الإِسناد وله شاهد من حديث كَرْدَمٍ عند أحمد.
[المفردات]
على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى فى زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
بُوانَة: هى بضم الباء وفتح الواو الخففة الممدودة بعدها نون قال أبو عبيد: هى موضع بين الشام وديار بكر، وقال البغوى: أسفل مكة دون يلملم، وقال المنذرى: هضبة من وراء ينبع.
فسأله: أى فاستفتاه فى حكم الوفاء بنذره هذا.
هل كان فيها وثن يعبد: أى هل كان ببوانة صنم من أصنام أهل الجاهلية يعبده الجاهلون؟ .
قال: لا: أى لم يكن فيها معبد لوثن من أوثان الجاهلين.
فهل كان فيها عيد من أعيادهم: أى فهل كان ببُوانة يوم يجتمع فيه أهل الجاهلية يرونه عيدا من أعيادهم ويحتفلون فيه، والعيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو بعود الشهر أو نحو ذلك.
وله: أى ولحديث ثابت بن الضحاك.
كَرْدَم: هو كَرْدَم بن سفيان الثقفى رضى اللَّه عنه روى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وروت عنه ابنته ميمونة بنت كردم وهى من صغار الصحابة رضى اللَّه عنهم وعبد اللَّه ابن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنهما.
[البحث]
حديث أبى داود أخرجه من طريق داود بن رشيد ثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعى حدثنى يحيى بن أبى كثير حدثنى أبو قلابة حدثنى ثابت ابن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إنى نذرت أن أنحر إبلا ببوانة فقال النبى صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا. قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فإنه لاوفاء لنذر فى معصية اللَّه ولا فيما لا يملك ابن آدم" وقد صحح المصنف إسناد هذا الحديث هنا وصححه أيضا فى تلخيص الحبير حيث قال: حديث أن رجلا نذر أن ينحر إبلا فى موضع سماه فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هل فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قال: لا. قال: "أوف بنذرك" أبو داود من حديث ثابت بن الضحاك بسند صحيح اهـ وقال ابن تيمية رحمه الله فى اقتضاء الصراط المستقيم: أصل هذا الحديث فى الصحيحين، وهذا الإِسناد على شرط الصحيحين وإسناده كلهم ثقات مشاهير اهـ أما شاهده المشار إليه عند أحمد من حديث كردم فقد قال أحمد فى مسنده: حدثنا عبد الصمد حدثنا أبو الحُوَيْرِث حفص من ولد عثمان بن أبى العاص حدثنى عبد اللَّه بن عبد الركان ابن يعلى بن كعب عن ميمونة بنت كَردَم عن أبيها كَردَم بن سفيان الثقفى أنه سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن نذر نذره فى الجاهلية. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "ألوَثَن أو لِنُصُبٍ؟ " قال: لا.
ولكن للَّه قال: "فأَوْفِ اللَّه بما جعلت له، انحر على بوانة به، وأوف بنذرك" اهـ وأبو الحويرث حفص قال الحافظ ابن حجر فى تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: قلت: عداده فى أهل البصرة وهو مما فات الحاكم أبا أحمد ذكره اهـ وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه من لا يعرف اهـ أقول: وما دام حديث ثابت بن الضحاك ثابتا فلا حاجة إلى هذا الشاهد الضعيف.
[ما يفيده الحديث]
1 -
وجوب سد الذرائع المؤدية إلى الشرك باللَّه.
2 -
لا يجوز إحياء سنن أهل الجاهلية.
3 -
لا يجوز للمسلمين مشاركة المشركين فى أعيادهم.
4 -
من نذر نذرا فى فكان يعظم فيه غير اللَّه لا يجوز الوفاء به.
5 -
لا يجوز النذر لغير اللَّه.
6 -
النذر لغير اللَّه شرك.
15 -
وعن جابر رضى اللَّه عنه أن رجلا قال يوم الفتح: يا رسول اللَّه إلى نذرت إن فتح اللَّه عليك مكة أن أصلى فى بيت المقدس؟ فقال: "صل ههنا" فسأله، فقال:"صل ههنا" فسأله، فقال: فَشَأْنَكَ إِذَنْ" رواه أحمد وأبو داود صححه الحاكم.
[المفردات]
يوم الفتح: أى يوم فتح مكة.
إن فتح اللَّه عليك مكة: أى إن مَكَنَّكَ اللَّه عز وجل من أهل مكة ودخلتها فاتحا.
فى بيت المقدس: أى فى المسجد الأقصى.
صل ههنا: أى صل فى المسجد الحرام فإنه يكفيك فى الوفاء بنذرك ولا يلزمك الذهاب إلى بيت المقدس.
فسأله: أى فأعاد عليه السؤال والاستفتاء مرة أخرى.
صل ههنا: أى صل فى المسجد الحرام فإنه يكفيك فى الوفاء بنذرك ولا يلزمك الذهاب إلى بيت المقدس.
فسأله: أى فكرر الرجل السؤال واستفتاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة.
فشأنك إذن: أى أنت بالخيار إن شئت صل هنا فى المسجد الحرام وإن شئت فاذهب إلى المسجد الأقصى وصل فيه ما نذرت.
[البحث]
أورد أبو داود هذا الحديث فى (باب من نذر أن يصلى فى بيت المقدس) فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد اللَّه أن رجلا قام يوم الفتح فقال: يا رسول اللَّه إنى نذرت طه إن فتح اللَّه عليك مكة
أن أصلى فى بيت المقدس ركعتين؟ قال: صل ههنا" ثم أعاد عليه، قال: "صل ههنا" ثم أعاد عليه، فقال: "شَأْنَكَ إذن" قال ابن حجر فى تلخيص الحبير: وصححه أيضا ابن دقيق العيد فى الاقتراح اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من نذر أن يصلى فى المسجد الأقصى يكفيه فى الوفاء بنذره أن يصلى فى المسجد الحرام.
2 -
أن من نذر أن يصلى فى بقعة معينة يجوز له أن يصلى فى غيرها من الأماكن المباحة ويكون بذلك قد أوفى بنذره.
16 -
وعن أبى سعيد الخدرى رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدى هذا" متفق عليه واللفظ للبخارى.
[البحث]
تقدم هذا الحديث برقم 11 من أحاديث باب الاعتكاف وقيام رمضان وسبق شرحه هناك، والمقصود من إيراده هنا هو بيان جواز نذر صلاة فى هذه المساجد لأنها تشد الرحال إليها بخلاف ما لو نذر أن يصلى بمسجد غير هذه المساجد الثلاثة ولا يتأتى له الوفاء بنذره إلا بشد الرحال، فإنه لا يلزمه الوفاء بهذا النذر بل يصلى فى أى مكان آخر لا يحتاج إلى شد الرحال.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز للإِنسان أن ينذر الصلاة فى أحد هذه المساجد الثلاثة المفضلة.
2 -
أن من نذر صلاة فى موضع غير هذه المساجد الثلاثة ولا يتأتى له ذلك إلا بشد الرحال لا يلزمه الوفاء بذلك ولا يحل له شد الرحال له.
17 -
وعن عمر رضى اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إنى نذرت فى الجاهلية أن أعتكف ليلة فى المسجد الحرام؟ قال: "فأوف بنذرك" متفق عليه، وزاد البخارى فى رواية "فاعتكف ليلة".
[المفردات]
فى الجاهلية: أى قبل إسلام عمر رضى اللَّه عنه فالمراد بالجاهلية هنا جاهلية عمر رضى اللَّه عنه وهى حاله قبل إسلامه والأصل اطلاق الجاهلية على ما قبل بعثة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
أعتكف: أى أحتبس.
ليلة: أى من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
فأوف بنذرك: أى أدِّ ما نذرته واقضه.
فى رواية: أى فى رواية أوردها البخارى فى الاعتكاف من طريق
سليمان عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضى اللَّه عنه.
فاعتكف ليلة: أى فمكث عمر رضى اللَّه عنه فى المسجد الحرام ليلة.
[البحث]
أورد البخارى حديث عمر رضى اللَّه عنه فى كتاب الخُمس من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: يا رسول اللَّه إنه كان علىَّ اعتكاف يوم فى الجاهلية، فأمره أن يَفِىَ به الحديث. وأورده فى غزوة حنين من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: لما قفلنا من حنين سأل عمر النبى صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نَذَرَهُ فى الجاهلية اعتكاف فأمره النبى صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم وأورد لفظ حديث الباب فى باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم أنسانا فى الجاهلية ثم أسلم، وأورد فى الاعتكاف من طريق سليمان عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه أنه قال: يا رسول اللَّه إنى نذرت فى الجاهلية أن أعتكف ليلة فى المسجد الحرام فقال له النبى صلى الله عليه وسلم "أَوفِ بنذرك" فاعتكف ليلة ثم ساقه فى الاعتكاف أيضا من طريق أبى أسامة عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر
أن عمر رضى اللَّه عنه نذر فى الجاهلية أن يعتكف فى المسجد الحرام قال: أُرَاه قال ليلة قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" أما مسلم رحمه الله فقد أخرجه من طريق يحيى (وهو ابن سعيد القطان) عن عبيد اللَّه قال: أخبرنى نافع عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول اللَّه الخ الحديث بلفظ حديث الباب. ثم ساق من طريق جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد اللَّه بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال: يا رسول اللَّه إنى نذرت فى الجاهلية أن أعتكف يوما فى المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فَاعْتَكِفْ يوما" الحديث. ثم ساقه من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: لما قفل النبى صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمرُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره فى الجاهلية اعتكاف يومٍ ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم اهـ.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن من نذر نذرا خالصا من الشرك قبل أن يسلم ثم أسلم ينبغى له الوفاء بنذره.
2 -
مشروعية نذر الاعتكاف.