الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التعريف بمصطلحات البحث]
التعريف بمصطلحات البحث: (ا) التدرج:
التدرج لغة:
بالنظر في معاجم اللغة العربية نجد الكلمات:
دَرَجَ - درَّج - تدرَّج - استدرج - الدراجة.
ومعنى ذلك أن اللفظ جاء فعلًا مجردًا، ومزيدًا بالتضعيف، وبه وبالتاء، وجاء اسمًا، ومع الاختلاف اليسير في معاني الكلمات، إلا أنها تدل على المشي والحركة الهينة، والصعود في المراتب.
فقد جاءت كلمة (درج) بمعنى المشي والمضي فيه. ففي معجم مقاييس اللغة:
(دَرَجَ) الدال والراء والجيم أصل واحد يدل على مضي الشيء، والمضي في الشيء، من ذلك قولهم: درج الشيء، إذا مضى لسبيله (1) .
وفي الصحاح:
يُقال: درج الرجل ويدرج دروجًا ودرجانًا أي مشى (2) .
وجاء في المعجم الوسيط:
درج الصبي: أخذ في الحركة، ومشى قليلًا أوّل ما يمشي، ودرَجت
(1) أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، 2 / 275.
(2)
إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح، 16 / 313.
الريح: مرت مرًّا هينًا (1) .
وأما درَّج بتشديد الراء فمعناها التأنِّي في تناول الشيء أو بلوغه، ففي لسان العرب: يقال: درَّجت العليل تدريجًا، إذا أطعمته شيئًا قليلًا، وذلك إذا نقِه، حتى يتدرج إلى غاية أكله، كما كان قبل العلة درجةً درجةً (2) .
ودرَّج فلانًا إلى الشيء: أدناه منه قليلًا قليلًا وعوّده إياه.
ودرَّج الطعام ودرَّج الأمر فلانًا: حملاه على التدرج فيهما (3) .
ويُقال: (درَّجه) : جعله درجات.
وأما (تدرَّج) فهو مطاوع درَّجه.
في اللسان: درَّجه إلى كذا واستدرجه بمعنى، أي أدناه منه على التدريج، فتدرّج هو (4) .
فإذا خرجنا من دائرة الفعل، واتجهنا إلى الاسم وجدنا:
الدرَّاجة: بالفتح وهي التي يدرَّج عليها الصبي إذا مشى، حكاه أبو النصر (5) .
ودَرَجُ البناء ودُرَّجه، بالتثقيل، أي تشديد الراء، وهي المراتب بعضها
(1) د. إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 1 / 277.
(2)
ابن منظور، لسان العرب، 1 / 963.
(3)
د. إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 1 / 277.
(4)
ابن منظور، لسان العرب، 1 / 964.
(5)
الجوهري، الصحاح، 1 / 314.
فوق بعض. والدَّرَجة: المرقاة، والدرجة واحدة الدرجات، وهي الطبقات من المراتب، ودرجات الجنة منازل أرفع من منازل (1) .
وفي القرآن الكريم: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران: 163](2) وقال تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95](3) .
ومما تقدَّم تتضح لنا العلاقة جلية بين الفعل والاسم، لأن الدراجة يدرج عليها الصبي، وصعود البناء يحتاج إلى درجة، ومراتب بعضها فوق بعض، وكذلك درجات الجنة، منازل بعضها فوق بعض.
وكلمة " التدرّج " التي نحن بصدد بحثها تشتمل على المعاني السابقة التي ذكرناها في الفعل والاسم.
التدرج في الاصطلاح:
من خلال معاني التدرج في اللغة يمكن الوصول إلى تعريف للتدرج هو: " التقدم بالمدعو شيئًا فشيئًا للبلوغ به إلى غاية ما طلب منه وَفْقَ طرق مشروعة مخصوصة ".
(1) ابن منظور، لسان العرب، 1 / 962.
(2)
سورة آل عمران، الآية:163.
(3)
سورة النساء، الآية:95.
(ب) الدعوة:
الدعوة لغة:
تأتي الدعوة في اللغة لمعانٍ عدة:
منها: إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، والدعوة إلى الطعام، والنداء، والحث على قصد الشيء.
ومن الدعوة جاء اشتقاق الداعية وهو: الذي يدعو إلى دين أو فكرة، والهاء للمبالغة (1) .
والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع (2) .
قال تعالى مخبرا عن الجن الذين استمعوا القرآن:
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: 31](3) .
والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الله تعالى، وكذلك المؤذن (4) .
قال تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46](5) .
وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108](6) .
(1) إخراج إبراهيم أنيس وآخرين، المعجم الوسيط، 1 / 286.
(2)
ابن منظور لسان العرب، 1 / 987.
(3)
سورة الأحقاف، الآية:31.
(4)
ابن منظور، لسان العرب، 1 / 987.
(5)
سورة الأحزاب، الآية:46.
(6)
سورة يوسف، الآية:108.
وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1) .
ونخلص من هذا بأن للدعوة في اللغة معاني عديدة، منها إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، والدعوة إلى الطعام، والنداء والحثّ على قصد الشيء - كما سبق أن ذكرنا - وهناك معان أخرى، منها التمني، والطلب، والزعم. . .
والذي يعنينا من هذه المعاني اللغوية هو الحثّ لأن الداعية يحثّ المدعوين على الفكرة التي يريدها، والدِّين الذي يدعو إليه.
الدعوة في الاصطلاح:
كلمة الدعوة في الاصطلاح تطلق ويُقصد بها معنيان:
1 -
الإسلام. 2 - نشر الإسلام بين الناس. والذي يهمنا في بحثنا هذا هو المعنى الثاني.
وقد عرّف الدعوة بهذا التعريف كثير من الكتّاب والدعاة المعاصرين نقتصر منها على التعاريف التالية:
(ا) عرَّفها الأستاذ أبو المجد نوفل بقوله: " إن الدعوة هي قيام من
(1) سورة النحل، الآية:125.
عنده أهلية النصح والتوجيه السديد من المسلمين في كل زمان ومكان بترغيب الناس في الإسلام اعتقادًا ومنهجًا، وتحذيرهم من غيره بطرق مخصوصة " (1) .
(ب) وعرَّفها آخر بقوله: " إن الدعوة إلى الله هي قيام من له أهلية بدعوة الناس جميعًا في كل زمان ومكان لاقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، والتأسِّي به قولًا وعملًا وسلوكًا "(2) .
(جـ) وعرفها آخر بقوله: الدعوة هي: " الحث على فعل الخير واجتناب الشر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحبيب بالفضيلة، والتنفير عن الرذيلة، واتِّباع الحق ونبذ الباطل "(3) .
ولعل أقرب هذه التعريفات إلى الصواب هو تعريف الدكتور أبو المجد نوفل، وهو التعريف الأول من تعريفات المعنى الثاني للدعوة.
(جـ) الموضوع:
عرف يوسف خياط الموضوع بقوله: " موضوع كل علم ما يبحث فيه عوارضه الذاتية، كبدن الإنسان لعلم الطب، فإنَّه يبحث فيه عن أحواله من حيث الصحة والمرض، وكالكلمات لعلم النحو، فإنَّه يبحث فيه عن أحوالها
(1) أبو المجد نوفل، الدعوة إلى الله، خصائصها، مقوماتها، مناهجها، ص18.
(2)
محمد سيدي الحبيب، الدعوة إلى الله في سورة إبراهيم الخليل، ص 27.
(3)
الشيخ محمد نمر الخطيب، مرشد الدعاة، ص 24.
من حيث الإعراب والبناء " يوسف خياط، (1) .
وفي المعجم الوسيط: الموضوع: هو المادّة التي يبني عليها المتكلم أو الكاتب كلامه (2) .
وموضوع الدعوة الإسلامية بحسب حال المدعو فإن كان المدعو مسلمًا فموضوع دعوته بحسب حاله، وهو لا يخرج عن دعوته إلى التمسك بطاعة الله ورسوله والعمل بالكتاب والسنة (3) .
وإن كان المدعو غير مسلم فموضوع دعوته الإسلام توحيدًا وشريعة (4) .
ونقصد بموضوع الدعوة هنا موضوع دعوته صلى الله عليه وسلم منذ بعثه الله إلى أن صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها وهو محصور في التوحيد والشريعة وهو شامل للمسلمين وغير المسلمين.
(د) الوسيلة والأسلوب والفرق بينهما: 1 - الوسيلة في اللغة:
(وسل) فلان إلى الله بالعمل (يسل) وسلًا: رغب وتقرّب (5) .
والوسيلة القربة، والواسل الراغب إلى الله، وتوسل إليه بكذا: تقرب إليه
(1) معجم المصطلحات العلمية والفنية، ص 724.
(2)
إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 2 / 1040.
(3)
انظر د. توفيق الواعي، الدعوة إلى الله، ص 81.
(4)
انظر مسفر البواردي، أسس الدعوة في سورة إبراهيم عليه السلام، ص 55.
(5)
إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، 2 / 1032.
بحرمة آصرة تعطفه عليه (1) .
والوسيلة ما يتقرب به إلى الغير، والجمع وسائل (2) قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35](3) .
يقول ابن كثير: الوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ابن كثير، (4) .
ويقول الفخر الرازي: الوسيلة هي التوصل إلى تحصيل المقصود (5) .
وفي المفردات: الوسيلة هي التوصل إلى الشيء برغبة (6) .
ويقول ابن الأثير في النهاية: الوسيلة هي ما يتوصل به إلى الشيء، ويتقرب به، وجمعها وسائل (7) .
2 -
الوسيلة في الاصطلاح:
للوسيلة في الاصطلاح تعاريف نكتفي منها بالآتي:
(ا) الوسيلة: هي كل ما يتم به تبليغ الأساليب وحملها إلى المدعو (8) .
(1) ابن منظور، لسان العرب، 2 / 927.
(2)
الجوهري، الصحاح، 5 / 1841.
(3)
سورة المائدة، الآية:35.
(4)
تفسير القرآن الكريم، 2 / 53.
(5)
الإمام الفخر الرازي، التفسير الكبير، 6 / 220.
(6)
الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص 523.
(7)
ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، 5 / 185.
(8)
د. عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة، ص 429.
(ب) الوسيلة: هي الطريقة التي يصل بها الأسلوب إلى المدعو (1) .
(جـ) الوسيلة في الدعوة أو الاتصال الدعوي هي: القناة الموصلة للغاية، أو الأداة المستخدمة في نقل المعاني والأفكار للناس (2) .
من مجموع تعاريف الوسيلة في اللغة والاصطلاح أستطيع القول بأن الوسيلة هي: الأداة المستخدمة في إيصال المعاني ونقل الأفكار من الداعي إلى المدعو.
3 -
الأسلوب في اللغة:
الأسلوب: الطريق، والوجه، والمذهب، يُقال: أنتم في أسلوب سوء، ويجمع أساليب، والأسلوب الطريق تأخذ فيه.
والأسلوب بالضم الفن، يُقال: أخذ فلان في أساليب القول، أي أفانين منه (3) .
وفي المعجم الوسيط:
الأسلوب: الطريق، ويُقال: سلكت أسلوب فلان في كذا: طريقته ومذهبه، وطريقة الكاتب في كتابته (4) .
4 -
الأسلوب في الاصطلاح:
للأسلوب في الاصطلاح تعاريف عديدة، نكتفي بذكر ثلاثة منها:
(1) د. أبو المجد السيد نوفل، الدعوة إلى الله، ص 189.
(2)
د. سيد محمد ساداتي الشنقيطي، ركائز الإعلام في دعوة إبراهيم عليه السلام، ص 29.
(3)
ابن منظور، لسان العرب، مادة سلب، 2 / 178.
(4)
إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، مادة سلب، 1 / 440.
(ا) الأسلوب: هو طريقة الإنشاء أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير (1) .
(ب) الأسلوب: هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه، واختيار مفرداته (2) .
(جـ) الأسلوب: عرض ما يراد عرضه من معان وأفكار وقضايا في عبارات وجمل مختارة، لتناسب فكر المخاطبين وأحوالهم، وما يجب لكل مقام من المقال (3) .
من معاني الأسلوب في اللغة وتعريفاته في الاصطلاح أصل إلى تعريف للأسلوب فأقول: الأسلوب هو: فن العرض والتأثير والإقناع.
5 -
الفرق بين الوسيلة والأسلوب:
تبين لنا مما سبق أن الوسيلة هي: الأداة المستخدمة في إيصال المعاني، ونقل الأفكار من الداعي إلى المدعو.
أما الأسلوب فهو: فن العرض والتأثير والإقناع، والفرق بينهما أن الوسيلة أعم من الأسلوب إذ إنها هي الأداة التي تنقل الأسلوب وتوصله للناس.
(هـ) المدعو: يُقصد بالمدعو إذا أطلق كل مكلف بالعبودية
(1) أحمد الشايب، الأسلوب (دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية) ص 44.
(2)
د. فهد بن عبد الرحمن الرومي، خصائص القرآن الكريم، ص 18.
(3)
د. أحمد محمد أبا بطين، المرأة المسلمة المعاصرة، ص 523.
والدينونة لله تعالى، وهم الثقلان (1) قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](2) .
ولكن في بحثي هذا أعني بالمدعو هو كل من اتّصل به النبي صلى الله عليه وسلم من بني آدم، ودعاه إلى الله تعالى.
والمدعو أصناف، فمنهم المشرك بالله تعالى، فيحتاج إلى جهد كبير، وأسلوب مناسب، ووسيلة مناسبة، ليتم إقناعه بالإسلام، ومنهم المؤمن، لكن إيمانه فيه ضعف، وللنفس والشيطان عليه سبيل، فهو يحتاج إلى جهد مضاعف، لكنه أقلّ من الجهد مع الصنف الأول، ومنهم الزعيم المغرور بزعامته، فهو بحاجة إلى أسلوب معين فيه لطف وليونة (3) قال تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44](4) .
أنواع التدرج: من أبرز أنواع التدرج في بعثته صلى الله عليه وسلم نوعان هما:
(ا) التدرج في التشريع:
اقتضت حكمة الباري تعالى أن يتدرج في التشريع شيئًا فشيئًا، من أجل ذلك نزل القرآن منجمًا، قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106](5)
(1) مسفر بن عبد الله البواردي، أسس الدعوة في سورة إبراهيم عليه السلام، ص 44.
(2)
سورة الذاريات، الآية:56.
(3)
انظر: مسفر البواردي ص 44.
(4)
سورة طه، الآية:44.
(5)
سورة الإسراء، الآية:106.
أي أنزلناه شيئًا بعد شيء، ونجمًا بعد نجم، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا (1) .
يقول الفخر الرازي: " لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة على الخلق، فكان يثقل عليهم ذلك، أما لو نزل مفرقًا منجمًا، لا جرم نزلت التكاليف قليلًا قليلًا فكان تحملها أسهل "(2) .
ومن أول من أشار إلى الحكمة من التدرج في التشريع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث تقول: ". . . إنما نزل أوَّل ما نزل منه - أي القرآن - سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا. . . . "(3) . وقد بيَّن ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث الحكمة من هذا التدرُّج فقال: " أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب النزول، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة، وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت: " ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها " وذلك لما طبعت عليه
(1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 340.
(2)
الفخر الرازي، التفسير الكبير، 24 / 79.
(3)
البخاري، صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن، (ك 69، ح 4707) 4 / 1910.
النفوس من النفرة عن ترك المألوف (1) .
لقد أدرك العلماء سر التدرج في التشريع، ولاحظوا أنه أدعى إلى قبول الناس للأحكام بخلاف ما لو نزل التشريع دفعة واحدة، فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لنزول الفرائض والنواهي جملة واحدة، يثقل على النفس حملها (2) .
(ب) التدرج في الدعوة:
نقصد بالتدرج في الدعوة تدرجه صلى الله عليه وسلم في تبليغ الإسلام والدعوة إليه، تدرجه في الدعوة إلى الموضوع توحيدًا وشريعة، وتدرجه في اتخاذ الوسائل المناسبة لعمل دعوته صلى الله عليه وسلم، ونقلها إلى الناس، وتدرجه في اتخاذ الأساليب المناسبة في الدعوة، وكذلك تدرجه صلى الله عليه وسلم مع المدعوين، وهذا النوع من التدرج هو موضوع بحثنا وسأتناوله بشيء من التفصيل في صلب هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.
(1) ابن حجر، فتح الباري 10 / 48.
(2)
انظر: د. صبحي الصالح، معالم الشريعة الإسلامية ص 136.