الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ المُدَبَّرِ والمُكَاتَبِ وأمِّ الوَلَد
1 -
عن جابر رضى اللَّه عنه أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دُبُر، لم يكن له مال غيرُه، فبلغ ذلك النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه منى؟ " فاشتراه نُعَيْمُ بنُ عبد اللَّه بثمانمائة درهم. متفق عليه، وفى لفظ للبخارى: فاحتاج. وفى رواية النسائى: وكان عليه دين فباعه بثمانمائة درهم فأعطاه وقال: "اقض دينك".
[المفردات]
المُدبَّر: هو الرقيق الذى علق عتقه بموت مالكه، يقال: دبَّر عبدَه إذ قال له: أنت حر بعد موتى، وسمى ذلك تدبيرا لأنه يحصل العتق فيه فى دبر الحياة.
والمكاتب: بفتح التاء هو من وقعت عليه الكتابة، والكتابة هى العقد بين السيد ومملوكه على مال يؤديه إليه منجما فإذا أداه صار حرا.
وأم الولد: هى الأمة التى ولدت من سيدها.
أن رجلا من الأنصار: هو أبو مذكور رضى اللَّه عنه.
غلاما: أى عبدا وكان اسمه يعقوب.
عن دبر: بضم الدال والباء أى بعد موته يعنى علق عتق عبده بموته أى بموت المالك.
من يشتريه منى؟ : أى من يشترى هذا العبد منى؟
فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه الخ: أى فأخذه نعيم بن عبد اللَّه بثمانمائة درهم ليدفعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المالك لأنه لا مال له غيره.
نعيم بن عبد اللَّه: هو نعيم بن عبد اللَّه بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب القرشى العدوى المعروف بابن النحام كان إسلامه قبل عمر رضى اللَّه عنهما ولكن تأخرت هجرته لأنه كان ينفق على أرامل بنى عدى وأتباعهم فطلبوا منه أن يبقى بينهم على أى دين يريده وقد استشهد بأجنادين فى خلافة عمر رضى اللَّه عنهما.
فاحتاج: أى فأصابت المُدَبِّر حاجة وفاقة.
[البحث]
تقدم ذكر هذا الحديث فى بحث الحديث السادس من أحاديث كتاب البيوع وقد سقت هناك ألفاظه عند الشيخين.
[ما يفيده الحديث]
1 -
يجوز للإِمام بيع المُدَبَّر لحاجة من دبَّره.
2 -
جواز الحجر على المفلس وبيع ماله بغير رضاه لمصلحته.
2 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "المكاتَبُ عبدٌ ما بقى عليه من مكاتبته درهم" أخرجه أبو داود بإسناد حسن وأصله عند أحمد والثلاثة وصححه الحاكم.
[المفردات]
المكاتَب عبد الخ: أى الإِنسان الذى تم بينه وبين مالكه عقد الكتابة لا يزال رقيقا حتى يؤدى جميع نجوم كتابته، فإذا أداها كلها صار حرًّا. قال فى الفتح: والمكاتب بالفتح: من تقع له الكتابة. وبالكسر من تقع منه. وكاف الكتابة تكسر وتفتح كعين العتاقة قال الراغب: اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أو بمعنى جمع وضم ومنه كتبت. الخط وعلى الأول تكون من معنى الالتزام وعلى الثانى تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا اهـ والدرهم جزء من اثنى عشر جزءا من الأوقية كما هو فى عرف الناس اليوم. وقد كانت الأوقية فى عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعين درهما.
[البحث]
سند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تقدم الكلام عليه مرارا وذكرت اختلاف أهل العلم فيه، وهذا الحديث قد روى من عدة طرق، لا تخلو طريق منها من مقال، فقد قال الحافظ فى تلخيص الحبير: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: المكاتب قن ما بقى عليه من كتابته درهم. أبو داود والنسائى والحاكم من طرق، ورواه النسائى وابن حبان من وجه آخر من حديث عطاء عن عبد اللَّه
ابن عمرو بن العاص فى حديث طويل، ولفظه: ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد. قال النسائى: هذا حديث منكر وهو عندى خطأ، وقال ابن حزم: عطاء هذا هو الخراسانى ولم يسمع من عبد اللَّه بن عمرو، وقال الشافعى فى حديث عمرو بن شعيب: لا أعلم أحدا روى هذا إلا عمرو بن شعيب، ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته، وعلى هذا فتيا المفتين اهـ.
3 -
وعن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا كان لإِحداكن مكاتَبٌ، وكان عنده ما يؤدى فلتحتجب منه" رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذى.
[المفردات]
لإِحداكن مكاتب: أى لامرأة مسلمة عبد كاتبته على أن يؤدى لها مالا معلوما ليصير حرا.
وكان عنده ما يؤدى: أى وقد وجد عنده مقدار دين الكتابة.
فلتحتجب منه: أى فلتستتر منه ولا تتبذل أمامه.
[البحث]
هذا الحديث عند أبى داود من طريق مسدد عن سفيان عن الزهرى عن نبهان مكاتب أم سلمة قال: سمعت أم سلمة تقول: قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا كان لإِحداكن مكاتب الخ الحديث باللفظ الذى ساقه المصنف، وهو عند الترمذى من طريق سعيد بن
عبد الرحمن المخزومى عن سفيان عن الزهرى عن نبهان عن أم سلمة، وهو عند ابن ماجه من طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عن نبهان عن أم سلمة رضى اللَّه عنها، وقد قال الترمذى عقيب إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع وقالوا: لا يعتق المكاتب وإن كان عنده ما يؤدى حتى يؤدى اهـ وقال السندى: ذكر البيهقى عن الشافعى ما يدل على أن هذا الحديث لا يخلو من ضعف لأن راويه نبهان اهـ هذا ونبهان مكاتب أم سلمة قد وصفه الحافظ فى التقريب بأنه مقبول، وذكر فى تهذيب التهذيب أن ابن حبان ذكره فى الثقات. واللَّه أعلم.
4 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يُودَى المُكاتَبُ بقدر ما عَتَقَ منه دِيةَ الحُرِّ وبقدر ما رَقَّ منه ديةَ العبد" رواه أحمد وأبو داود والنسائى.
[المفردات]
يُودَى المكاتب: أى تُعطى دِيتُهُ.
بقدر ما عتق منه: أى بقدر ما تحرر منه بحسب نجوم الكتابة التى أداها.
دية الحر: أى مثل دية الحر.
وبقدر ما رَقّ منه: أى وبمقدار ما بقى منه فى الرق بحسب ما بقى عليه من نجوم الكتابة.
دية العبد: أى مثل دية الرقيق.
[البحث]
قال أبو داود: (باب فى دية المكاتب) حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا يعلى بن عبيد ثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبى كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: قضى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى دية المكاتب يقتل: يودى ما أدى من مكاتبته دية الحر، وما بقى دية المملوك. حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصاب المكاتب حدا أو ورث ميراثا يرث على قدر ما عتق منه. قال أبو داود: رواه وهيب عن أيوب عن عكرمة عن النبى صلى الله عليه وسلم وجعله إسماعيل قول عكرمة اهـ وقال الحافظ فى الفتح: وروى النسائى عن ابن عباس مرفوعا: "المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى". ورجال إسناده ثقات لكن اختلف فى إرساله ووصله اهـ.
5 -
وعن عمرو بن الحارث أخى جويرية أم المؤمنين رضى اللَّه عنه قال: ما ترك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة. رواه البخارى.
[المفردات]
عمرو بن الحارث: هو عمرو بن الحارث بن أبى ضرار الخزاعى المصطلقى أخو جويرية بنت الحارث أم المؤمنين زوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رضى اللَّه عنهما. وقد سبق قلم الحافظ فى فتح البارى فى أواخر المغازى فقال عمرو بن الحارث وهو المصطلقى أخو ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين اهـ.
ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند موته: أى ما خلف بعده صلى الله عليه وسلم.
درهما ولا دينارا: أى ما ترك شيئا من النقدين.
ولا عبدا ولا أمة: أى ولا رقيقا.
ولا شيئا: أى ولا شاة ولا بعيرا ولا أى شئ مما يتمول.
بغلته البيضاء: كان للنبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين وكان أهداها له فروة بن نُفَاثة. كما كان له بغلة بيضاء أخرى أهداها له ملك أيلة فى غزوة تبوك.
وسلاحه: أى ما يتسلح به فى الحرب من درع وسيف ونحوهما.
وأرضا جعلها صدقة: أى جعل منفعتها للفقراء وأبناء السبيل.
[البحث]
ساق البخارى رحمه الله فى كتاب الوصايا من طريق أبى إسحاق عمرو بن الحارث ختن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخى جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا
ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة. وساقه فى الجهاد فى باب بغلة النبى صلى الله عليه وسلم البيضاء من طريق أبى إسحاق قال: سمعت عمرو بن الحارث قال: ما ترك النبى صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقة. وأورده عقيب المغازى فى باب مرض النبى صلى الله عليه وسلم ووفاته من طريق أبى إسحاق عن عمرو بن الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته البيضاء التى كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة اهـ وقد أخرج من طريق مسروق عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ. وقد ساق المصنف رحمه الله حديث عمرو بن الحارث هنا ليشير إلى أن أم الولد تعتق بموت سيدها بناء على أن مارية أم إبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم توفيت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتكون قد تحررت بموت سيدها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأنها أم ولده، أما إذا كانت مارية ماتت قبل النبى صلى الله عليه وسلم فلا وجه للاستدلال به غير أنه يشعر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد كان يحرص على عتق رقيقه وتحريرهم فجميع ما ذكر من رقيق النبى صلى الله عليه وسلم إما أن يكون قد مات قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد حرره.
[ما يفيده الحديث]
1 -
أن أم الولد تعتق بموت سيدها.
2 -
الحرص على تحرير الأرقاء.
6 -
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيما أمة ولدت من سيدها فهى حرة بعد موته" أخرجه ابن ماجه والحاكم بإسناد ضعيف ورجح جماعة وقفه على عمر.
[المفردات]
أمَة: أى مملوكة.
ولدت من سيدها: أى وطئها سيدها بملك يمينه فأنجبت له وهى تسمى أم ولد فهى حرة بعد موته: أى فإنها تعتق بموت سيدها.
[البحث]
سبب ضعف هذا الحديث أنه من رواية حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه ابن عباس عن عكرمة عن ابن عباس، والحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس تركه ابن المدينى وغيره وضعفه أبو حاتم وغيره وقال البخارى: إنه كان يتهم بالزندقة. وقد تقدم فى بحث الحديث الحادى عشر من أحاديث كتاب البيوع ما أفتى به عمر رضى اللَّه عنه ووافقه على ذلك علىٌّ وسائر الصحابة رضى اللَّه عنهم من منع بيع أمهات الأولاد. وتقدم مزيد بحث لهذا هناك.
7 -
وعن سهل بن حنيف رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان مجاهدا فى سبيل اللَّه، أو غارما فى عُسْرَتِه، أو مُكاتَبَا فى رقبته أظَلَّهُ اللَّه يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه" رواه أحمد وصححه الحاكم.
[المفردات]
الغارم: هو الذى يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه.
فى رقبته: أى فى تحرير رقبته.
[البحث]
قد حض اللَّه تبارك وتعالى فى محكم كتابه على اعانة المكاتب فى دين كتابته حيث يقول: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وهو يشمل الحط عنهم من دين الكتابة كما يشمل ما يدفع لهم من مال الزكاة، واللَّه اعلم.