الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع الوفود والبعوث]
المبحث الرابع
الوفود والبعوث مما لا شكّ فيه أن وسيلتي السرايا والغزوات والكتب والرسائل كان لهما دور بارز في الدفاع عن الدعوة، وإلزام الناس بالانقياد لها، وتبليغ الدعوة إلى الآفاق، فكانت نتيجة ذلك أن جاءت الوفود تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام قال سبحانه:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3](1) فاتخذ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الوفود وسيلة تعليمية حيث بعثهم لتعليم أقوامهم، وتبليغهم أحكام الدين، كما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة من فقهاء أصحابه للقيام بهذه المهمة، وفيما يلي بعض التفصيل حول وسيلة الوفود والبعوث.
أولًا: الوفود: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله توقّف غالب العرب عن اتباعه، وقالوا: ننظر ما يصنع قومه، فلما فتح صلى الله عليه وسلم مكة، وأسلمت قريش، تبعتهم العرب (2) يقول ابن إسحاق:" لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه "(3) فعرف هذا العام - وهو العام التاسع من الهجرة - بعام الوفود، لكثرة من وفد إلى
(1) سورة النصر.
(2)
انظر: ابن حجر، فتح الباري 7 / 216.
(3)
ابن كثير، السيرة النبوية 4 / 76.
النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من كمال حكمته صلى الله عليه وسلم أن أحسن استقبال تلك الوفود، وتلطف في دعوتهم، وعلمهم أمور دينهم، ثم كلفهم دعوة من وراءهم، فكانوا وسيلته صلى الله عليه وسلم في تبليغ أقوامهم.
فقد كلف صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس حفظ ما علمهم به من أمور الدين، وإخبار من ورائهم، فقال:«احفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم» (1) وقوله: «من وراءكم» يشمل من جاءوا من عندهم باعتبار المكان، ويشمل أولادهم وأحفادهم باعتبار الزمان (2) وكانت وفادة هذا الوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية سنة الوفود (3) .
وقد أورد البخاري قصة وفد بني تميم وقدوم الأشعريين وأهل اليمن، وقصة وفد طيء، وحديث عدي بن حاتم، وكل هؤلاء وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الوفود (4) فأحسن استقبالهم، وعلّمهم، وبعثهم دعاة إلى أقوامهم وقد فصّلت كتب السير في الوفود الذين وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم وكيف اتّخذ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الوفود وسيلة بلاغية تعليمية.
مما يدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري عن مالك بن الحويرث قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان
(1) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان (ك 2 ح 53) 1 29.
(2)
انظر: ابن حجر، فتح الباري 1 / 183.
(3)
انظر: ابن حجر (المرجع السابق) 8 / 417.
(4)
انظر: ابن حجر، (المرجع السابق) 8 / 432.
رحيمًا رفيقًا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» . ففي هذا الحديث دلالة صريحة على اتخاذه صلى الله عليه وسلم هؤلاء الوفد وسيلة تعليمية حيث كلفهم بتعليم أهاليهم فقال:«فكونوا فيهم وعلموهم» .
ثانيا: البعوث: بعث صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة عددًا من فقهاء أصحابه إلى شتى الجهات، وخاصة جنوب الجزيرة، للقيام بمهمة تعليم الناس أمور دينهم، حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى معلمين ودعاة (1) من هؤلاء الدعاة أبو عبيدة بن الجراح، فقد بعثه صلى الله عليه وسلم مع وفد أهل نجران كما روى ذلك البخاري، عن حذيفة رضي الله عنه قال:«جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ابعث لنا رجلًا أمينًا، فقال: " لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين " فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح» (2) فبعثه صلى الله عليه وسلم مبلِّغًا ومعلمًا، يقول ابن حجر " وفيه بعث الإمام الرجل الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام "(3) .
وروى البخاري أيضا، عن أبي بردة قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال:
(1) انظر: د. محمد سعيد البوطي، فقه السيرة النبوية، ص 471.
(2)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران (ك 67 ح 4119) 4 / 1592.
(3)
ابن حجر، فتح الباري 8 / 429.
واليمن مخلافان، ثم قال: يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» . . . " الحديث (1) فكانت مهمة كل واحد منهما تعليمية قضائية، وكذلك كانت مهمة معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن الدعوة والتعليم، فقد أوصاه صلى الله عليه وسلم بقوله:«إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم أن يوحدوا الله تعالى. . . .» (2) فكانت وصيته صلى الله عليه وسلم أن يبدأهم بالدعوة إلى الإسلام فإن أسلموا علّمهم الإسلام، واقتصرت بعثته على التعليم والهداية (3) .
فدلّت هذه النصوص على أنه صلى الله عليه وسلم اختار طائفة من فقهاء صحابته، وبعثهم ليكونوا وسيلة دعوية تقوم بمهمة تعليم الناس أمور دينهم (4) .
والذي ينبغي معرفته أن السفر وبعث البعوث للقيام بمهمة الدعوة إلى الله هي مسؤولية المسلمين في كل عصر، وهي إحدى الوسائل المساعدة على القيام بهذا الواجب العظيم (5) .
(1) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع (ك 67 ح 4186) ، 4 / 1578.
(2)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى (ك100 ص6937) ، 6 / 2685.
(3)
انظر: الشيخ محمد أبو زهرة، خاتم النبيين 2 / 1405.
(4)
انظر: أبو زهرة، (المرجع السابق) 2 / 1405.
(5)
انظر: د. محمد سعيد البوطي، فقه السيرة النبوية، ص 473.