الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب القَضَاء
1 -
عن بريدة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "القُضَاةُ ثلاثة اثنان فى النار وواحد فى الجنة: رجل عرف الحقَّ فقضى به فهو فى الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار فى الحكم فهو فى النار، ورجل لم يعرف الحق فَقَضَى للناس على جَهْل فهو فى النار" رواه الأربعة وصححه الحاكم.
[المفردات]
القَضَاء: هو الحُكْم بين الناس والفصل فى خصوماتهم ومنازعاتهم وأصل القضاء القطع والفصل، يقال: قضى يقضى قضاء إذا حكم وفصل، قال فى لسان العرب: قال أبو بكر: قال أهل الحجاز: القاضى معناه القاطع للأمور المحكم لها اهـ ويطلق على إحكام الشئ والفراغ منه.
بريدة: هو ابن الحصيب الأسلمى رضى اللَّه عنه.
القضاة: جمع قاض وهو الذى يحكم بين الناس فى دَعوَاهم.
ثلاثة: أى على ثلاثة أضرب وهم القاضى الجائر والقاضى الجاهل والقاضى العالم العادل.
اثنان فى النار: وهما القاضى الجائر والقاضى الجاهل.
وواحد فى الجنة: وهو القاضى العالم العادل.
رجل عرف الحق فقضى به: أى قاض عَلِمَ الحُكْم الشَّرْعِىَّ فى الدعوى المعروضة عليه فقضى بما عرف من الحق وَعَدَلَ فى حكمه.
ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار: أى قاض علم الحكم الشرعى فى الدعوى المعروضة عليه لكنه لم يحكم بمقتضى ما عرف من الحق بل مال فى حكمه وقضى بغير الحق مع علمه به.
ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل: أى وقاض جاهل لا يعرف أحكام الشريعة. ومع ذلك انتصب للقضاء بين الناس مع عدم معرفته بقواعد الأحكام فهو يقضى على غير بصيرة.
[البحث]
ذكر المصنف هنا أن هذا الحديث رواه الأربعة، وقال بعد سياقه فى تلخيص الحبير: أصحاب السنن والحاكم والبيهقى من حديث بريدة قال الحاكم فى علوم الحديث: تفرد به الخراسانيون ورواته مراوزة، قلت: طرق غير هذه قد جمعتها فى جزء مفرد اهـ وقال فى الدراية فى تخريج أحاديث الهداية: حديث بريدة: القضاة ثلاثة: اثنان فى النار وواحد فى الجنة، الحديث أخرجه أبو داود وصححه الحاكم هذا وقد خلت بعض نسخ الترمذى المطبوعة من هذا الحديث منها طبعة ديوبند
مع أن الحافظ المزى عزاه فى تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للترمذى وحده عند ذكره سعد بن عبيدة السلمى عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه بريدة حيث قال: ت فى الأحكام عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن بشر عن شريك عن الأعمش عنه به. ثم ذكر المزى بعد ذلك فى ترجمة أبى هاشم الرُّمَّانى عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه بريدة ورمز له بأبى داود والنسائى وابن ماجه فقال: دفي القضاء عن محمد ابن حسان السَّمْتى- س فيه (آداب القضاة لعله فى الكبرى) عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى عن سعيد بن سليمان- ق فى الأحكام عن إسماعيل بن توبة- ثلاثتهم عن خلف بن خليفة عنه به اهـ ولم يعلق الحافظ ابن حجر فى النكت الظراف على الأطراف بشئ حول هذا الحديث. والحديث ليس فى مجتبى النسائى، وهو فى أبى داود وابن ماجه على الوصف الذى ذكره الحافظ المزى رحمه الله.
[ما يفيده الحديث]
1 -
لا يجوز أن يُوَلَّى القضاء إلا من عرف بالعلم.
2 -
لا يحل للجاهل أن ينتصب للقضاء.
3 -
الوعيد الشديد لمن قضى بغير علم وحكم بين الناس على جهل.
4 -
أن القضاء بغير علم من الكبائر.
5 -
الوعيد الشديد لمن عرف الحق وعدل عنه فى الحكم.
6 -
أن الجور فى القضاء من الكبائر.
7 -
لفت الانتباه إلى خطورة منصب القضاء.
8 -
بشارة القاضى العادل بالجنة.
9 -
حض الإسلام على توفير العدالة للأفراد والمجتمعات.
10 -
وجوب صيانة الحقوق.
11 -
سمو الشريعة الإِسلامية وشمولها لشئون المعاش والمعاد.
12 -
الإسلام دين العلم والمعرفة.
2 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلىَ القضاء فقد ذُبِحَ بغير سكّين" رواه أحمد والأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
[المفردات]
ولى القضاء: أى جُعِلَ قاضيا وانتصب للحكم بين الناس.
فقد ذُبِحَ بغير سكين: أى فقد أرهق جسمه ونفسه كأنه عرَّض نفسه للموت البطئ لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد، وبين عذاب الآخرة إن فسد.
[البحث]
قال فى تلخيص الحبير: حديث "من جعل قاضيا بين الناس فقد ذُبح بغير سكين" أصحاب السنن والحاكم والبيهقى من حديث أبى هريرة، وله طرق، وأعله ابن الجوزى فقال: هذا حديث لا يصح، وليس كما قال، وكفاه قوة تخريج النسائى له، وذكر الدارقطنى الخلاف فيه على سعيد المقبرى، قال: والمحفوظ عن سعيد المقبرى
عن أبى هريرة اهـ وقال فى الدراية: حديث من جُعِلَ على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين، الأربعة وأحمد وابن أبى شيبة والبزار من حديث أبى هريرة بلفظ: من جعل قاضيا فقد ذُبح بغير سكين، وصححه الحاكم والدارقطنى، وأخرجه ابن عدى من حديث ابن عباس بلفظ: من استقضى فقد ذبح بغير سكين. وإسناده ضعيف اهـ
3 -
وعنه رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستحرصون على الإِمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المُرضِعَةُ وبئست الفاطمة" رواه البخارى.
[المفردات]
وعنه: أى وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه.
ستحرصون على الإِمارة: أى ستبذلون جهدا فى الحصول على الولاية وأن تكونوا حكاما للناس.
وستكون ندامة يوم القيامة: أى وَسَتُسَبِّبُ لصاحبها الحسرة والحزن يوم القيامة يعنى إن لم يعمل فيها بما ينبغى، ولا شك أن من طلبها وحصل عليها وكل إليها فلا يكون مُعَانا ولا مُسَدَّدا ولا مُؤيَّدا، ومن جاءته من غير طلب أعين عليها فيوفق فى العمل فيها بما ينبغى وَيُؤَيَّدُ ويُسَدَّدُ.
فنعم المرضعة: أى فمَبَاديها تسُرُّ وتدخل البهجة على نفس صاحبها بما تدره عليه من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية.
وبئست الفاطمة: أى وعاقبتها السيرة والندامة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات فى الآخرة قال الحافظ فى الفتح: تنبيه: ألحقت التاء فى بئست دون نعم والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإِلحاق وتركه فوقع التفنن فى هذا الحديث بحسب ذلك اهـ.
[البحث]
أورد البخارى هذا الحديث فى (باب ما يكره من الحرص على الإِمارة) من طريق ابن أبى ذئب عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة باللفظ الذى ساقه المصنف ثم ساقه من طريق عبد الحميد وهو ابن جعفر عن سعيد المقبرى عن عمر بن الحكم عن أبى هريرة موقوفا على أبى هريرة من قوله، قال الحافظ فى الفتح: وابن أبى ذئب أتقن من عبد الحميد وأعرف بحديث المقبرى منه، فروايته هى المعتمدة، وعقبه البخارى بطريق عبد الحميد إشارة منه إلى إمكان تصحيح القولين فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبى هريرة موقوفا على ما رواه عنه عبد الحميد وكان عنده عن أبى هريرة بغير واسطة مرفوعا، إذ وجدت عند كل من الراويين عن سعيد زيادة، ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع لأن الراوى قد ينشط فيسند، وقد لا ينشط فيقف أهـ وقد جاء فى حديث أبى ذر عند مسلم قال قلت: يا رسول اللَّه ألا تستعملنى؟ قال إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها. هذا وقد روى
البخارى ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عشرة رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا عبد الرحمن لا تسأل الإِمارة فإنك إن أعْطِيتَها عن مسألة وُكِلْتَ إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها" وهذا غاية التحذير من الحرص على طلب الولاية على الناس، لأنه من طلبها لن يعينه اللَّه ولن يسدده ولن يؤيده، ومن عُيِّنَ فيها من غير الحاح منه ولا حرص فإن اللَّه عز وجل يعينه ويؤيده ويرشده ويسدده ويوفقه للعمل الصالح فيها، ومن وكله اللَّه إلى نفسه دمَّرها وجعل تدميره فى تدبيره على حد قول الشاعر:
إذا كان عَوْنُ اللَّه للعبد مُسْعِفًا
…
تأتى له من كل شئ مُرَادُه
وإن لم يكن عَوْنٌ من اللَّه للفتى
…
فأول ما يقضى عليه اجتِهادُهُ
ولذلك أُثِرَ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا حى يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام برحمتك أستغيث فأصلح لى شأنى كله، ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين، إنك إن وكلتنى إلى نفسى أو إلى أحد من خلقك وكلتنى إلى عَجْز وضعف وفاقة، هذا ولا معارضة بين هذا الحديث وبين ما ذكره اللَّه عز وجل فى حق يوسف عليه السلام حيث قال:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وقوله تعالى عن سليمان {وَهَبْ لِي مُلْكًا} فإنهما معصومان من الخطأ لا يريدان إلا خير الناس ونفع العباد وهداية الأمة وإعلاء كلمة اللَّه، ولقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يولى هذا الأمر
من سألة ولا من حرص عليه كما جاء فى حديث أبى موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه عند البخارى ومسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
كراهية الحرص على طلب الولاية.
2 -
عظم مسئولية الولاة.
3 -
قد يفرح الإِنسان فى دنياه بما يضره فى أخراه.
4 -
وعن عمرو بن العاص رضى اللَّه عنه أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" متفق عليه.
[المفردات]
إذا حكم الحاكم: أى إذا أراد القاضى أن يفصل فى القضية المعروضة عليه.
فاجتهد: أى فَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ وَبَذَلَ جُهْدَهُ فى طلب الحق ومعرفة الوجه الشرعى فى المسألة وكان من أهل العلم العارفين بقواعد الحكم وأصول الفقه القادرين على الاستنباط.
ثم أصاب: أى ثم أصدر حكمه ووفِّق للصواب فيه فجاء مطابقا للوجه المطلوب شرعا مصادفا لما فى نفس الأمر من حكم اللَّه.
فله أجران: أى فثوابه عند اللَّه مضاعف، إذ يثيبه اللَّه على اجتهاده ويثيبه على إصابته الحق.
ثم أخطأ: أى ثم لم يوفق للصواب فى المسألة ولم يصادف ما فى نفس الأمر من حكم اللَّه بعد أن بذل جهده واستفرغ وسعه فى طلب الحق.
فله أجر: أى فله نصيب من الثواب فى نظير اجتهاده.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه البخارى ومسلم من طريق يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص باللفظ الذى ساقه المصنف إلا أن فى آخره عندهما زيادة قول يزيد: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة، هذا لفظ البخارى أما لفظ مسلم: فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثنى أبو سلمة عن أبى هريرة. هذا ولا نزاع عند أهل العلم أن القاضى إذا حكم بغير علم فهو آثم عاص حتى لو صادف الحق واللَّه أعلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
الترغيب فى ولاية القضاء لمن ألزم به وكان له أهلا.
2 -
أنه يجب على القاضى عند نظر القضية أن يبذل جهده
ويستفرغ وسعه فى معرفة حكم اللَّه فيها.
3 -
وأن القاضى إذا اجتهد ثم حكم وأصاب فله أجران.
4 -
وأن القاضى إذا اجتهد فحكم وأخطأ فى الحكم فله أجر واحد.
5 -
لابد أن يكون القاضى من أهل العلم القادرين على استنباط الأحكاء من قواعد الشريعة العارفين بأصول الفقه.
5 -
وعن أبى بكرة رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحكم أحدٌ بين اثنين وهو غضبان. متفق عليه.
[المفردات]
لا يحكم: أى لا يقْضِ ولا يفصل.
أحدٌ: أى قاض وحكَمٌ.
بين اثنين: أى بين خصمين.
وهو غضبان: أى حال كونه ثائر النفس فى غير رِضًى واطمئنان لأن ذلك يشغله عن استيفاء النظر لعدم استقامة الفكر لأن غضب الإِنسان كجمرة تُلْقَى فى جوفه فتؤدى إلى انتفاخ ودجيه، واحمرار وجهه، فيعتل تفكيره ويصعب عليه إقامة العدل بين المتخاصمين.
[البحث]
أخرج البخارى هذا الحديث من طريق عبد الرحمن أبى بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضى بين اثنين وأنت غضبان فإنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقْضِينَّ حكَمٌ بين
اثنين وهو غضبان" وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبى بكرة قال: كَتَبَ أبى (وَكَتَبْتُ له) إلى عبيد اللَّه بن أبى بكرة وهو قاض بسجستان أن لَا تَحكُمَ بين اثنين وأنت غضبان فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَحكُم أحد بين اثنين وهو غضبان" اهـ وقوله فى حديث مسلم (كتبت له) أى كنت أنا الكاتب لأبى لما كتب لأخى عبيد اللَّه. هذا ولا معارضة بين هذا الحديث وحكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للزبير فى شراج الحرة يعنى مسايل الماء بالحرة حيث قال للزبير: اسق ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصارى! أن كان ابن عمتك؟ فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر" وهذا فى الصحيحين، أقول: لا معارضة بينهما لأن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقول فى الغضب إلا ما يقول فى الرضا، وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
النهى عن الحكم حالة الغضب.
2 -
النهى عن الحكم حالة وجود شئ يشوش على القاضى ويذهله عن استيفاء النظر فى القضية.
3 -
حرص الإِسلام على إقامة العدل وصيانة الحقوق.
6 -
وعن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا تَقَاَضَى إليك رجلان فلا تَقْض للأول حتى تسمع كلام الآخَر، فسوف تدرى كيف تقضى" قال على فَمَا زِلْتُ قاضيا بعدُ. رواه أحمد
وأبو داود، والترمذى وحسَّنه، وقواه ابن المدينى، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس.
[المفردات]
إذا تقاضى إليك رجلان: أى إذا احتكم إليك خَصْمَان وجلسا بين يديك.
فلا تقض للأول: أى فلا تحكم بمجرد سماع دعوى المدعى ولا تفصل فى القضية بمجرد سماع كلام المتكلم أولًا.
حتى تسمع كلام الآخر: أى لا تفصل فى القضية حتى تسمع كلام المدعى وجواب المدعى عليه.
فسوف تدرى كيف تقضى: أى فسوف يتضح لك من كلام المدعى والمدعى عليه طبيعة الدعوى ويتبين لك كيف تحكم.
فما زلت قاضيا بعد: أى فما زلت أحسن القضاء بعد سماع توجيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والعمل بوصيته صلوات اللَّه وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله وصحبه.
وله: أى ولحديث على رضى اللَّه عنه هذا.
[البحث]
لفظ هذا الحديث عند أبى داود من طريق سماك بن حرب عن حنش عن على رضى اللَّه عنه قال: "بعثنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن
قاضيا، فقلت: يا رسول اللَّه ترسلنى وأنا حديث السن ولا علم لى بالقضاء؟ فقال: "إن اللَّه سيهدى قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء" قال فما زلت قاضيا أو ما شككت فى قضاء بعد. وقد أخرجه الترمذى أيضا من طريق سماك بن حرب عن حنش عن على باللفظ الذى ساقه المصنف ثم قال الترمذى: هذا حديث حسن اهـ وحنش فى هذا السند هو ابن المعتمر الكوفى قال فى التقريب: صدوق له أوهام ويرسل من الثالثة وأخطأ من عده فى الصحابة اهـ قال فى تلخيص الحبير عن طرق هذا الحديث: أحسنها رواية البزار عن عمرو بن مرة عن عبد اللَّه بن سلمة عن على وفى إسناده عمرو بن أبى المقدام واختلف فيه على عمرو بن مرة فرواه شعبة عنه عن أبى البخترى قال: حدثنى من سمع عليا. أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح لولا هذا المبهم، ومنهم من أخرجه عن أبى البخترى عن على كما سيأتى ومنها رواية البزار أيضا عن حارثة بن مصرف عن على قال: وهذا أحسن أسانيده، ومنها وهى أشهرها رواية أبى داود وغيره من طريق سماك عن حنش ابن المعتمر عن على، وأخرجها النسائى فى الخصائص والحاكم والبزار وقد رواه ابن حبان من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن على ومنها رواية ابن ماجه من طريق أبى البخترى عن على وهذا منقطع وأخرجها البزار والحاكم اهـ قال أبو حاتم: لم يسمع أبو البخترى واسمه سعيد بن فيروز من على ولم يدركه اهـ،
7 -
وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلىَّ ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحجته من بعض، فَأَقْضِىَ له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار" متفق عليه.
[المفردات]
تختصمون إلىَّ: أى تترافعون فى قضاياكم ومنازعاتكم عندى.
ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض: أى وعسى أن يكون أحد الخصمين أبلغ وأفطن وأقدر على إيراد دعواه ضد خصمه بما يُظْهِرُ أن الحق معه حتى ولو كان كاذبا فى نفس الأمر.
فأقضى له على نحو ما أسمع منه: أى فأحسب أنه صادق فأقضى له بن أخيه.
فمن قطعت له من حق أخيه شيئا: أى فمن حكمت له بشئ ليس من حقه وإنما هو من حق خصمه. والمراد بالأخ هنا الخصم والتعبير بالأخوة للتنفير من ظلمه، والناس إخوة فكلهم من آدم.
فإنما أقطع له قطعة من النار: أى فإن حكم الحاكم لا يحل حراما فمن اقتطع من حق أخيه شيئا ظلما ولو بحكم حاكم فكأنه اقتطع لنفسه بذلك قطعة من جهنم.
[البحث]
أورد البخارى رحمه الله هذا الحديث فى كتاب الحِيَل بلفظ: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضى له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يَأْخُذْ، فإنما أقطع له قطعة من النار" وأورده فى كتاب الأحكام فى (باب موعظة الإِمام للخصوم) بلفظ: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يَأخُذْه، فإنما أقطع له قطعة من النار" وأورده فى (باب من قُضِىَ له بحق أخيه فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يُحِلُّ حراما ولا يُحَرِّمُ حلالا) بلفظ: عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال:"إنما أنا بشر، وإنه يأتينى الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فَأَحْسِبُ أنه صادق، فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فَلْيَأخُذْهَا أو لِيَتْرُكْهَا" اهـ أما مسلم رحمه الله فقد أورده بلفظ: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار" ثم أورده بلفظ: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع جَلَبَةَ خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر، وإنه يأتينى الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق،
فأقضى له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليحملها، أو يَذَرها" وفى لفظ: سمع لَجَبَةَ خصم بباب أم سلمة اهـ وَجَلَبَة الخصم وَلَجَبَةُ الخصم بمعنى واحد وهو اختلاط أصواتهم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما يعلم منه ما يطلعه اللَّه تعالى عليه.
2 -
أن بعض الخصوم قد يصور للقاضى الشئ الباطل فى صورة الحق بسبب قوة بيانه وعجز خصمه.
3 -
أن القاضى لا إثم عليه إذا قضى على نحو ما يسمع من المتخاصمين ما دام قد بذل الجهد.
4 -
أن حكم الحاكم لا يحرم حلالا ولا يحل حراما.
5 -
الوعيد الشديد لمن صَوَّرَ الباطل حقا عند القاضى.
6 -
ينبغى للقاضى أن يعظ الخصوم ويخوفهم من عذاب اللَّه.
7 -
أن من احتال لأمر باطل بوجه من وجوه الحيل حتى يصير فى صورة الحق أنه لا يحل له تناوله فى الباطن ولا يرتفع عنه الإِثم بالحكم.
8 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "كيف تُقَدِّسُ أمَّة لا يؤخذ من شَدِيدِهِم لِضَعِيفِهِم" رواه ابن حبان وله شاهد من حديث بريدة عند البزار، وآخر من حديث أبى سعيد عند ابن ماجه.
[المفردات]
تقَدَّسُ: أى تُطَهَّرُ ويبتعد عنها الرجس.
لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم: أى لا يؤخذ حق ضعيفهم من قَوِيِّهِم، وَيُنْتَصَفُ لفقيرهم من غَنِيِّهم.
وله: أى ولحديث جابر رضى اللَّه عنه.
وآخر: أى ولحديث جابر شاهد آخر.
[البحث]
الشاهد الأول الذى أشار إليه المصنف قد أخرجه البزار من طريق محمد بن مسكين ثنا سعيد بن سليمان ثنا منصور بن أبى الأسود عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن بريدة وهو سليمان عن أبيه قال: سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعفرا رضى اللَّه عنه حين قدم من الحبشة، مَا أعجَبْ شئ رأيته؟ " قال: رأيت امرأة تحمل على رأسها مِكْتَلًا من طعام، فمر فارس فَرَكَضَهُ فَأبْذَرَه، فجلست تجمع طعامها، ثم التفتت، فقالت: ويل لك إذا وضع الملِكُ تبارك وتعالى كرسيَّه فأخذ للمظلوم من الظالم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تصديقا لقولها:"لَا قُدِّسَتْ أمة" أو "كيف تقدس أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها وهو غير متعتع" قال البزار: لا نعلم له عن بريدة طريقا غير هذا، تفرد به منصور اهـ وقال الهيثمى: رواه البزار والطبرانى فى الأوسط وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة لكنه اختلط وبقية رجاله ثقات اهـ، أما قول المصنف رحمه الله: وآخر من حديث أبى سعيد عند ابن ماجه فقد وهم فيه فإن هذا الشاهد عند ابن ماجه
ليس من حديث أبى سعيد وإنما هو من حديث جابر رضى اللَّه عنه وقد أخرجه ابن ماجه من طريق سعيد بن سُوَيد ثنا يحيى بن سُليم عن عبد اللَّه بن عثمان بن خُثيم عن أبى الزبير عن جابر قال: لما رَجَعَتْ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُهاجِرَةُ البحر قال: "ألا تُحَدِّثُونى بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ " قال فتية منهم: بلى يا رسول اللَّه بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رَهَابِينهِمْ تحمل على رأسها قُلَّةً من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كَتِفَيْها ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، فانكسرت قُلَّتُها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غُدَرُ إذا وضع اللَّه الكرسىَّ، وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمرى وأمرك عنده غَدًا اهـ، قال محمد فؤاد عبد الباقى فى تعليقه على هذا الحديث: فى الزوائد إسناده حسن وسعيد بن سويد مختلف فيه اهـ أقول: إن اسم سعيد بن سويد فى السند منقلب عن سويد بن سعيد ولم يتنبه له محمد فؤاد عبد الباقى وليست عبارة الزوائد كما نقل، فإن الحافظ شهاب الدين أحمد بن أبى بكر بن إسماعيل البوصيرى ساق سند ابن ماجه هذا فى كتابه مصباح الزجاجة فى زوائد ابن ماجه قال فيه ابن ماجه: حدثنا سويد بن سعيد ثم ساقه بتمامه ثم قال: هذا إسناد حسن، سويد مختلف فيه اهـ، وقال المزى فى الأطراف فى ترجمة عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم المكى عن أبى الزبير عن جابر: حديث لما رَجَعَتْ إلى النبى صلى الله عليه وسلم مهاجرة الحبشة قال:
"ألا تحدِّثونى بأعاجيب ما رأيتم؟ " الحديث. ق فى الفتن عن سويد ابن سعيد عن يحيى بن سليم عنه به اهـ ولم يعلق الحافظ ابن حجر فى النكت الظراف على هذا الحديث بشئ وسويد بن سعيد من رجال مسلم وابن ماجه قال فى التقريب: صدوق فى نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه وأفحش فيه ابن معين القول، من قدماء العاشرة مات سنة أربعين وله مائة سنة اهـ.
9 -
وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يُدعى بالقاضى العادل يوم القيامة فَيَلْقَى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين فى عمره" رواه ابن حبان، وأخرجه البيهقى ولفظه "فى تمرة".
[المفردات]
يُدْعَى بالقاضى العادل يوم القيامة: أى يعرض على اللَّه تعالى يوم القيامة القاضى الذى كان يتحرى العدالة فى قضائه.
فيلقى من شدة الحساب: أى فيجد محاسبة من اللَّه تعالى له على القليل والكثير ويسأله اللَّه عز وجل عن أعماله فى القضاء واللَّه عليم خبير.
ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين فى عمره: أى ما يود أنه جلس للقضاء لحظة واحدة من شدة ما يلقاه من المحاسبة.
ولفظه فى تمرة: أى ولفظ الحديث عند البيهقى: أنه لم يقض بين
اثنين فى تمرة" يعنى فى شئ ولو كان حقيرا تافها كالتمرة.
[البحث]
قال فى تلخيص الحبير: حديث يجاء بالقاضى العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين فى تمرة قط أحمد والعقيلى وابن حبان والبيهقى من حديث عائشة، قال العقيلى: عمران بن حطان الراوى عن عائشة لا يتابع عليه، ولا يتبين لى سماعه منها، قلت: وقع فى رواية الإِمام أحمد من طريقه قال: دخلت على عائشة فذكرتها حتى ذكرنا القاضى، فذكره اهـ وقال فى تهذيب التهذيب: وكذا جزم ابن عبد البر بأنه لم يسمع منها وليس كذلك فإن الحديث الذى أخرجه له البخارى وقع عنده التصريح بسماعه منها، وقد وقع التصريح بسماعه منها فى المعجم الصغير للطبرانى بإسناد صحيح اهـ هذا والمعروف عن عمران بن حطان أنه كان من رءوس الخوارج وأنه يجيز الكذب فهو القائل:
يوم يمان إذا لقيت ذا يَمَنِ
…
وإن لقيت معديا فعدنان
والقاعدة أن أهل الأهواء لا تجوز الرواية عمن يجيز الكذب منهم. ورواية البخارى محمولة على أنها حملت عنه قيل فساد عقيدته، أو بعد نوبته كما قيل: على أن البخارى لم يخرج له فى صحيحه إلا فى المتابعات قال الحافظ ابن حجر فى هدى السارى مقدمة فتح البارى:
قلت: لم يخرج له البخارى سوى حديث واحد من رواية يحيى بن أبى كثير عنه قال سألت عائشة عن الحرير فقالت: ائت ابن عباس فسأله فقال: ائت ابن عمر فسأله فقال: حدثنى أبو حفص أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة" انتهى، وهذا الحديث إنما أخرجه البخارى فى المتابعات فللحديث عنده طرق غير هذه من رواية عمر وغيره، وقد رواه مسلم من طريق أخرى عن ابن عمر نحوه، ورأيت بعض الأئمة يزعم أن البخارى إنما أخرج له ماحمل عنه قبل أن يرى رأى الخوارج، وليس ذلك الاعتذار بقوى لأن يحيى بن أبى كثير إنما سمع منه باليمامة فى حال هروبه من الحجاج وكان الحجاج يطلبه ليقتله لرأيه رأى الخوارج وقصته فى ذلك مشهورة مبسوطة فى الكامل للمبرد وفى غيره. على أن أبا زكريا الموصلى حكى فى تاريخ الموصل عن غيره أن عمران هذا رجع فى آخر عمره عن رأى الخوارج، فإن صح ذلك كان عذرا جيدا، وإلا فلا يضر التخريج عمن هذا سبيله فى المتابعات واللَّه أعلم اهـ.
10 -
وعن أبى بكرة رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لن يُفْلِحَ قَوْم ولَّوا أمرهم امرأة" رواه البخارى.
[المفردات]
لن يُفْلِحَ قَوْمٌ: أى لن يفوزوا ولن ينجوا ولن يَبْقوا فى الخير.
وَلَّوا أمرهم امرأة: أى جعلوا رئاستهم وقِوَامَتَهُمْ فى يد امرأة
وَمَلَّكُوها عليهم.
[البحث]
هذا الحديث أورده البخارى فى (باب كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر) من طريق الحسن عن أبى بكرة قال: لقد نفعنى اللَّه بكلمة سمعتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بَلَغَ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد مَلَّكُوا عليهم بنت كسرى قال: "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة" وأورده فى الفتن من طريق الحسن عن أبى بكرة رضى اللَّه عنه بلفظ: لقد نفعنى اللَّه بكلمة أيام الجمل، لما بَلَغَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملَّكوا ابنة كسرى قال:"لن يُفْلِحَ قومٌ ولوا أمرهم امرأة" وقوله فى الرواية الأولى: "لقد نفعنى اللَّه بكلمة سمعتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أيام الجمل" فيه تقديم وتأخير وأصله: لقد نفعنى اللَّه أيام الجمل بكلمة سمعتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أنه لا يحوز تولية المرأة الإِمارة أو القضاء.
2 -
وأنه لا يجوز أن تُعَرَّضَ المرأة للمخاطر والمكاره.
3 -
وأنه ينبغى الرفق بالنساء لأنهم كالقوارير.
11 -
وعن أبى مريم الأزدى رضى اللَّه عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من ولَّاه اللَّه شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وفقيرهم احتجب اللَّه دون حاجته" أخرجه أبو داود والترمذى.
[المفردات]
أبو مريم الأزدى: قال فى تهذيب التهذيب: أبو مريم الأزدى ويقال: الأسدى أيضا حضرمى، له صحبة روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول:"من ولاه اللَّه من أمر المسلمين فاحتجب" الحديث وقدم على معاوية فحدثه، وعنه ابن عمه أبو الشماخ الأزدى والقاسم بن مخيمرة وأبو المعطل مولى بنى كلاب اهـ وقال فى التقريب: أبو مريم الأسدى بالسكون صحابى له حديث وقيل: هو عمرو بن مرة الجهنى اهـ وقال فى التقريب أيضا: عمرو بن مرة الجهنى أبو طلحة أو أبو مريم صحابى مات بالشام فى خلافة معاوية اهـ.
من وَلَّاه اللَّه شيئا من أمر المسلمين: أى من جعله اللَّه والِيًا على شأن من شئون المسلمين كالإِمارة والقضاء.
فاحتجب دون حاجتهم وفقيرهم: أى فجعل بينهم وبينه حجابا يحول دون وصول صاحب الحاجة أو الضعيف منهم إليه لعرض حوائجهم عليه.
احتجب اللَّه دون حاجته: أى لم يقض اللَّه له حاجة، ولم يُفَرِّجْ له كربة.
[البحث]
هذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى ثنا يحيى بن حمزة حدثنى ابن أبى مريم أن القاسم بن مخيمرة
أخبره أن أبا مريم الأزدى أخبره فى قصة دخوله على معاوية ولفظه: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من ولاه اللَّه عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتهم وفقرهم احتجب اللَّه دون حاجته وخلته وفقره، قال: فجعل رجلا على حوائج الناس، وأخرجه الترمذى من طريق أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنى على بن الحكم ثنى أبو الحسن قال: قال عمرو بن مرة لمعاوية: إنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام يغلق بابه دون ذوى الحاجة والخَلَّة والمسكنة إلا أغلق اللَّه أبواب السماء دون خَلَّته وحاجته ومسكنته، فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس، ثم قال الترمذى: وفى الباب عن ابن عمر، حديث عمرو بن مرة حديث غريب، وقد رُوِىَ هذا الحديث من غير هذا الوجه، وعمرو بن مرة الجهنى يكنى أبا مريم حدثنا على بن حُجر ثنا يحيى بن حمزة عن يزيد ابن أبى مريم عن القاسم بن مخيمرة عن أبى مريم صاحب النبى صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث بمعناه اهـ وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقى من رجال البخارى ويحيى بن حمزة من رجال الجماعة ويزيد بن أبى مريم من رجال البخارى والقاسم بن مخيمرة من رجال مسلم، وعلى بن حجر من رجال البخارى ومسلم.
[البحث]
1 -
الوعيد الشديد لمن ولى من أمر المسلمين شيئا وحال دون وصول ذوى الحاجة إليه.
2 -
يجب على الولاة والحكام أن يُسَهِّلُوا سبيل وصول ذوى الحاجات إليهم.
3 -
حرص الإِسلام على قضاء حاجات الناس ولاسيما الفقراء والمساكين.
4 -
رعاية الإِسلام لحقوق الضعفاء.
12 -
وعن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى فى الحكم" رواه أحمد والأربعة وحسنه الترمذى وصححه ابن حبان، وله شاهد من حديث عبد اللَّه بن عمرو عند الأربعة إلا النسائى.
[المفردات]
لعن الخ: أى دعا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على الراشى والمرتشى بالطرد والإِبعاد عن الرحمة.
الراشى والمرتشى: قال فى لسان العرب: قال ابن الأثير: الرَّشْوَةُ والرُّشْوة الْوُصلَةُ إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرِّشاء الذى يتوصل به إلى الماء فالراشى من يعطى الذى يعينه على الباطل، والمرتشى الآخذ، والرائش الذى يسعى بينهما يستزيد لهذا، ويستنقص لهذا، ثم قال: والرِّشَاءُ الحبل والجمع أرشية، قال ابن سيده:
وإنما حملناه على الواو لأنه يُوصَلُ به إلى الماء كما يُوصَلُ بالرُّشْوَة إلى ما يُطْلَبُ من الأشياء اهـ وقال فى القاموس: (الرشوة) مثلثة الجُعْلُ ج رُشًا وَرِشًا، وَرَشَاهُ أعطاه إياها، وارتشى أخذها واسْتَرْشَى طلبها اهـ
فى الحكم: أى أخذ الرشوة من أجل الفَصْل فى القضية وإنجازها لجهة الراشى.
وله شاهد: أى ولحديث أبى هريرة شاهد، وهذا الشاهد من حديث عبد اللَّه بن عمرو.
[البحث]
قول المصنف رحمه الله رواه أحمد والأربعة وهم فإن أبا داود رحمه الله لم يخرجه من حديث أبى هريرة وقد قال المصنف فى التلخيص حديث أبى هريرة لعن اللَّه الراشى والمرتشى، أحمد والترمذى وابن حبان اهـ وإنما أخرجه أبو داود من حديث عبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما من طريق أحمد بن يونس ثنا ابن أبى ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى ولم يسق أبو داود لفظة: فى الحكم، وقد ساقه الترمذى من طريق قتيبة ثنا أبو عوانة عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة قال: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى فى الحكم، ثم قال الترمذى: حديث أبى هريرة حديث حسن، وقد روى هذا الحديث عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن عمرو، وروى عن أبى سلمة عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا يصح.
وسمعت عبد اللَّه بن عبد الرحمن يقول: حديث أبى سلمة عن عبد اللَّه ابن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أحسن شئ فى هذا الباب وأصح اهـ ولا شك أن الإِسلام قد حارب الرشوة ونهى عنها وفى ذلك يقول اللَّه تبارك وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن الرشوة من الكبائر.
2 -
محاربة الإِسلام للآفات الاجتماعية.
3 -
صيانة الإِسلام لحقوق الإِنسان.
4 -
التحذير من أكل أموال الناس بالباطل.
13 -
وعن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه عنهما قال: قضى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن الخَصْمَيْنِ يقعدان بين يدى الحاكم. رواه أبو داود وصححه الحاكم.
[المفردات]
قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أى حكم وَوَصَّى.
يقعدان بين يدى الحاكم: أى يجلسان أمام القاضى.
[البحث]
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن منيع ثنا عبد اللَّه بن المبارك ثنا مصعب بن ثابت عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-
أن الخصمين يقعدان بين يدى الحاكم اهـ قال فى التقريب: مصعب ابن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير بن العوام الأسدى بين الحديث اهـ وقال فى تهذيب التهذيب: أرسل عن جده ثم نقل تضعيفه عن أحمد ابن حنبل وابن معين والنسائى ثم قال: وقال ابن حبان فى الضعفاء انفرد بالمناكير عن المشاهير فَلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه اهـ ومع الضعف فى سنده فهو مرسل لأن مصعب بن ثابت لم يدرك عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه عنهما حيث ولد مصعب بعد موت جده عبد اللَّه بن الزبير بسنة، واللَّه أعلم.